الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { اُشْدُدْ به أَزْري } يَقُول تَعَالَى ذكْره مُخْبرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ سَأَلَ رَبّه أَنْ يُشْددَ أَزْره بأَخيه هَارُون . وَإنَّمَا يَعْني بقَوْله : { اُشْدُدْ به أَزْري } قَوّ ظَهْري , وَأَعنّي به . يُقَال منْهُ : قَدْ أَزَرَ فُلَان فُلَانًا : إذَا أَعَانَهُ وَشَدَّ ظَهْره . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18175 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { اُشْدُدْ به أَزْري } يَقُول : اُشْدُدْ به ظَهْري . 18176 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { اُشْدُدْ به أَزْري } يَقُول : اُشْدُدْ به أَمْري , وَقَوّني به , فَإنَّ لي به قُوَّة .
وَقَوْله : { وَأُشْركهُ في أَمْري } يَقُول : وَاجْعَلْهُ نَبيًّا مثْل مَا جَعَلَتْني نَبيًّا , وَأَرْسلْهُ مَعي إلَى فرْعَوْن . وَذُكرَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبي إسْحَاق أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " أَشْدُدْ به أَزْري " بفَتْح الْأَلف منْ أَشْدُدْ " وَأُشْركهُ في أَمْري " بضَمّ الْأَلف منْ أُشْركهُ , بمَعْنَى الْخَبَر منْ مُوسَى عَنْ نَفْسه , أَنَّهُ يَفْعَل ذَلكَ , لَا عَلَى وَجْه الدُّعَاء . وَإذَا قُرئَ ذَلكَ كَذَلكَ جَزَمَ أَشْدُدْ وَأُشْرك عَلَى الْجَزَاء , أَوْ جَوَاب الدُّعَاء , وَذَلكَ قرَاءَة لَا أَرَى الْقرَاءَة بهَا , وَإنْ كَانَ لَهَا وَجْه مَفْهُوم , لخلَافهَا قرَاءَة الْحُجَّة الَّتي لَا يَجُوز خلَافهَا .
{ كَيْ نُسَبّحك كَثيرًا } يَقُول : كَيْ نُعَظّمك بالتَّسْبيح لَك كَثيرًا .
{ وَنَذْكُرك كَثيرًا } فَنَحْمَدك .
{ إنَّك كُنْت بنَا بَصيرًا } يَقُول : إنَّك كُنْت ذَا بَصَر بنَا لَا يَخْفَى عَلَيْك منْ أَفْعَالنَا شَيْء .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ قَدْ أُوتيت سُؤْلك يَا مُوسَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ اللَّه لمُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : قَدْ أُعْطيت مَا سَأَلْت يَا مُوسَى رَبّك منْ شَرْحه صَدْرك وَتَيْسيره لَك أَمْرك , وَحَلّ عُقْدَة لسَانك , وَتَصْيير أَخيك هَارُون وَزيرًا لَك , وَشَدّ أَزْرك به , وَإشْرَاكه في الرّسَالَة مَعَك .
{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْك مَرَّة أُخْرَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ تَطَوَّلْنَا عَلَيْك يَا مُوسَى قَبْل هَذه الْمَرَّة مَرَّة أُخْرَى , وَذَلكَ حين أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك , إذْ وَلَدَتْك في الْعَام الَّذي كَانَ فرْعَوْن يَقْتُل كُلّ مَوْلُود ذَكَر منْ قَوْمك مَا أَوْحَيْنَا إلَيْهَا ; ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى ذكْرُهُ مَا أَوْحَى إلَى أُمّه , فَقَالَ : هُوَ أَنْ اقْذفيه في التَّابُوت ; فَأَنْ في مَوْضع نَصْب رَدًّا عَلَى " مَا " الَّتي في قَوْله : { مَا يُوحَى } , وَتَرْجَمَة عَنْهَا .
يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ تَطَوَّلْنَا عَلَيْك يَا مُوسَى قَبْل هَذه الْمَرَّة مَرَّة أُخْرَى , وَذَلكَ حين أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك , إذْ وَلَدَتْك في الْعَام الَّذي كَانَ فرْعَوْن يَقْتُل كُلّ مَوْلُود ذَكَر منْ قَوْمك مَا أَوْحَيْنَا إلَيْهَا ; ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى ذكْره مَا أَوْحَى إلَى أُمّه , فَقَالَ : هُوَ أَنْ اقْذفيه في التَّابُوت ; فَأَنْ في مَوْضع نَصْب رَدًّا عَلَى " مَا " الَّتي في قَوْله : { مَا يُوحَى } , وَتَرْجَمَة عَنْهَا .
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ اقْذفيه في التَّابُوت فَاقْذفيه في الْيَمّ فَلْيُلْقه الْيَمّ بالسَّاحل } يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْك يَا مُوسَى مَرَّة أُخْرَى حين أَوْحَيْنَا إلَى أُمّك , أَنْ اقْذفي ابْنك مُوسَى حين وَلَدَتْك في التَّابُوت { فَاقْذفيه في الْيَمّ } يَعْني بالْيَمّ : النّيل { فَلْيُلْقه الْيَمّ بالسَّاحل } يَقُول : فَاقْذفيه في الْيَمّ , يُلْقه الْيَمّ بالسَّاحل , وَهُوَ جَزَاء أُخْرجَ مَخْرَج الْأَمْر , كَأَنَّ الْيَمّ هُوَ الْمَأْمُور , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اتَّبعُوا سَبيلنَا وَلْنَحْملْ خَطَايَاكُمْ } 29 12 يَعْني : اتَّبعُوا سَبيلنَا نَحْمل عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ , فَفَعَلَتْ ذَلكَ أُمّه به فَأَلْقَاهُ الْيَمّ بمَشْرَعَة آل فرْعَوْن , كَمَا : 18177 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا وَلَدَتْ مُوسَى أُمّه أَرْضَعَتْهُ , حَتَّى إذَا أَمَرَ فرْعَوْن بقَتْل الْولْدَان منْ سَنَته تلْكَ عَمَدَتْ إلَيْه , فَصَنَعَتْ به مَا أَمَرَهَا اللَّه تَعَالَى , جَعَلَتْهُ في تَابُوت صَغير , وَمَهَّدَتْ لَهُ فيه , ثُمَّ عَمَدَتْ إلَى النّيل فَقَذَفَتْهُ فيه , وَأَصْبَحَ فرْعَوْن في مَجْلس لَهُ كَانَ يَجْلسهُ عَلَى شَفير النّيل كُلّ غَدَاة , فَبَيْنَا هُوَ جَالس , إذْ مَرَّ النّيل بالتَّابُوت فَقَذَفَ به وَآسيَة ابْنَة مُزَاحم امْرَأَته جَالسَة إلَى جَنْبه , فَقَالَ : إنَّ هَذَا لَشَيْء في الْبَحْر , فَأْتُوني به , فَخَرَجَ إلَيْه أَعْوَانه حَتَّى جَاءُوا به , فَفَتَحَ التَّابُوت فَإذَا فيه صَبيّ في مَهْده , فَأَلْقَى اللَّه عَلَيْه مَحَبَّته , وَعَطَفَ عَلَيْه نَفْسه . 18178 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , في قَوْله : { فَاقْذفيه في الْيَمّ } وَهُوَ الْبَحْر , وَهُوَ النّيل .
وَعُنيَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بقَوْله : { يَأْخُذهُ عَدُوّ لي وَعَدُوّ لَهُ } فرْعَوْن هُوَ الْعَدُوّ , كَانَ للَّه وَلمُوسَى .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في مَعْنَى الْمَحَبَّة الَّتي قَالَ اللَّه جَلَّ , ثَنَاؤُهُ { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بذَلكَ أَنَّهُ حَبَّبَهُ إلَى عبَاده . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18179 - حَدَّثَني الْحُسَيْن بْن عَليّ الصُّدَائيّ وَالْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدَّوْريّ , قَالَا : ثنا حُسَيْن الْجُعْفيّ عَنْ مُوسَى بْن قَبَس الْحَضْرَميّ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , في قَوْل اللَّه : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } قَالَ عَبَّاس : حَبَّبْتُك إلَى عبَادي ; وَقَالَ الصُّدَائيّ : حَبَّبْتُك إلَى خَلْقي . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : أَيْ حَسَّنْت خَلْقك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18180 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني إبْرَاهيم بْن مَهْديّ , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عكْرمَة , قَوْله : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } قَالَ : حُسْنًا وَمَلَاحَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه أَلْقَى مَحَبَّته عَلَى مُوسَى , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } فَحَبَّبَهُ إلَى آسيَة امْرَأَة فرْعَوْن , حَتَّى تَبَنَّتْهُ وَغَذَّتْهُ وَرَبَّتْهُ , وَإلَى فرْعَوْن , حَتَّى كَفَّ عَنْهُ عَاديَته وَشَرّه . وَقَدْ قيلَ : إنَّمَا قيلَ : وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي , لأَنَّهُ حَبَّبَهُ إلَى كُلّ مَنْ رَآهُ . وَمَعْنَى { أَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } حَبَّبْتُك إلَيْهمْ ; يَقُول الرَّجُل لآخَر إذَا أَحَبَّهُ : أَلْقَيْت عَلَيْك رَحْمَتي : أَيْ مَحَبَّتي .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَلتُغَذَّى وَتُرَبَّى عَلَى مَحَبَّتي وَإرَادَتي . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18181 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : هُوَ غذَاؤُهُ , وَلتُغَذَّى عَلَى عَيْني . 18182 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : جَعَلَهُ في بَيْت الْمُلْك يَنْعَم وَيُتْرَف غذَاؤُهُ عنْدهمْ غذَاء الْمُلْك , فَتلْكَ الصَّنْعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : وَأَنْتَ بعَيْني في أَحْوَالك كُلّهَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18183 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : أَنْتَ بعَيْني إذْ جَعَلَتْك أُمّك في التَّابُوت , ثُمَّ في الْبَحْر , و { إذْ تَمْشي أُخْتك } . وَقَرَأَ ابْن نُهَيْك : " وَلتَصْنَع " بفَتْح التَّاء . وَتَأَوَّلَهُ كَمَا : 18184 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمن , قَالَ : سَمعْت أَبَا نُهَيْك يَقْرَأ " وَلتَصْنَع عَلَى عَيْني " فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلكَ , فَقَالَ : وَلتَعْمَل عَلَى عَيْني . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقرَاءَة الَّتي لَا أَسْتَجيزُ الْقرَاءَة بغَيْرهَا { وَلتُصْنَع } بضَمّ التَّاء , لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَأَوْلَى التَّأْويلَيْن به , التَّأْويل الَّذي تَأَوَّلَهُ قَتَادَة , وَهُوَ : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } وَلتُغَذَّى عَلَى عَيْني , أَلْقَيْت عَلَيْك الْمَحَبَّة منّي . وَعُنيَ بقَوْله : { عَلَى عَيْني } بمَرْأَى منّي وَمَحَبَّة وَإرَادَة .
وَعُنيَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بقَوْله : { يَأْخُذهُ عَدُوّ لي وَعَدُوّ لَهُ } فرْعَوْن هُوَ الْعَدُوّ , كَانَ للَّه وَلمُوسَى .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في مَعْنَى الْمَحَبَّة الَّتي قَالَ اللَّه جَلَّ , ثَنَاؤُهُ { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بذَلكَ أَنَّهُ حَبَّبَهُ إلَى عبَاده . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18179 - حَدَّثَني الْحُسَيْن بْن عَليّ الصُّدَائيّ وَالْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدَّوْريّ , قَالَا : ثنا حُسَيْن الْجُعْفيّ عَنْ مُوسَى بْن قَبَس الْحَضْرَميّ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , في قَوْل اللَّه : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } قَالَ عَبَّاس : حَبَّبْتُك إلَى عبَادي ; وَقَالَ الصُّدَائيّ : حَبَّبْتُك إلَى خَلْقي . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : أَيْ حَسَّنْت خَلْقك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18180 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني إبْرَاهيم بْن مَهْديّ , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عكْرمَة , قَوْله : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } قَالَ : حُسْنًا وَمَلَاحَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذي هُوَ أَوْلَى بالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه أَلْقَى مَحَبَّته عَلَى مُوسَى , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } فَحَبَّبَهُ إلَى آسيَة امْرَأَة فرْعَوْن , حَتَّى تَبَنَّتْهُ وَغَذَّتْهُ وَرَبَّتْهُ , وَإلَى فرْعَوْن , حَتَّى كَفَّ عَنْهُ عَاديَته وَشَرّه . وَقَدْ قيلَ : إنَّمَا قيلَ : وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي , لأَنَّهُ حَبَّبَهُ إلَى كُلّ مَنْ رَآهُ . وَمَعْنَى { أَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } حَبَّبْتُك إلَيْهمْ ; يَقُول الرَّجُل لآخَر إذَا أَحَبَّهُ : أَلْقَيْت عَلَيْك رَحْمَتي : أَيْ مَحَبَّتي .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَلتُغَذَّى وَتُرَبَّى عَلَى مَحَبَّتي وَإرَادَتي . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18181 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : هُوَ غذَاؤُهُ , وَلتُغَذَّى عَلَى عَيْني . 18182 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : جَعَلَهُ في بَيْت الْمُلْك يَنْعَم وَيُتْرَف غذَاؤُهُ عنْدهمْ غذَاء الْمُلْك , فَتلْكَ الصَّنْعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : وَأَنْتَ بعَيْني في أَحْوَالك كُلّهَا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18183 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج { وَلتُصْنَع عَلَى عَيْني } قَالَ : أَنْتَ بعَيْني إذْ جَعَلَتْك أُمّك في التَّابُوت , ثُمَّ في الْبَحْر , و { إذْ تَمْشي أُخْتك } . وَقَرَأَ ابْن نُهَيْك : " وَلتَصْنَع " بفَتْح التَّاء . وَتَأَوَّلَهُ كَمَا : 18184 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمن , قَالَ : سَمعْت أَبَا نُهَيْك يَقْرَأ " وَلتَصْنَع عَلَى عَيْني " فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلكَ , فَقَالَ : وَلتَعْمَل عَلَى عَيْني . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقرَاءَة الَّتي لَا أَسْتَجيزُ الْقرَاءَة بغَيْرهَا { وَلتُصْنَع } بضَمّ التَّاء , لإجْمَاع الْحُجَّة منْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَأَوْلَى التَّأْويلَيْن به , التَّأْويل الَّذي تَأَوَّلَهُ قَتَادَة , وَهُوَ : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّة منّي } وَلتُغَذَّى عَلَى عَيْني , أَلْقَيْت عَلَيْك الْمَحَبَّة منّي . وَعُنيَ بقَوْله : { عَلَى عَيْني } بمَرْأَى منّي وَمَحَبَّة وَإرَادَة .
