وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَّمَ آدَم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : 534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : بَعَثَ رَبّ الْعِزَّة مَلَك الْمَوْت , فَأَخَذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض مِنْ عَذْبهَا وَمَالِحهَا , فَخَلَقَ مِنْهُ آدَم . وَمِنْ ثُمَّ سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ خَلَقَ مِنْ أَدِيَم الْأَرْض . 535 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ عَلِيّ قَالَ : إنَّ آدَم خَلَقَ مِنْ أَدِيَم الْأَرْض فِيهِ الطَّيِّب وَالصَّالِح وَالرَّدِيء , فَكُلّ ذَلِكَ أَنْتَ رَاءِ فِي وَلَده الصَّالِح وَالرَّدِيء . 536 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَر , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : خُلِقَ آدَم مِنْ أَدِيم الْأَرْض فَسُمِّيَ آدَم وَحَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض . 537 وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إنَّ مُلْك الْمَوْت لَمَّا بَعَثَ لِيَأْخُذ مِنْ الْأَرْض تُرْبَة آدَم , أَخَذَ مِنْ وَجْه الْأَرْض وَخَلَطَ فَلَمْ يَأْخُذ مِنْ مَكَان وَاحِد , وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَة حَمْرَاء وَبَيْضَاء وَسَوْدَاء ; فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَم مُخْتَلِفِينَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ آدَم , لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَبَرٌ يُحَقِّق مَا قَالَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله فِي مَعْنَى آدَم , وَذَلِكَ مَا : 538 - حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْف , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَعُمَر بْن شَبَّة , قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْف , وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر وَعَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ قَالُوا : حَدَّثَنَا عَوْف , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن أَبَانَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَنْبَسَة , عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ , عَنْ قسامة بْن زُهَيْر , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ " إنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم مِنْ قَبْضَة قَبَضَهَا مِنْ جَمِيع الْأَرْض , فَجَاءَ بَنُو آدَم عَلَى قَدْر الْأَرْض جَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد وَالْأَبْيَض وَبَيْن ذَلِكَ وَالسَّهْل وَالْحَزَن وَالْخَبِيث وَالطَّيِّب " فَعَلَى التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَ آدَم مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض , يَجِب أَنْ يَكُون أَصْل آدَم فِعْلًا سُمِّيَ بِهِ أَبُو الْبَشَر , كَمَا سُمِّيَ أَحْمَد بِالْفِعْلِ مِنْ الْإِحْمَاد , وَأَسْعَد مِنْ الْإِسْعَاد , فَلِذَلِكَ لَمْ يُجَرّ , وَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : آدَم الْمَلَك الْأَرْض , يَعْنِي بِهِ بَلَغَ أَدْمَتهَا , وَأَدْمَتهَا وَجْههَا الظَّاهِر لِرَأْيِ الْعَيْن , كَمَا أَنَّ جَلْدَة كُلّ ذِي جَلْدَة لَهُ . أَدَمَة , وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ الْإِدَام إدَامًا , لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجِلْدَةِ الْعُلْيَا مِمَّا هِيَ مِنْهُ , ثُمَّ نُقِلَ مِنْ الْفِعْل فَجَعَلَ اسْمًا لِلشَّخْصِ بِعَيْنِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَسْمَاء الَّتِي عَلِمَهَا آدَم ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى الْمَلَائِكَة . فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا : 539 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : عَلَّمَ اللَّه آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , وَهِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاء الَّتِي يَتَعَارَف بِهَا النَّاس : إنْسَان وَدَابَّة , وَأَرْض , وَسَهْل , وَبَحْر , وَجَبَل , وَحِمَار , وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِنْ الْأُمَم وَغَيْرهَا . 540 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء . وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء . 541 - وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم الْحَرَمِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس بْن الرَّبِيع , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم الْغُرَاب وَالْحَمَامَة , وَاسْم كُلّ شَيْء . 542 - وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء , حَتَّى الْبَعِير وَالْبَقَرَة وَالشَّاة . 543 - وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شَرِيك , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن مَعْبَد عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم الْقَصْعَة وَالْفَسْوَة وَالْفَسْيَة . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : حَتَّى الفسوة والفسية . حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن مَعْبَد , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء حَتَّى الْهَنَة وَالْهُنَيَّة وَالْفَسْوَة وَالضَّرْطَة . وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : عَلَّمَهُ الْقَصْعَة مِنْ الْقَصِيعَة , وَالْفَسْوَة مِنْ الْفَسْيَة . 544 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } حَتَّى بَلَغَ : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ : يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ! فَأَنْبَأَ كُلّ صِنْف مِنْ الْخَلْق بِاسْمِهِ وَأَلْجَأَهُ إلَى جِنْسه . 545 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء : هَذَا جَبَل , وَهَذَا بَحْر , وَهَذَا كَذَا وَهَذَا كَذَا , لِكُلِّ شَيْء , ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَشْيَاء عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } 546 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم وَمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ قَالَا : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء : هَذِهِ الْخَيْل , وَهَذِهِ الْبِغَال , وَالْإِبِل , وَالْجِنّ , وَالْوَحْش , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ . 547 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : اسْم كُلّ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا أَسَمَاء الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 548 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : أَسَمَاء الْمَلَائِكَة . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا عَلَّمَهُ أَسَمَاء ذُرِّيَّته كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 549 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : أَسَمَاء ذُرِّيَّته أَجْمَعِينَ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهَهَا بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر التِّلَاوَة قَوْل مَنْ قَالَ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } إنَّهَا أَسَمَاء ذُرِّيَّته وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة , دُون أَسَمَاء سَائِر أَجْنَاس الْخَلْق . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَعْيَان الْمُسَمِّينَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تُكَنِّي بِالْهَاءِ وَالْمِيم إلَّا عَنْ أَسَمَاء بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة ; وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ أَسَمَاء الْبَهَائِم وَسَائِر الْخَلْق , سِوَى مَنْ وَصَفْنَا , فَإِنَّهَا تَكُنِّي عَنْهَا بِالْهَاءِ وَالْأَلِف , أَوْ بِالْهَاءِ وَالنُّون , فَقَالَتْ : عَرَضَهُنَّ , أَوْ عَرْضهَا . وَكَذَلِكَ تَفْعَل إذَا كُنْت عَنْ أَصْنَاف مِنْ الْخَلْق , كَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْر وَسَائِر أَصْنَاف الْأُمَم , وَفِيهَا أَسَمَاء بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة , فَإِنَّهَا تَكُنِّي عَنْهَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْهَاء وَالنُّون , أَوْ الْهَاء وَالْأَلِف . وَرُبَّمَا كَنَّتْ عَنْهَا إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِالْهَاءِ وَالْمِيم , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } 24 45 فَكَنَّى عَنْهَا بِالْهَاءِ وَالْمِيم , وَهِيَ أَصْنَاف مُخْتَلِفَة فِيهَا الْآدَمِيّ وَغَيْره . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَإِنَّ الْغَالِب الْمُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب مَا وَصَفْنَا مِنْ إخْرَاجهمْ كِنَايَة أَسَمَاء أَجْنَاس الْأُمَم إذَا اخْتَلَطَتْ بِالْهَاءِ وَالْأَلِف , أَوْ الْهَاء وَالنُّون . فَلِذَلِكَ قُلْت : أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة أَنْ تَكُون الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم أَسَمَاء أَعْيَان بَنِي آدَم وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة . وَإِنْ كَانَ مَا قَالَ ابْن عَبَّاس جَائِزًا عَلَى مِثَال مَا جَاءَ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ قَوْله : { وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } 24 45 الْآيَة . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي حَرْف ابْن مَسْعُود : " ثُمَّ عَرَضَهُنَّ " , وَأَنَّهَا فِي حَرْف أُبَيّ : " ثُمَّ عَرَضَهَا " . وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس تَأَوَّلَ مَا تَأَوَّلَ مِنْ قَوْله : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء حَتَّى الْفَسْوَة وَالْفَسْيَة عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ , فَإِنَّهُ فِيمَا بَلَغَنَا كَانَ يَقْرَأ قِرَاءَة أُبَيّ . وَتَأْوِيل ابْن عَبَّاس عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي مِنْ قِرَاءَته غَيْر مُسْتَنْكَر , بَلْ هُوَ صَحِيح مُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى نَحْو مَا تَقَدَّمَ وَصْفِي ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرنَا التَّأْوِيل الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْآيَةِ عَلَى قِرَاءَتنَا وَرَسْم مُصْحَفنَا , وَأَنَّ قَوْله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } بِالدَّلَالَةِ عَلَى بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة أَوْلَى مِنْهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى أَجْنَاس الْخَلْق كُلّهَا , وَإِنْ كَانَ غَيْر فَاسِد أَنْ يَكُون دَالًا عَلَى جَمِيع أَصْنَاف الْأُمَم لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْنَا . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ثُمَّ عَرَضَ أَهْل الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } نَحْو اخْتِلَافهمْ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } وَسَأَذْكُرُ قَوْل مَنْ انْتَهَى إلَيْنَا عَنْهُ فِيهِ قَوْل . 550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } ثُمَّ عَرَضَ هَذِهِ الْأَسْمَاء ; يَعْنِي أَسَمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم مِنْ أَصْنَاف جَمِيع الْخَلْق . 551 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبَى صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْق عَلَى الْمَلَائِكَة . 552 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَسَمَاء ذُرِّيَّته كُلّهَا أَخَذَهُمْ مِنْ ظَهْره . قَالَ , ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . 553 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة . 554 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } عَرَضَ أَصْحَاب الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة 555 - وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس , عَنْ خَصِيف عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } يَعْنِي عَرَضَ الْأَسْمَاء الْحَمَامَة وَالْغُرَاب 556 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن , وَقَتَادَةُ قَالَا : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء هَذِهِ الْخَيْل وَهَذِهِ الْبِغَال وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ , وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ أُمَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { أَنْبِئُونِي } أَخْبِرُونِي , كَمَا : 557 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَنْبِئُونِي } يَقُول : أَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ . وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : وَأَنْبَأَهُ الْمُنَبِّئ أن حَيًّا حُلُول من حَرَام أو جُذَام يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنْبَأَهُ : أَخْبَرَهُ وَأَعْلَمَهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : 558 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ : بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثْت بِهَا آدَم . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِد : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ الَّتِي حَدَّثْت بِهَا آدَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . 559 - فَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَمْ أَجْعَل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . 560 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء . 561 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ قَالَا : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنِّي لَمْ أَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنْتُمْ أَعْلَم مِنْهُ , فَأَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة تَأْوِيل ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ مِنْ عَرَضْته عَلَيْكُمْ أَيَّتهَا الْمَلَائِكَة الْقَائِلُونَ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } مِنْ غَيْرنَا , أَمْ مِنَّا ؟ فَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك ; إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قِيلكُمْ أَنِّي إنْ جَعَلَتْ خَلِيفَتِي فِي الْأَرْض مِنْ غَيْركُمْ عَصَانِي ذُرِّيَّته , وَأَفْسَدُوا فِيهَا , وَسَفَكُوا الدِّمَاء , وَإِنْ جَعَلْتُكُمْ فِيهَا أَطَلَعْتُمُونِي , وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي بِالتَّعْظِيمِ لِي وَالتَّقْدِيس . فَإِنَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَسَمَاء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَرَضْتهمْ عَلَيْكُمْ مِنْ خَلْقِي وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَوْجُودُونَ تَرَوْنَهُمْ وَتُعَايِنُونَهُمْ , وَعَلَّمَهُ غَيْركُمْ بِتَعْلِيمِي إيَّاهُ , فَأَنْتُمْ بِمَا هُوَ غَيْر مَوْجُود مِنْ الْأُمُور الْكَائِنَة الَّتِي لَمْ تُوجَد بَعْد , وَبِمَا هُوَ مُسْتَتِر مِنْ الْأُمُور الَّتِي هِيَ مَوْجُودَة عَنْ أَعْيُنكُمْ أَحْرَى أَنْ تَكُونُوا غَيْر عَالَمِينَ , فَلَا تَسْأَلُونِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم , فَإِنِّي أَعْلَم بِمَا يُصْلِحكُمْ وَيُصْلِح خَلْقِي . وَهَذَا الْفِعْل مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } مِنْ جِهَة عِتَابه جَلَّ ذِكْره إيَّاهُمْ , نَظِير قَوْله جَلَّ جَلَاله لِنَبِيِّهِ نُوحَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , إذْ قَالَ : { رَبّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَك الْحَقّ وَأَنْت أَحْكَم الْحَاكِمِينَ } 11 45 لَا تَسْأَلَنَّ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إنِّي أَعِظك أَنَّ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ . فَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة سَأَلَتْ رَبّهَا أَنْ تَكُون خُلَفَاءَهُ فِي الْأَرْض يُسَبِّحُوهُ وَيُقَدِّسُوهُ فِيهَا , إذْ كَانَ ذُرِّيَّة مَنْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاعِله فِي الْأَرْض خَلِيفَة , يُفْسِدُونَ فِيهَا , وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنِّي أَعْلَم أَنَّ بَعْضكُمْ فَاتِح الْمَعَاصِي وَخَاتِمهَا - وَهُوَ إبْلِيس - مُنْكَرًا بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره قَوْلهمْ . ثُمَّ عَرَّفَهُمْ مَوْضِع هَفْوَتهمْ فِي قِيلهمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , بِتَعْرِيفِهِمْ قُصُور عِلْمهمْ عَمَّا هُمْ لَهُ شَاهِدُونَ عِيَانًا , فَكَيْف بِمَا لَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُخْبِرُوا عَنْهُ بِعَرْضِهِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْقه الْمَوْجُودِينَ يَوْمئِذٍ , وَقِيله لَهُمْ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّكُمْ إنْ اسْتَخْلَفْتُكُمْ فِي أَرْضِي سَبَّحْتُمُونِي وَقَدَّسْتُمُونِي , وَإِنْ اسْتَخْلَفْت فِيهَا غَيْركُمْ عَصَانِي ذُرِّيَّته , وَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء . فَلَمَّا اتَّضَحَ لَهُمْ مَوْضِع خَطَأ قِيلهمْ , وَبَدَتْ لَهُمْ هَفْوَة زَلَّتهمْ أَنَابُوا إلَى اللَّه بِالتَّوْبَةِ فَقَالُوا : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَسَارِعُوا الرَّجْعَة مِنْ الْهَفْوَة , وَبَادِرُوا الْإِنَابَة مِنْ الزَّلَّة , كَمَا قَالَ نُوح حِين عُوتِبَ فِي مَسْأَلَته , فَقِيلَ لَهُ : لَا تَسْأَلَنَّ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم : { رَبّ إنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أَسَأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإِلَّا تَغْفِر لِي وَتَرْحَمنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 11 47 وَكَذَلِكَ فَعَلَ كُلّ مُسَدِّد لِلْحَقِّ مُوَفَّق لَهُ , سَرِيعَة إلَى الْحَقّ إنَابَته , قَرِيبَة إلَيْهِ أَوْبَته . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَة ادَّعَوْا شَيْئًا , إنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ جَهْلهمْ بِعِلْمِ الْغَيْب وَعِلْمه بِذَلِكَ وَفَضْله , فَقَالَ : أَنْبِئُونِي إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ; كَمَا يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَنْبِئْنِي بِهَذَا إنْ كُنْت تَعْلَم , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَعْلَم ; يُرِيد أَنَّهُ جَاهِل . وَهَذَا قَوْل إذَا تَدَبَّرَهُ مُتَدَبِّر عَلِمَ أَنَّ بَعْضه مُفْسِد بَعْضًا , وَذَلِكَ أَنَّ قَائِله زَعَمَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إذْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَهْل الْأَسْمَاء : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ , وَلَا هُمْ ادَّعَوْا عِلْم شَيْء يُوجِب أَنْ يُوَبِّخُوا بِهَذَا الْقَوْل . وَزَعَمَ أَنَّ قَوْله : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } نَظِير قَوْل الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَنْبِئْنِي بِهَذَا إنْ كُنْت تَعْلَم , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَعْلَم ; يُرِيد أَنَّهُ جَاهِل . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنَّمَا هُوَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , إمَّا فِي قَوْلكُمْ , وَإِمَّا فِي فِعْلكُمْ ; لِأَنَّ الصِّدْق فِي كَلَام الْعَرَب إنَّمَا هُوَ صِدْق فِي الْخَبَر لَا فِي الْعِلْم ; وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي لُغَة مِنْ اللُّغَات أَنْ يُقَال صَدَقَ الرَّجُل بِمَعْنَى عَلِمَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى تَأْوِيل قَوْل هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا قَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ غَيْر صَادِقِينَ يُرِيد بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ . وَذَلِكَ هُوَ عَيْن مَا أَنَكْرَهُ , لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة لَمْ تَدَع شَيْئًا فَكَيْف جَازَ أَنْ يُقَال لَهُمْ : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَنْبَئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ؟ هَذَا مَعَ خُرُوج هَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ صَاحِبه مِنْ أَقْوَال جَمِيع الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين مِنْ أَهْل التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض أَهْل التَّفْسِير أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل قَوْله : { إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } بِمَعْنَى : إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَلَوْ كَانَتْ " إنْ " بِمَعْنَى " إذْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع لَوَجَبَ أَنْ تَكُون قِرَاءَتهَا بِفَتْحِ أَلِفهَا , لِأَنَّ " إذْ " إذَا تَقَدَّمَهَا فِعْل مُسْتَقْبِل صَارَتْ عِلَّة لِلْفِعْلِ وَسَبَبًا لَهُ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : أَقَوْم إذْ قُمْت , فَمَعْنَاهُ : أَقَوْم مِنْ أَجْل أَنَّك قُمْت , وَالْأَمْر بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال . فَمَعْنَى الْكَلَام لَوْ كَانَتْ إنَّ بِمَعْنَى إذْ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ صَادِقُونَ . فَإِذَا وُضِعَتْ " إنْ " مَكَان ذَلِكَ , قِيلَ : " أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ أَنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " مَفْتُوحَة الْأَلِف , وَفِي إجْمَاع جَمِيع قُرَّاء أَهْل الْإِسْلَام عَلَى كَسْر الْأَلِف مِنْ " إنَّ " دَلِيل وَاضِح عَلَى خَطَأ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ " إنَّ " بِمَعْنَى " إذْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَسْمَاء الَّتِي عَلِمَهَا آدَم ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى الْمَلَائِكَة . فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا : 539 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : عَلَّمَ اللَّه آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا , وَهِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاء الَّتِي يَتَعَارَف بِهَا النَّاس : إنْسَان وَدَابَّة , وَأَرْض , وَسَهْل , وَبَحْر , وَجَبَل , وَحِمَار , وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِنْ الْأُمَم وَغَيْرهَا . 540 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء . وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء . 541 - وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم الْحَرَمِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس بْن الرَّبِيع , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم الْغُرَاب وَالْحَمَامَة , وَاسْم كُلّ شَيْء . 542 - وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء , حَتَّى الْبَعِير وَالْبَقَرَة وَالشَّاة . 543 - وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شَرِيك , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن مَعْبَد عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم الْقَصْعَة وَالْفَسْوَة وَالْفَسْيَة . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : حَتَّى الفسوة والفسية . حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن مَعْبَد , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء حَتَّى الْهَنَة وَالْهُنَيَّة وَالْفَسْوَة وَالضَّرْطَة . وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : عَلَّمَهُ الْقَصْعَة مِنْ الْقَصِيعَة , وَالْفَسْوَة مِنْ الْفَسْيَة . 544 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } حَتَّى بَلَغَ : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ : يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ! فَأَنْبَأَ كُلّ صِنْف مِنْ الْخَلْق بِاسْمِهِ وَأَلْجَأَهُ إلَى جِنْسه . 545 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء : هَذَا جَبَل , وَهَذَا بَحْر , وَهَذَا كَذَا وَهَذَا كَذَا , لِكُلِّ شَيْء , ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَشْيَاء عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } 546 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم وَمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ قَالَا : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء : هَذِهِ الْخَيْل , وَهَذِهِ الْبِغَال , وَالْإِبِل , وَالْجِنّ , وَالْوَحْش , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ . 547 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : اسْم كُلّ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا أَسَمَاء الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 548 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : أَسَمَاء الْمَلَائِكَة . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا عَلَّمَهُ أَسَمَاء ذُرِّيَّته كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 549 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } قَالَ : أَسَمَاء ذُرِّيَّته أَجْمَعِينَ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهَهَا بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر التِّلَاوَة قَوْل مَنْ قَالَ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } إنَّهَا أَسَمَاء ذُرِّيَّته وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة , دُون أَسَمَاء سَائِر أَجْنَاس الْخَلْق . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَعْيَان الْمُسَمِّينَ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم , وَلَا تَكَاد الْعَرَب تُكَنِّي بِالْهَاءِ وَالْمِيم إلَّا عَنْ أَسَمَاء بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة ; وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ أَسَمَاء الْبَهَائِم وَسَائِر الْخَلْق , سِوَى مَنْ وَصَفْنَا , فَإِنَّهَا تَكُنِّي عَنْهَا بِالْهَاءِ وَالْأَلِف , أَوْ بِالْهَاءِ وَالنُّون , فَقَالَتْ : عَرَضَهُنَّ , أَوْ عَرْضهَا . وَكَذَلِكَ تَفْعَل إذَا كُنْت عَنْ أَصْنَاف مِنْ الْخَلْق , كَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْر وَسَائِر أَصْنَاف الْأُمَم , وَفِيهَا أَسَمَاء بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة , فَإِنَّهَا تَكُنِّي عَنْهَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْهَاء وَالنُّون , أَوْ الْهَاء وَالْأَلِف . وَرُبَّمَا كَنَّتْ عَنْهَا إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِالْهَاءِ وَالْمِيم , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } 24 45 فَكَنَّى عَنْهَا بِالْهَاءِ وَالْمِيم , وَهِيَ أَصْنَاف مُخْتَلِفَة فِيهَا الْآدَمِيّ وَغَيْره . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَإِنَّ الْغَالِب الْمُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب مَا وَصَفْنَا مِنْ إخْرَاجهمْ كِنَايَة أَسَمَاء أَجْنَاس الْأُمَم إذَا اخْتَلَطَتْ بِالْهَاءِ وَالْأَلِف , أَوْ الْهَاء وَالنُّون . فَلِذَلِكَ قُلْت : أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة أَنْ تَكُون الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم أَسَمَاء أَعْيَان بَنِي آدَم وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة . وَإِنْ كَانَ مَا قَالَ ابْن عَبَّاس جَائِزًا عَلَى مِثَال مَا جَاءَ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ قَوْله : { وَاَللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } 24 45 الْآيَة . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي حَرْف ابْن مَسْعُود : " ثُمَّ عَرَضَهُنَّ " , وَأَنَّهَا فِي حَرْف أُبَيّ : " ثُمَّ عَرَضَهَا " . وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس تَأَوَّلَ مَا تَأَوَّلَ مِنْ قَوْله : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء حَتَّى الْفَسْوَة وَالْفَسْيَة عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ , فَإِنَّهُ فِيمَا بَلَغَنَا كَانَ يَقْرَأ قِرَاءَة أُبَيّ . وَتَأْوِيل ابْن عَبَّاس عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي مِنْ قِرَاءَته غَيْر مُسْتَنْكَر , بَلْ هُوَ صَحِيح مُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى نَحْو مَا تَقَدَّمَ وَصْفِي ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرنَا التَّأْوِيل الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْآيَةِ عَلَى قِرَاءَتنَا وَرَسْم مُصْحَفنَا , وَأَنَّ قَوْله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } بِالدَّلَالَةِ عَلَى بَنِي آدَم وَالْمَلَائِكَة أَوْلَى مِنْهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى أَجْنَاس الْخَلْق كُلّهَا , وَإِنْ كَانَ غَيْر فَاسِد أَنْ يَكُون دَالًا عَلَى جَمِيع أَصْنَاف الْأُمَم لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْنَا . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ثُمَّ عَرَضَ أَهْل الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } نَحْو اخْتِلَافهمْ فِي قَوْله : { وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا } وَسَأَذْكُرُ قَوْل مَنْ انْتَهَى إلَيْنَا عَنْهُ فِيهِ قَوْل . 550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } ثُمَّ عَرَضَ هَذِهِ الْأَسْمَاء ; يَعْنِي أَسَمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي عَلَّمَهَا آدَم مِنْ أَصْنَاف جَمِيع الْخَلْق . 551 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبَى صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ثُمَّ عَرَضَ الْخَلْق عَلَى الْمَلَائِكَة . 552 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَسَمَاء ذُرِّيَّته كُلّهَا أَخَذَهُمْ مِنْ ظَهْره . قَالَ , ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . 553 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } قَالَ : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة . 554 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } عَرَضَ أَصْحَاب الْأَسْمَاء عَلَى الْمَلَائِكَة 555 - وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قِيس , عَنْ خَصِيف عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة } يَعْنِي عَرَضَ الْأَسْمَاء الْحَمَامَة وَالْغُرَاب 556 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن , وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن , وَقَتَادَةُ قَالَا : عَلَّمَهُ اسْم كُلّ شَيْء هَذِهِ الْخَيْل وَهَذِهِ الْبِغَال وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , وَجَعَلَ يُسَمِّي كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ , وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ أُمَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { أَنْبِئُونِي } أَخْبِرُونِي , كَمَا : 557 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَنْبِئُونِي } يَقُول : أَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ . وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : وَأَنْبَأَهُ الْمُنَبِّئ أن حَيًّا حُلُول من حَرَام أو جُذَام يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنْبَأَهُ : أَخْبَرَهُ وَأَعْلَمَهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : 558 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } قَالَ : بِأَسْمَاءِ هَذِهِ الَّتِي حَدَّثْت بِهَا آدَم . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِد : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ الَّتِي حَدَّثْت بِهَا آدَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . 559 - فَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَمْ أَجْعَل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . 560 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء . 561 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ جَرِير بْن حَازِم وَمُبَارَك عَنْ الْحَسَن وَأَبِي بَكْر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ قَالَا : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنِّي لَمْ أَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنْتُمْ أَعْلَم مِنْهُ , فَأَخْبِرُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة تَأْوِيل ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ مِنْ عَرَضْته عَلَيْكُمْ أَيَّتهَا الْمَلَائِكَة الْقَائِلُونَ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء } مِنْ غَيْرنَا , أَمْ مِنَّا ؟ فَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك ; إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قِيلكُمْ أَنِّي إنْ جَعَلَتْ خَلِيفَتِي فِي الْأَرْض مِنْ غَيْركُمْ عَصَانِي ذُرِّيَّته , وَأَفْسَدُوا فِيهَا , وَسَفَكُوا الدِّمَاء , وَإِنْ جَعَلْتُكُمْ فِيهَا أَطَلَعْتُمُونِي , وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي بِالتَّعْظِيمِ لِي وَالتَّقْدِيس . فَإِنَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَسَمَاء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَرَضْتهمْ عَلَيْكُمْ مِنْ خَلْقِي وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَوْجُودُونَ تَرَوْنَهُمْ وَتُعَايِنُونَهُمْ , وَعَلَّمَهُ غَيْركُمْ بِتَعْلِيمِي إيَّاهُ , فَأَنْتُمْ بِمَا هُوَ غَيْر مَوْجُود مِنْ الْأُمُور الْكَائِنَة الَّتِي لَمْ تُوجَد بَعْد , وَبِمَا هُوَ مُسْتَتِر مِنْ الْأُمُور الَّتِي هِيَ مَوْجُودَة عَنْ أَعْيُنكُمْ أَحْرَى أَنْ تَكُونُوا غَيْر عَالَمِينَ , فَلَا تَسْأَلُونِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم , فَإِنِّي أَعْلَم بِمَا يُصْلِحكُمْ وَيُصْلِح خَلْقِي . وَهَذَا الْفِعْل مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } مِنْ جِهَة عِتَابه جَلَّ ذِكْره إيَّاهُمْ , نَظِير قَوْله جَلَّ جَلَاله لِنَبِيِّهِ نُوحَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , إذْ قَالَ : { رَبّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَك الْحَقّ وَأَنْت أَحْكَم الْحَاكِمِينَ } 11 45 لَا تَسْأَلَنَّ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إنِّي أَعِظك أَنَّ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ . فَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة سَأَلَتْ رَبّهَا أَنْ تَكُون خُلَفَاءَهُ فِي الْأَرْض يُسَبِّحُوهُ وَيُقَدِّسُوهُ فِيهَا , إذْ كَانَ ذُرِّيَّة مَنْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاعِله فِي الْأَرْض خَلِيفَة , يُفْسِدُونَ فِيهَا , وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره : { إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنِّي أَعْلَم أَنَّ بَعْضكُمْ فَاتِح الْمَعَاصِي وَخَاتِمهَا - وَهُوَ إبْلِيس - مُنْكَرًا بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره قَوْلهمْ . ثُمَّ عَرَّفَهُمْ مَوْضِع هَفْوَتهمْ فِي قِيلهمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , بِتَعْرِيفِهِمْ قُصُور عِلْمهمْ عَمَّا هُمْ لَهُ شَاهِدُونَ عِيَانًا , فَكَيْف بِمَا لَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُخْبِرُوا عَنْهُ بِعَرْضِهِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْقه الْمَوْجُودِينَ يَوْمئِذٍ , وَقِيله لَهُمْ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنَّكُمْ إنْ اسْتَخْلَفْتُكُمْ فِي أَرْضِي سَبَّحْتُمُونِي وَقَدَّسْتُمُونِي , وَإِنْ اسْتَخْلَفْت فِيهَا غَيْركُمْ عَصَانِي ذُرِّيَّته , وَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء . فَلَمَّا اتَّضَحَ لَهُمْ مَوْضِع خَطَأ قِيلهمْ , وَبَدَتْ لَهُمْ هَفْوَة زَلَّتهمْ أَنَابُوا إلَى اللَّه بِالتَّوْبَةِ فَقَالُوا : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَسَارِعُوا الرَّجْعَة مِنْ الْهَفْوَة , وَبَادِرُوا الْإِنَابَة مِنْ الزَّلَّة , كَمَا قَالَ نُوح حِين عُوتِبَ فِي مَسْأَلَته , فَقِيلَ لَهُ : لَا تَسْأَلَنَّ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم : { رَبّ إنِّي أَعُوذ بِك أَنْ أَسَأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإِلَّا تَغْفِر لِي وَتَرْحَمنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 11 47 وَكَذَلِكَ فَعَلَ كُلّ مُسَدِّد لِلْحَقِّ مُوَفَّق لَهُ , سَرِيعَة إلَى الْحَقّ إنَابَته , قَرِيبَة إلَيْهِ أَوْبَته . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَة ادَّعَوْا شَيْئًا , إنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ جَهْلهمْ بِعِلْمِ الْغَيْب وَعِلْمه بِذَلِكَ وَفَضْله , فَقَالَ : أَنْبِئُونِي إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ; كَمَا يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَنْبِئْنِي بِهَذَا إنْ كُنْت تَعْلَم , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَعْلَم ; يُرِيد أَنَّهُ جَاهِل . وَهَذَا قَوْل إذَا تَدَبَّرَهُ مُتَدَبِّر عَلِمَ أَنَّ بَعْضه مُفْسِد بَعْضًا , وَذَلِكَ أَنَّ قَائِله زَعَمَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إذْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَهْل الْأَسْمَاء : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ , وَلَا هُمْ ادَّعَوْا عِلْم شَيْء يُوجِب أَنْ يُوَبِّخُوا بِهَذَا الْقَوْل . وَزَعَمَ أَنَّ قَوْله : { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } نَظِير قَوْل الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَنْبِئْنِي بِهَذَا إنْ كُنْت تَعْلَم , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ لَا يَعْلَم ; يُرِيد أَنَّهُ جَاهِل . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } إنَّمَا هُوَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , إمَّا فِي قَوْلكُمْ , وَإِمَّا فِي فِعْلكُمْ ; لِأَنَّ الصِّدْق فِي كَلَام الْعَرَب إنَّمَا هُوَ صِدْق فِي الْخَبَر لَا فِي الْعِلْم ; وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي لُغَة مِنْ اللُّغَات أَنْ يُقَال صَدَقَ الرَّجُل بِمَعْنَى عَلِمَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى تَأْوِيل قَوْل هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا قَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ غَيْر صَادِقِينَ يُرِيد بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ . وَذَلِكَ هُوَ عَيْن مَا أَنَكْرَهُ , لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة لَمْ تَدَع شَيْئًا فَكَيْف جَازَ أَنْ يُقَال لَهُمْ : إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَنْبَئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ؟ هَذَا مَعَ خُرُوج هَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ صَاحِبه مِنْ أَقْوَال جَمِيع الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين مِنْ أَهْل التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض أَهْل التَّفْسِير أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل قَوْله : { إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } بِمَعْنَى : إذْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَلَوْ كَانَتْ " إنْ " بِمَعْنَى " إذْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع لَوَجَبَ أَنْ تَكُون قِرَاءَتهَا بِفَتْحِ أَلِفهَا , لِأَنَّ " إذْ " إذَا تَقَدَّمَهَا فِعْل مُسْتَقْبِل صَارَتْ عِلَّة لِلْفِعْلِ وَسَبَبًا لَهُ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : أَقَوْم إذْ قُمْت , فَمَعْنَاهُ : أَقَوْم مِنْ أَجْل أَنَّك قُمْت , وَالْأَمْر بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال . فَمَعْنَى الْكَلَام لَوْ كَانَتْ إنَّ بِمَعْنَى إذْ : أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ صَادِقُونَ . فَإِذَا وُضِعَتْ " إنْ " مَكَان ذَلِكَ , قِيلَ : " أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ أَنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " مَفْتُوحَة الْأَلِف , وَفِي إجْمَاع جَمِيع قُرَّاء أَهْل الْإِسْلَام عَلَى كَسْر الْأَلِف مِنْ " إنَّ " دَلِيل وَاضِح عَلَى خَطَأ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ " إنَّ " بِمَعْنَى " إذْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ مَلَائِكَته بِالْأَوْبَةِ إلَيْهِ , وَتَسْلِيم عِلْم مَا لَمْ يُعَلِّمُوهُ لَهُ , وَتَبَرِّيهِمْ مِنْ أَنْ يَعْلَمُوا أَوْ يَعْلَم أَحَد شَيْئًا إلا ما عَلِمَهُ تَعَالَى ذِكْره . وَفِي هَذِهِ الْآيَات الثَّلَاث الْعِبْرَة لِمَنْ اُعْتُبِرَ , وَالذِّكْرَى لِمَنْ ادَّكَرَ , وَالْبَيَان لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب أَوْ أَلْقَى السَّمْع وَهُوَ شَهِيد , عَمَّا أَوْدَعَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ آيَ هَذَا الْقُرْآن مِنْ لَطَائِف الْحِكَم الَّتِي تَعْجِز عَنْ أَوْصَافهَا الْأَلْسُن . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ احْتَجَّ فِيهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى مَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل بِاطِّلَاعِهِ إيَّاهُ مِنْ عُلُوم الْغَيْب الَّتِي لَمْ يَكُنْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَطْلَعَ عَلَيْهَا مِنْ خَلْقه إلَّا خَاصًّا , وَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا عِلْمه إلَّا بِالْإِنْبَاءِ وَالْإِخْبَار , لِتَتَقَرَّر عِنْدهمْ صِحَّة نُبُوَّته , وَيَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ فَمِنْ عِنْده , وَدَلَّ فِيهَا عَلَى أَنَّ كُلّ مُخْبِر خَبَرًا عَمَّا قَدْ كَانَ أَوْ عَمَّا هُوَ كَائِن مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَأْتِهِ بِهِ خَبَر وَلَمْ يُوضَع لَهُ عَلَى صِحَّته بُرْهَان فَمُتَقَوَّل مَا يَسْتَوْجِب بِهِ مِنْ رَبّه الْعُقُوبَة . أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره رَدَّ عَلَى مَلَائِكَته قِيلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك قَالَ إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَعَرَّفَهُمْ أَنَّ قِيل ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُمْ بِمَا عَرَّفَهُمْ مِنْ قُصُور عِلْمهمْ عِنْد عَرْضه مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْل الْأَسْمَاء , فَقَالَ : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَفْزَع إلَّا الْإِقْرَار بِالْعَجْزِ وَالتَّبَرِّي إلَيْهِ أَنْ يَعْلَمُوا إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ بِقَوْلِهِمْ : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَكَانَ فِي ذَلِكَ أَوْضَح الدَّلَالَة وَأَبْيَن الْحُجَّة عَلَى كَذِب مَقَالَة كُلّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ عُلُوم الْغَيْب مِنْ الحزاه وَالْكَهَنَة والعافة وَالْمُنَجِّمَة . وَذَكَرَ بها الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب سَوَالِف نِعَمه عَلَى آبَائِهِمْ , وَأَيَادِيه عِنْد أَسْلَافهمْ , عِنْد إنَابَتهمْ إلَيْهِ , وَإِقْبَالهمْ إلَى طَاعَته ; مُسْتَعْطِفهمْ بِذَلِكَ إلَى الرَّشَاد , وَمُسْتَعْتِبهمْ بِهِ إلَى النَّجَاة , وَحَذَّرَهُمْ بِالْإِصْرَارِ وَالتَّمَادِي فِي الْبَغْي وَالضَّلَال , حُلُول الْعِقَاب بِهِمْ نَظِير مَا أَحَلَّ بَعْدُوهُ إبْلِيس , إذْ تَمَادَى فِي الْغَيّ وَالْخَسَار . قَالَ : وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { سُبْحَانك لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } فَهُوَ كَمَا : 562 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَالُوا : { سُبْحَانك } تَنْزِيهًا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُون أَحَد يَعْلَم الْغَيْب غَيْره , تُبْنَا إلَيْك , لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا : تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ مِنْ عِلْم الْغَيْب , إلَّا مَا عَلَّمْتنَا كَمَا عَلَّمْت آدَم . وَسُبْحَان مَصْدَر لَا تَصَرُّف لَهُ , وَمَعْنَاهُ : نُسَبِّحك كَأَنَّهُمْ قَالُوا : نُسَبِّحك تَسْبِيحًا , وَنُنَزِّهك تَنْزِيهًا , وَنُبَرِّئك مِنْ أَنْ نَعْلَم شَيْئًا غَيْر مَا عَلَّمْتنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل ذَلِكَ : أَنَّك أَنْتَ يَا رَبّنَا الْعَلِيم مِنْ غَيْر تَعْلِيم بِجَمِيعِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا وَهُوَ كَائِن , وَالْعَالِم لِلْغُيُوبِ دُون جَمِيع خَلْقك . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَفَوْا عَنْ أَنْفُسهمْ بِقَوْلِهِمْ : { لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } أَنْ يَكُون لَهُمْ عِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ رَبّهمْ , وَأَثْبَتُوا مَا نَفَوْا عَنْ أَنْفُسهمْ مِنْ ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ بِقَوْلِهِمْ : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم } يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْعَالِم مِنْ غَيْر تَعْلِيم , إذْ كَانَ مِنْ سِوَاك لَا يَعْلَم شَيْئًا إلَّا بِتَعْلِيمِ غَيْره إيَّاهُ . وَالْحَكِيم : هُوَ ذُو الْحِكْمَة . كَمَا 563 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , الْعَلِيم : الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي عِلْمه ; وَالْحَكِيم : الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي حُكْمه وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْحَكِيم : الْحَاكِم , كَمَا أَنَّ الْعَلِيم بِمَعْنَى الْعَالِم , وَالْخَبِير بِمَعْنَى الْخَابِر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل ذَلِكَ : أَنَّك أَنْتَ يَا رَبّنَا الْعَلِيم مِنْ غَيْر تَعْلِيم بِجَمِيعِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا وَهُوَ كَائِن , وَالْعَالِم لِلْغُيُوبِ دُون جَمِيع خَلْقك . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَفَوْا عَنْ أَنْفُسهمْ بِقَوْلِهِمْ : { لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا } أَنْ يَكُون لَهُمْ عِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ رَبّهمْ , وَأَثْبَتُوا مَا نَفَوْا عَنْ أَنْفُسهمْ مِنْ ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ بِقَوْلِهِمْ : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم } يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْعَالِم مِنْ غَيْر تَعْلِيم , إذْ كَانَ مِنْ سِوَاك لَا يَعْلَم شَيْئًا إلَّا بِتَعْلِيمِ غَيْره إيَّاهُ . وَالْحَكِيم : هُوَ ذُو الْحِكْمَة . كَمَا 563 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , الْعَلِيم : الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي عِلْمه ; وَالْحَكِيم : الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي حُكْمه وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْحَكِيم : الْحَاكِم , كَمَا أَنَّ الْعَلِيم بِمَعْنَى الْعَالِم , وَالْخَبِير بِمَعْنَى الْخَابِر .
قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ مَلَائِكَته الَّذِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلهُمْ الْخُلَفَاء فِي الْأَرْض وَوَصَفُوا أَنْفُسهمْ بِطَاعَتِهِ وَالْخُضُوع لِأَمْرِهِ دُون غَيْرهمْ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ قِيهَا وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء , أَنَّهُمْ مِنْ الْجَهْل بِمَوَاقِع تَدْبِيره وَمَحِلّ قَضَائِهِ , قَبْل إطْلَاعه إيَّاهُمْ عَلَيْهِ , عَلَى نَحْو جَهْلهمْ بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمهُمْ فَيَعْلَمُوهُ , وَأَنَّهُمْ وَغَيْرهمْ مِنْ الْعِبَاد لَا يَعْلَمُونَ مِنْ الْعِلْم إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَبّهمْ , وَأَنَّهُ يَخُصّ بِمَا شَاءَ مِنْ الْعِلْم مِنْ شَاءَ مِنْ الْخَلْق وَيَمْنَعهُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ كَمَا عَلَّمَ آدَم أَسَمَاء مَا عَرَضَ عَلَى الْمَلَائِكَة وَمَنْعهمْ مِنْ عِلْمهَا إلَّا بَعْد تَعْلِيمه إيَّاهُمْ . فَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ } يَقُول : أَخْبِرْ الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { أَنْبِئْهُمْ } عَائِدَتَانِ عَلَى الْمَلَائِكَة , وَقَوْله : { بِأَسْمَائِهِمْ } يَعْنِي بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة . وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي " أَسْمَائِهِمْ " كِنَايَة عَنْ ذِكْر هَؤُلَاءِ الَّتِي فِي قَوْله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ } يَقُول : فَلَمَّا أَخْبَرَ آدَم الْمَلَائِكَة بِأَسْمَاءِ الَّذِينَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يَعْرِفُوا أَسَمَاءَهُمْ , وَأَيْقَنُوا خَطَأ قِيلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَأَنَّهُمْ قَدْ هَفَوْا فِي ذَلِكَ وَقَالُوا مَا لَا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّة وُقُوع قَضَاء رَبّهمْ فِي ذَلِكَ , لَوْ وَقَعَ عَلَى مَا نَطَقُوا بِهِ , قَالَ لَهُمْ رَبّهمْ { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } - وَالْغَيْب : هُوَ مَا غَابَ عَنْ أَبْصَارهمْ فَلَمْ يُعَايِنُوهُ - تَوْبِيخًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ قِيلهمْ وَفَرَّطَ مِنْهُمْ مَنْ خَطَّأَ مَسْأَلَتهمْ , كَمَا : 564 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { قَالَ يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } يَقُول : أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ , { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ } أَيّهَا الْمَلَائِكَة خَاصَّة { إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَلَا يَعْلَمهُ غَيْرِي . 565 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قِصَّة الْمَلَائِكَة وَآدَم , فَقَالَ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ : كَمَا لَمْ تَعْلَمُوا هَذِهِ الْأَسْمَاء فَلَيْسَ لَكُمْ عِلْم , إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَجَعَلَهُمْ لِيُفْسِدُوا فِيهَا , هَذَا عِنْدِي قَدْ عَلِمْته ; فَكَذَلِكَ أَخْفَيْت عَنْكُمْ أَنِّي أَجْعَل فِيهَا مَنْ يَعْصِينِي وَمَنْ يُطِيعنِي . قَالَ : وَسَبَقَ مِنْ اللَّه : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } 11 119 قَالَ : وَلَمْ تَعْلَم الْمَلَائِكَة ذَلِكَ وَلَمْ يَدْرُوهُ . قَالَ : فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَى اللَّه آدَم مِنْ الْعِلْم أَقَرُّوا لِآدَم بِالْفَضْلِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 566 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول : مَا تُظْهِرُونَ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَقُول : أَعْلَم السِّرّ كَمَا أَعْلَم الْعَلَانِيَة . يَعْنِي مَا كَتَمَ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالِاغْتِرَار . 567 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَهَذَا الَّذِي أَبْدَوْا , { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَعْنِي مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر . 568 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه . 569 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر أَنْ لَا يَسْجُد لِآدَم . 570 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج الْأَنْمَاطِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَهْدِيّ بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن دِينَار قَالَ لِلْحَسَنِ وَنَحْنُ جُلُوس عِنْده فِي مَنْزِله : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ الْحَسَن : إنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجِيبًا , فَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض , وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 571 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : أَسَرُّوا بَيْنهمْ فَقَالُوا يَخْلُق اللَّه مَا يَشَاء أَنْ يَخْلُق , فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا وَنَحْنُ أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 572 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِين قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنهمْ قَوْلهمْ : لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم . فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّه فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم فِي الْعِلْم وَالْكَرَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } وَأَعْلَم مَعَ عِلْمِي غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا تُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَمَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء سَوَاء عِنْدِي سَرَائِركُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ . وَاَلَّذِي أَظَهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ , وَهُوَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مَا كَانَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ إبْلِيس مِنْ الْخِلَاف عَلَى اللَّه فِي أَمْره وَالتَّكَبُّر عَنْ طَاعَته ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَهُوَ مَا قُلْنَا . وَالْآخَر مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كِتْمَان الْمَلَائِكَة بَيْنهمْ لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ ; فَإِذَا كَانَ لَا قَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إلَّا أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت ثُمَّ كَانَ أَحَدهمَا غَيْر مَوْجُودَة عَلَى صِحَّته الدَّلَالَة مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ صَحَّ الْوَجْه الْآخَر . فَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر مَوْجُودَة الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته مِنْ الْكِتَاب وَلَا مِنْ خَبَر يَجِب بِهِ حُجَّة . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّته خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إبْلِيس وَعِصْيَانه إيَّاهُ إذْ دَعَاهُ إلَى السُّجُود لِآدَم , فَأَبَى وَاسْتُكْبِرَ , وَإِظْهَاره لِسَائِرِ الْمَلَائِكَة مِنْ مَعْصِيَته وَكِبْره مَا كَانَ لَهُ كَاتِمًا قَبْل ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْخَبَر عَنْ كِتْمَان الْمَلَائِكَة مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَا رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ كِتْمَان إبْلِيس الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة صَحِيحًا , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا أَخْبَرَتْ خَبَرًا عَنْ بَعْض جَمَاعَة بِغَيْرِ تَسْمِيَة شَخْص بِعَيْنِهِ أَنْ تُخَرِّج الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : قُتِلَ الْجَيْش وَهُزِمُوا , وَإِنَّمَا قُتِلَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض مِنْهُمْ , وَهُزِمَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض , فَتُخَرِّج الْخَبَر عَنْ الْمَهْزُوم مِنْهُ وَالْمَقْتُول مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } 49 4 ذِكْر أَنَّ الَّذِي نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , كَانَ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَة بَنِي تَمِيم , كَانُوا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع , وَالْمُرَاد بِهِ الْوَاحِد مِنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 566 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول : مَا تُظْهِرُونَ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَقُول : أَعْلَم السِّرّ كَمَا أَعْلَم الْعَلَانِيَة . يَعْنِي مَا كَتَمَ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالِاغْتِرَار . 567 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } فَهَذَا الَّذِي أَبْدَوْا , { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يَعْنِي مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر . 568 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه . 569 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : مَا أَسَرَّ إبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر أَنْ لَا يَسْجُد لِآدَم . 570 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج الْأَنْمَاطِي , قَالَ : حَدَّثَنَا مَهْدِيّ بْن مَيْمُون , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن دِينَار قَالَ لِلْحَسَنِ وَنَحْنُ جُلُوس عِنْده فِي مَنْزِله : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ الْحَسَن : إنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجِيبًا , فَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض , وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 571 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : أَسَرُّوا بَيْنهمْ فَقَالُوا يَخْلُق اللَّه مَا يَشَاء أَنْ يَخْلُق , فَلَنْ يَخْلُق خَلْقًا إلَّا وَنَحْنُ أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ . 572 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِين قَالُوا : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا } وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنهمْ قَوْلهمْ : لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا إلَّا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَم مِنْهُ وَأَكْرَم . فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّه فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَم فِي الْعِلْم وَالْكَرَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ } وَأَعْلَم مَعَ عِلْمِي غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا تُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَمَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ , فَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء سَوَاء عِنْدِي سَرَائِركُمْ وَعَلَانِيَتكُمْ . وَاَلَّذِي أَظَهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ , وَهُوَ قَوْلهمْ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك } وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ مَا كَانَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ إبْلِيس مِنْ الْخِلَاف عَلَى اللَّه فِي أَمْره وَالتَّكَبُّر عَنْ طَاعَته ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت , وَهُوَ مَا قُلْنَا . وَالْآخَر مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةُ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كِتْمَان الْمَلَائِكَة بَيْنهمْ لَنْ يَخْلُق اللَّه خَلْقًا إلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ ; فَإِذَا كَانَ لَا قَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ إلَّا أَحَد الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْت ثُمَّ كَانَ أَحَدهمَا غَيْر مَوْجُودَة عَلَى صِحَّته الدَّلَالَة مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ صَحَّ الْوَجْه الْآخَر . فَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ غَيْر مَوْجُودَة الدَّلَالَة عَلَى صِحَّته مِنْ الْكِتَاب وَلَا مِنْ خَبَر يَجِب بِهِ حُجَّة . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى صِحَّته خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إبْلِيس وَعِصْيَانه إيَّاهُ إذْ دَعَاهُ إلَى السُّجُود لِآدَم , فَأَبَى وَاسْتُكْبِرَ , وَإِظْهَاره لِسَائِرِ الْمَلَائِكَة مِنْ مَعْصِيَته وَكِبْره مَا كَانَ لَهُ كَاتِمًا قَبْل ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْخَبَر عَنْ كِتْمَان الْمَلَائِكَة مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ لَمَّا كَانَ خَارِجًا مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَا رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ كِتْمَان إبْلِيس الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة صَحِيحًا , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا أَخْبَرَتْ خَبَرًا عَنْ بَعْض جَمَاعَة بِغَيْرِ تَسْمِيَة شَخْص بِعَيْنِهِ أَنْ تُخَرِّج الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : قُتِلَ الْجَيْش وَهُزِمُوا , وَإِنَّمَا قُتِلَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض مِنْهُمْ , وَهُزِمَ الْوَاحِد أَوْ الْبَعْض , فَتُخَرِّج الْخَبَر عَنْ الْمَهْزُوم مِنْهُ وَالْمَقْتُول مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمِيعهمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } 49 4 ذِكْر أَنَّ الَّذِي نَادَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ , كَانَ رَجُلًا مِنْ جَمَاعَة بَنِي تَمِيم , كَانُوا قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْهُ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع , وَالْمُرَاد بِهِ الْوَاحِد مِنْهُمْ .