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ↓
وَقَوْله : { إذْ تَمْشي أُخْتك فَتَقُول هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ } يَقُول تَعَالَى ذكْره : حين تَمْشي أُخْتك تَتَّبعك حَتَّى وَجَدْتُك , ثُمَّ تَأْتي مَنْ يَطْلُب الْمَرَاضع لَك , فَتَقُول : هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ ؟ وَحُذفَ منْ الْكَلَام مَا ذَكَرْت بَعْد قَوْله { إذْ تَمْشي أُخْتك } اسْتغْنَاء بدَلَالَة الْكَلَام عَلَيْه . وَإنَّمَا قَالَتْ أُخْت مُوسَى ذَلكَ لَهُمْ لمَا : 18185 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ : لمَا أَلْقَتْهُ أُمّه في الْيَمّ { قَالَتْ لأُخْته قُصّيه } 28 11 فَلَمَّا الْتَقَطَهُ آل فرْعَوْن , وَأَرَادُوا لَهُ الْمُرْضعَات , فَلَمْ يَأْخُذ منْ أَحَد منْ النّسَاء , وَجَعَلَ النّسَاء يَطْلُبْنَ ذَلكَ ليَنْزلْنَ عنْد فرْعَوْن في الرَّضَاع , فَأَبَى أَنْ يَأْخُذ , فَقَالَتْ أُخْته : { هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ } ؟ 28 12 فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا : بَلْ قَدْ عَرَفْت هَذَا الْغُلَام , فَدُلّينَا عَلَى أَهْله , قَالَتْ : مَا أَعْرفهُ , وَلَكنْ إنَّمَا قُلْت هُمْ للْمَلك نَاصحُونَ . 18186 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : قَالَتْ , يَعْني أُمّ مُوسَى لأُخْته : قُصّيه فَانْظُري مَاذَا يَفْعَلُونَ به , فَخَرَجَتْ في ذَلكَ { فَبَصُرَتْ به عَنْ جُنُب وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } 28 11 وَقَدْ احْتَاجَ إلَى الرَّضَاع وَالْتَمَسَ الثَّدْي , وَجَمَعُوا لَهُ الْمَرَاضع حين أَلْقَى اللَّه مَحَبَّتهمْ عَلَيْه , فَلَا يُؤْتَى بامْرَأَةٍ , فَيَقْبَل ثَدْيهَا , فَيَرْمضهُمْ ذَلكَ , فَيُؤْتَى بمُرْضعٍ بَعْد مُرْضع , فَلَا يَقْبَل شَيْئًا منْهُمْ , فَقَالَتْ لَهُمْ أُخْته حين رَأَتْ منْ وَجْدهمْ به وَحرْصهمْ عَلَيْه { هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ } أَيْ لمَنْزلَته عنْدكُمْ وَحرْصكُمْ عَلَى مَسَرَّة الْمَلك . وَعُنيَ بقَوْله : { هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلهُ } هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَنْ يَضُمّهُ إلَيْه فَيَحْفَظهُ وَيُرْضعهُ وَيُرَبّيه . وَقيلَ : مَعْنَى { وَكَفَّلَهَا زَكَريَّا } 3 37 ضَمَّهَا .
وَقَوْله : { فَرَجَعْنَاك إلَى أُمّك كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا وَلَا تَحْزَن } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَرَدَدْنَاك إلَى أُمّك بَعْد مَا صرْت في أَيْدي آل فرْعَوْن , كَيْمَا تَقَرّ عَيْنهَا بسَلَامَتك وَنَجَاتك منْ الْقَتْل وَالْغَرَق في الْيَمّ , وَكَيْلَا تَحْزَن عَلَيْك منْ الْخَوْف منْ فرْعَوْن عَلَيْك أَنْ يَقْتُلك , كَمَا : 18187 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ أُخْت مُوسَى لَهُمْ مَا قَالَتْ , قَالُوا : هَات , فَأَتَتْ أُمّه فَأَخْبَرَتْهَا , فَانْطَلَقَتْ مَعَهَا حَتَّى أَتَتْهُمْ , فَنَاوَلُوهَا إيَّاهُ ; فَلَمَّا وَضَعَتْهُ في حجْرهَا أَخَذَ ثَدْيهَا , وَسُرُّوا بذَلكَ منْهُ , وَرَدَّهُ اللَّه إلَى أُمّه كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا , وَلَا تَحْزَن , فَبَلَغَ لُطْف اللَّه لَهَا وَلَهُ , أَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَلَدهَا وَعَطَفَ عَلَيْهَا نَفْع فرْعَوْن وَأَهْل بَيْته مَعَ الْأَمَنَة منْ الْقَتْل الَّذي يُتَخَوَّف عَلَى غَيْره , فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا منْ أَهْل بَيْت فرْعَوْن في الْأَمَان وَالسَّعَة , فَكَانَ عَلَى فُرُش فرْعَوْن وَسُرَره .
وَقَوْله : { وَقَتَلْت نَفْسًا } يَعْني جَلَّ ثَنَاؤُهُ بذَلكَ : قَتْله الْقبْطيّ الَّذي قَتَلَهُ حين اسْتَغَاثَهُ عَلَيْه الْإسْرَائيليّ , فَوَكَزَهُ مُوسَى .
وَقَوْله : { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَنَجَّيْنَاك منْ غَمّك بقَتْلك النَّفْس الَّتي قَتَلْت , إذْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوك بهَا فَخَلَّصْنَاك منْهُمْ , حَتَّى هَرَبْت إلَى أَهْل مَدْيَن , فَلَمْ يَصلُوا إلَى قَتْلك وَقَوْدك . وَكَانَ قَتْله إيَّاهُ فيمَا ذُكرَ خَطَأ , كَمَا : 18188 - حَدَّثَني وَاصل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَبيه , عَنْ سَالم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : سَمعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُول : " إنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذي قَتَلَ منْ آل فرْعَوْن خَطَأ , فَقَالَ اللَّه لَهُ : { وَقَتَلْت نَفْسًا فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ وَفَتَنَّاك فُتُونًا } " . 18189 - حَدَّثَني زَكَريَّا بْن يَحْيَى بْن أَبي زَائدَة , وَمُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } قَالَ : منْ قَتْل النَّفْس . 18190 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } النَّفْس الَّتي قَتَلَ .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : ابْتَلَيْنَاك ابْتلَاء وَاخْتَبَرْنَاك اخْتبَارًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18191 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } يَقُول : اخْتَبَرْنَاك اخْتبَارًا . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثَنَى أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } قَالَ : اُبْتُليت بَلَاء . 18192 - حَدَّثَني الْعَبَّاس بْن الْوَليد الْآمليّ , قَالَ : ثنا يَزيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَصْبَغ بْن زَيْد الْجُهَنيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْقَاسم بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني سَعيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , عَنْ قَوْل اللَّه لمُوسَى { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } فَسَأَلْته عَلَى الْفُتُون مَا هيَ ؟ فَقَالَ لي : اسْتَأْنَفَ النَّهَار يَا ابْن جُبَيْر , فَإنَّ لَهَا حَديثًا طَويلًا , قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحْت غَدَوْت عَلَى ابْن عَبَّاس لأَنْتَجزَ منْهُ مَا وَعَدَني , قَالَ : فَقَالَ ابْن عَبَّاس : تَذَاكَرَ فرْعَوْن وَجُلَسَاؤُهُ مَا وَعَدَ اللَّه إبْرَاهيم أَنْ يَجْعَل في ذُرّيَّته أَنْبيَاء وَمُلُوكًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّ بَني إسْرَائيل يَنْتَظرُونَ ذَلكَ وَمَا يَشُكُّونَ , وَلَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُف بْن يَعْقُوب ; فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا : لَيْسَ هَكَذَا كَانَ اللَّه وَعَدَ إبْرَاهيم , فَقَالَ فرْعَوْن : فَكَيْف تَرَوْنَ ؟ قَالَ : فَاتْمَرُوا بَيْنهمْ , وَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى أَنْ يَبْعَث رجَالًا مَعَهُمْ الشّفَار يَطُوفُونَ في بَني إسْرَائيل , فَلَا يَجدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إلَّا ذَبَحُوهُ ; فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكبَار منْ بَني إسْرَائيل يَمُوتُونَ بآجَالهمْ , وَأَنَّ الصّغَار يُذْبَحُونَ ; قَالُوا : يُوشك أَنْ تُفْنُوا بَني إسْرَائيل , فَتَصيرُونَ إلَى أَنْ تُبَاشرُوا منْ الْأَعْمَال وَالْخدْمَة الَّتي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ , فَاقْتُلُوا عَامًا كُلّ مَوْلُود ذَكَر , فَيَقلّ أَبْنَاؤُهُمْ , وَدَعَوْا عَامًا لَا تَقْتُلُوا منْهُمْ أَحَدًا , فَتَشبّ الصّغَار مَكَان مَنْ يَمُوت منْ الْكبَار , فَإنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بمَنْ تَسْتَحْيُونَ منْهُمْ , فَتَخَافُونَ مُكَاثَرَتهمْ إيَّاكُمْ , وَلَنْ يَقلُّوا بمَنْ تَقْتُلُونَ , فَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى ذَلكَ . فَحَمَلَتْ أُمّ مُوسَى بهَارُون في الْعَام الْمُقْبل الَّذي لَا يُذْبَح فيه الْغلْمَان , فَوَلَدَتْهُ عَلَانيَة آمنَة , حَتَّى إذَا كَانَ الْعَام الْمُقْبل حَمَلَتْ بمُوسَى , فَوَقَعَ في قَلْبهَا الْهَمّ وَالْحَزَن , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر , ممَّا دَخَلَ عَلَيْه في بَطْن أُمّه ممَّا يُرَاد به , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهَا { وَلَا تَخَافي وَلَا تَحْزَني إنَّا رَادُّوهُ إلَيْك وَجَاعلُوهُ منْ الْمُرْسَلينَ } 28 7 وَأَمَرَهَا إذَا وَلَدَتْهُ أَنْ تَجْعَلهُ في تَابُوت ثُمَّ تُلْقيه في الْيَمّ ; فَلَمَّا وَلَدَتْهُ فَعَلَتْ مَا أُمرَتْ به , حَتَّى إذَا تَوَارَى عَنْهَا ابْنهَا أَتَاهَا إبْليس , فَقَالَتْ في نَفْسهَا : مَا صَنَعْت بابْني لَوْ ذُبحَ عنْدي , فَوَارَيْته وَكَفَّنْته كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ منْ أَنْ أُلْقيه بيَدَيَّ إلَى حيتَان الْبَحْر وَدَوَابّه , فَانْطَلَقَ به الْمَاء حَتَّى أَوْفَى به عنْد فُرْضَة مُسْتَقَى جوَاري آل فرْعَوْن , فَرَأَيْنَهُ فَأَخَذْنَهُ , فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ الْبَاب , فَقَالَ بَعْضهنَّ لبَعْضٍ : إنَّ في هَذَا مَالًا , وَإنَّا إنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدّقنَا امْرَأَة فرْعَوْن بمَا وَجَدْنَا فيه , فَحَمَلْنَهُ كَهَيْئَته لَمْ يُحَرّكْنَ منْهُ شَيْئًا , حَتَّى دَفَعْنَهُ إلَيْهَا ; فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فيه الْغُلَام , فَأُلْقيَ عَلَيْه منْهَا مَحَبَّة لَمْ يُلْقَ مثْلهَا منْهَا عَلَى أَحَد منْ النَّاس { وَأَصْبَحَ فُؤَاد أُمّ مُوسَى فَارغًا } 28 10 منْ كُلّ شَيْء إلَّا منْ ذكْر مُوسَى . فَلَمَّا سَمعَ الذَّبَّاحُونَ بأَمْره أَقْبَلُوا إلَى امْرَأَة فرْعَوْن بشفَارهمْ . يُريدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر ; فَقَالَتْ للذَّبَّاحينَ : انْصَرَفُوا عَنّي , فَإنَّ هَذَا الْوَاحد لَا يَزيد في بَني إسْرَائيل , فَآتي فرْعَوْن فَأَسْتَوْهبهُ إيَّاهُ , فَإنْ وَهَبَهُ لي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ , وَإنْ أَمَرَ بذَبْحه لَمْ أَلُمْكُمْ . فَلَمَّا أَتَتْ به فرْعَوْن قَالَتْ : { قُرَّة عَيْن لي وَلَك } قَالَ فرْعَوْن : يَكُون لَك , وَأَمَّا أَنَا فَلَا حَاجَة لي فيه . فَقَالَ : وَاَلَّذي يَحْلف به لَوْ أَقَرَّ فرْعَوْن أَنْ يَكُون لَهُ قُرَّة عَيْن كَمَا أَقَرَّتْ به , لَهَدَاهُ اللَّه به كَمَا هَدَى به امْرَأَته , وَلَكنَّ اللَّه حَرَمَهُ ذَلكَ . فَأَرْسَلَتْ إلَى مَنْ حَوْلهَا منْ كُلّ أُنْثَى لَهَا لَبَن , لتَخْتَارَ لَهُ ظئْرًا , فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَة منْهُمْ لتُرْضعهُ لَمْ يَقْبَل ثَدْيهَا , حَتَّى أَشْفَقَتْ امْرَأَة فرْعَوْن أَنْ يَمْتَنع منْ اللَّبَن فَيَمُوت , فَحَزَنَهَا ذَلكَ , فَأَمَرَتْ به فَأُخْرجَ إلَى السُّوق مَجْمَع النَّاس تَرْجُو أَنْ تُصيب لَهُ ظئْرًا يَأْخُذ منْهَا , فَلَمْ يَقْبَل منْ أَحَد . وَأَصْبَحَتْ أُمّ مُوسَى , فَقَالَتْ لأُخْته : قُصّيه وَاطْلُبيه , هَلْ تَسْمَعينَ لَهُ ذكْرًا , أَحَيّ ابْني , أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابّ الْبَحْر وَحيتَانه ؟ وَنَسيَتْ الَّذي كَانَ اللَّه وَعَدَهَا , فَبَصُرَتْ به أُخْته عَنْ جُنُب وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ , فَقَالَتْ منْ الْفَرَح حين أَعْيَاهُمْ الظُّئُورَات : أَنَا أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ , فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا : وَمَا يُدْريك مَا نُصْحهمْ لَهُ ؟ هَلْ يَعْرفُونَهُ ؟ حَتَّى شَكُّوا في ذَلكَ , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر ; فَقَالَتْ : نُصْحهمْ لَهُ وَشَفَقَتهمْ عَلَيْه , رَغْبَتهمْ في ظُئُورَة الْمَلك , وَرَجَاء مَنْفَعَته , فَتَرَكُوهَا ; فَانْطَلَقَتْ إلَى أُمّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَر , فَجَاءَتْ ; فَلَمَّا وَضَعَتْهُ في حجْرهَا نَزَا إلَى ثَدْيهَا حَتَّى امْتَلَأَ جَنْبَاهُ , فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاء إلَى امْرَأَة فرْعَوْن يُبَشّرُونَهَا أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لابْنك ظئْرًا , فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا , فَأَتَيْت بهَا وَبه ; فَلَمَّا رَأَتْ مَا يُصْنَع بهَا قَالَتْ : اُمْكُثي عنْدي حَتَّى تُرْضعي ابْني هَذَا فَإنّي لَمْ أُحبّ حُبّه شَيْئًا قَطُّ ; قَالَ : فَقَالَتْ : لَا أَسْتَطيع أَنْ أَدَع بَيْتي وَوَلَدي , فَيَضيع , فَإنْ طَابَتْ نَفْسك أَنْ تُعْطينيه , فَأَذْهَب به إلَى بَيْتي فَيَكُون مَعي لَا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْت , وَإلَّا فَإنّي غَيْر تَاركَة بَيْتي وَوَلَدي ! وَذَكَرَتْ أُمّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّه وَعَدَهَا , فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَة فرْعَوْن , وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنْجز وَعْده , فَرَجَعَتْ بابْنهَا إلَى بَيْتهَا منْ يَوْمهَا , فَأَنْبَتَهُ اللَّه نَبَاتًا حَسَنًا , وَحَفظَهُ لمَا قَضَى فيه , فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إسْرَائيل وَهُمْ مُجْتَمعُونَ في نَاحيَة الْمَدينَة يَمْتَنعُونَ به منْ الظُّلْم وَالسُّخْرَة الَّتي كَانَتْ فيهمْ . فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتْ امْرَأَة فرْعَوْن لأُمّ مُوسَى : أَزيريني ابْني . فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُزيرهَا إيَّاهُ فيه , فَقَالَتْ لخَوَاصّهَا وَظُئُورَتهَا وَقَهَارمَتهَا : لَا يَبْقَيَن أَحَد منْكُمْ إلَّا اسْتَقْبَلَ ابْني بهَديَّةٍ وَكَرَامَة ليَرَى ذَلكَ , وَأَنَا بَاعثَة أَمينَة تُحْصي كُلّ مَا يَصْنَع كُلّ إنْسَان منْكُمْ ; فَلَمْ تَزَلْ الْهَديَّة وَالْكَرَامَة وَالتُّحَف تَسْتَقْبلهُ منْ حين خَرَجَ منْ بَيْت أُمّه إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَة فرْعَوْن . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا نَحَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ , وَفَرحَتْ به , وَأَعْجَبَهَا مَا رَأَتْ منْ حُسْن أَثَرهَا عَلَيْه , وَقَالَتْ : انْطَلقْنَ به إلَى فرْعَوْن , فَلْيُنْحلْهُ , وَلْيُكْرمْهُ . فَلَمَّا دَخَلُوا به عَلَيْه جَعَلَتْهُ في حجْره , فَتَنَاوَلَ مُوسَى لحْيَة فرْعَوْن حَتَّى مَدَّهَا , فَقَالَ عَدُوّ منْ أَعْدَاء اللَّه : أَلَا تَرَى مَا وَعَدَ اللَّه إبْرَاهيم أَنَّهُ سَيَصْرَعُك وَيَعْلُوك , فَأَرْسَلَ إلَى الذَّبَّاحينَ ليَذْبَحُوهُ ! وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر , بَعْد كُلّ بَلَاء اُبْتُليَ به وَأُريدَ به . فَجَاءَتْ امْرَأَة فرْعَوْن تَسْعَى إلَى فرْعَوْن , فَقَالَتْ : مَا بَدَا لَك في هَذَا الصَّبيّ الَّذي قَدْ وَهَبْته لي ؟ قَالَ : أَلَا تَرَيْنَ يَزْعُم أَنَّهُ سَيَصْرَعُني وَيَعْلُوني , فَقَالَتْ : اجْعَلْ بَيْني وَبَيْنك أَمْرًا تَعْرف فيه الْحَقّ , ائْت بجَمْرَتَيْن وَلُؤْلُؤَتَيْن , فَقَرّبْهُنَّ إلَيْه , فَإنْ بَطَشَ باللُّؤْلُؤَتَيْن وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْن عَلمْت أَنَّهُ يَعْقل ; وَإنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْن وَلَمْ يُردْ اللُّؤْلُؤَتَيْن , فَاعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْثر الْجَمْرَتَيْن عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْن وَهُوَ يَعْقل , فَقُرّبَ ذَلكَ إلَيْه , فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْن , فَنَزَعُوهُمَا منْهُ مَخَافَة أَنْ تُحْرقَا يَده , فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَلَا تَرَى ؟ فَصَرَفَهُ اللَّه عَنْهُ بَعْد مَا قَدْ هَمَّ به , وَكَانَ اللَّه بَالغًا فيه أَمْره . فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّهُ , وَكَانَ منْ الرّجَال , لَمْ يَكُنْ أَحَد منْ آل فرْعَوْن يَخْلُص إلَى أَحَد منْ بَني إسْرَائيل مَعَهُ بظُلْمٍ وَلَا سُخْرَة , حَتَّى امْتَنَعُوا كُلّ امْتنَاع . فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشي ذَات يَوْم في نَاحيَة الْمَدينَة , إذْ هُوَ برَجُلَيْن يَقْتَتلَان , أَحَدهمَا منْ بَني إسْرَائيل , وَالْآخَر منْ آل فرْعَوْن , فَاسْتَغَاثَهُ الْإسْرَائيليّ عَلَى الْفرْعَوْنيّ , فَغَضبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبه , لأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَم مَنْزلَة مُوسَى منْ بَني إسْرَائيل , وَحفْظه لَهُمْ , وَلَا يَعْلَم النَّاس إلَّا أَنَّمَا ذَلكَ منْ قَبْل الرَّضَاعَة غَيْر أُمّ مُوسَى , إلَّا أَنْ يَكُون اللَّه أَطْلَعَ مُوسَى منْ ذَلكَ عَلَى مَا لَمْ يُطْلع عَلَيْه غَيْره ; فَوَكَزَ مُوسَى الْفرْعَوْنيّ فَقَتَلَهُ , وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَد إلَّا اللَّه وَالْإسْرَائيليّ , فَقَالَ مُوسَى حين قَتَلَ الرَّجُل : { هَذَا منْ عَمَل الشَّيْطَان إنَّهُ عَدُوّ مُضلّ مُبين } 28 15 ثُمَّ قَالَ : { رَبّ إنّي ظَلَمْت نَفْسي فَاغْفرْ لي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحيم } 28 16 { فَأَصْبَحَ في الْمَدينَة خَائفًا يَتَرَقَّب } 28 18 الْأَخْبَار , فَأَتَى فرْعَوْن , فَقيلَ لَهُ : إنَّ بَني إسْرَائيل قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا منْ آل فرْعَوْن , فَخُذْ لَنَا بحَقّنَا وَلَا تُرَخّص لَهُمْ في ذَلكَ , فَقَالَ : ابْغُوني قَاتله وَمَنْ شَهدَ عَلَيْه , لأَنَّهُ لَا يَسْتَقيم أَنْ يَقْضي بغَيْر بَيّنَة وَلَا ثَبْت , فَطَلَبُوا لَهُ ذَلكَ ; فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لَا يَجدُونَ ثَبْتًا , إذْ مَرَّ مُوسَى منْ الْغَد , فَرَأَى ذَلكَ الْإسْرَائيليّ يُقَاتل فرْعَوْنيًّا , فَاسْتَغَاثَهُ الْإسْرَائيليّ عَلَى الْفرْعَوْنيّ , فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدمَ عَلَى مَا كَانَ منْهُ بالْأَمْس وَكَرهَ الَّذي رَأَى , فَغَضبَ مُوسَى , فَمَدّ يَده وَهُوَ يُريد أَنْ يَبْطش بالْفرْعَوْنيّ , قَالَ للْإسْرَائيليّ لَمَّا فَعَلَ بالْأَمْس وَالْيَوْم { إنَّك لَغَويّ مُبين } 28 18 فَنَظَرَ الْإسْرَائيليّ مُوسَى بَعْد مَا قَالَ , فَإذَا هُوَ غَضْبَان كَغَضَبه بالْأَمْس الَّذي قَتَلَ فيه الْفرْعَوْنيّ , فَخَافَ أَنْ يَكُون بَعْد مَا قَالَ لَهُ { إنَّك لَغَويّ مُبين } 28 18 أَنْ يَكُون إيَّاهُ أَرَادَ , وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ , وَإنَّمَا أَرَادَ الْفرْعَوْنيّ , فَخَافَ الْإسْرَائيليّ , فَحَاجَزَ الْفرْعَوْنيّ فَقَالَ : { يَا مُوسَى أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلني كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بالْأَمْس } 28 19 وَإنَّمَا قَالَ ذَلكَ مَخَافَة أَنْ يَكُون إيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى ليَقْتُلهُ , فَتَتَارَكَا ; فَانْطَلَقَ الْفرْعَوْنيّ إلَى قَوْمه , فَأَخْبَرَهُمْ بمَا سَمعَ منْ الْإسْرَائيليّ منْ الْخَبَر حين يَقُول : أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلني كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بالْأَمْس ؟ فَأَرْسَلَ فرْعَوْن الذَّبَّاحينَ , فَسَلَكَ مُوسَى الطَّريق الْأَعْظَم , فَطَلَبُوهُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتهُمْ . وَجَاءَ رَجُل منْ شيعَة مُوسَى منْ أَقْصَى الْمَدينَة , فَاخْتَصَرَ طَريقًا قَريبًا حَتَّى سَبَقَهُمْ إلَى مُوسَى , فَأَخْبَرَهُ الْخَبَر , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر . 18193 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { فُتُونًا } قَالَ : بَلَاء , إلْقَاؤُهُ في التَّابُوت , ثُمَّ في الْبَحْر , ثُمَّ الْتقَاط آل فرْعَوْن إيَّاهُ , ثُمَّ خُرُوجه خَائفًا . قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , وَقَالَ أَبُو عَاصم : خَائفًا , أَوْ جَائعًا " شَكَّ أَبُو عَاصم " , وَقَالَ الْحَارث : خَائفًا يَتَرَقَّب , وَلَمْ يَشُكّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله وَقَالَ : { خَائفًا يَتَرَقَّب } , وَلَمْ يَشُكّ . 18194 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } يَقُول : ابْتَلَيْنَاك بَلَاء . 18195 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } هُوَ الْبَلَاء عَلَى إثْر الْبَلَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : أَخْلَصْنَاك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18196 - حَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } أَخْلَصْنَاك إخْلَاصًا . 18197 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلم , قَالَ : سَمعْت سَعيد بْن جُبَيْر , يُفَسّر هَذَا الْحَرْف : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } قَالَ : أَخْلَصْنَاك إخْلَاصًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا فيمَا مَضَى منْ كتَابنَا هَذَا مَعْنَى الْفتْنَة , وَأَنَّهَا الابْتلَاء وَالاخْتبَار بالْأَدلَّة الْمُغْنيَة عَنْ الْإعَادَة في هَذَا الْمَوْضع .