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا } فَمَعْطُوف عَلَى قَوْله : { وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ } كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مُعَدِّدًا عَلَيْهِمْ نِعَمه , وَمُذَكِّرهمْ آلَاءَهُ عَلَى نَحْو الَّذِي وَصَفْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل : اُذْكُرُوا فَعَلَيَّ بِكُمْ إذْ أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , فَخَلَقْت لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَإِذْ قُلْت لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة , فَكَرَّمْت أَبَاكُمْ آدَم بِمَا آتَيْته مِنْ عِلْمِي وَفَضْلِي وَكَرَامَتِي , وَإِذْ أَسْجَدْت لَهُ مَلَائِكَتِي فَسَجَدُوا لَهُ . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعهمْ إبْلِيس , فَدَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ أَمَرَ بِالسُّجُودِ مَعَهُمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إلَّا إبْلِيس لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إذْ أَمَرْتُك } 7 11 : 12 فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ إبْلِيس فِيمَنْ أَمَرَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم . ثُمَّ اسْتَثْنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ مِنْ السُّجُود لِآدَم , فَأَخْرَجَهُ مِنْ الصِّفَة الَّتِي وَصَفَهُمْ بِهَا مِنْ الطَّاعَة لِأَمْرِهِ وَنَفَى عَنْهُ مَا أَثَبَتَهُ لِمَلَائِكَتِهِ مِنْ السُّجُود لِعَبْدِهِ آدَم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَمْ هُوَ مِنْ غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 573 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة , يُقَال لَهُمْ " الْجِنّ " خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . قَالَ : فَكَانَ اسْمه الْحَارِث . قَالَ : وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور غَيْر هَذَا الْحَيّ . قَالَ : وَخُلِقَتْ الْجِنّ الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْقُرْآن مِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يَكُون فِي طَرَفهَا إذَا الْتَهَبَتْ . 574 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إبْلِيس قَبْل أَنْ يَرْكَب الْمَعْصِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَكَانَ مِنْ أَشَدّ الْمَلَائِكَة اجْتِهَادًا وَأَكْثَرهمْ عِلْمًا , فَذَلِكَ دَعَاهُ إلَى الْكِبْر , وَكَانَ مِنْ حَيّ يُسَمَّوْنَ حِنًّا . 575 - وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ خَلَّاد , عَنْ عَطَاء , عَنْ طَاوُس , أَوْ مُجَاهِد أَبِي الْحَجَّاج , عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ مَلِكًا مِنْ الْمَلَائِكَة اسْمه عَزَازِيل , وَكَانَ مِنْ سُكَّان الْأَرْض وَعُمَّارهَا , وَكَانَ سُكَّان الْأَرْض فِيهِمْ يُسَمَّوْنَ الْجِنّ مِنْ بَيْن الْمَلَائِكَة . 576 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : جَعَلَ إبْلِيس عَلَى مُلْك سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ مِنْ قَبِيلَة مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنّ لِأَنَّهُمْ خُزَّان الْجَنَّة , وَكَانَ إبْلِيس مَعَ مُلْكه خَازِنًا . 577 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ إبْلِيس مِنْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَان , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا , وَكَانَ لَهُ سُلْطَان الْأَرْض . قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : وَقَوْله : { كَانَ مِنْ الْجِنّ } , إنَّمَا يُسَمَّى بِالْجِنَانِ أَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَيْهَا , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ : مَكِّيّ , وَمَدَنِي , وَكُوفِيّ , وَبَصْرِيّ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ سِبْط مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة , فَكَانَ اسْم قَبِيلَته الْجِنّ . 578 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة وَشَرِيك بْن أَبِي نَمِر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلَة مِنْ الْجِنّ , وَكَانَ إبْلِيس مِنْهَا , وَكَانَ يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَحُدِّثْت عَنْ الْحَسَن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول فِي قَوْله : { فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ إبْلِيس كَانَ مِنْ أَشَرَف الْمَلَائِكَة وَأَكْرَمهمْ قَبِيلَة , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث ابْن جُرَيْجٍ الْأَوَّل سَوَاء . 579 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْبَان , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْن مِسْكِين , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كَانَ إبْلِيس رَئِيس مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا . 580 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَة لَمْ يُؤْمَر بِالسُّجُودِ وَكَانَ عَلَى خِزَانَة سَمَاء الدُّنْيَا . قَالَ : وَكَانَ قَتَادَةَ يَقُول : جَنَّ عَنْ طَاعَة رَبّه . وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 قَالَ : كَانَ مِنْ قَبِيل مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ . 581 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : أَمَّا الْعَرَب فَيَقُولُونَ : مَا الْجِنّ إلَّا كُلّ مِنْ اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ . وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 أَيْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَة اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَقَدْ قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } 37 158 وَذَلِكَ لِقَوْلِ قُرَيْش : إنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . فَيَقُول اللَّه : إنْ تَكُنْ الْمَلَائِكَة بَنَاتِي فَإِبْلِيس مِنْهَا , وَقَدْ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْن إبْلِيس وَذُرِّيَّته نَسَبًا . قَالَ : وَقَدْ قَالَ الْأَعْشَى , أَعْشَى بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ , وَهُوَ يَذْكُر سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَمَا أَعْطَاهُ اللَّه : وَلَوْ كَانَ شَيْء خَالِدًا أَوْ مُعَمَّرًا لَكَانَ سُلَيْمَان الْبَرِيّ مِنْ الدَّهْر بَرَاهُ إلَهِي وَاصْطَفَاهُ عباده وَمَلَّكَهُ ما بين ثُرْيَا إلَى مِصْر وَسَخَّرَ مِنْ جِنّ الْمَلَائِك تِسْعَة قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْر قَالَ : فَأَبَتْ الْعَرَب فِي لُغَتهَا إلَّا أَنَّ " الْجِنّ " كُلّ مَا اجْتَنَّ . يَقُول : مَا سَمَّى اللَّه الْجِنّ إلَّا أَنَّهُمْ اجْتَنُّوا فَلَمْ يُرَوْا , وَمَا سُمِّيَ بَنِي آدَم الْإِنْس إلَّا أَنَّهُمْ ظَهَرُوا فَلَمْ يَجْتَنُّوا , فَمَا ظَهَرَ فَهُوَ إنْس , وَمَا اجْتَنَّ فَلَمْ يُرَ فَهُوَ جِنّ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 582 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَا كَانَ إبْلِيس مِنْ الْمَلَائِكَة طَرْفَة عَيْن قَطّ , وَإِنَّهُ لِأَصْلِ الْجِنّ كَمَا أَنَّ آدَم أَصْل الْإِنْس . 583 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } إلْجَاء إلَى نَسَبه فَقَالَ اللَّه : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته أَوْلِيَاء مِنْ دُونِي } الْآيَة . .. وَهُمْ يَتَوَالَدُونَ كَمَا يَتَوَالَد بَنُو آدَم . 584 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْيَحْمُدِيّ , حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا سَوَّار بْن الْجَعْد الْيَحْمُدِيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب قَوْله : { مِنْ الْجِنّ } قَالَ : كَانَ إبْلِيس مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمْ الْمَلَائِكَة , فَأَسَرَهُ بَعْض الْمَلَائِكَة فَذَهَبَ بِهِ إلَى السَّمَاء . 585 - وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو نَصْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَلَّال , قَالَ : حَدَّثَنِي سُنَيْد بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى , عَنْ مُوسَى بْن نُمَيْر , وَعُثْمَان بْن سَعِيد بْن كَامِل , عَنْ سَعْد بْن مَسْعُود , قَالَ : كَانَتْ الْمَلَائِكَة تُقَاتِل الْجِنّ , فَسُبِيَ إبْلِيس وَكَانَ صَغِيرًا , فَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فَتَعَبَّدَ مَعَهَا . فَلَمَّا أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَم سَجَدُوا , فَأَبَى إبْلِيس ; فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ } 18 50 586 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُبَارَك بْن مُجَاهِد أَبُو الْأَزْهَر , عَنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَمِر , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ مِنْ الْمَلَائِكَة قَبِيلًا يُقَال لَهُمْ الْجِنّ , فَكَانَ إبْلِيس مِنْهُمْ , وَكَانَ إبْلِيس يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَعَصَى , فَمَسَخَهُ اللَّه شَيْطَانًا رَجِيمًا . 587 - قَالَ : وَحَدَّثَنَا يُونُس , عَنْ ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : إبْلِيس أَبُو الْجِنّ , كَمَا آدَم أَبُو الْإِنْس . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة , أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّهُ خَلَقَ إبْلِيس مِنْ نَار السَّمُوم وَمِنْ مَارِج مِنْ نَار , وَلَمْ يُخْبِر عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُ خَلَقَهَا مِنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ . وَأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ . فَقَالُوا : فَغَيْر جَائِز أَنْ يُنْسِب إلَى غَيْر مَا نَسَبَهُ اللَّه إلَيْهِ . قَالُوا : وَلَإِبْلِيس نَسْل وَذُرِّيَّة , وَالْمَلَائِكَة لَا تَتَنَاسَل وَلَا تَتَوَالَد . 588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ شَرِيك عَنْ رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ اللَّه خَلَقَ خَلْقًا , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم فَقَالُوا : لَا نَفْعَل . فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا تُحْرِقهُمْ . ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَر , فَقَالَ : إنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين , اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَأَبَوْا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ . قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلَاءِ , فَقَالَ : اُسْجُدُوا لِآدَم ! فَقَالُوا : نَعَمْ . وَكَانَ إبْلِيس مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ عِلَل تُنْبِئ عَنْ ضَعْف مَعْرِفَة أَهْلهَا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكِر أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ أَصْنَاف مَلَائِكَته مِنْ أَصْنَاف مِنْ خَلْقه شَتَّى , فَخَلَقَ بَعْضًا مِنْ نُور . وَبَعْضًا مِنْ نَار , وَبَعْضًا مِمَّا شَاءَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ . وَلَيْسَ فِي تَرْك اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ مَلَائِكَته وَإِخْبَاره عَمَّا خَلَقَ مِنْهُ إبْلِيس مَا يُوجِب أَنْ يَكُون إبْلِيس خَارِجًا عَنْ مَعْنَاهُمْ , إذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون خَلَقَ صِنْفًا مِنْ مَلَائِكَته مِنْ نَار كَانَ مِنْهُمْ إبْلِيس , وَأَنْ يَكُون أَفْرَدَ إبْلِيس بِأَنْ خَلَقَهُ مِنْ نَار السَّمُوم دُون سَائِر مَلَائِكَته . وَكَذَلِكَ غَيْر مَخْرَجه أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة بِأَنْ كَانَ لَهُ نَسْل وَذُرِّيَّة لِمَا رُكِّبَ فِيهِ مِنْ الشَّهْوَة وَاللَّذَّة الَّتِي نُزِعَتْ مِنْ سَائِر الْمَلَائِكَة لَمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ مِنْ الْمَعْصِيَة . وَأَمَّا خَبَر اللَّه عَنْ أَنَّهُ مِنْ الْجِنّ , فَغَيْر مَدْفُوع أَنْ يُسَمَّى مَا اُجْتُنَّ مِنْ الْأَشْيَاء عَنْ الْأَبْصَار كُلّهَا جِنًّا , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي شِعْر الْأَعْشَى , فَيَكُون إبْلِيس وَالْمَلَائِكَة مِنْهُمْ لِاجْتِنَانِهِمْ عَنْ أَبْصَار بَنِي آدَم . الْقَوْل فِي مَعْنَى إبْلِيس . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِبْلِيس " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس : وَهُوَ الْإِيَاس مِنْ الْخَيْر وَالنَّدَم والْحُزْن . كَمَا : 589 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إبْلِيس أَبْلَسَهُ اللَّه مِنْ الْخَيْر كُلّه وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَة لِمَعْصِيَتِهِ . 590 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ اسْم إبْلِيس الْحَارِث , وَإِنَّمَا سُمِّيَ إبْلِيس حِين أُبْلِسَ مُتَحَيَّرًا . [ قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَمَا ] قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } 6 44 يَعْنِي بِهِ أَنَّهُمْ آيِسُونَ مِنْ الْخَيْر , نَادِمُونَ حُزْنًا , كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِف رَسْمًا مُكْرَسَا قَالَ نَعَمْ أَعْرِفهُ وَأَبْلَسَا وَقَالَ رُؤْبَة : وَحَضَرْت يَوْم الْخَمِيس الْأَخْمَاس وَفِي الْوُجُوه صُفْرَة وَإِبْلَاس يَعْنِي بِهِ اكْتِئَابًا وَكُسُوفًا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ إبْلِيس كَمَا قُلْت " إِفْعِيل " مِنْ الْإِبْلَاس , فَهَلَّا صُرِفَ وَأُجْرِيَ ؟ قِيلَ : تُرِكَ إجْرَاؤُهُ اسْتِثْقَالًا إذْ كَانَ اسْمًا لَا نَظِير لَهُ مِنْ أَسَمَاء الْعَرَب , فَشَبَّهَتْهُ الْعَرَب إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِأَسْمَاءِ الْعَجَم الَّتِي لَا تُجْرَى , وَقَدْ قَالُوا : مَرَرْت بِإِسْحَاقَ , فَلَمْ يَجُرُّوهُ , وَهُوَ مَنْ أَسْحَقَهُ اللَّه إسْحَاقًا , إذْ كَانَ وَقَعَ مُبْتَدَأ اسْمًا لِغَيْرِ الْعَرَب ثُمَّ تَسَمَّتْ بِهِ الْعَرَب فَجَرَى مَجْرَاهُ , وَهُوَ مِنْ أَسَمَاء الْعَجَم فِي الْإِعْرَاب , فَلَمْ يُصْرَف . وَكَذَلِكَ أَيُّوب إنَّمَا هُوَ فَيْعُول مِنْ آبَ يَئُوب . وَتَأْوِيل قَوْله : { أَبَى } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ إبْلِيس أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُود لِآدَم فَلَمْ يَسْجُد لَهُ . { وَاسْتَكْبَرَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ تَعَظَّمَ وَتَكَبَّرَ عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لِآدَم . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَبَرًا عَنْ إبْلِيس , فَإِنَّهُ تَقْرِيع لِضُرَبَائِهِ مِنْ خَلْق اللَّه الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالِانْقِيَاد لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , وَالتَّسْلِيم لَهُ فِيمَا أَوَجَبَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض مِنْ الْحَقّ . وَكَانَ مِمَّنْ تَكَبَّرَ عَنْ الْخُضُوع لِأَمْرِ اللَّه وَالتَّذَلُّل لِطَاعَتِهِ وَالتَّسْلِيم لِقَضَائِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ حُقُوق غَيْرهمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَحْبَارهمْ الَّذِينَ كَانُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصِفَته عَارِفِينَ وَبِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول عَالَمِينَ , ثُمَّ اسْتَكْبَرُوا مَعَ عِلْمهمْ بِذَلِكَ عَنْ الْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِهِ , بَغْيًا مِنْهُمْ لَهُ وَحَسَدًا , فَقَرَعَهُمْ اللَّه بِخَبَرِهِ عَنْ إبْلِيس الَّذِي فَعَلَ فِي اسْتِكْبَاره عَنْ السُّجُود لِآدَم حَسَدًا لَهُ وَبَغْيًا نَظِير فِعْلهمْ فِي التَّكَبُّر عَنْ الْإِذْعَان لِمُحَمَّدٍ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَنُبُوَّته , إذْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد رَبّهمْ حَسَدًا وَبَغْيًا . ثُمَّ وُصِفَ إبْلِيس بِمِثْلِ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الَّذِينَ ضَرَبَهُ لَهُمْ مَثَلًا فِي الِاسْتِكْبَار وَالْحَسَد وَالِاسْتِنْكَاف عَنْ الْخُضُوع لِمَنْ أَمَرَهُ اللَّه بِالْخُضُوعِ لَهُ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانَ } يَعْنِي إبْلِيس { مِنْ الْكَافِرِينَ } مِنْ الْجَاحِدِينَ نَعَمْ اللَّه عَلَيْهِ وَأَيَادِيه عِنْده بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ السُّجُود لِآدَم , كَمَا كَفَرَتْ الْيَهُود نِعَم رَبّهَا الَّتِي آتَاهَا وَآبَاءَهَا قَبْل : مِنْ إطْعَام اللَّه أَسْلَافهمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَإِظْلَال الْغَمَام عَلَيْهِمْ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ نِعَمه الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ , خُصُوصًا مَا خَصَّ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِإِدْرَاكِهِمْ إيَّاهُ وَمُشَاهَدَتهمْ حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ ; فَجَحَدَتْ نُبُوَّته بَعْد عِلْمهمْ بِهِ , وَمَعْرِفَتهمْ بِنُبُوَّتِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا . فَنَسَبَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى الْكَافِرِينَ , فَجَعَلَهُ مِنْ عِدَادهمْ فِي الدِّين وَالْمِلَّة , وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِي الْجِنْس وَالنِّسْبَة , كَمَا جَعَلَ أَهْل النِّفَاق بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى النِّفَاق , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْسَابهمْ وَأَجْنَاسهمْ , فَقَالَ : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض } 9 67 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي النِّفَاق وَالضَّلَال , فَكَذَلِكَ قَوْله فِي إبْلِيس : { كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } كَانَ مِنْهُمْ فِي الْكُفْر بِاَللَّهِ وَمُخَالَفَته أَمْره وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا جِنْسه أَجْنَاسهمْ وَنَسَبه نَسَبهمْ . وَمَعْنَى قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } أَنَّهُ كَانَ حِين أَبَى عَنْ السُّجُود مِنْ الْكَافِرِينَ حِينَئِذٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } فِي هَذَا الْمَوْضِع وَكَانَ مِنْ الْعَاصِينَ . 591 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَعْنِي الْعَاصِينَ . وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . وَذَلِكَ شَبِيه بِمَعْنَى قَوْلنَا فِيهِ . وَكَانَ سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم تَكْرِمَة لِآدَم وَطَاعَة لِلَّهِ , لَا عِبَادَة لِآدَم . كَمَا : 592 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم } فَكَانَتْ الطَّاعَة لِلَّهِ , وَالسَّجْدَة لِآدَم , أَكْرَمَ اللَّه آدَم أَنْ أَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَته .
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ إبْلِيس أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة بَعْد الِاسْتِكْبَار عَنْ السُّجُود لِآدَم , وَأَسْكَنَهَا آدَم قَبْل أَنْ يَهْبِط إبْلِيس إلَى الْأَرْض ; أَلَا تَسْمَعُونَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُول : { وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ إبْلِيس إنَّمَا أَزَلَّهُمَا عَنْ طَاعَة اللَّه , بَعْد أَنْ لُعِنَ وَأَظْهَرَ التَّكَبُّر ; لِأَنَّ سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم كَانَ بَعْد أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوح , وَحِينَئِذٍ كَانَ امْتِنَاع إبْلِيس مِنْ السُّجُود لَهُ , وَعِنْد الِامْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ حَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَة . كَمَا : 593 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنَّ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس أَقْسَمَ بِعِزَّةِ اللَّه لَيُغْوِيَنَّ آدَم وَذُرِّيَّته وَزَوْجه , إلَّا عِبَاده الْمُخْلَصِينَ مِنْهُمْ , بَعْد أَنْ لَعَنَهُ اللَّه , وَبَعْد أَنْ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة , وَقَبْل أَنْ يَهْبِط إلَى الْأَرْض , وَعَلَّمَ اللَّه آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا . 594 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ إبْلِيس وَمُعَاتَبَته , وَأَبَى إلَّا الْمَعْصِيَة , وَأَوْقَع عَلَيْهِ اللَّعْنَة , ثُمَّ أَخَرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة ; أَقْبَلَ عَلَى آدَم وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاء كُلّهَا , فَقَالَ : { يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } إلَى قَوْله : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحَال الَّتِي خُلِقَتْ لِآدَم زَوْجَته وَالْوَقْت الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ سَكَنًا . فَقَالَ ابْن عَبَّاس بِمَا : 595 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَأَخْرَجَ إبْلِيس مِنْ الْجَنَّة حِين لُعِنَ , وَأَسْكَنَ آدَم الْجَنَّة , فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشًا لَيْسَ لَهُ زَوْج يَسْكُن إلَيْهَا . فَنَامَ نَوْمَة فَاسْتَيْقَظَ , وَإِذَا عِنْد رَأْسه امْرَأَة قَاعِدَة خَلَقَهَا اللَّه مِنْ ضِلْعه , فَسَأَلَهَا : مَنْ أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : امْرَأَة , قَالَ : وَلِمَ خُلِقْتِي ؟ قَالَتْ : تَسْكُن إلَيَّ . قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ عِلْمه : مَا اسْمهَا يَا آدَم ؟ قَالَ : حَوَّاء , قَالُوا : وَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاء ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْء حَيّ . فَقَالَ اللَّه لَهُ : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } فَهَذَا الْخَبَر يُنْبِئ عَنْ أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ بَعْد أَنْ سَكَنَ آدَم الْجَنَّة فَجُعِلَتْ لَهُ سَكَنًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ خُلِقَتْ قَبْل أَنْ يَسْكُن آدَم الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 596 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ مُعَاتَبَة إبْلِيس أَقْبَلَ عَلَى آدَم وَقَدْ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاء كُلّهَا , فَقَالَ : { يَا آدَم أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } إلَى قَوْله : { إنَّك أَنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم } قَالَ : ثُمَّ أَلْقَى السِّنَة عَلَى آدَم - فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ أَهْل التَّوْرَاة وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْعِلْم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَغَيْره - ثُمَّ أَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعه مِنْ شِقّه الْأَيْسَر وَلَأَمَ مَكَانه لَحْمًا وَآدَم نَائِم لَمْ يَهَب مِنْ نَوْمَته حَتَّى خَلَقَ اللَّه مِنْ ضِلْعه تِلْكَ زَوْجَته حَوَّاء , فَسَوَّاهَا امْرَأَة لِيَسْكُن إلَيْهَا . فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُ السِّنَة وَهَبَّ مِنْ نَوْمَته رَآهَا إلَى جَنْبه , فَقَالَ فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : لَحْمِي وَدَمِي وَزَوْجَتِي . فَسَكَنَ إلَيْهَا . فَلَمَّا زَوَّجَهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَعَلَ لَهُ سَكَنًا مِنْ نَفْسه , قَالَ لَهُ , فَتَلَا : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَيُقَال لِامْرَأَةِ الرَّجُل زَوْجه وَزَوْجَته , وَالزَّوْجَة بِالْهَاءِ أَكْثَر فِي كَلَام الْعَرَب مِنْهَا بِغَيْرِ الْهَاء , وَالزَّوْج بِغَيْرِ الْهَاء يُقَال إنَّهُ لُغَة لِأَزْد شَنُوءَة . فَأَمَّا الزَّوْج الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ بَيْن الْعَرَب فَهُوَ زَوْج الْمَرْأَة
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا الرَّغَد , فَإِنَّهُ الْوَاسِع مِنْ الْعَيْش , الْهَنِيء الَّذِي لَا يَعْنِي صَاحِبه , يُقَال : أَرْغَدَ فُلَان : إذَا أَصَابَ وَاسِعًا مِنْ الْعَيْش الْهَنِيء , كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقِيس بْن حُجْرٍ : بَيْنَمَا الْمَرْء تَرَاهُ نَاعِمًا يَأْمَن الْأَحْدَاث فِي عَيْش رَغَد 597 - وَحَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا } قَالَ : الرَّغَد : الْهَنِيء . 598 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { رَغَدًا } قَالَ : لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ . وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا حِكَام عَنْ عَنْبَسَة عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا } أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ . 599 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب بْن الْحَارِث , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } قَالَ : الرَّغَد : سَعَة الْمَعِيشَة . فَمَعْنَى الْآيَة : وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة , وَكُلَا مِنْ الْجَنَّة رِزْقًا وَاسِعًا هَنِيئًا مِنْ الْعَيْش حَيْثُ شِئْتُمَا . كَمَا : 600 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } ثُمَّ إنَّ الْبَلَاء الَّذِي كُتِبَ عَلَى الْخَلْق كُتِبَ عَلَى آدَم كَمَا اُبْتُلِيَ الْخَلْق قَبْله أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَلَّ لَهُ مَا فِي الْجَنَّة أَنْ يَأْكُل مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَ غَيْر شَجَرَة وَاحِدَة نُهِيَ عَنْهَا , وَقَدِمَ إلَيْهِ فِيهَا , فَمَا زَالَ بِهِ الْبَلَاء حَتَّى وَقَعَ بِاَلَّذِي نُهِيَ عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشَّجَر فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ مَا قَامَ عَلَى سَاقَ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالنَّجْم وَالشَّجَر يَسْجُدَانِ } 55 6 يَعْنِي بِالنَّجْمِ : مَا نَجَمَ مِنْ الْأَرْض مِنْ نَبْت . وَبِالشَّجَرِ : مَا اسْتَقَلَّ عَلَى سَاق . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي عَيْن الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْل ثَمَرهَا آدَم , فَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ السُّنْبُلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 601 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْل ثَمَرهَا آدَم هِيَ السُّنْبُلَة . 602 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , حَدَّثَنَا هُشَيْم , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن عُتَيْبَة جَمِيعًا , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن مَهْدِيّ وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ حُصَيْن عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 603 وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْن وَكِيع , قَالَا : حَدَّثَنَا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : السُّنْبُلَة . 604 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم هِيَ السُّنْبُلَة . 605 وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم . قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم أَنَّ ابْن عَبَّاس كَتَبَ إلَى أَبِي الجلد يَسْأَلهُ عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا آدَم وَالشَّجَرَة الَّتِي تَابَ عِنْدهَا , فَكَتَبَ إلَيْهِ أَبُو الْجِلْد : سَأَلْتنِي عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم , وَهِيَ السُّنْبُلَة . وَسَأَلْتنِي عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي تَابَ عِنْدهَا آدَم , وَهِيَ الزَّيْتُونَة . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الْعِلْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم : الْبُرّ . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا آدَم وَزَوْجَته السُّنْبُلَة . 606 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْيُمْن , عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه الْيَمَانِي أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هِيَ الْبُرّ ; وَلَكِنْ الْحَبَّة مِنْهَا فِي الْجَنَّة كَكُلَى الْبَقَر أَلْيَن مِنْ الزُّبْد وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل . وَأَهْل التَّوْرَاة يَقُولُونَ : هِيَ الْبُرّ . 607 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَةَ : أَنَّهَا حَدَّثَ أَنَّهَا الشَّجَرَة الَّتِي تَحْتَكّ بِهَا الْمَلَائِكَة لِلْخُلْدِ . 608 وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن يَمَان عَنْ جَابِر بْن يَزِيد بْن رِفَاعَة عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة . 609 وَحَدَّثَنَا بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه رِزْقًا لِوَلَدِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو جَعْفَر , وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْكَرْمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 610 حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ الْكَرْمَة . 611 حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : هِيَ الْكَرْمَة . وَتَزْعُم الْيَهُود أَنَّهَا الْحِنْطَة . 612 وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَا : الشَّجَرَة هِيَ الْكَرْم . 613 وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , قَالَ : هُوَ الْعِنَب فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ خَلَّاد الصَّفَّار , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . وَحَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْوَاسِطِي , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . 614 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ وَابْن وَكِيع , قَالَا : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نَهْي عَنْهَا آدَم : شَجَرَة الْخَمْر . 615 وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْعِنَب . 616 وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : عِنَب وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ التِّينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 617 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : تِينَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّ آدَم وَزَوْجَته أَكَلَا مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَاهُمَا رَبّهمَا عَنْ الْأَكْل مِنْهَا , فَأَتَيَا الْخَطِيئَة الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ إتْيَانهَا بِأَكْلِهِمَا مَا أَكَلَا مِنْهَا , بَعْد أَنْ بَيَّنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمَا عَيْن الشَّجَرَة الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ الْأَكْل مِنْهَا وَأَشَارَ لَهُمَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } وَلَمْ يَضَع اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ دَلَالَة عَلَى أَيّ أَشْجَار الْجَنَّة كَانَ نَهْيه آدَم أَنْ يَقْرَبهَا بِنَصِّ عَلَيْهَا بِاسْمِهَا وَلَا بِدَلَالَةِ عَلَيْهَا . وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْعِلْم بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ رِضًا لَمْ يَخْلُ عِبَاده مِنْ نَصْب دَلَالَة لَهُمْ عَلَيْهَا يَصِلُونَ بِهَا إلَى مُعْرِفَة عَيْنهَا , لِيُطِيعُوهُ بِعِلْمِهِمْ بِهَا , كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مَا بِالْعِلْمِ بِهِ لَهُ رِضًا . فَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَى آدَم وَزَوْجَته عَنْ أَكْل شَجَرَة بِعَيْنِهَا مِنْ أَشْجَار الْجَنَّة دُون سَائِر أَشْجَارهَا , فَخَالَفَا إلَى مَا نَهَاهُمَا اللَّه عَنْهُ , فَأَكَلَا مِنْهَا كَمَا وَصَفَهُمَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ . وَلَا عِلْم عِنْدنَا أَيّ شَجَرَة كَانَتْ عَلَى التَّعْيِين , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَضَع لِعِبَادِهِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السُّنَّة الصَّحِيحَة , فَأَنَّى يَأْتِي ذَلِكَ مَنْ أَتَى ؟ ! وَقَدْ قِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْبُرّ . وَقِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْعِنَب . وَقِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة التِّين . وَجَائِز أَنْ تَكُون وَاحِدَة مِنْهَا , وَذَلِكَ إنْ عَلِمَهُ عَالَم لَمْ يَنْفَع الْعَالِم بِهِ عِلْمه , وَإِنْ جَهِلَهُ جَاهِل لَمْ يَضُرّهُ جَهْله بِهِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } فَإِنَّكُمَا إنْ قَرَّبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنْ الظَّالِمِينَ . فَصَارَ الثَّانِي فِي مَوْضِع جَوَاب الْجَزَاء , وَجَوَاب الْجَزَاء يَعْمَل فِيهِ أَوَّله كَقَوْلِك : إنْ تَقُمْ أَقُمْ , فَتَجْزِم الثَّانِي بِجَزْمِ الْأَوَّل . فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَتَكُونَا } لَمَّا وَقَعَتْ الْفَاء فِي مَوْضِع شَرْط الْأَوَّل نُصِبَ بِهَا , وَصُيِّرَتْ بِمَنْزِلَةِ " كَيْ " فِي نَصْبهَا الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبِلَة لِلُزُومِهَا الِاسْتِقْبَال , إذْ كَانَ أَصْل الْجَزَاء الِاسْتِقْبَال . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : تَأْوِيل ذَلِكَ : لَا يَكُنْ مِنْكُمَا قُرْب هَذِهِ الشَّجَرَة فَأَنْ تَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ . غَيْر أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ " أَنَّ " غَيْر جَائِز إظْهَارهَا مَعَ " لَا " , وَلَكِنَّهَا مُضْمَرَة لَا بُدّ مِنْهَا لِيَصِحّ الْكَلَام بِعَطْفِ اسْم وَهِيَ " أَنَّ " عَلَى الِاسْم , كَمَا غَيْر جَائِز فِي قَوْلهمْ " عَسَى أَنْ يَفْعَل " : عَسَى الْفِعْل , وَلَا فِي قَوْلك : " مَا كَانَ لِيَفْعَل " : مَا كَانَ لِأَنْ يَفْعَل . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي يُفْسِدهُ إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى تَخْطِئَة قَوْل الْقَائِل : سَرَّنِي تَقُوم يَا هَذَا , وَهُوَ يُرِيد : سَرَّنِي قِيَامك . فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون خَطَأ عَلَى هَذَا الْمَذْهَب قَوْل الْقَائِل : لَا تَقُمْ , إذَا كَانَ الْمَعْنَى : لَا يَكُنْ مِنْك قِيَام . وَفِي إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى صِحَّة قَوْل الْقَائِل : لَا تَقُمْ , وَفَسَاد قَوْل الْقَائِل : سَرَّنِي تَقُوم بِمَعْنَى سَرَّنِي قِيَامك , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى فَسَاد دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ مَعَ " لَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } ضَمِير " أَنَّ " , وَصِحَّة الْقَوْل الْآخَر .
وَفِي قَوْله : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون " فَتَكُونَا " فِي نِيَّة الْعَطْف عَلَى قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا } فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة , وَلَا تَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ . فَيَكُون " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْجَزْم مَجْزُوم بِمَا جُزِمَ بِهِ { وَلَا تَقْرَبَا } , كَمَا يَقُول الْقَائِل : لَا تُكَلِّمْ عَمْرًا وَلَا تُؤْذِهِ , وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقِيس : فَقُلْت لَهُ صَوِّبْ وَلَا تَجْهَدَنَّهُ فَيُذِرْكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاة فَتَزْلَق فَجَزَمَ " فَيُذِرْكَ " بِمَا جَزَمَ بِهِ " لَا تَجْهَدَنَّهُ " , كَأَنَّهُ كَرَّرَ النَّهْي . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } بِمَعْنَى جَوَاب النَّهْي , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة , فَإِنَّكُمَا إنْ قَرِبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنْ الظَّالِمِينَ ; كَمَا تَقُول : لَا تَشْتُم عَمْرًا فَيَشْتُمك مُجَازَاة . فَيَكُون " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَوْضِع نَصْب إذْ كَانَ حَرْف عَطْف عَلَى غَيْر شَكْله لِمَا كَانَ فِي { وَلَا تَقْرَبَا } حَرْف عَامِل فِيهِ , وَلَا يَصْلُح إعَادَته فِي " فَتَكُونَا " فَنُصِبَ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت فِي أَوَّل هَذِهِ الْمَسْأَلَة . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ فَتَكُونَا مِنْ الْمُتَعَدِّينَ إلَى غَيْر مَا أَذِنَ لَهُمْ وَأُبِيحَ لَهُمْ فِيهِ . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّكُمَا إنْ قَرِبْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَة كُنْتُمَا عَلَى مِنْهَاج مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي وَعَصَى أَمْرِي وَاسْتَحَلَّ مَحَارِمِي ; لِأَنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَاَللَّه وَلِيّ الْمُتَّقِينَ . وَأَصْل الظُّلْم فِي كَلَام الْعَرَب وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه ; وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : إلَّا الْأَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنهَا وَالنُّؤْي كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَد فَجَعَلَ الْأَرْض مَظْلُومَة , لِأَنَّ الَّذِي حَفَرَ فِيهَا النَّوَى حَفَرَ فِي غَيْر مَوْضِع الْحَفْر , فَجَعَلَهَا مَظْلُومَة لِوَضْعِ الْحُفْرَة مِنْهَا فِي غَيْر مَوْضِعهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل ابْن قَمِيئَة فِي صِفَة غَيْث : ظَلَمَ الْبِطَاح بِهَا انْهِلَال حَرِيصَة فَصَفَا النِّطَاف لَهُ بُعَيْد الْمُقْلَع وَظُلْمه إيَّاهُ : مَجِيئُهُ فِي غَيْر أَوَانه , وَانْصِبَابه فِي غَيْر مَصَبّه . وَمِنْهُ : ظُلْم الرَّجُل جَزُوره , وَهُوَ نَحْره إيَّاهُ لِغَيْرِ عِلَّة ; وَذَلِكَ عِنْد الْعَرَب : وَضَعَ النَّحْر فِي غَيْر مَوْضِعه . وَقَدْ يَتَفَرَّع الظُّلْم فِي مَعَانٍ يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب , وَسَنُبَيِّنُهَا فِي أَمَاكِنهَا إذَا أَتَيْنَا عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَأَصْل ذَلِكَ كُلّه مَا وَصَفْنَا مِنْ وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا الرَّغَد , فَإِنَّهُ الْوَاسِع مِنْ الْعَيْش , الْهَنِيء الَّذِي لَا يَعْنِي صَاحِبه , يُقَال : أَرْغَدَ فُلَان : إذَا أَصَابَ وَاسِعًا مِنْ الْعَيْش الْهَنِيء , كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقِيس بْن حُجْرٍ : بَيْنَمَا الْمَرْء تَرَاهُ نَاعِمًا يَأْمَن الْأَحْدَاث فِي عَيْش رَغَد 597 - وَحَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا } قَالَ : الرَّغَد : الْهَنِيء . 598 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { رَغَدًا } قَالَ : لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ . وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا حِكَام عَنْ عَنْبَسَة عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا } أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ . 599 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب بْن الْحَارِث , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } قَالَ : الرَّغَد : سَعَة الْمَعِيشَة . فَمَعْنَى الْآيَة : وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة , وَكُلَا مِنْ الْجَنَّة رِزْقًا وَاسِعًا هَنِيئًا مِنْ الْعَيْش حَيْثُ شِئْتُمَا . كَمَا : 600 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } ثُمَّ إنَّ الْبَلَاء الَّذِي كُتِبَ عَلَى الْخَلْق كُتِبَ عَلَى آدَم كَمَا اُبْتُلِيَ الْخَلْق قَبْله أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَلَّ لَهُ مَا فِي الْجَنَّة أَنْ يَأْكُل مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَ غَيْر شَجَرَة وَاحِدَة نُهِيَ عَنْهَا , وَقَدِمَ إلَيْهِ فِيهَا , فَمَا زَالَ بِهِ الْبَلَاء حَتَّى وَقَعَ بِاَلَّذِي نُهِيَ عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشَّجَر فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ مَا قَامَ عَلَى سَاقَ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالنَّجْم وَالشَّجَر يَسْجُدَانِ } 55 6 يَعْنِي بِالنَّجْمِ : مَا نَجَمَ مِنْ الْأَرْض مِنْ نَبْت . وَبِالشَّجَرِ : مَا اسْتَقَلَّ عَلَى سَاق . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي عَيْن الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْل ثَمَرهَا آدَم , فَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ السُّنْبُلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 601 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْل ثَمَرهَا آدَم هِيَ السُّنْبُلَة . 602 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , حَدَّثَنَا هُشَيْم , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن عُتَيْبَة جَمِيعًا , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن مَهْدِيّ وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ حُصَيْن عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 603 وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْن وَكِيع , قَالَا : حَدَّثَنَا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : السُّنْبُلَة . 604 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم هِيَ السُّنْبُلَة . 605 وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم . قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم أَنَّ ابْن عَبَّاس كَتَبَ إلَى أَبِي الجلد يَسْأَلهُ عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا آدَم وَالشَّجَرَة الَّتِي تَابَ عِنْدهَا , فَكَتَبَ إلَيْهِ أَبُو الْجِلْد : سَأَلْتنِي عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم , وَهِيَ السُّنْبُلَة . وَسَأَلْتنِي عَنْ الشَّجَرَة الَّتِي تَابَ عِنْدهَا آدَم , وَهِيَ الزَّيْتُونَة . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الْعِلْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا آدَم : الْبُرّ . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا آدَم وَزَوْجَته السُّنْبُلَة . 606 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْيُمْن , عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه الْيَمَانِي أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هِيَ الْبُرّ ; وَلَكِنْ الْحَبَّة مِنْهَا فِي الْجَنَّة كَكُلَى الْبَقَر أَلْيَن مِنْ الزُّبْد وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل . وَأَهْل التَّوْرَاة يَقُولُونَ : هِيَ الْبُرّ . 607 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَةَ : أَنَّهَا حَدَّثَ أَنَّهَا الشَّجَرَة الَّتِي تَحْتَكّ بِهَا الْمَلَائِكَة لِلْخُلْدِ . 608 وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن يَمَان عَنْ جَابِر بْن يَزِيد بْن رِفَاعَة عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة . 609 وَحَدَّثَنَا بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هِيَ السُّنْبُلَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه رِزْقًا لِوَلَدِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو جَعْفَر , وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْكَرْمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 610 حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ الْكَرْمَة . 611 حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : هِيَ الْكَرْمَة . وَتَزْعُم الْيَهُود أَنَّهَا الْحِنْطَة . 612 وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَا : الشَّجَرَة هِيَ الْكَرْم . 613 وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , قَالَ : هُوَ الْعِنَب فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ خَلَّاد الصَّفَّار , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . وَحَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد الْوَاسِطِي , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . 614 وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ وَابْن وَكِيع , قَالَا : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَعْدَة بْن هُبَيْرَة , قَالَ : الشَّجَرَة الَّتِي نَهْي عَنْهَا آدَم : شَجَرَة الْخَمْر . 615 وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } قَالَ : الْكَرْم . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْعِنَب . 616 وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : عِنَب وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ التِّينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 617 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : تِينَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّ آدَم وَزَوْجَته أَكَلَا مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَاهُمَا رَبّهمَا عَنْ الْأَكْل مِنْهَا , فَأَتَيَا الْخَطِيئَة الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ إتْيَانهَا بِأَكْلِهِمَا مَا أَكَلَا مِنْهَا , بَعْد أَنْ بَيَّنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمَا عَيْن الشَّجَرَة الَّتِي نَهَاهُمَا عَنْ الْأَكْل مِنْهَا وَأَشَارَ لَهُمَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } وَلَمْ يَضَع اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ دَلَالَة عَلَى أَيّ أَشْجَار الْجَنَّة كَانَ نَهْيه آدَم أَنْ يَقْرَبهَا بِنَصِّ عَلَيْهَا بِاسْمِهَا وَلَا بِدَلَالَةِ عَلَيْهَا . وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْعِلْم بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ رِضًا لَمْ يَخْلُ عِبَاده مِنْ نَصْب دَلَالَة لَهُمْ عَلَيْهَا يَصِلُونَ بِهَا إلَى مُعْرِفَة عَيْنهَا , لِيُطِيعُوهُ بِعِلْمِهِمْ بِهَا , كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مَا بِالْعِلْمِ بِهِ لَهُ رِضًا . فَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَى آدَم وَزَوْجَته عَنْ أَكْل شَجَرَة بِعَيْنِهَا مِنْ أَشْجَار الْجَنَّة دُون سَائِر أَشْجَارهَا , فَخَالَفَا إلَى مَا نَهَاهُمَا اللَّه عَنْهُ , فَأَكَلَا مِنْهَا كَمَا وَصَفَهُمَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ . وَلَا عِلْم عِنْدنَا أَيّ شَجَرَة كَانَتْ عَلَى التَّعْيِين , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَضَع لِعِبَادِهِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السُّنَّة الصَّحِيحَة , فَأَنَّى يَأْتِي ذَلِكَ مَنْ أَتَى ؟ ! وَقَدْ قِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْبُرّ . وَقِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة الْعِنَب . وَقِيلَ : كَانَتْ شَجَرَة التِّين . وَجَائِز أَنْ تَكُون وَاحِدَة مِنْهَا , وَذَلِكَ إنْ عَلِمَهُ عَالَم لَمْ يَنْفَع الْعَالِم بِهِ عِلْمه , وَإِنْ جَهِلَهُ جَاهِل لَمْ يَضُرّهُ جَهْله بِهِ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } فَإِنَّكُمَا إنْ قَرَّبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنْ الظَّالِمِينَ . فَصَارَ الثَّانِي فِي مَوْضِع جَوَاب الْجَزَاء , وَجَوَاب الْجَزَاء يَعْمَل فِيهِ أَوَّله كَقَوْلِك : إنْ تَقُمْ أَقُمْ , فَتَجْزِم الثَّانِي بِجَزْمِ الْأَوَّل . فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَتَكُونَا } لَمَّا وَقَعَتْ الْفَاء فِي مَوْضِع شَرْط الْأَوَّل نُصِبَ بِهَا , وَصُيِّرَتْ بِمَنْزِلَةِ " كَيْ " فِي نَصْبهَا الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبِلَة لِلُزُومِهَا الِاسْتِقْبَال , إذْ كَانَ أَصْل الْجَزَاء الِاسْتِقْبَال . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : تَأْوِيل ذَلِكَ : لَا يَكُنْ مِنْكُمَا قُرْب هَذِهِ الشَّجَرَة فَأَنْ تَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ . غَيْر أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ " أَنَّ " غَيْر جَائِز إظْهَارهَا مَعَ " لَا " , وَلَكِنَّهَا مُضْمَرَة لَا بُدّ مِنْهَا لِيَصِحّ الْكَلَام بِعَطْفِ اسْم وَهِيَ " أَنَّ " عَلَى الِاسْم , كَمَا غَيْر جَائِز فِي قَوْلهمْ " عَسَى أَنْ يَفْعَل " : عَسَى الْفِعْل , وَلَا فِي قَوْلك : " مَا كَانَ لِيَفْعَل " : مَا كَانَ لِأَنْ يَفْعَل . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي يُفْسِدهُ إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى تَخْطِئَة قَوْل الْقَائِل : سَرَّنِي تَقُوم يَا هَذَا , وَهُوَ يُرِيد : سَرَّنِي قِيَامك . فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون خَطَأ عَلَى هَذَا الْمَذْهَب قَوْل الْقَائِل : لَا تَقُمْ , إذَا كَانَ الْمَعْنَى : لَا يَكُنْ مِنْك قِيَام . وَفِي إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى صِحَّة قَوْل الْقَائِل : لَا تَقُمْ , وَفَسَاد قَوْل الْقَائِل : سَرَّنِي تَقُوم بِمَعْنَى سَرَّنِي قِيَامك , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى فَسَاد دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ مَعَ " لَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة } ضَمِير " أَنَّ " , وَصِحَّة الْقَوْل الْآخَر .
وَفِي قَوْله : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون " فَتَكُونَا " فِي نِيَّة الْعَطْف عَلَى قَوْله : { وَلَا تَقْرَبَا } فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة , وَلَا تَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ . فَيَكُون " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْجَزْم مَجْزُوم بِمَا جُزِمَ بِهِ { وَلَا تَقْرَبَا } , كَمَا يَقُول الْقَائِل : لَا تُكَلِّمْ عَمْرًا وَلَا تُؤْذِهِ , وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقِيس : فَقُلْت لَهُ صَوِّبْ وَلَا تَجْهَدَنَّهُ فَيُذِرْكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاة فَتَزْلَق فَجَزَمَ " فَيُذِرْكَ " بِمَا جَزَمَ بِهِ " لَا تَجْهَدَنَّهُ " , كَأَنَّهُ كَرَّرَ النَّهْي . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } بِمَعْنَى جَوَاب النَّهْي , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة , فَإِنَّكُمَا إنْ قَرِبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنْ الظَّالِمِينَ ; كَمَا تَقُول : لَا تَشْتُم عَمْرًا فَيَشْتُمك مُجَازَاة . فَيَكُون " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَوْضِع نَصْب إذْ كَانَ حَرْف عَطْف عَلَى غَيْر شَكْله لِمَا كَانَ فِي { وَلَا تَقْرَبَا } حَرْف عَامِل فِيهِ , وَلَا يَصْلُح إعَادَته فِي " فَتَكُونَا " فَنُصِبَ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت فِي أَوَّل هَذِهِ الْمَسْأَلَة . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ فَتَكُونَا مِنْ الْمُتَعَدِّينَ إلَى غَيْر مَا أَذِنَ لَهُمْ وَأُبِيحَ لَهُمْ فِيهِ . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّكُمَا إنْ قَرِبْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَة كُنْتُمَا عَلَى مِنْهَاج مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي وَعَصَى أَمْرِي وَاسْتَحَلَّ مَحَارِمِي ; لِأَنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَاَللَّه وَلِيّ الْمُتَّقِينَ . وَأَصْل الظُّلْم فِي كَلَام الْعَرَب وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه ; وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : إلَّا الْأَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنهَا وَالنُّؤْي كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَد فَجَعَلَ الْأَرْض مَظْلُومَة , لِأَنَّ الَّذِي حَفَرَ فِيهَا النَّوَى حَفَرَ فِي غَيْر مَوْضِع الْحَفْر , فَجَعَلَهَا مَظْلُومَة لِوَضْعِ الْحُفْرَة مِنْهَا فِي غَيْر مَوْضِعهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل ابْن قَمِيئَة فِي صِفَة غَيْث : ظَلَمَ الْبِطَاح بِهَا انْهِلَال حَرِيصَة فَصَفَا النِّطَاف لَهُ بُعَيْد الْمُقْلَع وَظُلْمه إيَّاهُ : مَجِيئُهُ فِي غَيْر أَوَانه , وَانْصِبَابه فِي غَيْر مَصَبّه . وَمِنْهُ : ظُلْم الرَّجُل جَزُوره , وَهُوَ نَحْره إيَّاهُ لِغَيْرِ عِلَّة ; وَذَلِكَ عِنْد الْعَرَب : وَضَعَ النَّحْر فِي غَيْر مَوْضِعه . وَقَدْ يَتَفَرَّع الظُّلْم فِي مَعَانٍ يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب , وَسَنُبَيِّنُهَا فِي أَمَاكِنهَا إذَا أَتَيْنَا عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَأَصْل ذَلِكَ كُلّه مَا وَصَفْنَا مِنْ وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه .
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّتهمْ : { فَأَزَلَّهُمَا } بِتَشْدِيدِ اللَّامّ , بِمَعْنَى اسْتَزَلَّهُمَا ; مِنْ قَوْلك : زَلَّ الرَّجُل فِي دِينه : إذَا هَفَا فِيهِ وَأَخْطَأَ فَأَتَى مَا لَيْسَ لَهُ إتْيَانه فِيهِ , وَأَزَلَّهُ غَيْره : إذَا سَبَّبَ لَهُ مَا يُزَلّ مِنْ أَجْله فِي دِينه أَوْ دُنْيَاهُ . وَلِذَلِكَ أَضَافَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إلَى إبْلِيس خُرُوج آدَم وَزَوْجَته مِنْ الْجَنَّة فَقَالَ : { فَأَخْرَجَهُمَا } يَعْنِي إبْلِيس { مِمَّا كَانَا فِيهِ } لِأَنَّهُ كَانَ الَّذِي سَبَّبَ لَهُمَا الْخَطِيئَة الَّتِي عَاقَبَهُمَا اللَّه عَلَيْهَا بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ الْجَنَّة . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : " فَأَزَالهُمَا " , بِمَعْنَى إزَالَة الشَّيْء عَنْ الشَّيْء , وَذَلِكَ تَنْحِيَته عَنْهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل قَوْله { فَأَزَلَّهُمَا } مَا : 618 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان } قَالَ : أَغَوَاهُمَا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَأَزَلَّهُمَا } لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي الْحَرْف الَّذِي يَتْلُوهُ بِأَنَّ إبْلِيس أَخَرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله فَأَزَالهُمَا , فَلَا وَجْه إذْ كَانَ مَعْنَى الْإِزَالَة مَعْنَى التَّنْحِيَة وَالْإِخْرَاج أَنْ يُقَال : " فَأَزَالهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ " , فَيَكُون كَقَوْلِهِ : " فَأَزَالهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَزَالهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ " , وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الْمَفْهُوم أَنْ يُقَال : فَاسْتَزَلَّهُمَا إبْلِيس عَنْ طَاعَة اللَّه , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان } وَقَرَأَتْ بِهِ الْقُرَّاء , فَأَخْرَجَهُمَا بِاسْتِزْلَالِهِ إيَّاهُمَا مِنْ الْجَنَّة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ كَانَ اسْتِزْلَال إبْلِيس آدَم وَزَوْجَته حَتَّى أُضِيفَ إلَيْهِ إخْرَاجهمَا مِنْ الْجَنَّة ؟ قِيلَ : قَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا سَنَذْكُرُ بَعْضهَا فَحُكِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه فِي ذَلِكَ مَا 619 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مهرب , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبَّه يَقُول : لَمَّا أَسْكَنَ اللَّه آدَم وَذُرِّيَّته , أَوْ زَوْجَته , الشَّكّ مِنْ أَبِي جَعْفَر , وَهُوَ فِي أَصْلِ كِتَابه : وَذُرِّيَّته - وَنَهَاهُ عَنْ الشَّجَرَة , وَكَانَتْ الْمَلَائِكَة لِخُلْدِهِمْ , وَهِيَ الثَّمَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه آدَم عَنْهَا وَزَوْجَته . فَلَمَّا أَرَادَ إبْلِيس أَنْ يَسْتَزِلّهُمَا دَخَلَ فِي جَوْف الْحَيَّة , وَكَانَتْ لِلْحَيَّةِ أَرْبَع قَوَائِم كَأَنَّهَا بُخْتِيَّة مِنْ أَحَسَن دَابَّة خَلَقَهَا اللَّه . فَلَمَّا دَخَلَتْ الْحَيَّة الْجَنَّة , خَرَجَ مِنْ جَوْفهَا إبْلِيس , فَأَخَذَ مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا آدَم وَزَوْجَته , فَجَاءَ بِهَا إلَى حَوَّاء , فَقَالَ : اُنْظُرِي إلَى هَذِهِ الشَّجَرَة , مَا أَطْيَب رِيحهَا , وَأَطْيَب طَعْمهَا , وَأَحْسَن لَوْنهَا ! فَأَخَذَتْ حَوَّاء فَأَكَلَتْ مِنْهَا , ثُمَّ ذَهَبَتْ بِهَا إلَى آدَم , فَقَالَتْ : اُنْظُرْ إلَى هَذِهِ الشَّجَرَة , مَا أَطْيَب رِيحهَا , وَأَطْيَب طَعْمهَا , وَأَحْسَن لَوْنهَا ! فَأَكَلَ مِنْهَا آدَم , فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا , فَدَخَلَ آدَم فِي جَوْف الشَّجَرَة , فَنَادَاهُ رَبّه : يَا آدَم أَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا هُنَا يَا رَبّ , قَالَ : أَلَا تَخْرُج ؟ قَالَ : أَسْتَحْيِي مِنْك يَا رَبّ , قَالَ : مَلْعُونَة الْأَرْض الَّتِي خُلِقْت مِنْهَا لَعْنَة يَتَحَوَّل ثَمَرهَا شَوْكًا . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّة وَلَا فِي الْأَرْض شَجَرَة كَانَ أَفَضْل مِنْ الطَّلْع وَالسِّدْر ; ثُمَّ قَالَ : يَا حَوَّاء أَنْتِ الَّتِي غَرَرْت عَبْدِي , فَإِنَّك لَا تَحْمِلِينَ حَمْلًا إلَّا حَمَلْتِيهِ كَرْهًا , فَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَضَعِي مَا فِي بَطْنك أَشْرَفْت عَلَى الْمَوْت مِرَارًا . وَقَالَ لِلْحَيَّةِ : أَنْتِ الَّتِي دَخَلَ الْمَلْعُون فِي جَوْفك حَتَّى غَرَّ عَبْدِي , مَلْعُونَة أَنْتِ لَعْنَة تَتَحَوَّل قَوَائِمك فِي بَطْنك , وَلَا يَكُنْ لَك رِزْق إلَّا التُّرَاب , أَنْتِ عَدُوَّة بَنِي آدَم وَهُمْ أَعْدَاؤُك حَيْثُ لَقِيت أَحَدًا مِنْهُمْ أَخَذْت بِعَقِبِهِ , وَحَيْثُ لَقِيَك شَدَخَ رَأْسك . قَالَ عُمَر : قِيلَ لِوَهْبٍ : وَمَا كَانَتْ الْمَلَائِكَة تَأْكُل ؟ قَالَ : يَفْعَل اللَّه مَا يَشَاء وَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة . 620 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَمَّا قَالَ اللَّه لِآدَم : { اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } أَرَادَ إبْلِيس أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمَا الْجَنَّة فَمَنَعَتْهُ الْخَزَنَة , فَأَتَى الْحَيَّة وَهِيَ دَابَّة لَهَا أَرْبَع قَوَائِم كَأَنَّهَا الْبَعِير , وَهِيَ كَأَحْسَن الدَّوَابّ , فَكَلَّمَهَا أَنْ تُدْخِلهُ فِي فَمهَا حَتَّى تَدْخُل بِهِ إلَى آدَم , فَأَدْخَلَتْهُ فِي فَمهَا , فَمَرَّتْ الْحَيَّة عَلَى الْخَزَنَة فَدَخَلَتْ وَلَا يَعْلَمُونَ لِمَا أَرَادَ اللَّه مِنْ الْأَمْر , فَكَلَّمَهُ مِنْ فَمهَا فَلَمْ يُبَالِ بِكَلَامِهِ , فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ : { يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } 20 120 يَقُول هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة إنْ أَكَلْت مِنْهَا كَانَتْ مُلْكًا مِثْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ فَلَا تَمُوتَانِ أَبَدًا . وَحَلَفَ لَهُمَا بِاَللَّهِ إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتهمَا بِهَتْكِ لِبَاسهمَا . وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهُمَا سَوْأَة لَمَّا كَانَ يَقْرَأ مِنْ كُتُب الْمَلَائِكَة , وَلَمْ يَكُنْ آدَم يَعْلَم ذَلِكَ , وَكَانَ لِبَاسهمَا الظُّفُر . فَأَبَى آدَم أَنْ يَأْكُل مِنْهَا , فَتَقَدَّمَتْ حَوَّاء فَأَكَلَتْ , ثُمَّ قَالَتْ : يَا آدَم كُلْ ! فَإِنِّي قَدْ أَكَلْت فَلَمْ يَضُرَّنِّي . فَلَمَّا أَكَلَ آدَم { بَدَتْ لَهُمَا سَوْأَتهمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة } 621 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّث أَنَّ الشَّيْطَان دَخَلَ الْجَنَّة فِي صُورَة دَابَّة ذَات قَوَائِم , فَكَانَ يَرَى أَنَّهُ الْبَعِير . قَالَ : فَلُعِنَ فَسَقَطَتْ قَوَائِمه , فَصَارَ حَيَّة . 622 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : وَحَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَة أَنَّ مِنْ الْإِبِل مَا كَانَ أَوَّلهَا مِنْ الْجِنّ , قَالَ : فَأُبِيحَتْ لَهُ الْجَنَّة كُلّهَا إلَّا الشَّجَرَة , وَقِيلَ لَهُمَا : { لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالَ : فَأَتَى الشَّيْطَان حَوَّاء فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَ : أَنَهَيْتُمَا عَنْ شَيْء ؟ قَالَتْ : نَعَمْ , عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة . فَقَالَ : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ } قَالَ : فَبَدَأَتْ حَوَّاء فَأَكَلَتْ مِنْهَا , ثُمَّ أَمَرَتْ آدَم فَأَكَلَ مِنْهَا . قَالَ : وَكَانَتْ شَجَرَة مَنْ أَكَلَ مِنْهَا أَحْدَثَ . قَالَ : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون فِي الْجَنَّة حَدَّثَ . قَالَ : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } قَالَ : فَأُخْرِجَ آدَم مِنْ الْجَنَّة . 623 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أَنَّ آدَم حِين دَخَلَ الْجَنَّة وَرَأَى مَا فِيهَا مِنْ الْكَرَامَة وَمَا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْهَا , قَالَ : لَوْ أَنَّ خُلْدًا كَانَ ! فَاغْتَنَمَهَا مِنْهُ الشَّيْطَان لَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ , فَأَتَاهُ مِنْ قِبَل الْخُلْد . 624 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَسْلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدِّثْت أَنَّ أَوَّل مَا ابْتَدَأَهُمَا بِهِ مِنْ كَيْده إيَّاهُمَا أَنَّهُ نَاحَ عَلَيْهِمَا نِيَاحَة أَحْزَنَتْهُمَا حِين سَمِعَاهَا , فَقَالَا لَهُ : مَا يَبْكِيك ؟ قَالَ : أَبْكِي عَلَيْكُمَا تَمُوتَانِ فَتُفَارِقَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ مِنْ النِّعْمَة وَالْكَرَامَة . فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسهمَا . ثُمَّ أَتَاهُمَا فَوَسْوَسَ إلَيْهِمَا , فَقَالَ : { يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } 20 120 وَقَالَ : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 20 : 21 أَيْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تُخَلَّدَا إنْ لَمْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ فِي نِعْمَة الْجَنَّة فَلَا تَمُوتَانِ , يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ } 7 22 625 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَسْوَسَ الشَّيْطَان إلَى حَوَّاء فِي الشَّجَرَة حَتَّى أَتَى بِهَا إلَيْهَا , ثُمَّ حَسَّنَهَا فِي عَيْن آدَم . قَالَ : فَدَعَاهَا آدَم لِحَاجَتِهِ , قَالَتْ : لَا , إلَّا أَنْ تَأْتِي هَهُنَا . فَلَمَّا أَتَى قَالَتْ : لَا , إلَّا أَنْ تَأْكُل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة , قَالَ : فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا . قَالَ : وَذَهَبَ آدَم هَارِبًا فِي الْجَنَّة , فَنَادَاهُ رَبّه : يَا آدَم أَمِنِّي تَفِرّ ؟ قَالَ : لَا يَا رَبّ , وَلَكِنْ حَيَاء مِنْك . قَالَ : يَا آدَم إنِّي أَتَيْت ؟ قَالَ : مِنْ قِبَل حَوَّاء أَيْ رَبّ . فَقَالَ اللَّه : فَإِنَّ لَهَا عَلَيَّ أَنْ أَدْمِيهَا فِي كُلّ شَهْر مُرَّة كَمَا أَدْمَيْت هَذِهِ الشَّجَرَة , وَأَنْ أَجَعَلَهَا سَفِيهَة , فَقَدْ كُنْت خَلَقْتهَا حَلِيمَة , وَأَنْ أَجَعَلَهَا تَحْمِل كَرْهًا وَتَضَع كَرْهًا , فَقَدْ كُنْت جَعَلْتهَا تَحْمِل يُسْرًا وَتَضَع يُسْرًا . قَالَ ابْن زَيْد : وَلَوْلَا الْبَلِيَّة الَّتِي أَصَابَتْ حَوَّاء لَكَانَ نِسَاء الدُّنْيَا لَا يَحِضْنَ , وَلَكِنْ حَلِيمَات , وَكُنَّ يَحْمِلْنَ يُسْرًا وَيَضَعْنَ يُسْرًا . 626 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قسيط , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : سَمِعْته يَحْلِف بِاَللَّهِ مَا يَسْتَثْنِي مَا أَكَلَ آدَم مِنْ الشَّجَرَة وَهُوَ يَعْقِل , وَلَكِنْ حَوَّاء سَقَتْهُ الْخَمْر حَتَّى إذَا سَكِرَ قَادَتْهُ إلَيْهَا فَأَكَلَ . 627 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ طَاوُس الْيَمَانِي عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس عَرَضَ نَفْسه عَلَى دَوَابّ الْأَرْض أَنَّهَا تَحْمِلهُ حَتَّى يَدْخُل الْجَنَّة مَعَهَا , وَيُكَلِّم آدَم وَزَوْجَته , فَكُلّ الدَّوَابّ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ , حَتَّى كَلَّمَ الْحَيَّة فَقَالَ لَهَا : أَمْنَعك مِنْ ابْن آدَم , فَأَنْت فِي ذِمَّتِي إنْ أَنْتِ أَدَخَلْتنِي الْجَنَّة ! فَجَعَلَتْهُ بَيْن نَابَيْنِ مِنْ أَنْيَابهَا , ثُمَّ دَخَلَتْ بِهِ . فَكَلَّمَهُمَا مِنْ فِيهَا , وَكَانَتْ كَاسِيَة تَمْشِي عَلَى أَرْبَع قَوَائِم , فَأَعْرَاهَا اللَّه , وَجَعَلَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا . قَالَ : يَقُول ابْن عَبَّاس : اُقْتُلُوهَا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهَا , اخْفِرُوا ذِمَّة عَدُوّ اللَّه فِيهَا . 628 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ ابْن إسْحَاق : وَأَهْل التَّوْرَاة يَدْرُسُونَ : إنَّمَا كَلَّمَ آدَم الْحَيَّة , وَلَمْ يُفَسِّرُوا كَتَفْسِيرِ ابْن عَبَّاس . 