وَقَوْله : { فَلَبثْت سنينَ في أَهْل مَدْيَن } وَهَذَا الْكَلَام قَدْ حُذفَ منْهُ بَعْض مَا به تَمَامه اكْتفَاء بدَلَالَة مَا ذُكرَ عَمَّا حُذفَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَفَتَنَّاك فُتُونًا , فَخَرَجْت خَائفًا إلَى أَهْل مَدْيَن , فَلَبثْت سنينَ فيهمْ .
وَقَوْله : { ثُمَّ جئْت عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ جئْت للْوَقْت الَّذي أَرَدْنَا إرْسَالك إلَى فرْعَوْن رَسُولًا وَلمقْدَاره . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18198 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ جئْت عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } يَقُول : لَقَدْ جئْت لميقَاتٍ يَا مُوسَى . 18199 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ مُجَاهد , قَالَ : { عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } قَالَ : مَوْعد . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَالَ : عَليّ ذي مَوْعد . 18200 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } قَالَ : قَدَر الرّسَالَة وَالنُّبُوَّة . وَالْعَرَب تَقُول : جَاءَ فُلَان عَلَى قَدَر : إذَا جَاءَ لميقَات الْحَاجَة إلَيْه ; وَمنْهُ قَوْل الشَّاعر : نَالَ الْخلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر
وَقَوْله : { فَرَجَعْنَاك إلَى أُمّك كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا وَلَا تَحْزَن } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَرَدَدْنَاك إلَى أُمّك بَعْد مَا صرْت في أَيْدي آل فرْعَوْن , كَيْمَا تَقَرّ عَيْنهَا بسَلَامَتك وَنَجَاتك منْ الْقَتْل وَالْغَرَق في الْيَمّ , وَكَيْلَا تَحْزَن عَلَيْك منْ الْخَوْف منْ فرْعَوْن عَلَيْك أَنْ يَقْتُلك , كَمَا : 18187 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ أُخْت مُوسَى لَهُمْ مَا قَالَتْ , قَالُوا : هَات , فَأَتَتْ أُمّه فَأَخْبَرَتْهَا , فَانْطَلَقَتْ مَعَهَا حَتَّى أَتَتْهُمْ , فَنَاوَلُوهَا إيَّاهُ ; فَلَمَّا وَضَعَتْهُ في حجْرهَا أَخَذَ ثَدْيهَا , وَسُرُّوا بذَلكَ منْهُ , وَرَدَّهُ اللَّه إلَى أُمّه كَيْ تَقَرّ عَيْنهَا , وَلَا تَحْزَن , فَبَلَغَ لُطْف اللَّه لَهَا وَلَهُ , أَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَلَدهَا وَعَطَفَ عَلَيْهَا نَفْع فرْعَوْن وَأَهْل بَيْته مَعَ الْأَمَنَة منْ الْقَتْل الَّذي يُتَخَوَّف عَلَى غَيْره , فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا منْ أَهْل بَيْت فرْعَوْن في الْأَمَان وَالسَّعَة , فَكَانَ عَلَى فُرُش فرْعَوْن وَسُرَره .
وَقَوْله : { وَقَتَلْت نَفْسًا } يَعْني جَلَّ ثَنَاؤُهُ بذَلكَ : قَتْله الْقبْطيّ الَّذي قَتَلَهُ حين اسْتَغَاثَهُ عَلَيْه الْإسْرَائيليّ , فَوَكَزَهُ مُوسَى .
وَقَوْله : { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَنَجَّيْنَاك منْ غَمّك بقَتْلك النَّفْس الَّتي قَتَلْت , إذْ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوك بهَا فَخَلَّصْنَاك منْهُمْ , حَتَّى هَرَبْت إلَى أَهْل مَدْيَن , فَلَمْ يَصلُوا إلَى قَتْلك وَقَوْدك . وَكَانَ قَتْله إيَّاهُ فيمَا ذُكرَ خَطَأ , كَمَا : 18188 - حَدَّثَني وَاصل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَبيه , عَنْ سَالم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : سَمعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُول : " إنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذي قَتَلَ منْ آل فرْعَوْن خَطَأ , فَقَالَ اللَّه لَهُ : { وَقَتَلْت نَفْسًا فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ وَفَتَنَّاك فُتُونًا } " . 18189 - حَدَّثَني زَكَريَّا بْن يَحْيَى بْن أَبي زَائدَة , وَمُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } قَالَ : منْ قَتْل النَّفْس . 18190 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { فَنَجَّيْنَاك منْ الْغَمّ } النَّفْس الَّتي قَتَلَ .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل قَوْله { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : ابْتَلَيْنَاك ابْتلَاء وَاخْتَبَرْنَاك اخْتبَارًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18191 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } يَقُول : اخْتَبَرْنَاك اخْتبَارًا . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثَنَى أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } قَالَ : اُبْتُليت بَلَاء . 18192 - حَدَّثَني الْعَبَّاس بْن الْوَليد الْآمليّ , قَالَ : ثنا يَزيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَصْبَغ بْن زَيْد الْجُهَنيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْقَاسم بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني سَعيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , عَنْ قَوْل اللَّه لمُوسَى { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } فَسَأَلْته عَلَى الْفُتُون مَا هيَ ؟ فَقَالَ لي : اسْتَأْنَفَ النَّهَار يَا ابْن جُبَيْر , فَإنَّ لَهَا حَديثًا طَويلًا , قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحْت غَدَوْت عَلَى ابْن عَبَّاس لأَنْتَجزَ منْهُ مَا وَعَدَني , قَالَ : فَقَالَ ابْن عَبَّاس : تَذَاكَرَ فرْعَوْن وَجُلَسَاؤُهُ مَا وَعَدَ اللَّه إبْرَاهيم أَنْ يَجْعَل في ذُرّيَّته أَنْبيَاء وَمُلُوكًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّ بَني إسْرَائيل يَنْتَظرُونَ ذَلكَ وَمَا يَشُكُّونَ , وَلَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُف بْن يَعْقُوب ; فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا : لَيْسَ هَكَذَا كَانَ اللَّه وَعَدَ إبْرَاهيم , فَقَالَ فرْعَوْن : فَكَيْف تَرَوْنَ ؟ قَالَ : فَاتْمَرُوا بَيْنهمْ , وَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى أَنْ يَبْعَث رجَالًا مَعَهُمْ الشّفَار يَطُوفُونَ في بَني إسْرَائيل , فَلَا يَجدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إلَّا ذَبَحُوهُ ; فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكبَار منْ بَني إسْرَائيل يَمُوتُونَ بآجَالهمْ , وَأَنَّ الصّغَار يُذْبَحُونَ ; قَالُوا : يُوشك أَنْ تُفْنُوا بَني إسْرَائيل , فَتَصيرُونَ إلَى أَنْ تُبَاشرُوا منْ الْأَعْمَال وَالْخدْمَة الَّتي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ , فَاقْتُلُوا عَامًا كُلّ مَوْلُود ذَكَر , فَيَقلّ أَبْنَاؤُهُمْ , وَدَعَوْا عَامًا لَا تَقْتُلُوا منْهُمْ أَحَدًا , فَتَشبّ الصّغَار مَكَان مَنْ يَمُوت منْ الْكبَار , فَإنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بمَنْ تَسْتَحْيُونَ منْهُمْ , فَتَخَافُونَ مُكَاثَرَتهمْ إيَّاكُمْ , وَلَنْ يَقلُّوا بمَنْ تَقْتُلُونَ , فَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى ذَلكَ . فَحَمَلَتْ أُمّ مُوسَى بهَارُون في الْعَام الْمُقْبل الَّذي لَا يُذْبَح فيه الْغلْمَان , فَوَلَدَتْهُ عَلَانيَة آمنَة , حَتَّى إذَا كَانَ الْعَام الْمُقْبل حَمَلَتْ بمُوسَى , فَوَقَعَ في قَلْبهَا الْهَمّ وَالْحَزَن , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر , ممَّا دَخَلَ عَلَيْه في بَطْن أُمّه ممَّا يُرَاد به , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهَا { وَلَا تَخَافي وَلَا تَحْزَني إنَّا رَادُّوهُ إلَيْك وَجَاعلُوهُ منْ الْمُرْسَلينَ } 28 7 وَأَمَرَهَا إذَا وَلَدَتْهُ أَنْ تَجْعَلهُ في تَابُوت ثُمَّ تُلْقيه في الْيَمّ ; فَلَمَّا وَلَدَتْهُ فَعَلَتْ مَا أُمرَتْ به , حَتَّى إذَا تَوَارَى عَنْهَا ابْنهَا أَتَاهَا إبْليس , فَقَالَتْ في نَفْسهَا : مَا صَنَعْت بابْني لَوْ ذُبحَ عنْدي , فَوَارَيْته وَكَفَّنْته كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ منْ أَنْ أُلْقيه بيَدَيَّ إلَى حيتَان الْبَحْر وَدَوَابّه , فَانْطَلَقَ به الْمَاء حَتَّى أَوْفَى به عنْد فُرْضَة مُسْتَقَى جوَاري آل فرْعَوْن , فَرَأَيْنَهُ فَأَخَذْنَهُ , فَهَمَمْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ الْبَاب , فَقَالَ بَعْضهنَّ لبَعْضٍ : إنَّ في هَذَا مَالًا , وَإنَّا إنْ فَتَحْنَاهُ لَمْ تُصَدّقنَا امْرَأَة فرْعَوْن بمَا وَجَدْنَا فيه , فَحَمَلْنَهُ كَهَيْئَته لَمْ يُحَرّكْنَ منْهُ شَيْئًا , حَتَّى دَفَعْنَهُ إلَيْهَا ; فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فيه الْغُلَام , فَأُلْقيَ عَلَيْه منْهَا مَحَبَّة لَمْ يُلْقَ مثْلهَا منْهَا عَلَى أَحَد منْ النَّاس { وَأَصْبَحَ فُؤَاد أُمّ مُوسَى فَارغًا } 28 10 منْ كُلّ شَيْء إلَّا منْ ذكْر مُوسَى . فَلَمَّا سَمعَ الذَّبَّاحُونَ بأَمْره أَقْبَلُوا إلَى امْرَأَة فرْعَوْن بشفَارهمْ . يُريدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر ; فَقَالَتْ للذَّبَّاحينَ : انْصَرَفُوا عَنّي , فَإنَّ هَذَا الْوَاحد لَا يَزيد في بَني إسْرَائيل , فَآتي فرْعَوْن فَأَسْتَوْهبهُ إيَّاهُ , فَإنْ وَهَبَهُ لي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ , وَإنْ أَمَرَ بذَبْحه لَمْ أَلُمْكُمْ . فَلَمَّا أَتَتْ به فرْعَوْن قَالَتْ : { قُرَّة عَيْن لي وَلَك } قَالَ فرْعَوْن : يَكُون لَك , وَأَمَّا أَنَا فَلَا حَاجَة لي فيه . فَقَالَ : وَاَلَّذي يَحْلف به لَوْ أَقَرَّ فرْعَوْن أَنْ يَكُون لَهُ قُرَّة عَيْن كَمَا أَقَرَّتْ به , لَهَدَاهُ اللَّه به كَمَا هَدَى به امْرَأَته , وَلَكنَّ اللَّه حَرَمَهُ ذَلكَ . فَأَرْسَلَتْ إلَى مَنْ حَوْلهَا منْ كُلّ أُنْثَى لَهَا لَبَن , لتَخْتَارَ لَهُ ظئْرًا , فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَة منْهُمْ لتُرْضعهُ لَمْ يَقْبَل ثَدْيهَا , حَتَّى أَشْفَقَتْ امْرَأَة فرْعَوْن أَنْ يَمْتَنع منْ اللَّبَن فَيَمُوت , فَحَزَنَهَا ذَلكَ , فَأَمَرَتْ به فَأُخْرجَ إلَى السُّوق مَجْمَع النَّاس تَرْجُو أَنْ تُصيب لَهُ ظئْرًا يَأْخُذ منْهَا , فَلَمْ يَقْبَل منْ أَحَد . وَأَصْبَحَتْ أُمّ مُوسَى , فَقَالَتْ لأُخْته : قُصّيه وَاطْلُبيه , هَلْ تَسْمَعينَ لَهُ ذكْرًا , أَحَيّ ابْني , أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابّ الْبَحْر وَحيتَانه ؟ وَنَسيَتْ الَّذي كَانَ اللَّه وَعَدَهَا , فَبَصُرَتْ به أُخْته عَنْ جُنُب وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ , فَقَالَتْ منْ الْفَرَح حين أَعْيَاهُمْ الظُّئُورَات : أَنَا أَدُلّكُمْ عَلَى أَهْل بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصحُونَ , فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا : وَمَا يُدْريك مَا نُصْحهمْ لَهُ ؟ هَلْ يَعْرفُونَهُ ؟ حَتَّى شَكُّوا في ذَلكَ , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر ; فَقَالَتْ : نُصْحهمْ لَهُ وَشَفَقَتهمْ عَلَيْه , رَغْبَتهمْ في ظُئُورَة الْمَلك , وَرَجَاء مَنْفَعَته , فَتَرَكُوهَا ; فَانْطَلَقَتْ إلَى أُمّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَر , فَجَاءَتْ ; فَلَمَّا وَضَعَتْهُ في حجْرهَا نَزَا إلَى ثَدْيهَا حَتَّى امْتَلَأَ جَنْبَاهُ , فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاء إلَى امْرَأَة فرْعَوْن يُبَشّرُونَهَا أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لابْنك ظئْرًا , فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا , فَأَتَيْت بهَا وَبه ; فَلَمَّا رَأَتْ مَا يُصْنَع بهَا قَالَتْ : اُمْكُثي عنْدي حَتَّى تُرْضعي ابْني هَذَا فَإنّي لَمْ أُحبّ حُبّه شَيْئًا قَطُّ ; قَالَ : فَقَالَتْ : لَا أَسْتَطيع أَنْ أَدَع بَيْتي وَوَلَدي , فَيَضيع , فَإنْ طَابَتْ نَفْسك أَنْ تُعْطينيه , فَأَذْهَب به إلَى بَيْتي فَيَكُون مَعي لَا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْت , وَإلَّا فَإنّي غَيْر تَاركَة بَيْتي وَوَلَدي ! وَذَكَرَتْ أُمّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّه وَعَدَهَا , فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَة فرْعَوْن , وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنْجز وَعْده , فَرَجَعَتْ بابْنهَا إلَى بَيْتهَا منْ يَوْمهَا , فَأَنْبَتَهُ اللَّه نَبَاتًا حَسَنًا , وَحَفظَهُ لمَا قَضَى فيه , فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إسْرَائيل وَهُمْ مُجْتَمعُونَ في نَاحيَة الْمَدينَة يَمْتَنعُونَ به منْ الظُّلْم وَالسُّخْرَة الَّتي كَانَتْ فيهمْ . فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتْ امْرَأَة فرْعَوْن لأُمّ مُوسَى : أَزيريني ابْني . فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُزيرهَا إيَّاهُ فيه , فَقَالَتْ لخَوَاصّهَا وَظُئُورَتهَا وَقَهَارمَتهَا : لَا يَبْقَيَن أَحَد منْكُمْ إلَّا اسْتَقْبَلَ ابْني بهَديَّةٍ وَكَرَامَة ليَرَى ذَلكَ , وَأَنَا بَاعثَة أَمينَة تُحْصي كُلّ مَا يَصْنَع كُلّ إنْسَان منْكُمْ ; فَلَمْ تَزَلْ الْهَديَّة وَالْكَرَامَة وَالتُّحَف تَسْتَقْبلهُ منْ حين خَرَجَ منْ بَيْت أُمّه إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَة فرْعَوْن . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا نَحَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ , وَفَرحَتْ به , وَأَعْجَبَهَا مَا رَأَتْ منْ حُسْن أَثَرهَا عَلَيْه , وَقَالَتْ : انْطَلقْنَ به إلَى فرْعَوْن , فَلْيُنْحلْهُ , وَلْيُكْرمْهُ . فَلَمَّا دَخَلُوا به عَلَيْه جَعَلَتْهُ في حجْره , فَتَنَاوَلَ مُوسَى لحْيَة فرْعَوْن حَتَّى مَدَّهَا , فَقَالَ عَدُوّ منْ أَعْدَاء اللَّه : أَلَا تَرَى مَا وَعَدَ اللَّه إبْرَاهيم أَنَّهُ سَيَصْرَعُك وَيَعْلُوك , فَأَرْسَلَ إلَى الذَّبَّاحينَ ليَذْبَحُوهُ ! وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر , بَعْد كُلّ بَلَاء اُبْتُليَ به وَأُريدَ به . فَجَاءَتْ امْرَأَة فرْعَوْن تَسْعَى إلَى فرْعَوْن , فَقَالَتْ : مَا بَدَا لَك في هَذَا الصَّبيّ الَّذي قَدْ وَهَبْته لي ؟ قَالَ : أَلَا تَرَيْنَ يَزْعُم أَنَّهُ سَيَصْرَعُني وَيَعْلُوني , فَقَالَتْ : اجْعَلْ بَيْني وَبَيْنك أَمْرًا تَعْرف فيه الْحَقّ , ائْت بجَمْرَتَيْن وَلُؤْلُؤَتَيْن , فَقَرّبْهُنَّ إلَيْه , فَإنْ بَطَشَ باللُّؤْلُؤَتَيْن وَاجْتَنَبَ الْجَمْرَتَيْن عَلمْت أَنَّهُ يَعْقل ; وَإنْ تَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْن وَلَمْ يُردْ اللُّؤْلُؤَتَيْن , فَاعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْثر الْجَمْرَتَيْن عَلَى اللُّؤْلُؤَتَيْن وَهُوَ يَعْقل , فَقُرّبَ ذَلكَ إلَيْه , فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَتَيْن , فَنَزَعُوهُمَا منْهُ مَخَافَة أَنْ تُحْرقَا يَده , فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَلَا تَرَى ؟ فَصَرَفَهُ اللَّه عَنْهُ بَعْد مَا قَدْ هَمَّ به , وَكَانَ اللَّه بَالغًا فيه أَمْره . فَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّهُ , وَكَانَ منْ الرّجَال , لَمْ يَكُنْ أَحَد منْ آل فرْعَوْن يَخْلُص إلَى أَحَد منْ بَني إسْرَائيل مَعَهُ بظُلْمٍ وَلَا سُخْرَة , حَتَّى امْتَنَعُوا كُلّ امْتنَاع . فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشي ذَات يَوْم في نَاحيَة الْمَدينَة , إذْ هُوَ برَجُلَيْن يَقْتَتلَان , أَحَدهمَا منْ بَني إسْرَائيل , وَالْآخَر منْ آل فرْعَوْن , فَاسْتَغَاثَهُ الْإسْرَائيليّ عَلَى الْفرْعَوْنيّ , فَغَضبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبه , لأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَم مَنْزلَة مُوسَى منْ بَني إسْرَائيل , وَحفْظه لَهُمْ , وَلَا يَعْلَم النَّاس إلَّا أَنَّمَا ذَلكَ منْ قَبْل الرَّضَاعَة غَيْر أُمّ مُوسَى , إلَّا أَنْ يَكُون اللَّه أَطْلَعَ مُوسَى منْ ذَلكَ عَلَى مَا لَمْ يُطْلع عَلَيْه غَيْره ; فَوَكَزَ مُوسَى الْفرْعَوْنيّ فَقَتَلَهُ , وَلَيْسَ يَرَاهُمَا أَحَد إلَّا اللَّه وَالْإسْرَائيليّ , فَقَالَ مُوسَى حين قَتَلَ الرَّجُل : { هَذَا منْ عَمَل الشَّيْطَان إنَّهُ عَدُوّ مُضلّ مُبين } 28 15 ثُمَّ قَالَ : { رَبّ إنّي ظَلَمْت نَفْسي فَاغْفرْ لي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحيم } 28 16 { فَأَصْبَحَ في الْمَدينَة خَائفًا يَتَرَقَّب } 28 18 الْأَخْبَار , فَأَتَى فرْعَوْن , فَقيلَ لَهُ : إنَّ بَني إسْرَائيل قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا منْ آل فرْعَوْن , فَخُذْ لَنَا بحَقّنَا وَلَا تُرَخّص لَهُمْ في ذَلكَ , فَقَالَ : ابْغُوني قَاتله وَمَنْ شَهدَ عَلَيْه , لأَنَّهُ لَا يَسْتَقيم أَنْ يَقْضي بغَيْر بَيّنَة وَلَا ثَبْت , فَطَلَبُوا لَهُ ذَلكَ ; فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لَا يَجدُونَ ثَبْتًا , إذْ مَرَّ مُوسَى منْ الْغَد , فَرَأَى ذَلكَ الْإسْرَائيليّ يُقَاتل فرْعَوْنيًّا , فَاسْتَغَاثَهُ الْإسْرَائيليّ عَلَى الْفرْعَوْنيّ , فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدمَ عَلَى مَا كَانَ منْهُ بالْأَمْس وَكَرهَ الَّذي رَأَى , فَغَضبَ مُوسَى , فَمَدّ يَده وَهُوَ يُريد أَنْ يَبْطش بالْفرْعَوْنيّ , قَالَ للْإسْرَائيليّ لَمَّا فَعَلَ بالْأَمْس وَالْيَوْم { إنَّك لَغَويّ مُبين } 28 18 فَنَظَرَ الْإسْرَائيليّ مُوسَى بَعْد مَا قَالَ , فَإذَا هُوَ غَضْبَان كَغَضَبه بالْأَمْس الَّذي قَتَلَ فيه الْفرْعَوْنيّ , فَخَافَ أَنْ يَكُون بَعْد مَا قَالَ لَهُ { إنَّك لَغَويّ مُبين } 28 18 أَنْ يَكُون إيَّاهُ أَرَادَ , وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ , وَإنَّمَا أَرَادَ الْفرْعَوْنيّ , فَخَافَ الْإسْرَائيليّ , فَحَاجَزَ الْفرْعَوْنيّ فَقَالَ : { يَا مُوسَى أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلني كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بالْأَمْس } 28 19 وَإنَّمَا قَالَ ذَلكَ مَخَافَة أَنْ يَكُون إيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى ليَقْتُلهُ , فَتَتَارَكَا ; فَانْطَلَقَ الْفرْعَوْنيّ إلَى قَوْمه , فَأَخْبَرَهُمْ بمَا سَمعَ منْ الْإسْرَائيليّ منْ الْخَبَر حين يَقُول : أَتُريدُ أَنْ تَقْتُلني كَمَا قَتَلْت نَفْسًا بالْأَمْس ؟ فَأَرْسَلَ فرْعَوْن الذَّبَّاحينَ , فَسَلَكَ مُوسَى الطَّريق الْأَعْظَم , فَطَلَبُوهُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتهُمْ . وَجَاءَ رَجُل منْ شيعَة مُوسَى منْ أَقْصَى الْمَدينَة , فَاخْتَصَرَ طَريقًا قَريبًا حَتَّى سَبَقَهُمْ إلَى مُوسَى , فَأَخْبَرَهُ الْخَبَر , وَذَلكَ منْ الْفُتُون يَا ابْن جُبَيْر . 18193 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { فُتُونًا } قَالَ : بَلَاء , إلْقَاؤُهُ في التَّابُوت , ثُمَّ في الْبَحْر , ثُمَّ الْتقَاط آل فرْعَوْن إيَّاهُ , ثُمَّ خُرُوجه خَائفًا . قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , وَقَالَ أَبُو عَاصم : خَائفًا , أَوْ جَائعًا " شَكَّ أَبُو عَاصم " , وَقَالَ الْحَارث : خَائفًا يَتَرَقَّب , وَلَمْ يَشُكّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله وَقَالَ : { خَائفًا يَتَرَقَّب } , وَلَمْ يَشُكّ . 18194 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } يَقُول : ابْتَلَيْنَاك بَلَاء . 18195 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } هُوَ الْبَلَاء عَلَى إثْر الْبَلَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : أَخْلَصْنَاك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18196 - حَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } أَخْلَصْنَاك إخْلَاصًا . 18197 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلم , قَالَ : سَمعْت سَعيد بْن جُبَيْر , يُفَسّر هَذَا الْحَرْف : { وَفَتَنَّاك فُتُونًا } قَالَ : أَخْلَصْنَاك إخْلَاصًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا فيمَا مَضَى منْ كتَابنَا هَذَا مَعْنَى الْفتْنَة , وَأَنَّهَا الابْتلَاء وَالاخْتبَار بالْأَدلَّة الْمُغْنيَة عَنْ الْإعَادَة في هَذَا الْمَوْضع .
وَقَوْله : { فَلَبثْت سنينَ في أَهْل مَدْيَن } وَهَذَا الْكَلَام قَدْ حُذفَ منْهُ بَعْض مَا به تَمَامه اكْتفَاء بدَلَالَة مَا ذُكرَ عَمَّا حُذفَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَفَتَنَّاك فُتُونًا , فَخَرَجْت خَائفًا إلَى أَهْل مَدْيَن , فَلَبثْت سنينَ فيهمْ .
وَقَوْله : { ثُمَّ جئْت عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ جئْت للْوَقْت الَّذي أَرَدْنَا إرْسَالك إلَى فرْعَوْن رَسُولًا وَلمقْدَاره . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18198 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ جئْت عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } يَقُول : لَقَدْ جئْت لميقَاتٍ يَا مُوسَى . 18199 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ مُجَاهد , قَالَ : { عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } قَالَ : مَوْعد . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَالَ : عَليّ ذي مَوْعد . 18200 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { عَلَى قَدَر يَا مُوسَى } قَالَ : قَدَر الرّسَالَة وَالنُّبُوَّة . وَالْعَرَب تَقُول : جَاءَ فُلَان عَلَى قَدَر : إذَا جَاءَ لميقَات الْحَاجَة إلَيْه ; وَمنْهُ قَوْل الشَّاعر : نَالَ الْخلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَاصْطَنَعْتُك لنَفْسي } يَقُول تَعَالَى ذكْرُهُ : { وَاصْطَنَعْتُك لنَفْسي } أَنْعَمْت عَلَيْك يَا مُوسَى هَذه النّعَم , وَمَنَنْت عَلَيْك هَذه الْمنَن , اجْتبَاء منّي لَك , وَاخْتيَارًا لرسَالَتي وَالْبَلَاغ عَنّي , وَالْقيَام بأَمْري وَنَهْيي .
{ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوك } هَارُون { بآيَاتي } يَقُول : بأَدلَّتي وَحُجَجي , اذْهَبَا إلَى فرْعَوْن بهَا إنَّهُ تَمَرَّدَ في ضَلَاله وَغَيّه , فَأَبْلغَاهُ رسَالَاتي .
يَقُول : وَلَا تَضْعُفَا في أَنْ تَذْكُرَاني فيمَا أَمَرْتُكُمَا وَنَهَيْتُكُمَا , فَإنَّ ذكْركُمَا إيَّايَ يُقَوّي عَزَائمكُمَا , وَيُثَبّت أَقْدَامكُمَا , لأَنَّكُمَا إذَا ذَكَرْتُمَاني , ذَكَرْتُمَا منّي عَلَيْكُمَا نعَمًا جَمَّة , وَمنَنًا لَا تُحْصَى كَثْرَة . يُقَال منْهُ : وَنَى فُلَان في هَذَا الْأَمْر , وَعَنْ هَذَا الْأَمْر : إذَا ضَعُفَ , وَهُوَ يَني وَنْيًا كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18201 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَنيَا } يَقُول : لَا تُبْطئَا . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثَنْي عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : وَلَا تَضْعُفَا في ذكْري . 18202 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : لَا تَضْعُفَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد { تَنيَا } تَضْعُفَا . 18203 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : لَا تَضْعُفَا في ذكْري . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : لَا تَضْعُفَا . 18204 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : لَا تَضْعُفَا . 18205 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : الْوَاني : هُوَ الْغَافل الْمُفَرّط , ذَلكَ الْوَاني .
يَقُول : وَلَا تَضْعُفَا في أَنْ تَذْكُرَاني فيمَا أَمَرْتُكُمَا وَنَهَيْتُكُمَا , فَإنَّ ذكْركُمَا إيَّايَ يُقَوّي عَزَائمكُمَا , وَيُثَبّت أَقْدَامكُمَا , لأَنَّكُمَا إذَا ذَكَرْتُمَاني , ذَكَرْتُمَا منّي عَلَيْكُمَا نعَمًا جَمَّة , وَمنَنًا لَا تُحْصَى كَثْرَة . يُقَال منْهُ : وَنَى فُلَان في هَذَا الْأَمْر , وَعَنْ هَذَا الْأَمْر : إذَا ضَعُفَ , وَهُوَ يَني وَنْيًا كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : فَمَا وَنَى مُحَمَّد مُذْ أَنْ غَفَرْ لَهُ الْإلَه مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18201 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَنيَا } يَقُول : لَا تُبْطئَا . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثَنْي عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : وَلَا تَضْعُفَا في ذكْري . 18202 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : لَا تَضْعُفَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد { تَنيَا } تَضْعُفَا . 18203 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : لَا تَضْعُفَا في ذكْري . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : لَا تَضْعُفَا . 18204 - حُدّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمعْت الضَّحَّاك يَقُول في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } يَقُول : لَا تَضْعُفَا . 18205 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { وَلَا تَنيَا في ذكْري } قَالَ : الْوَاني : هُوَ الْغَافل الْمُفَرّط , ذَلكَ الْوَاني .
لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنّف لهَذه الْآيَة بالتَّفْسير
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا } يَقُول تَعَالَى ذكْره لمُوسَى وَهَارُون : فَقُولَا لفرْعَوْن قَوْلًا لَيّنًا . ذُكرَ أَنَّ الْقَوْل اللَّيّن الَّذي أَمَرَهُمَا اللَّه أَنْ يَقُولَاهُ لَهُ , هُوَ أَنْ يُكَنّيَاهُ . 18206 - حَدَّثَني جَعْفَر ابْن ابْنَة إسْحَاق بْن يُوسُف الْأَزْرَق , قَالَ : ثنا سَعيد بْن مُحَمَّد الثَّقَفيّ , قَالَ : ثنا عَليّ بْن صَالح , عَنْ السُّدّيّ : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا } قَالَ : كَنّيَاهُ .
وَقَوْله : { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى } اخْتَلَفَ في مَعْنَى قَوْله : { لَعَلَّهُ } في هَذَا الْمَوْضع , فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهَا هَهُنَا الاسْتفْهَام , كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا , فَانْظُرَا هَلْ يَتَذَكَّر وَيُرَاجع أَوْ يَخْشَى اللَّه فَيَرْتَدع عَنْ طُغْيَانه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18207 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى } يَقُول : هَلْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى لَعَلَّ هَهُنَا كَيْ . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى { اذْهَبَا إلَى فرْعَوْن إنَّهُ طَغَى } فَادْعُوَاهُ وَعظَاهُ ليَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى , كَمَا يَقُول الْقَائل : اعْمَلْ عَمَلك لَعَلَّك تَأْخُذ أَجْرك , بمَعْنَى : لتَأْخُذ أَجْرك , وَافْرُغْ منْ عَمَلك لَعَلَّنَا نَتَغَدَّى , بمَعْنَى : لنَتَغَدَّى , أَوْ حَتَّى نَتَغَدَّى , وَلكلَا هَذَيْن الْقَوْلَيْن وَجْه حَسَن , وَمَذْهَب صَحيح .
وَقَوْله : { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى } اخْتَلَفَ في مَعْنَى قَوْله : { لَعَلَّهُ } في هَذَا الْمَوْضع , فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهَا هَهُنَا الاسْتفْهَام , كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيّنًا , فَانْظُرَا هَلْ يَتَذَكَّر وَيُرَاجع أَوْ يَخْشَى اللَّه فَيَرْتَدع عَنْ طُغْيَانه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18207 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى } يَقُول : هَلْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى لَعَلَّ هَهُنَا كَيْ . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى { اذْهَبَا إلَى فرْعَوْن إنَّهُ طَغَى } فَادْعُوَاهُ وَعظَاهُ ليَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى , كَمَا يَقُول الْقَائل : اعْمَلْ عَمَلك لَعَلَّك تَأْخُذ أَجْرك , بمَعْنَى : لتَأْخُذ أَجْرك , وَافْرُغْ منْ عَمَلك لَعَلَّنَا نَتَغَدَّى , بمَعْنَى : لنَتَغَدَّى , أَوْ حَتَّى نَتَغَدَّى , وَلكلَا هَذَيْن الْقَوْلَيْن وَجْه حَسَن , وَمَذْهَب صَحيح .
وَقَوْله : { قَالَا رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى وَهَارُون : رَبّنَا إنَّنَا نَخَاف فرْعَوْن إنْ نَحْنُ دَعَوْنَاهُ إلَى مَا أَمَرْتنَا أَنْ نَدْعُوهُ إلَيْه , أَنْ يَعْجَل عَلَيْنَا بالْعُقُوبَة ; وَهُوَ منْ قَوْلهمْ : فَرَطَ منّي إلَى فُلَان أَمَرَ : إذَا سَبَقَ منْهُ ذَلكَ إلَيْه , وَمنْهُ : فَارط الْقَوْم , وَهُوَ الْمُتَعَجّل الْمُتَقَدّم أَمَامهمْ إلَى الْمَاء أَوْ الْمَنْزل كَمَا قَالَ الرَّاجز : قَدْ فَرَطَ الْعلْج عَلَيْنَا وَعَجلْ وَأَمَّا الْإفْرَاط : فَهُوَ الْإسْرَاف وَالْإشْطَاط وَالتَّعَدّي . يُقَال منْهُ : أَفْرَطْت في قَوْلك : إذَا أَسْرَفَ فيه وَتَعَدَّى . وَأَمَّا التَّفْريط : فَإنَّهُ التَّوَاني . يُقَال منْهُ : فَرَطْت في هَذَا الْأَمْر حَتَّى فَاتَ : إذَا تَوَانَى فيه . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18208 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا } قَالَ : عُقُوبَة منْهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . 18209 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { إنَّنَا نَخَاف أَنْ يَفْرُط عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى } قَالَ : نَخَاف أَنْ يَعْجَل عَلَيْنَا إذْ نُبَلّغهُ كَلَامك أَوْ أَمْرك , يَفْرُط وَيَعْجَل . وَقَرَأَ ; { لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذكْره : قَالَ اللَّه لمُوسَى وَهَارُون : { لَا تَخَافَا } فرْعَوْن { إنَّني مَعَكُمَا } أُعينكُمَا عَلَيْه , وَأُبْصركُمَا { أَسْمَع } مَا يَجْري بَيْنكُمَا وَبَيْنه , فَأُفْهمَكُمَا مَا تُحَاورَانه به { وَأَرَى } مَا تَفْعَلَان وَيَفْعَل , لَا يَخْفَى عَلَيَّ منْ ذَلكَ شَيْء { فَأْتيَاهُ فَقُولَا } لَهُ { إنَّا رَسُولَا رَبّك } . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18210 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج { قَالَ لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى } مَا يُحَاوركُمَا , فَأُوحي إلَيْكُمَا فَتُجَاوبَانه .
فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ↓
وَقَوْله : { فَأْتيَاهُ فَقُولَا إنَّا رَسُولَا رَبّك } أَرْسَلْنَا إلَيْك يَأْمُرك أَنْ تُرْسل مَعَنَا بَني إسْرَائيل , فَأَرْسلْهُمْ مَعَنَا وَلَا تُعَذّبهُمْ بمَا تُكَلّفهُمْ منْ الْأَعْمَال الرَّديئَة .
{ قَدْ جئْنَاك بآيَةٍ } مُعْجزَة { منْ رَبّك } عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَنَا إلَيْك بذَلكَ , إنْ أَنْتَ لَمْ تُصَدّقنَا فيمَا نَقُول لَك أَرَيْنَاكهَا ,
يَقُول : وَالسَّلَامَة لمَنْ اتَّبَعَ هُدَى اللَّه , وَهُوَ بَيَانه . يُقَال : السَّلَام عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى , وَلمَنْ اتَّبَعَ بمَعْنًى وَاحد .
{ قَدْ جئْنَاك بآيَةٍ } مُعْجزَة { منْ رَبّك } عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَنَا إلَيْك بذَلكَ , إنْ أَنْتَ لَمْ تُصَدّقنَا فيمَا نَقُول لَك أَرَيْنَاكهَا ,
يَقُول : وَالسَّلَامَة لمَنْ اتَّبَعَ هُدَى اللَّه , وَهُوَ بَيَانه . يُقَال : السَّلَام عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى , وَلمَنْ اتَّبَعَ بمَعْنًى وَاحد .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { إنَّا قَدْ أُوحيَ إلَيْنَا أَنَّ الْعَذَاب عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } يَقُول تَعَالَى ذكْره لرَسُوله مُوسَى وَهَارُون : قُولَا لفرْعَوْن إنَّا قَدْ أَوْحَى إلَيْنَا رَبّك أَنَّ عَذَابه الَّذي لَا نَفَاد لَهُ , وَلَا انْقطَاع عَلَى مَنْ كَذَّبَ بمَا نَدْعُوهُ إلَيْه منْ تَوْحيد اللَّه وَطَاعَته , وَإجَابَة رُسُله { وَتَوَلَّى } يَقُول : وَأَدْبَرَ مُعْرضًا عَمَّا جئْنَاهُ به منْ الْحَقّ , كَمَا : 18211 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَنَّ الْعَذَاب عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } كَذَّبَ بكتَاب اللَّه , وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَة اللَّه .
وَقَوْله : { قَالَ فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى } في هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك , تُركَ ذكْره اسْتغْنَاء بدَلَالَة مَا ذُكرَ عَلَيْه عَنْهُ , وَهُوَ قَوْله : { فَأْتيَاهُ } فَقَالَا لَهُ مَا أَمَرَهُمَا به رَبّهمَا وَأَبْلَغَاهُ رسَالَته , فَقَالَ فرْعَوْن لَهُمَا { فَمَنْ رَبّكُمَا يَا مُوسَى } فَخَاطَبَ مُوسَى وَحْده بقَوْله : يَا مُوسَى , وَقَدْ وَجَّهَ الْكَلَام قَبْل ذَلكَ إلَى مُوسَى وَأَخيه . وَإنَّمَا فَعَلَ ذَلكَ كَذَلكَ , لأَنَّ الْمُجَاوَبَة إنَّمَا تَكُون منْ الْوَاحد وَإنْ كَانَ الْخطَاب بالْجَمَاعَة لَا منْ الْجَميع , وَذَلكَ نَظير قَوْله : { نَسيَا حُوتهمَا } 18 61 وَكَانَ الَّذي يَحْمل الْحُوت وَاحد , وَهُوَ فَتَى مُوسَى , يَدُلّ عَلَى ذَلكَ قَوْله : { فَإنّي نَسيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانيهُ إلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ } . 18 63
وَقَوْله : { قَالَ رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى لَهُ مُجيبًا : رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه , يَعْني : نَظير خَلْقه في الصُّورَة وَالْهَيْئَة كَالذُّكُور منْ بَني آدَم , أَعْطَاهُمْ نَظير خَلْقهمْ منْ الْإنَاث أَزْوَاجًا , وَكَالذُّكُور منْ الْبَهَائم , أَعْطَاهَا نَظير خَلْقهَا , وَفي صُورَتهَا وَهَيْئَتهَا منْ الْإنَاث أَزْوَاجًا , فَلَمْ يُعْط الْإنْسَان خلَاف خَلْقه , فَيُزَوّجهُ بالْإنَاث منْ الْبَهَائم , وَلَا الْبَهَائم بالْإنَاث منْ الْإنْس , ثُمَّ هَدَاهُمْ للْمَأْتيّ الَّذي منْهُ النَّسْل وَالنَّمَاء كَيْف يَأْتيه , وَلسَائر مَنَافعه منْ الْمَطَاعم وَالْمَشَارب , وَغَيْر ذَلكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل ذَلكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : بنَحْو الَّذي قُلْنَا فيه . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18212 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَقُول : خَلَقَ لكُلّ شَيْء زَوْجَة , ثُمَّ هَدَاهُ لمَنْكَحه وَمَطْعَمه وَمَشْرَبه وَمَسْكَنه وَمَوْلده . 18213 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ : { قَالَ رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَقُول : أَعْطَى كُلّ دَابَّة خَلَقَهَا زَوْجًا , ثُمَّ هَدَى للنّكَاح . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { ثُمَّ هَدَى } أَنَّهُ هَدَاهُمْ إلَى الْأُلْفَة وَالاجْتمَاع وَالْمُنَاكَحَة . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18214 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } يَعْني : هَدَى بَعْضهمْ إلَى بَعْض , أَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ وَهَدَاهُمْ للتَّزْويج أَنْ يُزَوّج بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلكَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته , وَهيَ خَلْقه الَّذي خَلَقَهُ به , ثُمَّ هَدَاهُ لمَا يُصْلحهُ منْ الاحْتيَال للْغذَاء وَالْمَعَاش . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18215 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائب , قَالَا : ثنا ابْن إدْريس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء صُورَته ثُمَّ هَدَى كُلّ شَيْء إلَى مَعيشَته . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْل اللَّه : { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : سَوَّى خَلْق كُلّ دَابَّة , ثُمَّ هَدَاهَا لمَا يُصْلحهَا , فَعَلَّمَهَا إيَّاهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { رَبّنَا الَّذي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : سَوَّى خَلْق كُلّ دَابَّة ثُمَّ هَدَاهَا لمَا يُصْلحهَا وَعَلَّمَهَا إيَّاهُ , وَلَمْ يَجْعَل النَّاس في خَلْق الْبَهَائم , وَلَا خَلْق الْبَهَائم في خَلْق النَّاس , وَلَكنْ خَلَقَ كُلّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْديرًا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد عَنْ مُجَاهد { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه ثُمَّ هَدَى } قَالَ : هَدَاهُ إلَى حيلَته وَمَعيشَته . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلكَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا يُصْلحهُ , ثُمَّ هَدَاهُ لَهُ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18216 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه } قَالَ : أَعْطَى كُلّ شَيْء مَا يُصْلحهُ . ثُمَّ هَدَاهُ لَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذي اخْتَرْنَا في تَأْويل ذَلكَ , لأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه , وَلَا يُعْطي الْمُعْطي نَفْسه , بَلْ إنَّمَا يُعْطي مَا هُوَ غَيْره , لأَنَّ الْعَطيَّة تَقْتَضي الْمُعْطي الْمُعْطَى وَالْعَطيَّة , وَلَا تَكُون الْعَطيَّة هيَ الْمُعْطَى , وَإذَا لَمْ تَكُنْ هيَ هُوَ , وَكَانَتْ غَيْره , وَكَانَتْ صُورَة كُلّ خَلْق بَعْض أَجْزَائه , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إذَا قيلَ : أَعْطَى الْإنْسَان صُورَته , إنَّمَا يَعْني أَنَّهُ أَعْطَى بَعْض الْمَعَاني الَّتي به مَعَ غَيْره دُعيَ إنْسَانًا , فَكَأَنَّ قَائله قَالَ : أَعْطَى كُلّ خَلْق نَفْسه , وَلَيْسَ ذَلكَ إذَا وُجّهَ إلَيْه الْكَلَام بالْمَعْرُوف منْ مَعَاني الْعَطيَّة , وَإنْ كَانَ قَدْ يَحْتَملهُ الْكَلَام . فَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَالْأَصْوَب منْ مَعَانيه أَنْ يَكُون مُوَجَّهًا إلَى أَنَّ كُلّ شَيْء أَعْطَاهُ رَبّه مثْل خَلْقه , فَزَوَّجَهُ به , ثُمَّ هَدَاهُ لمَا بَيَّنَّا , ثُمَّ تَرَكَ ذكْر مَثَل , وَقيلَ { أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلْقه } كَمَا يُقَال : عَبْد اللَّه مثْل الْأَسَد , ثُمَّ يُحْذَف مثْل , فَيَقُول : عَبْد اللَّه الْأَسَد .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ فرْعَوْن لمُوسَى , إذْ وَصَفَ مُوسَى رَبّه جَلَّ جَلَاله بمَا وَصَفَهُ به منْ عَظيم السُّلْطَان , وَكَثْرَة الْإنْعَام عَلَى خَلْقه وَالْإفْضَال : فَمَا شَأْن الْأُمَم الْخَاليَة منْ قَبْلنَا لَمْ تُقرّ بمَا تَقُول , وَلَمْ تُصَدّق بمَا تَدْعُو إلَيْه , وَلَمْ تُخْلص لَهُ الْعبَادَة , وَلَكنَّهَا عَبَدَتْ الْآلهَة وَالْأَوْثَان منْ دُونه , إنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا تَصف منْ أَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا خَلْقه , وَأَنَّهَا في نعَمه تَتَقَلَّب , وَفي منَنه تَتَصَرَّف ؟
فَأَجَابَهُ مُوسَى فَقَالَ : علْم هَذه الْأُمَم الَّتي مَضَتْ منْ قَبْلنَا فيمَا فَعَلَتْ منْ ذَلكَ , عنْد رَبّي في كتَاب : يَعْني في أُمّ الْكتَاب , لَا علْم لي بأَمْرهَا , وَمَا كَانَ سَبَب ضَلَال مَنْ ضَلَّ منْهُمْ فَذَهَبَ عَنْ دين اللَّه { لَا يَضلّ رَبّي } يَقُول : لَا يُخْطئ رَبّي في تَدْبيره وَأَفْعَاله , فَإنْ كَانَ عَذَّبَ تلْكَ الْقُرُون في عَاجل , وَعَجَّلَ هَلَاكهَا , فَالصَّوَاب مَا فَعَلَ , وَإنْ كَانَ أَخَّرَ عقَابهَا إلَى الْقيَامَة , فَالْحَقّ مَا فَعَلَ , هُوَ أَعْلَم بمَا يَفْعَل , لَا يُخْطئ رَبّي { وَلَا يَنْسَى } فَيَتْرُك فعْل مَا فَعَلَهُ حكْمَة وَصَوَاب . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18217 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { في كتَاب لَا يَضلّ رَبّي وَلَا يَنْسَى } يَقُول : لَا يُخْطئ رَبّي وَلَا يَنْسَى . 18218 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَا بَال الْقُرُون الْأُولَى } يَقُول فَمَا أَعْمَى الْقُرُون الْأُولَى , فَوَكَلَهَا نَبيّ اللَّه مُوكلًا فَقَالَ : { علْمهَا عنْد رَبّي } . ... الْآيَة يَقُول : أَيْ أَعْمَارهَا وَآجَالهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { لَا يَضلّ رَبّي وَلَا يَنْسَى } وَاحد . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18219 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { لَا يَضلّ رَبّي وَلَا يَنْسَى } قَالَ : هُمَا شَيْء وَاحد . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . وَالْعَرَب تَقُول : ضَلَّ فُلَان مَنْزله : إذَا أَخْطَأَهُ , يَضلّهُ بغَيْر أَلف , وَكَذَلكَ ذَلكَ في كُلّ مَا كَانَ منْ شَيْء ثَابت لَا يَبْرَح , فَأَخْطَأَهُ مُريده , فَإنَّهَا تَقُول : أَضَلَّهُ , فَأَمَّا إذَا ضَاعَ منْهُ مَا يَزُول بنَفْسه منْ دَابَّة وَنَاقَة وَمَا أَشْبَهَ ذَلكَ منْ الْحَيَوَان الَّذي يَنْفَلت منْهُ فَيَذْهَب , فَإنَّهَا تَقْلُو : أَضَلَّ فُلَان بَعيره أَوْ شَاته أَوْ نَاقَته يَضلّهُ بالْأَلف . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النّسْيَان فيمَا مَضَى قَبْل بمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { الَّذي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في قرَاءَة قَوْله { مَهْدًا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْبَصْرَة : " الَّذي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مهَادًا " بكَسْر الْميم منْ الْمهَاد وَإلْحَاق أَلف فيه بَعْد الْهَاء , وَكَذَلكَ عَمَلهمْ ذَلكَ في كُلّ الْقُرْآن . وَزَعَمَ بَعْض مَنْ اخْتَارَ قرَاءَة ذَلكَ كَذَلكَ , أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَارَهُ منْ أَجْل أَنَّ الْمهَاد : اسْم الْمَوْضع , وَأَنَّ الْمَهْد الْفعْل ; قَالَ : وَهُوَ مثْل الْفُرُش وَالْفرَاش . وَقَرَأَ ذَلكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفيّينَ : { مَهْدًا } بمَعْنَى : الَّذي مَهَدَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا . وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ أَنْ يُقَال : إنَّهُمَا قرَاءَتَان مُسْتَفيضَتَان في قرَاءَة الْأَمْصَار مَشْهُورَتَان , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب الصَّوَاب فيهَا .
وَقَوْله : { وَسَلَكَ لَكُمْ فيهَا سُبُلًا } يَقُول : وَأَنْهَجَ لَكُمْ في الْأَرْض طُرُقًا . وَالْهَاء في قَوْله فيهَا : منْ ذكْر الْأَرْض , كَمَا : 18220 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { وَسَلَكَ لَكُمْ فيهَا سُبُلًا } : أَيْ طُرُقًا .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلَ منْ السَّمَاء مَاء } يَقُول : وَأَنْزَلَ منْ السَّمَاء مَطَرًا { فَأَخْرَجْنَا لَهُ أَزْوَاجًا منْ نَبَات شَتَّى } وَهَذَا خَبَر منْ اللَّه تَعَالَى ذكْره عَنْ إنْعَامه عَلَى خَلْقه بمَا يَحْدُث لَهُمْ منْ الْغَيْث الَّذي يُنْزلهُ منْ سَمَائه إلَى أَرْضه , بَعْد تَنَاهي خَبَره عَنْ جَوَاب مُوسَى فرْعَوْن عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَثَنَائه عَلَى رَبّه بمَا هُوَ أَهْله . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَخْرَجْنَا نَحْنُ أَيّهَا النَّاس بمَا نُنَزّل منْ السَّمَاء منْ مَاء أَزْوَاجًا , يَعْني أَلْوَانًا منْ نَبَات شَتَّى , يَعْني مُخْتَلفَة الطُّعُوم , وَالْأَرَاييح وَالْمَنْظَر . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18221 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { منْ نَبَات شَتَّى } يَقُول : مُخْتَلف .
وَقَوْله : { وَسَلَكَ لَكُمْ فيهَا سُبُلًا } يَقُول : وَأَنْهَجَ لَكُمْ في الْأَرْض طُرُقًا . وَالْهَاء في قَوْله فيهَا : منْ ذكْر الْأَرْض , كَمَا : 18220 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { وَسَلَكَ لَكُمْ فيهَا سُبُلًا } : أَيْ طُرُقًا .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلَ منْ السَّمَاء مَاء } يَقُول : وَأَنْزَلَ منْ السَّمَاء مَطَرًا { فَأَخْرَجْنَا لَهُ أَزْوَاجًا منْ نَبَات شَتَّى } وَهَذَا خَبَر منْ اللَّه تَعَالَى ذكْره عَنْ إنْعَامه عَلَى خَلْقه بمَا يَحْدُث لَهُمْ منْ الْغَيْث الَّذي يُنْزلهُ منْ سَمَائه إلَى أَرْضه , بَعْد تَنَاهي خَبَره عَنْ جَوَاب مُوسَى فرْعَوْن عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَثَنَائه عَلَى رَبّه بمَا هُوَ أَهْله . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَخْرَجْنَا نَحْنُ أَيّهَا النَّاس بمَا نُنَزّل منْ السَّمَاء منْ مَاء أَزْوَاجًا , يَعْني أَلْوَانًا منْ نَبَات شَتَّى , يَعْني مُخْتَلفَة الطُّعُوم , وَالْأَرَاييح وَالْمَنْظَر . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18221 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { منْ نَبَات شَتَّى } يَقُول : مُخْتَلف .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامكُمْ إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لأُولي النُّهَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : كُلُوا أَيّهَا النَّاس منْ طَيّب مَا أَخْرَجْنَا لَكُمْ بالْغَيْث الَّذي أَنْزَلْنَاهُ منْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض منْ ثمَار ذَلكَ وَطَعَامه , وَمَا هُوَ منْ أَقْوَاتكُمْ وَغذَائكُمْ , وَارْعَوْا فيمَا هُوَ أَرْزَاق بَهَائمكُمْ منْهُ وَأَقْوَاتهَا أَنْعَامكُمْ .
{ إنَّ في ذَلكَ لَآيَات } يَقُول : إنَّ فيمَا وَصَفْت في هَذه الْآيَة منْ قُدْرَة رَبّكُمْ , وَعَظيم سُلْطَانه لَآيَات : يَعْني لَدَلَالَات وَعَلَامَات تَدُلّ عَلَى وَحْدَانيَّة رَبّكُمْ , وَأَنْ لَا إلَه لَكُمْ غَيْره { أُولي النُّهَى } يَعْني : أَهْل الْحجَى وَالْعُقُول . وَالنُّهَى : جَمَعَ نُهْيَة , كَمَا الْكُشَى : جَمْع كُشْيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْكُشَى : شَحْمَة تَكُون في جَوْف الضَّبّ , شَبيهَة بالسُّرَّة ; وَخَصَّ تَعَالَى ذكْره بأَنَّ ذَلكَ آيَات لأُولي النُّهَى , لأَنَّهُمْ أَهْل التَّفَكُّر وَالاعْتبَار , وَأَهْل التَّدَبُّر وَالاتّعَاظ .
{ إنَّ في ذَلكَ لَآيَات } يَقُول : إنَّ فيمَا وَصَفْت في هَذه الْآيَة منْ قُدْرَة رَبّكُمْ , وَعَظيم سُلْطَانه لَآيَات : يَعْني لَدَلَالَات وَعَلَامَات تَدُلّ عَلَى وَحْدَانيَّة رَبّكُمْ , وَأَنْ لَا إلَه لَكُمْ غَيْره { أُولي النُّهَى } يَعْني : أَهْل الْحجَى وَالْعُقُول . وَالنُّهَى : جَمَعَ نُهْيَة , كَمَا الْكُشَى : جَمْع كُشْيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْكُشَى : شَحْمَة تَكُون في جَوْف الضَّبّ , شَبيهَة بالسُّرَّة ; وَخَصَّ تَعَالَى ذكْره بأَنَّ ذَلكَ آيَات لأُولي النُّهَى , لأَنَّهُمْ أَهْل التَّفَكُّر وَالاعْتبَار , وَأَهْل التَّدَبُّر وَالاتّعَاظ .
يَقُول تَعَالَى ذكْره : منْ الْأَرْض خَلَقْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَأَنْشَأْنَاكُمْ أَجْسَامًا نَاطقَة .
يَقُول : وَفي الْأَرْض نُعيدكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَنُصَيّركُمْ تُرَابًا , كَمَا كُنْتُمْ قَبْل إنْشَائنَا لَكُمْ بَشَرًا سَويًّا .
يَقُول : وَمنْ الْأَرْض نُخْرجكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ أَحْيَاء , فَنُنْشئكُمْ منْهَا , كَمَا أَنْشَأْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة .
وَقَوْله : { تَارَة أُخْرَى } يَقُول : مَرَّة أُخْرَى , كَمَا : 18222 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { وَمنْهَا نُخْرجكُمْ تَارَة أُخْرَى } يَقُول : مَرَّة أُخْرَى . 18223 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { تَارَة أُخْرَى } قَالَ : مَرَّة أُخْرَى الْخَلْق الْآخَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَتَأْويل الْكَلَام إذَنْ : منْ الْأَرْض أَخْرَجْنَاكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا خَلْقًا سَويًّا , وَسَنُخْرجُكُمْ منْهَا بَعْد مَمَاتكُمْ مَرَّة أُخْرَى , كَمَا أَخْرَجْنَاكُمْ منْهَا أَوَّل مَرَّة .
يَقُول : وَفي الْأَرْض نُعيدكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَنُصَيّركُمْ تُرَابًا , كَمَا كُنْتُمْ قَبْل إنْشَائنَا لَكُمْ بَشَرًا سَويًّا .
يَقُول : وَمنْ الْأَرْض نُخْرجكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ أَحْيَاء , فَنُنْشئكُمْ منْهَا , كَمَا أَنْشَأْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة .
وَقَوْله : { تَارَة أُخْرَى } يَقُول : مَرَّة أُخْرَى , كَمَا : 18222 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { وَمنْهَا نُخْرجكُمْ تَارَة أُخْرَى } يَقُول : مَرَّة أُخْرَى . 18223 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { تَارَة أُخْرَى } قَالَ : مَرَّة أُخْرَى الْخَلْق الْآخَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَتَأْويل الْكَلَام إذَنْ : منْ الْأَرْض أَخْرَجْنَاكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا خَلْقًا سَويًّا , وَسَنُخْرجُكُمْ منْهَا بَعْد مَمَاتكُمْ مَرَّة أُخْرَى , كَمَا أَخْرَجْنَاكُمْ منْهَا أَوَّل مَرَّة .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتنَا كُلّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَقَدْ أَرَيْنَا فرْعَوْن آيَاتنَا , يَعْني أَدلَّتنَا وَحُجَجنَا عَلَى حَقيقَة مَا أَرْسَلْنَا به رَسُولَيْنَا , مُوسَى وَهَارُون إلَيْه كُلّهَا { فَكَذَّبَ وَأَبَى } أَنْ يَقْبَل منْ مُوسَى وَهَارُون مَا جَاءَا به منْ عنْد رَبّهمَا منْ الْحَقّ اسْتكْبَارًا وَعُتُوًّا .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَجئْتنَا لتُخْرجنَا منْ أَرْضنَا بسحْرك يَا مُوسَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ فرْعَوْن لَمَّا أَرَيْنَاهُ آيَاتنَا كُلّهَا لرَسُولنَا مُوسَى : أَجئْتنَا يَا مُوسَى لتُخْرجنَا منْ مَنَازلنَا وَدُورنَا بسحْرك هَذَا الَّذي جئْتنَا به
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى ↓
{ فَلَنَأْتيَنَّك بسحْرٍ مثْله فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك مَوْعدًا } لَا نَتَعَدَّاهُ , لنَجيءَ بسحْرٍ مثْل الَّذي جئْت به , فَنَنْظُر أَيّنَا يَغْلب صَاحبه , لَا نُخْلف ذَلكَ الْمَوْعد { نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } يَقُول : بمَكَانٍ عَدْل بَيْننَا وَبَيْنك وَنَصَف . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقُرَّاته عَامَّة قُرَّاء الْحجَاز وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفيّينَ : " مَكَانًا سوًى " بكَسْر السّين , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { مَكَانًا سُوًى } بضَمّهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ عنْدنَا , أَنَّهُمَا لُغَتَان , أَعْني الْكَسْر وَالضَّمّ في السّين منْ " سُوًى " مَشْهُورَتَان في الْعَرَب . وَقَدْ قَرَأَتْ بكُلّ وَاحدَة منْهُمَا عُلَمَاء منْ الْقُرَّاء , مَعَ اتّفَاق مَعْنَيَيْهمَا , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب . وَللْعَرَب في ذَلكَ إذَا كَانَ بمَعْنَى الْعَدْل وَالنَّصْب لُغَة هيَ أَشْهَر منْ الْكَسْر وَالضَّمّ وَهُوَ الْفَتْح , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { تَعَالَوْا إلَى كَلمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ } 3 64 وَإذَا فَتَحَ السّين منْهُ مَدَّ . وَإذَا كُسرَتْ أَوْ ضُمَّتْ قَصَرَ , كَمَا قَالَ الشَّاعر : فَإنَّ أَبَانَا كَانَ حَلَّ ببَلْدَةٍ سُوًى بَيْن قَيْس قَيْس عَيَلَان وَالْفزْر وَنَظير ذَلكَ منْ الْأَسْمَاء : طُوَى , وَطَوَى ; وَثُنَى وَثَنَى ; وَعُدَى , وَعَدَى . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18224 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : { مَكَانًا سُوًى } قَالَ : مُنْصفًا بَيْنهمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , بنَحْوه . 18225 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { مَكَانًا سُوًى } : أَيْ عَادلًا بَيْننَا وَبَيْنك . 18226 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَكَانًا سُوًى } قَالَ : نَصَفًا بَيْننَا وَبَيْنك . 18227 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , في قَوْله : { فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك مَوْعدًا لَا نُخْلفهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } قَالَ : يَقُول : عَدْلًا . وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول في ذَلكَ مَا : 18228 - حَدَّثَني به يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد في قَوْله : { مَكَانًا سُوًى } قَالَ : مَكَانًا مُسْتَويًا يَتَبَيَّن للنَّاس مَا فيه , لَا يَكُون صَوْب وَلَا شَيْء فَيَغيب بَعْض ذَلكَ عَنْ بَعْض مُسْتَوٍ حين يَرَى .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ مُوسَى لفرْعَوْن , حين سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَل بَيْنه وَبَيْنه مَوْعدًا للاجْتمَاع : مَوْعدكُمْ للاجْتمَاع { يَوْم الزّينَة } يَعْني يَوْم عيد كَانَ لَهُمْ , أَوْ سُوق كَانُوا يَتَزَيَّنُونَ فيه { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس } يَقُول : وَأَنْ يُسَاق النَّاس منْ كُلّ فَجّ وَنَاحيَة { ضُحًى } فَذَلكَ مَوْعد مَا بَيْني وَبَيْنك للاجْتمَاع . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18229 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } فَإنَّهُ يَوْم زينَة يَجْتَمع النَّاس إلَيْه وَيُحْشَر النَّاس لَهُ . 18230 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } قَالَ : يَوْم زينَة لَهُمْ , وَيَوْم عيد لَهُمْ { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } إلَى عيد لَهُمْ . 18231 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعيد { يَوْم الزّينَة } قَالَ : يَوْم السُّوق . 18232 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { يَوْم الزّينَة } : مَوْعدهمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . 18233 - حَدَّثَني مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ مُوسَى : { مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } وَذَلكَ يَوْم عيد لَهُمْ . 18234 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } يَوْم عيد كَانَ لَهُمْ . وَقَوْله : { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } يَجْتَمعُونَ لذَلكَ الْميعَاد الَّذي وُعدُوهُ . 18235 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } قَالَ : يَوْم الْعيد , يَوْم يَتَفَرَّغ النَّاس منْ الْأَعْمَال , وَيَشْهَدُونَ وَيَحْضُرُونَ وَيَرَوْنَ . 18236 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق { قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة } يَوْم عيد كَانَ فرْعَوْن يَخْرُج لَهُ { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } حَتَّى يَحْضُرُوا أَمْري وَأَمْرك . وَأَنَّ منْ قَوْله { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } رُفعَ بالْعَطْف عَلَى قَوْله { يَوْم الزّينَة } . وَذُكرَ عَنْ أَبي نُهَيْك في ذَلكَ مَا : 18237 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمن , قَالَ : سَمعْت أَبَا نُهَيْك يَقُول : { وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى } يَعْني فرْعَوْن يَحْشُر قَوْمه .
وَقَوْله : { فَتَوَلَّى فرْعَوْن } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَأَدْبَرَ فرْعَوْن مُعْرضًا عَمَّا أَتَاهُ به منْ الْحَقّ { فَجَمَعَ كَيْده } يَقُول : فَجَمَعَ مَكْره , وَذَلكَ جَمْعه سَحَرَته بَعْد أَخْذه إيَّاهُمْ بتَعَلُّمه , { ثُمَّ أَتَى } يَقُول : ثُمَّ جَاءَ للْمَوْعد الَّذي وَعَدَهُ مُوسَى , وَجَاءَ بسَحَرَته .