629 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : نَهَى اللَّه آدَم وَحَوَّاء أَنَّ يَأْكُلَا مِنْ شَجَرَة وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَيَأْكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءَا . فَجَاءَ الشَّيْطَان فَدَخَلَ فِي جَوْف الْحَيَّة , فَكَلَّمَ حَوَّاء , وَوَسْوَسَ الشَّيْطَان إلَى آدَم , فَقَالَ : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 20 : 21 قَالَ : فَعَضَّتْ حَوَّاء الشَّجَرَة , فَدَمِيَتْ الشَّجَرَة وَسَقَطَ عَنْهُمَا رِيَاشهمَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة وَنَادَاهُمَا رَبّهمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَة وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَان لَكُمَا عَدُوّ مُبِين } 7 22 لِمَ أَكَلْتهَا وَقَدْ نَهَيْتُك عَنْهَا ؟ قَالَ : يَا رَبّ أَطْعَمَتْنِي حَوَّاء . قَالَ لِحَوَّاءَ : لِمَ أَطْعَمْته ؟ قَالَتْ : أَمَرَتْنِي الْحَيَّة . قَالَ لِلْحَيَّةِ : لِمَ أَمَرْتهَا ؟ قَالَتْ : أَمَرَنِي إبْلِيس . قَالَ : مَلْعُون مَدْحُور ! أَمَّا أَنْتِ يَا حَوَّاء فَكَمَا أَدْمَيْت الشَّجَرَة فَتَدْمِين فِي كُلّ هِلَال . وَأَمَّا أَنْتِ يَا حَيَّة فَأَقْطَع قَوَائِمك فَتَمْشِينَ جَرْيًا عَلَى وَجْهك وَسَيَشْدَخُ رَأَسَك مَنْ لَقِيَك بِالْحَجَرِ ; اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْأَخْبَار عَمَّنْ رَوَيْنَاهَا عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرهمْ فِي صِفَة اسْتِزْلَال إبْلِيس عَدُوّ اللَّه آدَم وَزَوْجَته حَتَّى أَخَرَجَهُمَا مِنْ الْجَنَّة . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالْحَقِّ عِنْدنَا , مَا كَانَ لِكِتَابِ اللَّه مُوَافِقًا , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ إبْلِيس أَنَّهُ وَسْوَسَ لِآدَم وَزَوْجَته لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتهمَا , وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمَا : { مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ } 7 20 وَأَنَّهُ قَاسِمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ مُدَلِّيًا لَهُمَا بِغُرُورٍ . فَفِي إخْبَاره جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ قَاسَمَ آدَم وَزَوْجَته بِقِيلِهِ لَهُمَا : { إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 21 الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَاشَرَ خِطَابهمَا بِنَفْسِهِ , إمَّا ظَاهِرًا لِأَعْيُنِهِمَا , وَإِمَّا مُسْتَجَنًّا فِي غَيْره . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : قَاسَمَ فُلَان فُلَانًا فِي كَذَا وَكَذَا , إذَا سَبَّبَ لَهُ سَبَبًا وَصَلَ بِهِ إلَيْهِ دُون أَنْ يَحْلِف لَهُ . وَالْحَلِف لَا يَكُون بِتَسَبُّبِ السَّبَب , فَكَذَلِكَ قَوْله : فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَان , لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ إلَى آدَم عَلَى نَحْو الَّذِي مِنْهُ إلَى ذُرِّيَّته مِنْ تَزْيِين أَكُلّ مَا نَهَى اللَّه آدَم عَنْ أَكْله مِنْ الشَّجَرَة بِغَيْرِ مُبَاشَرَة خِطَابه إيَّاهُ بِمَا اسْتَزَلَّهُ بِهِ مِنْ الْقَوْل وَالْحِيَل , لَمَّا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 21 كَمَا غَيْر جَائِز أَنْ يَقُول الْيَوْم قَائِل مِمَّنْ أَتَى مَعْصِيَة : قَاسَمَنِي إبْلِيس أَنَّهُ لِي نَاصِح فِيمَا زَيِّنْ لِي مِنْ الْمَعْصِيَة الَّتِي أَتَيْتهَا , فَكَذَلِكَ الَّذِي كَانَ مِنْ آدَم وَزَوْجَته لَوْ كَانَ عَلَى النَّحْو الَّذِي يَكُون فِيمَا بَيْن إبْلِيس الْيَوْم وَذُرِّيَّة آدَم لِمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ } 7 21 وَلَكِنْ ذَلِكَ كَانَ إنَّ شَاءَ اللَّه عَلَى نَحْو مَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . فَأَمَّا سَبَب وُصُوله إلَى الْجَنَّة حَتَّى كَلَّمَ آدَم بَعْد أَنْ أَخَرَجَهُ اللَّه مِنْهَا وَطَرَدَهُ عَنْهَا , فَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَهَبَ بْن مُنَبَّه فِي ذَلِكَ مَعْنَى يَجُوز لَذِي فَهُمْ مُدَافَعَته , إذْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا لَا يَدْفَعهُ عَقْل وَلَا خَبَر يَلْزَم تَصْدِيقه مِنْ حَجَّة بِخِلَافِهِ , وَهُوَ مِنْ الْأُمُور الْمُمْكِنَة . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى خِطَابهمَا عَلَى مَا أَخْبَرَنَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَمُمْكِن أَنْ يَكُون وَصَلَ إلَى ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قَالَهُ الْمُتَأَوِّلُونَ ; بَلْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّه كَذَلِكَ لِتَتَابُعِ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل عَلَى تَصْحِيح ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ ابْن إسْحَاق قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا : 630 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة قَالَ : قَالَ ابْن إسْحَاق فِي ذَلِكَ , وَاَللَّه أَعْلَم كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَهْل التَّوْرَاة : أَنَّهُ خَلَصَ إلَى آدَم وَزَوْجَته بِسُلْطَانِهِ الَّذِي جَعَلَ اللَّه لَهُ لِيَبْتَلِيَ بِهِ آدَم وَذُرِّيَّته , وَأَنَّهُ يَأْتِي ابْن آدَم فِي نَوْمَته وَفِي يَقِظَته , وَفِي كُلّ حَال مِنْ أَحْوَاله , حَتَّى يَخْلُص إلَى مَا أَرَادَ مِنْه حَتَّى يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَعْصِيَة , وَيُوقِع فِي نَفْسِه الشَّهْوَة وَهُوَ لَا يَرَاهُ , وَقَدْ قَالَ اللَّه : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } وَقَالَ : { يَا بَنِي آدَم لَا يَفْتِنَنكُمْ الشَّيْطَان كَمَا أَخَرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِن الْجَنَّة يَنْزِع عَنْهُمَا لِبَاسهمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتهمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيله مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } 7 27 وَقَدْ قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس مَلِك النَّاس } 114 1 : 2 إلَى آخِر السُّورَة . ثُمَّ ذَكَرَ الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ ابْن آدَم مَجْرَى الدَّم } قَالَ ابْن إسْحَاق : وَإِنَّمَا أُمِرَ ابْن آدَم فِيمَا بَيْنه وَبَيْن عَدُوّ اللَّه , كَأَمْرِهِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن آدَم , فَقَالَ اللَّه : { اهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُون لَك أَنْ تَتَكَبَّر فِيهَا فَاخْرُجْ إنَّك مِنْ الصَّاغِرِينَ } 7 13 ثُمَّ خَلَصَ إلَى آدَم وَزَوْجَته حَتَّى كَلَّمَهُمَا , كَمَا قَصَّ اللَّه عَلَيْنَا مِنْ خَبَرهمَا , قَالَ : { فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَان قَالَ يَا آدَم هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } 20 120 فَخَلَصَ إلَيْهِمَا بِمَا خَلَصَ إلَى ذُرِّيَّته مِنْ حَيْثُ لَا يَرَيَانِهِ , وَاَللَّه أَعْلَم أَيْ ذَلِكَ كَانَ ; فَتَابَا إلَى رَبّهمَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ فِي يَقِين ابْن إسْحَاق لَوْ كَانَ قَدْ أَيْقَنَ فِي نَفْسه أَنَّ إبْلِيس لَمْ يَخْلُص إلَى آدَم وَزَوْجَته بِالْمُخَاطَبَةِ بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا وَخَاطَبَهُمَا بِهِ مَا يَجُوز لِذِي فَهُمْ الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْقَوْل مُسْتَفِيضًا مِنْ أَهْل الْعِلْم مَعَ دَلَالَة الْكِتَاب عَلَى صِحَّة مَا اسْتَفَاضَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنهمْ , فَكَيْف بِشَكِّهِ ؟ وَاَللَّه نَسْأَل التَّوْفِيقِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَأَخْرَجَهُمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَأَخْرَجَ الشَّيْطَان آدَم وَزَوْجَته مِمَّا كَانَا , يَعْنِي مِمَّا كَانَ فِيهِ آدَم وَزَوْجَته مِنْ رَغَد الْعَيْش فِي الْجَنَّة , وَسَعَة نَعِيمهَا الَّذِي كَانَا فِيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَضَافَ إخْرَاجهمَا مِنْ الْجَنَّة إلَى الشَّيْطَان , وَإِنْ كَانَ اللَّه هُوَ الْمُخْرِج لَهُمَا ; لِأَنَّ خُرُوجهمَا مِنْهَا كَانَ عَنْ سَبَب مِنْ الشَّيْطَان , وَأُضِيف ذَلِكَ إلَيْهِ لِتَسْبِيبِهِ إيَّاهُ كَمَا يَقُول الْقَائِل لِرَجُلٍ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَذًى حَتَّى تَحَوَّلَ مِنْ أَجْله عَنْ مَوْضِع كَانَ يَسْكُنهُ : مَا حَوَّلَنِي مِنْ مَوْضِعِي الَّذِي كُنْت فِيهِ إلَّا أَنْتَ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَهُ تَحْوِيل , وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ تَحَوُّله عَنْ سَبَب مِنْهُ جَازَ لَهُ إضَافَة تَحْوِيله إلَيْهِ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيل قَوْلِه تَعَالَى : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يُقَال : هَبَطَ فُلَان أَرْض كَذَا وَوَادِي كَذَا : إِذَا حَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا زِلْت أَرْمُقهُمْ حَتَّى إذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب بِهِمْ مِنْ رَاكِس فَلَقَا وَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُخْرِج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَنَّ إضَافَة اللَّه إلَى إبْلِيس مَا أَضَافَ إلَيْهِ مِنْ إخْرَاجهمَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَدَلَّ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ هُبُوط آدَم وَزَوْجَته وَعَدُوّهُمَا إبْلِيس كَانَ فِي وَقْت وَاحِد . بِجَمْعِ اللَّه إيَّاهُمْ فِي الْخَبَر عَنْ إهْبَاطهمْ , بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ خَطِيئَة آدَم وَزَوْجَته , وَتَسَبَّبَ إبْلِيس ذَلِكَ لَهُمَا , عَلَى مَا وَصَفَهُ رَبّنَا جَلَّ ذِكْره عَنْهُمْ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا } مَعَ إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ آدَم وَزَوْجَته مِمَّنْ عَنَى بِهِ 631 - فَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي عَوَانَة , عَنْ إسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ أَبِي صَالِح : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة 632 حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَمُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَا : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : فَلَعَنَ الْحَيَّة وَقَطَعَ قَوَائِمهَا وَتَرَكَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا وَجَعَلَ رِزْقهَا مِنْ التُّرَاب , وَأَهْبَطَ إلَى الْأَرْض آدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة 633 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } آدَم , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة , ذُرِّيَّة بَعْضهمْ أَعْدَاء لِبَعْضٍ . وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم وَذُرِّيَّته , وَإِبْلِيس وَذُرِّيَّته 634 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم بْن أَبِي إيَاس , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : يَعْنِي إبْلِيس , وَآدَم 635 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ , حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : بَعْضهمْ عَدُوّ آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة . وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس يَقُول : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة . 636 - وَحَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : لَهُمَا ولذريتهما . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَتْ عَدَاوَة مَا بَيْن آدَم وَزَوْجَته , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة ؟ قِيلَ : أَمَّا عَدَاوَة إبْلِيس آدَم وَذُرِّيَّته , فَحَسَدَهُ إيَّاهُ , وَاسْتِكْبَاره عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لَهُ حِين قَالَ لِرَبِّهِ : { أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين } 38 76 وَأَمَّا عَدَاوَة آدَم وَذُرِّيَّته إبْلِيس , فَعَدَاوَة الْمُؤْمِنِينَ إيَّاهُ لِكُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَعِصْيَانه لِرَبِّهِ فِي تَكَبُّره عَلَيْهِ وَمُخَالَفَته أَمْره ; وَذَلِكَ مِنْ آدَم وَمُؤْمِنِي ذُرِّيَّته إيمَان بِاَللَّهِ . وَأَمَّا عَدَاوَة إبْلِيس آدَم , فَكَفَرَ بِاَللَّهِ . وَأَمَّا عَدَاوَة مَا بَيْن آدَم وَذُرِّيَّته , وَالْحَيَّة , فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبَّه , وَذَلِكَ هِيَ الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْننَا وَبَيْنهَا , كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ فَمَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَة ثَأْرهنَّ فَلَيْسَ مِنَّا " 637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج بْن رُشْد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , عَنْ ابْن عَجْلَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ , فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُنَّ خِيفَة فَلَيْسَ مِنَّا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَحْسِب أَنَّ الْحَرْب الَّتِي بَيْننَا كَانَ أَصْله مَا ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا الَّذِينَ قَدَّمْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ فِي إدْخَالهَا إبْلِيس الْجَنَّة بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْهَا حَتَّى اسْتَزَلَّهُ عَنْ طَاعَة رَبّه فِي أَكْله مَا نُهِيَ عَنْ أَكْله مِنْ الشَّجَرَة . 638 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيه بْن هِشَام , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم جَمِيعًا , عَنْ شَيْبَان , عَنْ جَابِر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : عَنْ قَتْل الْحَيَّات , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خُلِقَتْ هِيَ وَالْإِنْسَان كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَدُوّ لِصَاحِبِهِ , إنْ رَآهَا أَفْزَعَتْهُ , وَإِنْ لَدَغَتْهُ أَوْجَعَتْهُ . فَأَقْتُلهَا حَيْثُ وَجَدْتهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 639 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا } 2 22 640 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض قَرَارًا } 40 64 وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكُمْ فِي الْأَرْض قَرَار فِي الْقُبُور . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 641 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } يَعْنِي الْقُبُور . 642 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس قَالَ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : الْقُبُور 643 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : مَقَامهمْ فِيهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْمُسْتَقَرّ فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ مَوْضِع الِاسْتِقْرَار . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَحَيْثُ كَانَ مِنْ فِي الْأَرْض مَوْجُودًا حَالًا , فَذَلِكَ الْمَكَان مِنْ الْأَرْض مُسْتَقَرّه . إنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : أَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرًّا وَمَنْزِلًا بِأَمَاكِنِهِمْ وَمُسْتَقَرّهمْ مِنْ الْجَنَّة وَالسَّمَاء , وَكَذَلِكَ قَوْله { وَمَتَاع } يَعْنِي بِهِ أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَتَاعًا بِمَتَاعِهِمْ فِي الْجَنَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضهمْ : وَلَكُمْ فِيهَا بَلَاغ إلَى الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 644 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ يَقُول : بَلَاغ إلَى الْمَوْت . 645 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : الْحَيَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَتَاع إلَى حِين } إلَى قِيَام السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 646 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : إلَى يَوْم الْقِيَامَة إلَى انْقِطَاع الدُّنْيَا . وَقَالَ آخَرُونَ إلَى حِين , قَالَ : إلَى أَجَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 647 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : إلَى أَجَل . وَالْمَتَاع فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ مَا اسْتَمْتَعَ بِهِ مِنْ شَيْء مِنْ مَعَاش اسْتَمْتَعَ بِهِ أَوْ رِيَاش أَوْ زِينَة أَوْ لَذَّة أَوْ غَيْر ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ حَيَاة كُلّ حَيّ مَتَاعًا لَهُ يَسْتَمْتِع بِهَا أَيَّام حَيَاته , وَجَعَلَ الْأَرْض لِلْإِنْسَانِ مَتَاعًا أَيَّام حَيَاته بِقَرَارِهِ عَلَيْهَا , وَاغْتِذَائِهِ بِمَا أَخَرَجَ اللَّه مِنْهَا مِنْ الْأَقْوَات وَالثِّمَار , وَالْتِذَاذه بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنْ الْمَلَاذ وَجَعَلَهَا مِنْ بَعْد وَفَاته لِجُثَّتِهِ كِفَاتًا , وَلِجِسْمِهِ مَنْزِلًا وَقَرَارًا , وَكَانَ اسْم الْمَتَاع يَشْمَل جَمِيع ذَلِكَ ; كَانَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ , إذْ لَمْ يَكُنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَضَعَ دَلَالَة دَالَّة عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : { وَمَتَاع إلَى حِين } بَعْضًا دُون بَعْض , وَخَاصًّا دُون عَامّ فِي عَقْل وَلَا خَبَر ; أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعَام , وَأَنْ يَكُون الْخَبَر أَيْضًا كَذَلِكَ إلَى وَقْت يَطُول اسْتِمْتَاع بَنِي آدَم وَبَنِي إبْلِيس بِهَا , وَذَلِكَ إلَى أَنْ تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ لَمَّا وَصَفْنَا , فَالْوَاجِب إذَا أَنْ يَكُون تَأْوِيل الْآيَة : وَلَكِنْ فِي الْأَرْض مَنَازِل وَمَسَاكِن , تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا اسْتِقْرَاركُمْ كَانَ فِي السَّمَوَات , وَفِي الْجَنَّات فِي مَنَازِلكُمْ مِنْهَا , وَاسْتِمْتَاع مِنْكُمْ بِهَا وَبِمَا أَخَرَجْت لَكُمْ مِنْهَا , وَبِمَا جَعَلْت لَكُمْ فِيهَا مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش وَالزِّيَن وَالْمَلَاذّ , وَبِمَا أَعْطَيْتُكُمْ عَلَى ظَهْرهَا أَيَّام حَيَاتكُمْ وَمِنْ بَعْد وَفَاتكُمْ لِأَرْمَاسِكُمْ وَأَجْدَاثكُمْ , تُدْفَنُونَ فِيهَا وَتَبْلُغُونَ بِاسْتِمْتَاعِكُمْ بِهَا إلَى أَنْ أَبْدَلَكُمْ بِهَا غَيْرهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَأَخْرَجَهُمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَأَخْرَجَ الشَّيْطَان آدَم وَزَوْجَته مِمَّا كَانَا , يَعْنِي مِمَّا كَانَ فِيهِ آدَم وَزَوْجَته مِنْ رَغَد الْعَيْش فِي الْجَنَّة , وَسَعَة نَعِيمهَا الَّذِي كَانَا فِيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَضَافَ إخْرَاجهمَا مِنْ الْجَنَّة إلَى الشَّيْطَان , وَإِنْ كَانَ اللَّه هُوَ الْمُخْرِج لَهُمَا ; لِأَنَّ خُرُوجهمَا مِنْهَا كَانَ عَنْ سَبَب مِنْ الشَّيْطَان , وَأُضِيف ذَلِكَ إلَيْهِ لِتَسْبِيبِهِ إيَّاهُ كَمَا يَقُول الْقَائِل لِرَجُلٍ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَذًى حَتَّى تَحَوَّلَ مِنْ أَجْله عَنْ مَوْضِع كَانَ يَسْكُنهُ : مَا حَوَّلَنِي مِنْ مَوْضِعِي الَّذِي كُنْت فِيهِ إلَّا أَنْتَ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَهُ تَحْوِيل , وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ تَحَوُّله عَنْ سَبَب مِنْهُ جَازَ لَهُ إضَافَة تَحْوِيله إلَيْهِ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيل قَوْلِه تَعَالَى : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يُقَال : هَبَطَ فُلَان أَرْض كَذَا وَوَادِي كَذَا : إِذَا حَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا زِلْت أَرْمُقهُمْ حَتَّى إذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب بِهِمْ مِنْ رَاكِس فَلَقَا وَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُخْرِج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَنَّ إضَافَة اللَّه إلَى إبْلِيس مَا أَضَافَ إلَيْهِ مِنْ إخْرَاجهمَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَدَلَّ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ هُبُوط آدَم وَزَوْجَته وَعَدُوّهُمَا إبْلِيس كَانَ فِي وَقْت وَاحِد . بِجَمْعِ اللَّه إيَّاهُمْ فِي الْخَبَر عَنْ إهْبَاطهمْ , بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ خَطِيئَة آدَم وَزَوْجَته , وَتَسَبَّبَ إبْلِيس ذَلِكَ لَهُمَا , عَلَى مَا وَصَفَهُ رَبّنَا جَلَّ ذِكْره عَنْهُمْ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا } مَعَ إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ آدَم وَزَوْجَته مِمَّنْ عَنَى بِهِ 631 - فَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي عَوَانَة , عَنْ إسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ أَبِي صَالِح : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة 632 حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع وَمُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَا : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : فَلَعَنَ الْحَيَّة وَقَطَعَ قَوَائِمهَا وَتَرَكَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنهَا وَجَعَلَ رِزْقهَا مِنْ التُّرَاب , وَأَهْبَطَ إلَى الْأَرْض آدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة 633 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } آدَم , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة , ذُرِّيَّة بَعْضهمْ أَعْدَاء لِبَعْضٍ . وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم وَذُرِّيَّته , وَإِبْلِيس وَذُرِّيَّته 634 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم بْن أَبِي إيَاس , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : يَعْنِي إبْلِيس , وَآدَم 635 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ , حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : بَعْضهمْ عَدُوّ آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة . وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس يَقُول : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة . 636 - وَحَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ } قَالَ : لَهُمَا ولذريتهما . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَتْ عَدَاوَة مَا بَيْن آدَم وَزَوْجَته , وَإِبْلِيس , وَالْحَيَّة ؟ قِيلَ : أَمَّا عَدَاوَة إبْلِيس آدَم وَذُرِّيَّته , فَحَسَدَهُ إيَّاهُ , وَاسْتِكْبَاره عَنْ طَاعَة اللَّه فِي السُّجُود لَهُ حِين قَالَ لِرَبِّهِ : { أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين } 38 76 وَأَمَّا عَدَاوَة آدَم وَذُرِّيَّته إبْلِيس , فَعَدَاوَة الْمُؤْمِنِينَ إيَّاهُ لِكُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَعِصْيَانه لِرَبِّهِ فِي تَكَبُّره عَلَيْهِ وَمُخَالَفَته أَمْره ; وَذَلِكَ مِنْ آدَم وَمُؤْمِنِي ذُرِّيَّته إيمَان بِاَللَّهِ . وَأَمَّا عَدَاوَة إبْلِيس آدَم , فَكَفَرَ بِاَللَّهِ . وَأَمَّا عَدَاوَة مَا بَيْن آدَم وَذُرِّيَّته , وَالْحَيَّة , فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبَّه , وَذَلِكَ هِيَ الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْننَا وَبَيْنهَا , كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ فَمَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَة ثَأْرهنَّ فَلَيْسَ مِنَّا " 637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج بْن رُشْد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَة بْن شُرَيْح , عَنْ ابْن عَجْلَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ , فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُنَّ خِيفَة فَلَيْسَ مِنَّا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَحْسِب أَنَّ الْحَرْب الَّتِي بَيْننَا كَانَ أَصْله مَا ذَكَرَهُ عُلَمَاؤُنَا الَّذِينَ قَدَّمْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ فِي إدْخَالهَا إبْلِيس الْجَنَّة بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ اللَّه مِنْهَا حَتَّى اسْتَزَلَّهُ عَنْ طَاعَة رَبّه فِي أَكْله مَا نُهِيَ عَنْ أَكْله مِنْ الشَّجَرَة . 638 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيه بْن هِشَام , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم جَمِيعًا , عَنْ شَيْبَان , عَنْ جَابِر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : عَنْ قَتْل الْحَيَّات , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خُلِقَتْ هِيَ وَالْإِنْسَان كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَدُوّ لِصَاحِبِهِ , إنْ رَآهَا أَفْزَعَتْهُ , وَإِنْ لَدَغَتْهُ أَوْجَعَتْهُ . فَأَقْتُلهَا حَيْثُ وَجَدْتهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 639 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا } 2 22 640 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : هُوَ قَوْله : { جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض قَرَارًا } 40 64 وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكُمْ فِي الْأَرْض قَرَار فِي الْقُبُور . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 641 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } يَعْنِي الْقُبُور . 642 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس قَالَ : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : الْقُبُور 643 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ } قَالَ : مَقَامهمْ فِيهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْمُسْتَقَرّ فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ مَوْضِع الِاسْتِقْرَار . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَحَيْثُ كَانَ مِنْ فِي الْأَرْض مَوْجُودًا حَالًا , فَذَلِكَ الْمَكَان مِنْ الْأَرْض مُسْتَقَرّه . إنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : أَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرًّا وَمَنْزِلًا بِأَمَاكِنِهِمْ وَمُسْتَقَرّهمْ مِنْ الْجَنَّة وَالسَّمَاء , وَكَذَلِكَ قَوْله { وَمَتَاع } يَعْنِي بِهِ أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَتَاعًا بِمَتَاعِهِمْ فِي الْجَنَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضهمْ : وَلَكُمْ فِيهَا بَلَاغ إلَى الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 644 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ يَقُول : بَلَاغ إلَى الْمَوْت . 645 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إسْمَاعِيل السُّدِّيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْن عَبَّاس : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : الْحَيَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَتَاع إلَى حِين } إلَى قِيَام السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 646 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : إلَى يَوْم الْقِيَامَة إلَى انْقِطَاع الدُّنْيَا . وَقَالَ آخَرُونَ إلَى حِين , قَالَ : إلَى أَجَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 647 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَمَتَاع إلَى حِين } قَالَ : إلَى أَجَل . وَالْمَتَاع فِي كَلَام الْعَرَب : كُلّ مَا اسْتَمْتَعَ بِهِ مِنْ شَيْء مِنْ مَعَاش اسْتَمْتَعَ بِهِ أَوْ رِيَاش أَوْ زِينَة أَوْ لَذَّة أَوْ غَيْر ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ جَعَلَ حَيَاة كُلّ حَيّ مَتَاعًا لَهُ يَسْتَمْتِع بِهَا أَيَّام حَيَاته , وَجَعَلَ الْأَرْض لِلْإِنْسَانِ مَتَاعًا أَيَّام حَيَاته بِقَرَارِهِ عَلَيْهَا , وَاغْتِذَائِهِ بِمَا أَخَرَجَ اللَّه مِنْهَا مِنْ الْأَقْوَات وَالثِّمَار , وَالْتِذَاذه بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنْ الْمَلَاذ وَجَعَلَهَا مِنْ بَعْد وَفَاته لِجُثَّتِهِ كِفَاتًا , وَلِجِسْمِهِ مَنْزِلًا وَقَرَارًا , وَكَانَ اسْم الْمَتَاع يَشْمَل جَمِيع ذَلِكَ ; كَانَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ , إذْ لَمْ يَكُنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَضَعَ دَلَالَة دَالَّة عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : { وَمَتَاع إلَى حِين } بَعْضًا دُون بَعْض , وَخَاصًّا دُون عَامّ فِي عَقْل وَلَا خَبَر ; أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعَام , وَأَنْ يَكُون الْخَبَر أَيْضًا كَذَلِكَ إلَى وَقْت يَطُول اسْتِمْتَاع بَنِي آدَم وَبَنِي إبْلِيس بِهَا , وَذَلِكَ إلَى أَنْ تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ لَمَّا وَصَفْنَا , فَالْوَاجِب إذَا أَنْ يَكُون تَأْوِيل الْآيَة : وَلَكِنْ فِي الْأَرْض مَنَازِل وَمَسَاكِن , تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا اسْتِقْرَاركُمْ كَانَ فِي السَّمَوَات , وَفِي الْجَنَّات فِي مَنَازِلكُمْ مِنْهَا , وَاسْتِمْتَاع مِنْكُمْ بِهَا وَبِمَا أَخَرَجْت لَكُمْ مِنْهَا , وَبِمَا جَعَلْت لَكُمْ فِيهَا مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش وَالزِّيَن وَالْمَلَاذّ , وَبِمَا أَعْطَيْتُكُمْ عَلَى ظَهْرهَا أَيَّام حَيَاتكُمْ وَمِنْ بَعْد وَفَاتكُمْ لِأَرْمَاسِكُمْ وَأَجْدَاثكُمْ , تُدْفَنُونَ فِيهَا وَتَبْلُغُونَ بِاسْتِمْتَاعِكُمْ بِهَا إلَى أَنْ أَبْدَلَكُمْ بِهَا غَيْرهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم } فَقِيلَ إنَّهُ أَخَذَ وَقَبِلَ , وَأَصْله التَّفَعُّل مِنْ اللِّقَاء كَمَا يَتَلَقَّى الرَّجُل الرَّجُل يَسْتَقْبِلهُ عِنْد قُدُومه مِنْ غَيْبَة أَوْ سَفَر , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى } كَأَنَّهُ اسْتَقْبَلَهُ فَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ , حِين أَوْحَى إلَيْهِ , أَوْ أَخْبَرَ بِهِ . فَمَعْنَى ذَلِكَ إذًا : فَلَقَّى اللَّه آدَم كَلِمَات تَوْبَة فَتَلَقَّاهَا آدَم مِنْ رَبّه وَأَخَذَهَا عَنْهُ تَائِبًا فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِ بِقِيلِهِ إيَّاهَا وَقَبُوله إيَّاهَا مِنْ رَبّه . كَمَا : 648 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } الْآيَة , قَالَ : لَقَّاهُمَا هَذِهِ الْآيَة : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ : " فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات " فَجَعَلَ الْكَلِمَات هِيَ الْمُتَلَقِّيَة آدَم . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ وُجْهَة الْعَرَبِيَّة جَائِزًا إذْ كَانَ كُلّ مَا تَلَقَّاهُ الرَّجُل فَهُوَ لَهُ مُتَلَقٍّ وَمَا لَقِيَهُ فَقَدْ لَقِيَهُ , فَصَارَ لِلْمُتَكَلِّمِ أَنْ يُوَجِّه الْفِعْل إلَى أَيّهمَا شَاءَ وَيَخْرُج مِنْ الْفِعْل أَيّهمَا أَحَبَّ , فَغَيْر جَائِز عِنْدِي فِي الْقِرَاءَة إلَّا رَفَعَ " آدَم " عَلَى أَنَّهُ الْمُتَلَقِّي الْكَلِمَات لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء وَأَهْل التَّأْوِيل مِنْ عُلَمَاء السَّلَف وَالْخَلَف عَلَى تَوْجِيه التَّلَقِّي إلَى آدَم دُون الْكَلِمَات , وَغَيْر جَائِز الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا فِيمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مُجْمِعَة بِقَوْلِ مَنْ يَجُوز عَلَيْهِ السَّهْو وَالْخَطَأ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَعْيَانِ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَم مِنْ رَبّه , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 649 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عَطِيَّة , عَنْ قَيْس , عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبّه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تَخْلُقنِي بِيَدِك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تَنْفُخ فِيَّ مِنْ رُوحك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَيْ رَبّ ! أَلَمْ تَسْبِق رَحْمَتك غَضَبك ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : أَرَأَيْت إنْ أَنَا تُبْت وَأَصْلَحْت أَرَاجِعِيَّ أَنْتَ إلَى الْجَنَّة ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَهُوَ قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُصْعَب , عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس نَحْوه . 650 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ : إنَّ آدَم قَالَ لِرَبِّهِ إذْ عَصَاهُ رَبّ أَرَأَيْت إنْ أَنَا تُبْت وَأَصْلَحْت ؟ فَقَالَ لَهُ رَبّه : إنِّي رَاجِعك إلَى الْجَنَّة . 651 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ قَالَ : يَا رَبّ أَرَأَيْت إنْ أَنَا تُبْت وَأَصْلَحْت ؟ قَالَ : إنِّي إذَا رَاجِعك إلَى الْجَنَّة . قَالَ : وَقَالَ الْحَسَن إنَّهُمَا قَالَا : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 652 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع . عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : إنَّ آدَم لَمَّا أَصَابَ الْخَطِيئَة , قَالَ : يَا رَبّ أَرَأَيْت إنْ تُبْت وَأَصْلَحْت ؟ فَقَالَ اللَّه : إذًا أُرَجِّعك إلَى الْجَنَّة فَهِيَ مِنْ الْكَلِمَات . وَمِنْ الْكَلِمَات أَيْضًا : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 653 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : رَبّ أَلَمْ تَخْلُقنِي بِيَدِك ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى , قَالَ : وَنَفَخْت فِيَّ مِنْ رُوحك ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى , قَالَ : وَسَبَقَتْ رَحْمَتك غَضَبك ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى , قَالَ : رَبّ هَلْ كُنْت كَتَبْت هَذَا عَلَيَّ ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ , قَالَ : رَبّ إنْ تُبْت وَأَصْلَحْت هَلْ أَنْتَ رَاجِعِي إلَى الْجَنَّة ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبّه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } 20 122 وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 654 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , يَقُول : قَالَ آدَم : يَا رَبّ خَطِيئَتِي الَّتِي أَخْطَأْتهَا أَشَيْء كَتَبْته عَلَيَّ قَبْل أَنْ تَخْلُقنِي , أَوْ شَيْء ابْتَدَعْته مِنْ قِبَل نَفْسِي ؟ قَالَ : بَلَى شَيْء كَتَبْته عَلَيْك قَبْل أَنْ أَخْلُقك . قَالَ : فَكَمَا كَتَبْته عَلَيَّ فَاغْفِرْهُ لِي ! قَالَ : فَهُوَ قَوْل اللَّه : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } وَحَدَّثَنَا ابْن سِنَّانِ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر بِمِثْلِهِ . وَحَدَّثَنَا ابْن سِنَان , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَمَّنْ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : قَالَ آدَم , فَذَكَرَ نَحْوه . وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَيْر بِنَحْوِهِ . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر بِمِثْلِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 655 - حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن حَكِيم الْأَوْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن شَرِيك , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنَا حُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حُمَيْد بْن نَبْهَان , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة أَنَّهُ قَالَ : قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ آدَم : اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , أَسَتَغْفِرُك وَأَتُوب إلَيْك , تُبْ عَلَيَّ إنَّك أَنْتَ التَّوَّاب الرَّحِيم . 656 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّان , قَالَ : أَنْبَأَنَا أَبُو زُهَيْر , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان وَقَيْس جَمِيعًا عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا } حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا . 657 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنِي شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , كَانَ يَقُول فِي قَوْل اللَّه : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } الْكَلِمَات : اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , رَبِّي إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّك خَيْر الْغَافِرِينَ . اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , رَبِّي إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَارْحَمْنِي إنَّك خَيْر الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك وَبِحَمْدِك , رَبّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ إنَّك أَنْتَ التَّوَّاب الرَّحِيم . وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : هُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا } 7 23 الْآيَة . 658 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : أَيْ رَبّ أَتَتُوبُ عَلَيَّ إنْ تُبْت ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَتَابَ آدَم , فَتَابَ عَلَيْهِ رَبّه . 659 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات } قَالَ : هُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } . 7 23 وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَة الْأَلْفَاظ , فَإِنَّ مَعَانِيهَا مُتَّفِقَة فِي أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَقَّى آدَم كَلِمَات , فَتَلَقَّاهُنَّ آدَم مِنْ رَبّه فَقَبَلهنَّ وَعَمَل بِهِنَّ وَتَابَ بِقِيلِهِ إيَّاهُنَّ وَعَمَله بِهِنَّ إلَى اللَّه مِنْ خَطِيئَته , مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ , مُتَنَصِّلًا إلَى رَبّه مِنْ خَطِيئَته , نَادِمًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ خِلَاف أَمْره . فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهُنَّ مِنْهُ وَنَدِمَهُ عَلَى سَالِف الذَّنْب مِنْهُ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كِتَاب اللَّه أَنَّ الْكَلِمَات الَّتِي تَلَقَّاهُنَّ آدَم مِنْ رَبّه هُنَّ الْكَلِمَات الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهَا مُتَنَصِّلًا بِقِيلِهَا إلَى رَبّه مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ , وَهُوَ قَوْله : { رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 23 وَلَيْسَ مَا قَالَهُ مَنْ خَالَفَ قَوْلنَا هَذَا مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا بِمَدْفُوعِ قَوْله , وَلَكِنَّهُ قَوْل لَا شَاهِد عَلَيْهِ مِنْ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا فَيَجُوز لَنَا إضَافَته إلَى آدَم , وَأَنَّهُ مِمَّا تَلَقَّاهُ مِنْ رَبّه عِنْد إنَابَته إلَيْهِ مِنْ ذَنْبه . وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْ آدَم مِنْ قِيله الَّذِي لَقَّاهُ إيَّاهُ فَقَالَهُ تَائِبًا إلَيْهِ مِنْ خَطِيئَته , تَعْرِيف مِنْهُ جَلَّ ذِكْره جَمِيع الْمُخَاطَبِينَ بِكِتَابِهِ كَيْفِيَّة التَّوْبَة إلَيْهِ مِنْ الذُّنُوب , وَتَنْبِيه لِلْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } 2 28 عَلَى مَوْضِع التَّوْبَة مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَأَنَّ خَلَاصهمْ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الضَّلَالَة نَظِير خَلَاص أَبِيهِمْ آدَم مِنْ خَطِيئَته مَعَ تَذْكِيره إيَّاهُمْ مِنْ السَّالِف إلَيْهِمْ مِنْ النِّعَم الَّتِي خَصَّ بِهَا أَبَاهُمْ آدَم وَغَيْره مِنْ آبَائِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } يَعْنِي عَلَى آدَم , وَالْهَاء الَّتِي فِي " عَلَيْهِ " عَائِدَة عَلَى " آدَم " . وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } يَعْنِي رِزْقه التَّوْبَة مِنْ خَطِيئَته . وَالتَّوْبَة مَعْنَاهَا الْإِنَابَة إلَى اللَّه وَالْأَوْبَة إلَى طَاعَته مِمَّا يَكْرَه مِنْ مَعْصِيَته
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر وَتَأْوِيل قَوْله : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ التَّوَّاب عَلَى مَنْ تَابَ إلَيْهِ مِنْ عِبَاده الْمُذْنِبِينَ مِنْ ذُنُوبه التَّارِك مُجَازَاته بِإِنَابَتِهِ إلَى طَاعَته بَعْد مَعْصِيَته بِمَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبه . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى التَّوْبَة مِنْ الْعَبْد إلَى رَبّه : إنَابَته إلَى طَاعَته , وَأَوْبَته إلَى مَا يُرْضِيه بِتَرْكِهِ مَا يُسْخِطهُ مِنْ الْأُمُور الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مُقِيمًا مِمَّا يَكْرَههُ رَبّه , فَكَذَلِكَ تَوْبَة اللَّه عَلَى عَبْده هُوَ أَنْ يَرْزُقهُ ذَلِكَ , وَيَتُوب مِنْ غَضَبه عَلَيْهِ إلَى الرِّضَا عَنْهُ , وَمِنْ الْعُقُوبَة إلَى الْعَفْو وَالصَّفْح عَنْهُ . وَأَمَّا قَوْله : { الرَّحِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ الْمُتَفَضِّل عَلَيْهِ مَعَ التَّوْبَة بِالرَّحْمَةِ , وَرَحْمَته إيَّاهُ إقَالَة عَثْرَته وَصَفْحه عَنْ عُقُوبَة جُرْمه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَابَ عَلَيْهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } يَعْنِي عَلَى آدَم , وَالْهَاء الَّتِي فِي " عَلَيْهِ " عَائِدَة عَلَى " آدَم " . وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْهِ } يَعْنِي رِزْقه التَّوْبَة مِنْ خَطِيئَته . وَالتَّوْبَة مَعْنَاهَا الْإِنَابَة إلَى اللَّه وَالْأَوْبَة إلَى طَاعَته مِمَّا يَكْرَه مِنْ مَعْصِيَته
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } قَالَ أَبُو جَعْفَر وَتَأْوِيل قَوْله : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ التَّوَّاب عَلَى مَنْ تَابَ إلَيْهِ مِنْ عِبَاده الْمُذْنِبِينَ مِنْ ذُنُوبه التَّارِك مُجَازَاته بِإِنَابَتِهِ إلَى طَاعَته بَعْد مَعْصِيَته بِمَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبه . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى التَّوْبَة مِنْ الْعَبْد إلَى رَبّه : إنَابَته إلَى طَاعَته , وَأَوْبَته إلَى مَا يُرْضِيه بِتَرْكِهِ مَا يُسْخِطهُ مِنْ الْأُمُور الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مُقِيمًا مِمَّا يَكْرَههُ رَبّه , فَكَذَلِكَ تَوْبَة اللَّه عَلَى عَبْده هُوَ أَنْ يَرْزُقهُ ذَلِكَ , وَيَتُوب مِنْ غَضَبه عَلَيْهِ إلَى الرِّضَا عَنْهُ , وَمِنْ الْعُقُوبَة إلَى الْعَفْو وَالصَّفْح عَنْهُ . وَأَمَّا قَوْله : { الرَّحِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ الْمُتَفَضِّل عَلَيْهِ مَعَ التَّوْبَة بِالرَّحْمَةِ , وَرَحْمَته إيَّاهُ إقَالَة عَثْرَته وَصَفْحه عَنْ عُقُوبَة جُرْمه .
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ↓
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } فِيمَا مَضَى فَلَا حَاجَة بِنَا إلَى إعَادَته إذْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع . وَقَدْ : 661 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } قَالَ : آدَم , وَحَوَّاء , وَالْحَيَّة , وَإِبْلِيس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } فَإِنْ يَأْتِكُمْ , و " مَا " الَّتِي مَعَ " إنَّ " تَوْكِيد لِلْكَلَامِ , وَلِدُخُولِهَا مَعَ " إنَّ " أُدْخِلَتْ النُّون الْمُشَدَّدَة فِي " يَأْتِيَنَّكُمْ " تَفْرِقَة بِدُخُولِهَا بَيْن " مَا " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى تَوْكِيد الْكَلَام الَّتِي تُسَمِّيهَا أَهْل الْعَرَبِيَّة صِلَة وَحَشْوًا , وَبَيْن " مَا " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى " الَّذِي " , فَتُؤْذِن بِدُخُولِهَا فِي الْفِعْل , أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ " إنَّ " الَّتِي بِمَعْنَى الْجَزَاء تَوْكِيد , وَلَيْسَتْ " مَا " الَّتِي بِمَعْنَى " الَّذِي " . وَقَدْ قَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ : إنَّ " إمَّا " " إنْ " زِيدَتْ مَعَهَا " مَا " , وَصَارَ الْفِعْل الَّذِي بَعْده بِالنُّونِ الْخَفِيفَة أَوْ الثَّقِيلَة , وَقَدْ يَكُون بِغَيْرِ نُون . وَإِنَّمَا حَسُنَتْ فِيهِ النُّون لَمَّا دَخَلَتْهُ " مَا " , لِأَنَّ " مَا " نَفْي , فَهِيَ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَهِيَ الْحَرْف الَّذِي يَنْفِي الْوَاجِب , فَحَسُنَتْ فِيهِ النُّون , نَحْو قَوْلهمْ : " بِعَيْنِ مَا أَرَيْنَك " حِين أُدْخِلَتْ فِيهَا " مَا " حَسُنَتْ النُّون فِيمَا هُنَا . وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة دَعْوَى قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ " بِعَيْنِ مَا أَرَيْنَك " بِمَعْنَى الْجَحْد , وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّوْكِيد لِلْكَلَامِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ حَشْو فِي الْكَلَام , وَمَعْنَاهَا الْحَذْف , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : بِعَيْنِ أَرَاك , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُجْعَل مَعَ الِاخْتِلَاف فِيهِ أَصْلًا يُقَاس عَلَيْهِ غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهُدَى فِي هَذَا الْمَوْضِع الْبَيَان وَالرَّشَاد , كَمَا : 662 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } قَالَ : الْهُدَى : الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَالْبَيَان . فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ , فَالْخِطَاب بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا } وَإِنْ كَانَ لِآدَم وَزَوْجَته , فَيَجِب أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ آدَم وَزَوْجَته وَذُرِّيَّتهمَا . فَيَكُون ذَلِكَ حِينَئِذٍ نَظِير قَوْله : { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } 41 11 بِمَعْنَى أَتَيْنَا بِمَا فِينَا مِنْ الْخَلْق طَائِعِينَ . وَنَظِير قَوْله فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : " رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك وَأَرِهِمْ مَنَاسِكهمْ " فَجُمِعَ قَبْل أَنْ تَكُون ذُرِّيَّة , وَهُوَ فِي قِرَاءَتنَا : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } 2 128 وَكَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : كَأَنَّك قَدْ تَزَوَّجْت وَوُلِدَ لَك وَكَثَرْتُمْ وَعُزِّزْتُمْ . وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِب عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة ; لِأَنَّ آدَم كَانَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام حَيَاته بَعْد أَنْ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْض , وَالرَّسُول مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى وَلَده , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا وَهُوَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } خِطَابًا لَهُ وَلِزَوْجَتِهِ : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَى أَنْبِيَاء وَرُسُل إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ التَّأْوِيل . وَقَوْل أَبِي الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل تَحْتَمِلهُ الْآيَة , فَأَقْرَب إلَى الصَّوَاب مِنْهُ عِنْدِي وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ التِّلَاوَة أَنْ يَكُون تَأْوِيلهَا : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي يَا مَعْشَر مِنْ أَهَبَطْته إلَى الْأَرْض مِنْ سَمَائِي , وَهُوَ آدَم وَزَوْجَته وَإِبْلِيس , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي تَأْوِيل الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا : إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي بَيَان مِنْ أَمْرِي وَطَاعَتِي وَرَشَاد إلَى سَبِيلِي وَدِينِي , فَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْكُمْ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْل ذَلِكَ إلَيَّ مَعْصِيَة وَخِلَاف لِأَمْرِي وَطَاعَتِي . يُعَرِّفهُمْ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ التَّائِب عَلَى مَنْ تَابَ إلَيْهِ مِنْ ذُنُوبه , وَالرَّحِيم لِمَنْ أَنَابَ إلَيْهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسه بِقَوْلِهِ : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِر الْخِطَاب بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } وَاَلَّذِينَ خُوطِبُوا بِهِ هُمْ مِنْ سَمَّيْنَا فِي قَوْل الْحُجَّة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ قَدْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره لِمَنْ أَهَبَطَ حِينَئِذٍ مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض , فَهُوَ سُنَّة اللَّه فِي جَمِيع خَلْقه , وَتَعْرِيف مِنْهُ بِذَلِكَ لِلَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } 2 6 وَفِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } 2 8 وَأَنَّ حُكْمه فِيهِمْ إنْ تَابُوا إلَيْهِ وَأَنَابُوا وَاتَّبَعُوا مَا أَتَاهُمْ مِنْ الْبَيَان مِنْ عِنْد اللَّه , عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , مِمَّنْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , وَأَنَّهُمْ إنْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة , كَانُوا مِنْ أَهْل النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا . وَقَوْله : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } يَعْنِي فَمَنْ اتَّبَعَ بَيَانِي الَّذِي أُبَيِّنهُ عَلَى أَلْسُن رُسُلِي أَوْ مَعَ رُسُلِي , كَمَا : 663 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } يَعْنِي بَيَانِي . وَقَوْله : { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَعْنِي فَهُمْ آمِنُونَ فِي أَهْوَال الْقِيَامَة مِنْ عِقَاب اللَّه غَيْر خَائِفِينَ عَذَابه , بِمَا أَطَاعُوا اللَّه فِي الدُّنْيَا وَاتَّبَعُوا أَمْره وَهُدَاهُ وَسَبِيله { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَوْمئِذٍ عَلَى مَا خَلَّفُوا بَعْد وَفَاتهمْ فِي الدُّنْيَا , كَمَا : 664 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَقُول لَا خَوْف عَلَيْكُمْ أَمَامكُمْ , وَلَيْسَ شَيْء أَعْظَم فِي صَدْر الَّذِي يَمُوت مِمَّا بَعْد الْمَوْت , فَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ وَسَلَاهُمْ عَنْ الدُّنْيَا , فَقَالَ : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } فَإِنْ يَأْتِكُمْ , و " مَا " الَّتِي مَعَ " إنَّ " تَوْكِيد لِلْكَلَامِ , وَلِدُخُولِهَا مَعَ " إنَّ " أُدْخِلَتْ النُّون الْمُشَدَّدَة فِي " يَأْتِيَنَّكُمْ " تَفْرِقَة بِدُخُولِهَا بَيْن " مَا " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى تَوْكِيد الْكَلَام الَّتِي تُسَمِّيهَا أَهْل الْعَرَبِيَّة صِلَة وَحَشْوًا , وَبَيْن " مَا " الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى " الَّذِي " , فَتُؤْذِن بِدُخُولِهَا فِي الْفِعْل , أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ " إنَّ " الَّتِي بِمَعْنَى الْجَزَاء تَوْكِيد , وَلَيْسَتْ " مَا " الَّتِي بِمَعْنَى " الَّذِي " . وَقَدْ قَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ : إنَّ " إمَّا " " إنْ " زِيدَتْ مَعَهَا " مَا " , وَصَارَ الْفِعْل الَّذِي بَعْده بِالنُّونِ الْخَفِيفَة أَوْ الثَّقِيلَة , وَقَدْ يَكُون بِغَيْرِ نُون . وَإِنَّمَا حَسُنَتْ فِيهِ النُّون لَمَّا دَخَلَتْهُ " مَا " , لِأَنَّ " مَا " نَفْي , فَهِيَ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَهِيَ الْحَرْف الَّذِي يَنْفِي الْوَاجِب , فَحَسُنَتْ فِيهِ النُّون , نَحْو قَوْلهمْ : " بِعَيْنِ مَا أَرَيْنَك " حِين أُدْخِلَتْ فِيهَا " مَا " حَسُنَتْ النُّون فِيمَا هُنَا . وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة دَعْوَى قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ " بِعَيْنِ مَا أَرَيْنَك " بِمَعْنَى الْجَحْد , وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّوْكِيد لِلْكَلَامِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ حَشْو فِي الْكَلَام , وَمَعْنَاهَا الْحَذْف , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : بِعَيْنِ أَرَاك , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُجْعَل مَعَ الِاخْتِلَاف فِيهِ أَصْلًا يُقَاس عَلَيْهِ غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهُدَى فِي هَذَا الْمَوْضِع الْبَيَان وَالرَّشَاد , كَمَا : 662 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } قَالَ : الْهُدَى : الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَالْبَيَان . فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ , فَالْخِطَاب بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا } وَإِنْ كَانَ لِآدَم وَزَوْجَته , فَيَجِب أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ آدَم وَزَوْجَته وَذُرِّيَّتهمَا . فَيَكُون ذَلِكَ حِينَئِذٍ نَظِير قَوْله : { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } 41 11 بِمَعْنَى أَتَيْنَا بِمَا فِينَا مِنْ الْخَلْق طَائِعِينَ . وَنَظِير قَوْله فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : " رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك وَأَرِهِمْ مَنَاسِكهمْ " فَجُمِعَ قَبْل أَنْ تَكُون ذُرِّيَّة , وَهُوَ فِي قِرَاءَتنَا : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } 2 128 وَكَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : كَأَنَّك قَدْ تَزَوَّجْت وَوُلِدَ لَك وَكَثَرْتُمْ وَعُزِّزْتُمْ . وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِب عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة ; لِأَنَّ آدَم كَانَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام حَيَاته بَعْد أَنْ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْض , وَالرَّسُول مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى وَلَده , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا وَهُوَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } خِطَابًا لَهُ وَلِزَوْجَتِهِ : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَى أَنْبِيَاء وَرُسُل إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ التَّأْوِيل . وَقَوْل أَبِي الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل تَحْتَمِلهُ الْآيَة , فَأَقْرَب إلَى الصَّوَاب مِنْهُ عِنْدِي وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ التِّلَاوَة أَنْ يَكُون تَأْوِيلهَا : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي يَا مَعْشَر مِنْ أَهَبَطْته إلَى الْأَرْض مِنْ سَمَائِي , وَهُوَ آدَم وَزَوْجَته وَإِبْلِيس , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل فِي تَأْوِيل الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا : إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي بَيَان مِنْ أَمْرِي وَطَاعَتِي وَرَشَاد إلَى سَبِيلِي وَدِينِي , فَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْكُمْ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْل ذَلِكَ إلَيَّ مَعْصِيَة وَخِلَاف لِأَمْرِي وَطَاعَتِي . يُعَرِّفهُمْ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ التَّائِب عَلَى مَنْ تَابَ إلَيْهِ مِنْ ذُنُوبه , وَالرَّحِيم لِمَنْ أَنَابَ إلَيْهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسه بِقَوْلِهِ : { إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِر الْخِطَاب بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } وَاَلَّذِينَ خُوطِبُوا بِهِ هُمْ مِنْ سَمَّيْنَا فِي قَوْل الْحُجَّة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ قَدْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره لِمَنْ أَهَبَطَ حِينَئِذٍ مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض , فَهُوَ سُنَّة اللَّه فِي جَمِيع خَلْقه , وَتَعْرِيف مِنْهُ بِذَلِكَ لِلَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } 2 6 وَفِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } 2 8 وَأَنَّ حُكْمه فِيهِمْ إنْ تَابُوا إلَيْهِ وَأَنَابُوا وَاتَّبَعُوا مَا أَتَاهُمْ مِنْ الْبَيَان مِنْ عِنْد اللَّه , عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة , مِمَّنْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , وَأَنَّهُمْ إنْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة , كَانُوا مِنْ أَهْل النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا . وَقَوْله : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } يَعْنِي فَمَنْ اتَّبَعَ بَيَانِي الَّذِي أُبَيِّنهُ عَلَى أَلْسُن رُسُلِي أَوْ مَعَ رُسُلِي , كَمَا : 663 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ } يَعْنِي بَيَانِي . وَقَوْله : { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَعْنِي فَهُمْ آمِنُونَ فِي أَهْوَال الْقِيَامَة مِنْ عِقَاب اللَّه غَيْر خَائِفِينَ عَذَابه , بِمَا أَطَاعُوا اللَّه فِي الدُّنْيَا وَاتَّبَعُوا أَمْره وَهُدَاهُ وَسَبِيله { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَوْمئِذٍ عَلَى مَا خَلَّفُوا بَعْد وَفَاتهمْ فِي الدُّنْيَا , كَمَا : 664 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَقُول لَا خَوْف عَلَيْكُمْ أَمَامكُمْ , وَلَيْسَ شَيْء أَعْظَم فِي صَدْر الَّذِي يَمُوت مِمَّا بَعْد الْمَوْت , فَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ وَسَلَاهُمْ عَنْ الدُّنْيَا , فَقَالَ : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
يَعْنِي : وَاَلَّذِينَ جَحَدُوا آيَاتِي وَكَذَّبُوا رُسُلِي , وَآيَات اللَّه : حُجَجه وَأَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته وَرُبُوبِيَّته , وَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل مِنْ الْأَعْلَام وَالشَّوَاهِد عَلَى ذَلِكَ , وَعَلَى صِدْقهَا فِيمَا أَنْبَأَتْ عَنْ رَبّهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْكُفْر : التَّغْطِيَة عَلَى الشَّيْء . { أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار } يَعْنِي أَهْلهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا دُون غَيْرهمْ الْمُخَلَّدُونَ فِيهَا أَبَدًا إلَى غَيْر أَمَد وَلَا نِهَايَة , كَمَا : 665 - حَدَّثَنَا بِهِ عُقْبَة بْن سِنَان الْبَصْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا غَسَّان بْن مُضَر , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَزِيد , وَحَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَة سَعِيد بْن يَزِيد , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , وَأَبُو بَكْر بْن عَوْن , قَالَا : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ أَقْوَامًا أَصَابَتْهُمْ النَّار بِخَطَايَاهُمْ أَوْ بِذُنُوبِهِمْ فَأَمَاتَتْهُمْ إمَاتَة حَتَّى إذَا صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَة "
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } : يَا وَلَد يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن ; وَكَانَ يَعْقُوب يُدْعَى إسْرَائِيل , بِمَعْنَى عَبْد اللَّه وَصَفْوَته مِنْ خَلْقه ; وَإِيل هُوَ اللَّه ; وَإِسْرَا : هُوَ الْعَبْد , كَمَا قِيلَ جِبْرِيل بِمَعْنَى عَبْد اللَّه . وَكَمَا : 666 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إسْمَاعِيل بْن رَجَاء , عَنْ عُمَيْر مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ ابْن عَبَّاس : إنَّ إسْرَائِيل كَقَوْلِك عَبْد اللَّه . 667 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , قَالَ : إِيل : اللَّه بالعبرانية . وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } أَحْبَار الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَسَبَهُمْ جَلَّ ذِكْره إلَى يَعْقُوب , كَمَا نَسَبَ ذُرِّيَّة آدَم إلَى آدَم , فَقَالَ : { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } 7 31 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا مِنْ الْآي الَّتِي ذَكَّرَهُمْ فِيهَا نِعَمه , وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ مَا أُنْزِلَ فِيهِمْ وَفِي غَيْرهمْ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة مَا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْحِجَج وَالْآيَات الَّتِي فِيهَا أَنْبَاء أَسْلَافهمْ وَأَخْبَار أَوَائِلهمْ , وَقَصَص الْأُمُور الَّتِي هُمْ بِعِلْمِهَا مَخْصُوصُونَ دُون غَيْرهمْ مِنْ سَائِر الْأُمَم لَيْسَ عِنْد غَيْرهمْ مِنْ الْعِلْم بِصِحَّتِهِ , وَحَقِيقَته مِثْل الَّذِي لَهُمْ مِنْ الْعِلْم بِهِ إلَّا لِمَنْ اقْتَبَسَ عِلْم ذَلِكَ مِنْهُمْ . فَعَرَّفَهُمْ بِإِطْلَاعِ مُحَمَّد عَلَى عِلْمهَا مَعَ بَعْد قَوْمه وَعَشِيرَته مِنْ مَعْرِفَتهَا , وَقِلَّة مُزَاوَلَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرَاسَة الْكُتُب الَّتِي فِيهَا أَنْبَاء ذَلِكَ , أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِل إلَى عِلْم ذَلِكَ إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه وَتَنْزِيل مِنْهُ ذَلِكَ إلَيْهِ ; لِأَنَّهُمْ مِنْ عِلْم صِحَّة ذَلِكَ بِمَحَلٍّ لَيْسَ بِهِ مِنْ الْأُمَم غَيْرهمْ . فَلِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ بِقَوْلِهِ : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } خُطَّابهمْ كَمَا : 668 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا بَنِي إسْرَائِيل } قَالَ : يَا أَهْل الْكِتَاب لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُود .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَنِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل جَلَّ ذِكْره اصْطِفَاؤُهُ مِنْهُمْ الرُّسُل , وَإِنْزَاله عَلَيْهِمْ الْكُتُب , وَاسْتِنْقَاذه إيَّاهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالضَّرَّاء مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , إلَى التَّمْكِين لَهُمْ فِي الْأَرْض , وَتَفْجِير عُيُون الْمَاء مِنْ الْحَجَر , وَإِطْعَام الْمَنّ وَالسَّلْوَى . فَأَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْقَابهمْ أَنْ يَكُون مَا سَلَفَ مِنْهُ إلَى آبَائِهِمْ عَلَى ذِكْر , وَأَنْ لَا يَنْسَوْا صَنِيعه إلَى أَسْلَافهمْ وَآبَائِهِمْ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ النِّقَم مَا أَحَلَّ بِمِنْ نَسِيَ نِعَمه عِنْده مِنْهُمْ وَكَفَرَهَا وَجَحَدَ صَنَائِعه عِنْده . كَمَا : 669 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } أَيْ آلَائِي عِنْدكُمْ وَعِنْد آبَائِكُمْ لَمَّا كَانَ نَجَّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه . 670 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } قَالَ : نِعْمَته أَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب . 671 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } يَعْنِي نِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِيمَا سَمَّى وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ , فَجَّرَ لَهُمْ الْحَجَر , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأَنْجَاهُمْ عَنْ عُبُودِيَّة آل فِرْعَوْن . 672 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ : نِعَمه عَامَّة , وَلَا نِعْمَة أَفَضْل مِنْ الْإِسْلَام , وَالنِّعَم بَعْد تَبَع لَهَا . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه { يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلِمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامكُمْ } 49 17 الْآيَة . وَتَذْكِير اللَّه الَّذِينَ ذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَة مِنْ نِعَمه عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَظِير تَذْكِير مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ أَسْلَافهمْ عَلَى عَهْده الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ , وَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } 5 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا مَعْنَى الْعَهْد فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله وَالصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل فِيهِ . وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع عَهْد اللَّه وَوَصِيَّته الَّتِي أَخَذَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَسُول , وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة أَنَّهُ نَبِيّ اللَّه , وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } وَعَهْده إيَّاهُمْ : أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 5 12 الْآيَة , وَكَمَا قَالَ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } 7 156 : 157 الْآيَة . وَكَمَا : 673 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الَّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقكُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَاءَكُمْ . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } : أَيْ أُنْجِز لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعه , بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِصْر وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الَّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثكُمْ . 674 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : عَهْده إلَى عِبَاده : دِين الْإِسْلَام أَنْ يَتَّبِعُوهُ . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَعْنِي الْجَنَّة . 675 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أَمَّا أَوْفُوا بِعَهْدِي : فَمَا عَهِدْت إلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب , وَأَمَّا أُوفِ بِعَهْدِكُمْ : فَالْجَنَّة , عَهِدْت إلَيْكُمْ أَنَّكُمْ إنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي أَدْخَلْتُكُمْ الْجَنَّة . 676 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : ذَلِكَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَائِدَة { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 5 12 إلَى آخِر الْآيَة . فَهَذَا عَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَ إلَيْهِمْ , وَهُوَ عَهْد اللَّه فِينَا , فَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّه وَفَى اللَّه لَهُ بِعَهْدِهِ . 677 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَقُول : أَوْفُوا بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِي وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِي فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي غَيْره { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَقُول : أَرْض عَنْكُمْ وَأُدْخِلكُمْ الْجَنَّة . 678 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : أَوْفُوا بِأَمْرِي , أُوفِ بِاَلَّذِي وَعَدْتُكُمْ , وَقَرَأَ : { إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } حَتَّى بَلَغَ : { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه } 9 111 قَالَ : هَذَا عَهْده إلَيْكُمْ الَّذِي عَهِدَهُ لَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } وَإِيَّايَ فَاخْشَوْا , وَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُضَيِّعُونَ عَهْدِي مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَالْمُكَذِّبُونَ رَسُولِي الَّذِي أَخَذْت مِيثَاقكُمْ فِيمَا أَنَزَلْت مِنْ الْكُتُب عَلَى أَنْبِيَائِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَتَتَّبِعُوهُ , أَنْ أَحِلّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَتِي , إنْ لَمْ تُنِيبُوا وَتَتُوبُوا إلَيَّ بِاتِّبَاعِهِ وَالْإِقْرَار بِمَا أَنَزَلْت إلَيْهِ مَا أَحْلَلْت بِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رُسُلِي مِنْ أَسْلَافكُمْ . كَمَا : 679 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النِّقْمَات الَّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخ وَغَيْره . 680 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } يَقُول : فَاخْشَوْنِ . 681 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } بِقَوْلِ : وَإِيَّايَ فَاخْشَوْنِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَنِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل جَلَّ ذِكْره اصْطِفَاؤُهُ مِنْهُمْ الرُّسُل , وَإِنْزَاله عَلَيْهِمْ الْكُتُب , وَاسْتِنْقَاذه إيَّاهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالضَّرَّاء مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , إلَى التَّمْكِين لَهُمْ فِي الْأَرْض , وَتَفْجِير عُيُون الْمَاء مِنْ الْحَجَر , وَإِطْعَام الْمَنّ وَالسَّلْوَى . فَأَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْقَابهمْ أَنْ يَكُون مَا سَلَفَ مِنْهُ إلَى آبَائِهِمْ عَلَى ذِكْر , وَأَنْ لَا يَنْسَوْا صَنِيعه إلَى أَسْلَافهمْ وَآبَائِهِمْ , فَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ النِّقَم مَا أَحَلَّ بِمِنْ نَسِيَ نِعَمه عِنْده مِنْهُمْ وَكَفَرَهَا وَجَحَدَ صَنَائِعه عِنْده . كَمَا : 669 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } أَيْ آلَائِي عِنْدكُمْ وَعِنْد آبَائِكُمْ لَمَّا كَانَ نَجَّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه . 670 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } قَالَ : نِعْمَته أَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب . 671 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } يَعْنِي نِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِيمَا سَمَّى وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ , فَجَّرَ لَهُمْ الْحَجَر , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأَنْجَاهُمْ عَنْ عُبُودِيَّة آل فِرْعَوْن . 672 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ : نِعَمه عَامَّة , وَلَا نِعْمَة أَفَضْل مِنْ الْإِسْلَام , وَالنِّعَم بَعْد تَبَع لَهَا . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه { يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلِمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامكُمْ } 49 17 الْآيَة . وَتَذْكِير اللَّه الَّذِينَ ذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَة مِنْ نِعَمه عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَظِير تَذْكِير مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ أَسْلَافهمْ عَلَى عَهْده الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ , وَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } 5 20
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا مَعْنَى الْعَهْد فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله وَالصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل فِيهِ . وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع عَهْد اللَّه وَوَصِيَّته الَّتِي أَخَذَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَسُول , وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة أَنَّهُ نَبِيّ اللَّه , وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } وَعَهْده إيَّاهُمْ : أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 5 12 الْآيَة , وَكَمَا قَالَ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } 7 156 : 157 الْآيَة . وَكَمَا : 673 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الَّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقكُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَاءَكُمْ . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } : أَيْ أُنْجِز لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعه , بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِصْر وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الَّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثكُمْ . 674 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : عَهْده إلَى عِبَاده : دِين الْإِسْلَام أَنْ يَتَّبِعُوهُ . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَعْنِي الْجَنَّة . 675 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أَمَّا أَوْفُوا بِعَهْدِي : فَمَا عَهِدْت إلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب , وَأَمَّا أُوفِ بِعَهْدِكُمْ : فَالْجَنَّة , عَهِدْت إلَيْكُمْ أَنَّكُمْ إنْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَتِي أَدْخَلْتُكُمْ الْجَنَّة . 676 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : ذَلِكَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَائِدَة { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 5 12 إلَى آخِر الْآيَة . فَهَذَا عَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَ إلَيْهِمْ , وَهُوَ عَهْد اللَّه فِينَا , فَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّه وَفَى اللَّه لَهُ بِعَهْدِهِ . 677 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَقُول : أَوْفُوا بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِي وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِي فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي غَيْره { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يَقُول : أَرْض عَنْكُمْ وَأُدْخِلكُمْ الْجَنَّة . 678 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قَالَ : أَوْفُوا بِأَمْرِي , أُوفِ بِاَلَّذِي وَعَدْتُكُمْ , وَقَرَأَ : { إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ } حَتَّى بَلَغَ : { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه } 9 111 قَالَ : هَذَا عَهْده إلَيْكُمْ الَّذِي عَهِدَهُ لَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } وَإِيَّايَ فَاخْشَوْا , وَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُضَيِّعُونَ عَهْدِي مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَالْمُكَذِّبُونَ رَسُولِي الَّذِي أَخَذْت مِيثَاقكُمْ فِيمَا أَنَزَلْت مِنْ الْكُتُب عَلَى أَنْبِيَائِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَتَتَّبِعُوهُ , أَنْ أَحِلّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَتِي , إنْ لَمْ تُنِيبُوا وَتَتُوبُوا إلَيَّ بِاتِّبَاعِهِ وَالْإِقْرَار بِمَا أَنَزَلْت إلَيْهِ مَا أَحْلَلْت بِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَكَذَّبَ رُسُلِي مِنْ أَسْلَافكُمْ . كَمَا : 679 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النِّقْمَات الَّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخ وَغَيْره . 680 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } يَقُول : فَاخْشَوْنِ . 681 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } بِقَوْلِ : وَإِيَّايَ فَاخْشَوْنِ .
وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { آمِنُوا } : صَدِّقُوا , كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهُ قَبْل . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِمَا أَنْزَلْت } : مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } أَنَّ الْقُرْآن مُصَدِّق لِمَا مَعَ الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ التَّوْرَاة . فَأَمَرَهُمْ بِالتَّصْدِيقِ بِالْقُرْآنِ , وَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ فِي تَصْدِيقهمْ بِالْقُرْآنِ تَصْدِيقًا مِنْهُمْ لِلتَّوْرَاةِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِي الْقُرْآن مِنْ الْأَمْر بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه وَاتِّبَاعه نَظِير الَّذِي مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِنْجِيل وَالتَّوْرَاة . فَفِي تَصْدِيقهمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد تَصْدِيق مِنْهُمْ لِمَا مَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة , وَفِي تَكْذِيبهمْ بِهِ تَكْذِيب مِنْهُمْ لِمَا مَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة . وَقَوْله : { مُصَدِّقًا } قَطْع مِنْ الْهَاء الْمَتْرُوكَة فِي { أَنْزَلْته } مِنْ ذِكْر " مَا " . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَآمِنُوا بِاَلَّذِي أَنْزَلْته مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ أَيّهَا الْيَهُود . وَاَلَّذِي مَعَهُمْ هُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . كَمَا : 682 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } يَقُول : إنَّمَا أَنْزَلْت الْقُرْآن مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 683 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } يَقُول : يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت عَلَى مُحَمَّد مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ . يَقُول : لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَالْخِطَاب فِيهِ لِجَمْعٍ وَكَافِر وَاحِد ؟ وَهَلْ نُجِيز إنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَنْ يَقُول قَائِل : لَا تَكُونُوا أَوَّل رَجُل قَامَ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّمَا يَجُوز تَوْحِيد مَا أُضِيفَ لَهُ " أَفَعَلَ " , وَهُوَ خَبَر لِجَمْعٍ , إذَا كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ " فَعَلَ " و " يَفْعَل " لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْ الْمُرَاد مَعَهُ الْمَحْذُوف مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ " مِنْ " , وَيَقُوم مَقَامه فِي الْأَدَاء عَنْ مَعْنَى مَا كَانَ يُؤَدِّي عَنْهُ " مِنْ " مِنْ الْجَمْع وَالتَّأْنِيث وَهُوَ فِي لَفْظ وَاحِد . أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ يَكْفُر بِهِ , ف " مِنْ " بِمَعْنَى جَمْع وَهُوَ غَيْر مُتَصَرِّف تُصْرَف الْأَسْمَاء لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْع وَالتَّأْنِيث . فَإِذَا أُقِيمَ الِاسْم الْمُشْتَقّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل مَقَامه , جَرَى وَهُوَ مُوَحَّد مَجْرَاهُ فِي الْأَدَاء عَمَّا كَانَ يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ مَعْنَى الْجَمْع وَالتَّأْنِيث , كَقَوْلِك : الْجَيْش يَنْهَزِم , وَالْجُنْد يَقْبَل ; فَتَوَحَّدَ الْفِعْل لِتَوْحِيدِ لَفْظ الْجَيْش وَالْجُنْد , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : الْجَيْش رَجُل , وَالْجُنْد غُلَام , حَتَّى تَقُول : الْجُنْد غِلْمَان , وَالْجَيْش رِجَال ; لِأَنَّ الْوَاحِد مِنْ عَدَد الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ غَيْر مُشْتَقَّة مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل لَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى الْجَمَاعَة مِنْهُمْ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَإِذَا هُمْ طَعِمُوا فَأَلْأَم طَاعِم وَإِذَا هُمْ جَاعُوا فَشَرّ جِيَاع فَوَحَّدَ مَرَّة عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ نِيَّة " مِنْ " , وَإِقَامَة الظَّاهِر مِنْ الِاسْم الَّذِي هُوَ مُشْتَقّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل مَقَامه . وَجَمَعَ أُخْرَى عَلَى الْإِخْرَاج عَلَى عَدَد أَسَمَاء الْمُخْبِر عَنْهُمْ . وَلَوْ وَحَّدَ حَيْثُ جَمَعَ أَوْ جَمَعَ حَيْثُ وَحَّدَ كَانَ صَوَابًا جَائِزًا . فَأَمَّا تَأْوِيل ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : يَا مَعْشَر أَحْبَار أَهْل الْكِتَاب صَدِّقُوا بِمَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن الْمُصَدِّق كِتَابكُمْ , وَاَلَّذِي عِنْدكُمْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الْمَعْهُود إلَيْكُمْ فِيهِمَا أَنَّهُ رَسُولِي وَنَبِيِّي الْمَبْعُوث بِالْحَقِّ , وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي وَعِنْدكُمْ مِنْ الْعِلْم بِهِ مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ . وَكُفْرهمْ بِهِ : جُحُودهمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " مِنْ ذِكْر " مَا " الَّتِي مَعَ قَوْله : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت } كَمَا : 684 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } بِالْقُرْآنِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ مَا : 685 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } يَقُول : لَا تَكُونُوا أَوَّل مِنْ كُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } يَعْنِي بِكِتَابِكُمْ , وَيَتَأَوَّل أَنَّ فِي تَكْذِيبهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِكِتَابِهِمْ ; لِأَنَّ فِي كِتَابهمْ الْأَمْر بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مِنْ ظَاهِر مَا تَدُلّ عَلَيْهِ التِّلَاوَة بَعِيدَانِ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة فِي أَوَّلهَا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَنَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْره : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } وَمَعْقُول أَنَّ الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه فِي عَصْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآن لَا مُحَمَّد , لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ رَسُول مُرْسَل لَا تَنْزِيل مُنْزَل , وَالْمُنْزَل هُوَ الْكِتَاب . ثُمَّ نَهَاهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّل مَنْ يَكْفُر بِاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِر الْمَفْهُوم , وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الآية ذِكْر ظَاهِر فَيُعَاد عَلَيْهِ بِذَكَرِهِ مُكَنِّيًا فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَإِنْ كَانَ غَيْر مَحَال فِي الْكَلَام أَنْ يَذْكُر مُكَنَّى اسْم لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر ظَاهِر فِي الْكَلَام . وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَائِد مِنْ الذِّكْر فِي " بِهِ " عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { لِمَا مَعَكُمْ } لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا ظَاهِر الْكَلَام فَإِنَّهُ بَعِيد مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة وَالتَّنْزِيل , لِمَا وَصَفْنَا قَبْل مِنْ أَنَّ الْمَأْمُور بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة هُوَ الْقُرْآن , فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون الْمَنْهِيّ عَنْ الْكُفْر بِهِ فِي آخِرهَا هُوَ الْقُرْآن . وَأَمَّا أَنْ يَكُون الْمَأْمُور بِالْإِيمَانِ بِهِ غَيْر الْمَنْهِيّ عَنْ الْكُفْر بِهِ فِي كَلَام وَاحِد وَآيَة وَاحِدَة , فَذَلِكَ غَيْر الْأَشْهَر الْأَظْهَر فِي الْكَلَام , هَذَا مَعَ بَعْد مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيل . 686 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَك وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَعِنْدكُمْ فِيهِ مِنْ الْعِلْم مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : 687 - فَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ : هُوَ مَكْتُوب عِنْدهمْ فِي الْكِتَاب الْأَوَّل : يَا ابْن آدَم عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 688 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا تَأْخُذُوا طَعْمًا قَلِيلًا وَتَكْتُمُوا اسْم اللَّه . فَذَلِكَ الطَّعْم هُوَ الثَّمَن . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا : لَا تَبِيعُوا مَا آتَيْتُكُمْ مِنْ الْعِلْم بِكِتَابِي وَآيَاته بِثَمَنٍ خَسِيس وَعَرَض مِنْ الدُّنْيَا قَلِيل . وَبَيْعهمْ إيَّاهُ - تَرَكَهُمْ إبَانَة مَا فِي كِتَابهمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ , وَأَنَّهُ مَكْتُوب فِيهِ أَنَّهُ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - بِثَمَنٍ قَلِيل , وَهُوَ رِضَاهُمْ بِالرِّيَاسَةِ عَلَى أَتْبَاعهمْ مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ وَدِينهمْ , وَأَخْذهمْ الْأَجْر مِمَّنْ بَيَّنُوا لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنُوا لَهُ مِنْهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ : " لَا تَبِيعُوا " لِأَنَّ مُشْتَرِي الثَّمَن الْقَلِيل بِآيَاتِ اللَّه بَائِع الْآيَات بِالثَّمَنِ , فَكُلّ وَاحِد مِنْ الثَّمَن وَالْمُثَمَّن مَبِيع لِصَاحِبِهِ , وَصَاحِبه بِهِ مُشْتَرٍ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ أَبُو الْعَالِيَة : بَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا تَبْتَغُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَجْرًا . فَيَكُون حِينَئِذٍ نَهْيه عَنْ أَخْذ الْأَجْر عَلَى تَبْيِينه هُوَ النَّهْي عَنْ شِرَاء الثَّمَن الْقَلِيل بِآيَاتِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول : فَاتَّقُونِ فِي بَيْعكُمْ آيَاتِي بِالْخَسِيسِ مِنْ الثَّمَن , وَشِرَائِكُمْ بِهَا الْقَلِيل مِنْ الْعَرَض , وَكُفْركُمْ بِمَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي , وَجُحُودكُمْ نُبُوَّة نَبِيّه ; أَنْ أَحِلّ بِكُمْ مَا أَحَلَلْت بِأَخْلَافِكُمْ الَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلكُمْ مِنْ الْمُثُلَات وَالنِّقْمَات .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَالْخِطَاب فِيهِ لِجَمْعٍ وَكَافِر وَاحِد ؟ وَهَلْ نُجِيز إنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَنْ يَقُول قَائِل : لَا تَكُونُوا أَوَّل رَجُل قَامَ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّمَا يَجُوز تَوْحِيد مَا أُضِيفَ لَهُ " أَفَعَلَ " , وَهُوَ خَبَر لِجَمْعٍ , إذَا كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ " فَعَلَ " و " يَفْعَل " لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْ الْمُرَاد مَعَهُ الْمَحْذُوف مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ " مِنْ " , وَيَقُوم مَقَامه فِي الْأَدَاء عَنْ مَعْنَى مَا كَانَ يُؤَدِّي عَنْهُ " مِنْ " مِنْ الْجَمْع وَالتَّأْنِيث وَهُوَ فِي لَفْظ وَاحِد . أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ يَكْفُر بِهِ , ف " مِنْ " بِمَعْنَى جَمْع وَهُوَ غَيْر مُتَصَرِّف تُصْرَف الْأَسْمَاء لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْع وَالتَّأْنِيث . فَإِذَا أُقِيمَ الِاسْم الْمُشْتَقّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل مَقَامه , جَرَى وَهُوَ مُوَحَّد مَجْرَاهُ فِي الْأَدَاء عَمَّا كَانَ يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ مَعْنَى الْجَمْع وَالتَّأْنِيث , كَقَوْلِك : الْجَيْش يَنْهَزِم , وَالْجُنْد يَقْبَل ; فَتَوَحَّدَ الْفِعْل لِتَوْحِيدِ لَفْظ الْجَيْش وَالْجُنْد , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : الْجَيْش رَجُل , وَالْجُنْد غُلَام , حَتَّى تَقُول : الْجُنْد غِلْمَان , وَالْجَيْش رِجَال ; لِأَنَّ الْوَاحِد مِنْ عَدَد الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ غَيْر مُشْتَقَّة مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل لَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى الْجَمَاعَة مِنْهُمْ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَإِذَا هُمْ طَعِمُوا فَأَلْأَم طَاعِم وَإِذَا هُمْ جَاعُوا فَشَرّ جِيَاع فَوَحَّدَ مَرَّة عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ نِيَّة " مِنْ " , وَإِقَامَة الظَّاهِر مِنْ الِاسْم الَّذِي هُوَ مُشْتَقّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل مَقَامه . وَجَمَعَ أُخْرَى عَلَى الْإِخْرَاج عَلَى عَدَد أَسَمَاء الْمُخْبِر عَنْهُمْ . وَلَوْ وَحَّدَ حَيْثُ جَمَعَ أَوْ جَمَعَ حَيْثُ وَحَّدَ كَانَ صَوَابًا جَائِزًا . فَأَمَّا تَأْوِيل ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : يَا مَعْشَر أَحْبَار أَهْل الْكِتَاب صَدِّقُوا بِمَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُرْآن الْمُصَدِّق كِتَابكُمْ , وَاَلَّذِي عِنْدكُمْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الْمَعْهُود إلَيْكُمْ فِيهِمَا أَنَّهُ رَسُولِي وَنَبِيِّي الْمَبْعُوث بِالْحَقِّ , وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي وَعِنْدكُمْ مِنْ الْعِلْم بِهِ مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ . وَكُفْرهمْ بِهِ : جُحُودهمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " مِنْ ذِكْر " مَا " الَّتِي مَعَ قَوْله : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت } كَمَا : 684 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } بِالْقُرْآنِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي ذَلِكَ مَا : 685 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } يَقُول : لَا تَكُونُوا أَوَّل مِنْ كُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } يَعْنِي بِكِتَابِكُمْ , وَيَتَأَوَّل أَنَّ فِي تَكْذِيبهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِكِتَابِهِمْ ; لِأَنَّ فِي كِتَابهمْ الْأَمْر بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مِنْ ظَاهِر مَا تَدُلّ عَلَيْهِ التِّلَاوَة بَعِيدَانِ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة فِي أَوَّلهَا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَنَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْره : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } وَمَعْقُول أَنَّ الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه فِي عَصْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآن لَا مُحَمَّد , لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ رَسُول مُرْسَل لَا تَنْزِيل مُنْزَل , وَالْمُنْزَل هُوَ الْكِتَاب . ثُمَّ نَهَاهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّل مَنْ يَكْفُر بِاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِر الْمَفْهُوم , وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الآية ذِكْر ظَاهِر فَيُعَاد عَلَيْهِ بِذَكَرِهِ مُكَنِّيًا فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَإِنْ كَانَ غَيْر مَحَال فِي الْكَلَام أَنْ يَذْكُر مُكَنَّى اسْم لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر ظَاهِر فِي الْكَلَام . وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَائِد مِنْ الذِّكْر فِي " بِهِ " عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { لِمَا مَعَكُمْ } لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا ظَاهِر الْكَلَام فَإِنَّهُ بَعِيد مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة وَالتَّنْزِيل , لِمَا وَصَفْنَا قَبْل مِنْ أَنَّ الْمَأْمُور بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة هُوَ الْقُرْآن , فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون الْمَنْهِيّ عَنْ الْكُفْر بِهِ فِي آخِرهَا هُوَ الْقُرْآن . وَأَمَّا أَنْ يَكُون الْمَأْمُور بِالْإِيمَانِ بِهِ غَيْر الْمَنْهِيّ عَنْ الْكُفْر بِهِ فِي كَلَام وَاحِد وَآيَة وَاحِدَة , فَذَلِكَ غَيْر الْأَشْهَر الْأَظْهَر فِي الْكَلَام , هَذَا مَعَ بَعْد مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيل . 686 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدِّقًا لِمَا مَعَك وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ } وَعِنْدكُمْ فِيهِ مِنْ الْعِلْم مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : 687 - فَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ : هُوَ مَكْتُوب عِنْدهمْ فِي الْكِتَاب الْأَوَّل : يَا ابْن آدَم عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 688 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا تَأْخُذُوا طَعْمًا قَلِيلًا وَتَكْتُمُوا اسْم اللَّه . فَذَلِكَ الطَّعْم هُوَ الثَّمَن . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا : لَا تَبِيعُوا مَا آتَيْتُكُمْ مِنْ الْعِلْم بِكِتَابِي وَآيَاته بِثَمَنٍ خَسِيس وَعَرَض مِنْ الدُّنْيَا قَلِيل . وَبَيْعهمْ إيَّاهُ - تَرَكَهُمْ إبَانَة مَا فِي كِتَابهمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ , وَأَنَّهُ مَكْتُوب فِيهِ أَنَّهُ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - بِثَمَنٍ قَلِيل , وَهُوَ رِضَاهُمْ بِالرِّيَاسَةِ عَلَى أَتْبَاعهمْ مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ وَدِينهمْ , وَأَخْذهمْ الْأَجْر مِمَّنْ بَيَّنُوا لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنُوا لَهُ مِنْهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ : " لَا تَبِيعُوا " لِأَنَّ مُشْتَرِي الثَّمَن الْقَلِيل بِآيَاتِ اللَّه بَائِع الْآيَات بِالثَّمَنِ , فَكُلّ وَاحِد مِنْ الثَّمَن وَالْمُثَمَّن مَبِيع لِصَاحِبِهِ , وَصَاحِبه بِهِ مُشْتَرٍ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ أَبُو الْعَالِيَة : بَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا تَبْتَغُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَجْرًا . فَيَكُون حِينَئِذٍ نَهْيه عَنْ أَخْذ الْأَجْر عَلَى تَبْيِينه هُوَ النَّهْي عَنْ شِرَاء الثَّمَن الْقَلِيل بِآيَاتِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول : فَاتَّقُونِ فِي بَيْعكُمْ آيَاتِي بِالْخَسِيسِ مِنْ الثَّمَن , وَشِرَائِكُمْ بِهَا الْقَلِيل مِنْ الْعَرَض , وَكُفْركُمْ بِمَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي , وَجُحُودكُمْ نُبُوَّة نَبِيّه ; أَنْ أَحِلّ بِكُمْ مَا أَحَلَلْت بِأَخْلَافِكُمْ الَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلكُمْ مِنْ الْمُثُلَات وَالنِّقْمَات .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَلْبِسُوا } : لَا تَخْلِطُوا , وَاللَّبْس : هُوَ الْخَلْط , يُقَال مِنْهُ : لَبَّسْت عَلَيْهِمْ الْأَمْر أَلْبِسهُ لَبْسًا : إذَا خَلَطْته عَلَيْهِمْ . كَمَا : 689 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } 6 9 يَقُول : لَخَلَطْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَخْلِطُونَ . وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : لَمَّا لَبِسْنَ الْحَقّ بِالتَّجَنِّي غَنِينَ وَاسْتَبْدَلْنَ زَيْدًا مِنِّي يَعْنِي بِقَوْلِهِ : لَبِسْنَ : خَلَطْنَ . وَأَمَّا اللُّبْس فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ : لَبَّسْته أَلْبِسهُ لَبْسًا وَمَلْبَسًا , وَذَلِكَ فِي الْكِسْوَة يَكْتَسِيهَا فَيَلْبَسهَا . وَمِنْ اللُّبْس قَوْل الْأَخْطَل : لَقَدْ لَبِسْت لِهَذَا الدَّهْر أَعْصِرهُ حَتَّى تَجَلَّلَ رَأْسِي الشَّيْب وَاشْتَعَلَا وَمِنْ اللُّبْس قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } 6 9 فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ كَانُوا يَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَهُمْ كُفَّار , وَأَيّ حَقّ كَانُوا عَلَيْهِ مَعَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ ؟ قِيلَ : إنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مُنَافِقُونَ مِنْهُمْ يُظْهِرُونَ التَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَبْطِنُونَ الْكُفْر بِهِ , وَكَانَ عُظْمهمْ يَقُولُونَ : مُحَمَّد نَبِيّ مَبْعُوث إلَّا أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى غَيْرنَا . فَكَانَ لَبِسَ الْمُنَافِق مِنْهُمْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ إظْهَاره الْحَقّ بِلِسَانِهِ وَإِقْرَاره لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ جَهَارًا , وَخَلَطَهُ ذَلِكَ الظَّاهِر مِنْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ الَّذِي يَسْتَبْطِنهُ . وَكَانَ لَبِسَ الْمُقِرّ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مَبْعُوث إلَى غَيْرهمْ الْجَاحِد أَنَّهُ مَبْعُوث إلَيْهِمْ إقْرَاره بِأَنَّهُ مَبْعُوث إلَى غَيْرهمْ وَهُوَ الْحَقّ , وَجُحُوده أَنَّهُ مَبْعُوث إلَيْهِمْ وَهُوَ الْبَاطِل , وَقَدْ بَعَثَهُ اللَّه إلَى الْخَلْق كَافَّة . فَذَلِكَ خَلْطهمْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَلُبْسهمْ إيَّاهُ بِهِ . كَمَا : 690 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْح , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : لَا تَخْلِطُوا الصِّدْق بِالْكَذِبِ . 691 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } يَقُول : لَا تَخْلِطُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَأَدُّوا النَّصِيحَة لِعِبَادِ اللَّه فِي أَمْر مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . 692 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْإِسْلَامِ . 693 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : الْحَقّ : التَّوْرَاة الَّذِي أَنَزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى , وَالْبَاطِل : الَّذِي كَتَبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَكْتُمُوا الْحَقّ كَمَا نَهَاهُمْ أَنَّ يَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ . فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ حِينَئِذٍ : ولَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ . وَيَكُون قَوْله : { وَتَكْتُمُوا } عِنْد ذَلِكَ مَجْزُومًا بِمَا جُزِمَ بِهِ : " تَلْبِسُوا " عَطْفًا عَلَيْهِ . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُون النَّهْي مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَيَكُون قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } خَبَرًا مِنْهُ عَنْهُمْ بِكِتْمَانِهِمْ الْحَقّ الَّذِي يَعْلَمُونَهُ , فَيَكُون قَوْله : " وَتَكْتُمُوا " حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا , لِانْصِرَافِهِ عَنْ مَعْنَى قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } إذْ كَانَ قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا } نَهْيًا , وَقَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } خَبَرًا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ غَيْر جَائِز أَنْ يُعَاد عَلَيْهِ مَا عَمَل فِي قَوْله : { تَلْبِسُوا } مِنْ الْحَرْف الْجَازِم , وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيُّونَ صَرْفًا . وَنَظِير ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب قَوْل الشَّاعِر : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِيَ مِثْله عَارٍ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيم فَنَصَبَ " تَأْتِيَ " عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَتَكْتُمُوا } الْآيَة , لِأَنَّهُ لَمْ يَرِد : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَلَا تَأْتِ مِثْله , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَأَنْت تَأْتِي مِثْله . فَكَانَ الْأَوَّل نَهْيًا وَالثَّانِي خَبَرًا , فَنَصَبَ الْخَبَر إذْ عَطْفه عَلَى غَيْر شَكْله . فَأَمَّا الْوَجْه الْأَوَّل مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّ الْآيَة تَحْتَمِلهُمَا , فهو على مذهب ابن عباس الذي : 694 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . * وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } : أَيْ وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ . وَأَمَّا الْوَجْه الثَّانِي مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى مَذْهَب أَبِي الْعَالِيَة وَمُجَاهِد . 695 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : كَتَمُوا بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 696 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَأَمَّا تَأْوِيل الْحَقّ الَّذِي كَتَمُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ , فَهُوَ مَا : 697 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدكُمْ مِنْ الْمَعْرِفَة بِرَسُولِي وَمَا جَاءَ بِهِ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُب الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ . * وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : إنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ . 698 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : يَكْتُم أَهْل الْكِتَاب مُحَمَّدًا , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 699 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : الْحَقّ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 700 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : كَتَمُوا بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ . * وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : تَكْتُمُونَ مُحَمَّدًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا : وَلَا تَخْلِطُوا عَلَى النَّاس أَيّهَا الْأَحْبَار مِنْ أَهْل الْكِتَاب فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه , وَتَزْعُمُوا أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى بَعْض أَجْنَاس الْأُمَم دُون بَعْض أَوْ تُنَافِقُوا فِي أَمْره , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى جَمِيعكُمْ , وَجَمِيع الْأُمَم غَيْركُمْ , فَتَخْلِطُوا بِذَلِكَ الصِّدْق بِالْكَذِبِ , وَتَكْتُمُوا بِهِ مَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْته وَصِفَته , وَأَنَّهُ رَسُولِي إلَى النَّاس كَافَّة , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولِي , وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ إلَيْكُمْ فَمِنْ عِنْدِي , وَتَعْرِفُونَ أَنَّ مِنْ عَهْدِي الَّذِي أَخَذْت عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَالتَّصْدِيق بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَكْتُمُوا الْحَقّ كَمَا نَهَاهُمْ أَنَّ يَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ . فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ حِينَئِذٍ : ولَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ . وَيَكُون قَوْله : { وَتَكْتُمُوا } عِنْد ذَلِكَ مَجْزُومًا بِمَا جُزِمَ بِهِ : " تَلْبِسُوا " عَطْفًا عَلَيْهِ . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُون النَّهْي مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ , وَيَكُون قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } خَبَرًا مِنْهُ عَنْهُمْ بِكِتْمَانِهِمْ الْحَقّ الَّذِي يَعْلَمُونَهُ , فَيَكُون قَوْله : " وَتَكْتُمُوا " حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا , لِانْصِرَافِهِ عَنْ مَعْنَى قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } إذْ كَانَ قَوْله : { وَلَا تَلْبِسُوا } نَهْيًا , وَقَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } خَبَرًا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ غَيْر جَائِز أَنْ يُعَاد عَلَيْهِ مَا عَمَل فِي قَوْله : { تَلْبِسُوا } مِنْ الْحَرْف الْجَازِم , وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيُّونَ صَرْفًا . وَنَظِير ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب قَوْل الشَّاعِر : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِيَ مِثْله عَارٍ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيم فَنَصَبَ " تَأْتِيَ " عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَتَكْتُمُوا } الْآيَة , لِأَنَّهُ لَمْ يَرِد : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَلَا تَأْتِ مِثْله , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَأَنْت تَأْتِي مِثْله . فَكَانَ الْأَوَّل نَهْيًا وَالثَّانِي خَبَرًا , فَنَصَبَ الْخَبَر إذْ عَطْفه عَلَى غَيْر شَكْله . فَأَمَّا الْوَجْه الْأَوَّل مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّ الْآيَة تَحْتَمِلهُمَا , فهو على مذهب ابن عباس الذي : 694 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . * وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } : أَيْ وَلَا تَكْتُمُوا الْحَقّ . وَأَمَّا الْوَجْه الثَّانِي مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى مَذْهَب أَبِي الْعَالِيَة وَمُجَاهِد . 695 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : كَتَمُوا بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 696 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَأَمَّا تَأْوِيل الْحَقّ الَّذِي كَتَمُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ , فَهُوَ مَا : 697 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدكُمْ مِنْ الْمَعْرِفَة بِرَسُولِي وَمَا جَاءَ بِهِ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُب الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ . * وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ } يَقُول : إنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ . 698 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : يَكْتُم أَهْل الْكِتَاب مُحَمَّدًا , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 699 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : الْحَقّ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 700 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قَالَ : كَتَمُوا بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ . * وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : تَكْتُمُونَ مُحَمَّدًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ , وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا : وَلَا تَخْلِطُوا عَلَى النَّاس أَيّهَا الْأَحْبَار مِنْ أَهْل الْكِتَاب فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه , وَتَزْعُمُوا أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى بَعْض أَجْنَاس الْأُمَم دُون بَعْض أَوْ تُنَافِقُوا فِي أَمْره , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَبْعُوث إلَى جَمِيعكُمْ , وَجَمِيع الْأُمَم غَيْركُمْ , فَتَخْلِطُوا بِذَلِكَ الصِّدْق بِالْكَذِبِ , وَتَكْتُمُوا بِهِ مَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْته وَصِفَته , وَأَنَّهُ رَسُولِي إلَى النَّاس كَافَّة , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولِي , وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ إلَيْكُمْ فَمِنْ عِنْدِي , وَتَعْرِفُونَ أَنَّ مِنْ عَهْدِي الَّذِي أَخَذْت عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَالتَّصْدِيق بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : ذَكَرَ أَنَّ أَحْبَار الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِإِقَامِ الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَلَا يَفْعَلُونَهُ ; فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِإِقَامِ الصَّلَاة مَعَ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَإِيتَاء زَكَاة أَمْوَالهمْ مَعَهُمْ وَأَنْ يَخْضَعُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا خَضَعُوا . كَمَا : 701 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة } قَالَ : فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ , فَأَدُّوهُمَا إلَى اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى إقَامَة الصَّلَاة فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فَكَرِهْنَا إعَادَته . أَمَّا إيتَاء الزَّكَاة : فَهُوَ أَدَاء الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة ; وَأَصْل الزَّكَاة : نَمَاء الْمَال وَتَثْمِيره وَزِيَادَته . وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : زَكَا الزَّرْع : إذَا كَثُرَ مَا أَخَرَجَ اللَّه مِنْهُ ; وَزَكَتْ النَّفَقَة : إذَا كَثُرَتْ . وَقِيلَ : زَكَا الْفَرْد , إذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِد عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ بِهِ شَفْعًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُون أَرْبَعَة لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُود النَّاس تَعْتَلِج وَقَالَ آخَر : فَلَا خَسًا عَدِيده وَلَا زَكًا كَمَا شِرَار الْبَقْل أَطْرَاف السَّفَا قَالَ أَبُو جَعْفَر : السَّفَا : شَوْك البهمي , والبهمي : الَّذِي يَكُون مُدَوَّرًا فِي السُّلَّاء . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " وَلَا زَكَا " لَمْ يُصَيِّرهُمْ شَفْعًا مِنْ وِتْر بِحُدُوثِهِ فِيهِمْ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلزَّكَاةِ زَكَاة وَهِيَ مَال يُخْرَج مِنْ مَال لِتَثْمِيرِ اللَّه بِإِخْرَاجِهَا مِمَّا أُخْرِجَتْ مِنْهُ مَا بَقِيَ عِنْد رَبّ الْمَال مِنْ مَاله . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون سُمِّيَتْ زَكَاة لِأَنَّهَا تَطْهِير لِمَا بَقِيَ مِنْ مَال الرَّجُل , وَتَخْلِيص لَهُ مِنْ أَنْ تَكُون فِيهِ مَظْلَمَة لأهل السُّهْمَان , كما قال جل ثناؤه مُخْبِرًا عن نَبِيّه موسى صلوات الله عليه : { أَقَتَلْت نَفْسًا زَكِيَّةً } 18 74 يعني بَرِيئَة مِن الذُّنُوب طَاهِرَة , وَكَمَا يُقَال لِلرَّجُل : هُوَ عَدْل زَكِيّ لِذَلِك الْمَعْنَى . وهذا الوجه أَعْجَب إلَيَّ فِي تَأْوِيل زَكَاة الْمَال من الْوَجْه الْأَوَّل , وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل مَقْبُولًا في تَأْوِيلهَا . وَإِيتَاؤُهَا : إعْطَاؤُهَا أَهْلهَا . وَأَمَّا تَأْوِيل الرُّكُوع : فَهُوَ الْخُضُوع لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , يُقَال مِنْهُ : رَكَعَ فُلَان لِكَذَا وَكَذَا : إذَا خَضَعَ لَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : بِيعَتْ بِكَسْرٍ لِتَيْمٍ وَاسْتَغَاثَ بِهَا مِنْ الْهُزَال أَبُوهَا بَعْد مَا رَكَعَا يَعْنِي : بَعْد مَا خَضَعَ مِنْ شِدَّة الْجَهْد وَالْحَاجَة . وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَحْبَار بَنِي إسْرَائِيل وَمُنَافِقِيهَا بِالْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَة إلَيْهِ , وَبِإِقَامِ الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَالدُّخُول مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَام , وَالْخُضُوع لَهُ بِالطَّاعَةِ . وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ عَنْ كِتْمَان مَا قَدْ عَلِمُوهُ مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد تَظَاهُر حُجَجه عَلَيْهِمْ بِمَا قَدْ وَصَفْنَا قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , وَبَعْد الْإِعْذَار إلَيْهِمْ وَالْإِنْذَار , وَبَعْد تَذْكِيرهمْ نِعَمه إلَيْهِمْ وَإِلَى أَسْلَافهمْ تَعَطُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِبْلَاغًا إلَيْهِمْ فِي الْمَعْذِرَة .
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْبِرّ الَّذِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَة يَأْمُرُونَ النَّاس بِهِ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسهمْ , بَعْد إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ كُلّ طَاعَة لِلَّهِ فَهِيَ تُسْمَى بِرًّا . فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس مَا : 702 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ تَنْهَوْنَ النَّاس عَنْ الْكُفْر بِمَا عِنْدكُمْ مِنْ النُّبُوَّة وَالْعَهْد مِنْ التَّوْرَاة , وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسكُمْ : أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيق رَسُولِي , وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي , وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي . 703 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ } يَقُول : أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالدُّخُولِ فِي دِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ إقَام الصَّلَاة { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 704 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه وَبِتَقْوَاهُ وَهُمْ يَعْصُونَهُ . 705 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ } قَالَ : كَانَ بَنُو إسْرَائِيل يَأْمُرُونَ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه وَبِتَقْوَاهُ وَبِالْبِرِّ وَيُخَالِفُونَ , فَعَيَّرَهُمْ اللَّه . 706 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ } أَهْل الْكِتَاب وَالْمُنَافِقُونَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة , وَيَدَعُونَ الْعَمَل بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ النَّاس , فَعَيَّرَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ , فَمَنْ أَمَرَ بِخَيْرٍ فَلْيَكُنْ أَشَدّ النَّاس فِيهِ مُسَارَعَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 707 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَانَ إذَا جَاءَ الرَّجُل يَسْأَلهُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقّ وَلَا رِشْوَة وَلَا شَيْء , أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 708 - وَحَدَّثَنِي عَلَيَّ بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِم الْحَرَمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَخْلَد بْن الْحُسَيْن , عَنْ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ فِي قَوْل اللَّه : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } قَالَ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : لَا يَفْقُه الرَّجُل كُلّ الْفِقْه حَتَّى يَمْقُت النَّاس فِي ذَات اللَّه ثُمَّ يَرْجِع إلَى نَفْسه فَيَكُون لَهَا أَشَدّ مَقْتًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَجَمِيع الَّذِي قَالَ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله مُتَقَارِب الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَة الْبِرّ الَّذِي كَانَ الْقَوْم يَأْمُرُونَ بِهِ غَيْرهمْ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ , فَهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِمَا لِلَّهِ فِيهِ رِضًا مِنْ الْقَوْل أَوْ الْعَمَل , وَيُخَالِفُونَ مَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْره بِأَفْعَالِهِمْ . فَالتَّأْوِيل الَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر التِّلَاوَة إذَا : أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِطَاعَةِ اللَّه وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسكُمْ تَعْصِيه , فَهَلَّا تَأْمُرُونَهَا بِمَا تَأْمُرُونَ بِهِ النَّاس مِنْ طَاعَة رَبّكُمْ ! مُعِيرهمْ بِذَلِكَ وَمُقَبِّحًا إلَيْهِمْ مَا أَتَوْا بِهِ . وَمَعْنَى نِسْيَانهمْ أَنْفُسهمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَظِير النِّسْيَان الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 بِمَعْنَى : تَرَكُوا طَاعَة اللَّه فَتَرَكَهُمْ اللَّه مِنْ ثَوَابه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَتْلُونَ } : تَدْرُسُونَ وَتَقْرَءُونَ . كَمَا : 709 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } يَقُول : تَدْرُسُونَ الْكِتَاب بِذَلِكَ . وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } : أَفَلَا تَفْقُهُونَ وَتَفْهَمُونَ قَبَّحَ مَا تَأْتُونَ مِنْ مَعْصِيَتكُمْ رَبّكُمْ الَّتِي تَأْمُرُونَ النَّاس بِخِلَافِهَا وَتَنْهَوْنَهُمْ عَنْ رُكُوبهَا وَأَنْتُمْ رَاكِبُوهَا , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّ اللَّه وَطَاعَته فِي اتِّبَاع مُحَمَّد وَالْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِثْل الَّذِي عَلَى مِنْ تَأْمُرُونَهُ بِاتِّبَاعِهِ . كَمَا : 710 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَفْهَمُونَ فَنَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْخَلْق الْقَبِيح . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَمْر أَحْبَار يَهُود بَنِي إسْرَائِيل غَيْرهمْ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هُوَ مَبْعُوث إلَى غَيْرنَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَتْلُونَ } : تَدْرُسُونَ وَتَقْرَءُونَ . كَمَا : 709 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب } يَقُول : تَدْرُسُونَ الْكِتَاب بِذَلِكَ . وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } : أَفَلَا تَفْقُهُونَ وَتَفْهَمُونَ قَبَّحَ مَا تَأْتُونَ مِنْ مَعْصِيَتكُمْ رَبّكُمْ الَّتِي تَأْمُرُونَ النَّاس بِخِلَافِهَا وَتَنْهَوْنَهُمْ عَنْ رُكُوبهَا وَأَنْتُمْ رَاكِبُوهَا , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّ اللَّه وَطَاعَته فِي اتِّبَاع مُحَمَّد وَالْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِثْل الَّذِي عَلَى مِنْ تَأْمُرُونَهُ بِاتِّبَاعِهِ . كَمَا : 710 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا تَفْهَمُونَ فَنَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْخَلْق الْقَبِيح . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَمْر أَحْبَار يَهُود بَنِي إسْرَائِيل غَيْرهمْ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هُوَ مَبْعُوث إلَى غَيْرنَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ } : اسْتَعِينُوا عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِي الَّذِي عَاهَدْتُمُونِي فِي كِتَابكُمْ - مِنْ طَاعَتِي وَاتِّبَاع أَمْرِي , وَتَرْك مَا تَهْوُونَهُ مِنْ الرِّيَاسَة وَحُبّ الدُّنْيَا إلَى مَا تَكْرَهُونَهُ مِنْ التَّسْلِيم لِأَمْرِي , وَاتِّبَاع رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاة . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الصَّبْر فِي هَذَا الْمَوْضِع : الصَّوْم , وَالصَّوْم بَعْض مَعَانِي الصَّبْر عِنْدنَا . بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا كَرِهَتْهُ نَفُوسهمْ مِنْ طَاعَة اللَّه , وَتَرْك مَعَاصِيه . وَأَصْل الصَّبْر : مَنْع النَّفْس مُحَابّهَا وَكَفّهَا عَنْ هَوَاهَا ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلصَّابِرِ عَلَى الْمُصِيبَة : صَابِر , لِكَفِّهِ نَفْسه عَنْ الْجَزَع ; وَقِيلَ لِشَهْرِ رَمَضَان : شَهْر الصَّبْر , لِصَبْرِ صَائِمه عَنْ الْمُطَاعَم وَالْمُشَارِب نَهَارًا , وَصَبْره إيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ : حَبْسه لَهُمْ , وَكَفّه إيَّاهُمْ عَنْهُ , كَمَا يَصْبِر الرَّجُل الْمُسِيء لِلْقَتْلِ فَتَحْبِسهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْتُلهُ . وَلِذَلِكَ قِيلَ : قَتَلَ فُلَان فُلَانًا صَبْرًا , يَعْنِي بِهِ حَبَسَهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ , فَالْمَقْتُول مَصْبُور , وَالْقَاتِل صَابِر . وَأَمَّا الصَّلَاة فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا فِيمَا مَضَى فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : قَدْ عَلِمْنَا مَعْنَى الْأَمْر بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْوَفَاء بِالْعَهْدِ وَالْمُحَافَظَة عَلَى الطَّاعَة , فَمَا مَعْنَى الْأَمْر بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَتَرْك مَعَاصِيه , وَالتَّعَرِّي عَنْ الرِّيَاسَة , وَتَرْك الدُّنْيَا ؟ قِيلَ : إنَّ الصَّلَاة فِيهَا تِلَاوَة كِتَاب اللَّه , الدَّاعِيَة آيَاته إلَى رَفْض الدُّنْيَا وَهَجْر نَعِيمهَا , الْمُسَلِّيَة النَّفُوس عَنْ زِينَتهَا وَغُرُورهَا , الْمُذَكِّرَة الْآخِرَة وَمَا أَعَدَّ اللَّه فِيهَا لِأَهْلِهَا . فَفِي الِاعْتِبَار بِهَا الْمَعُونَة لِأَهْلِ طَاعَة اللَّه عَلَى الْجَدّ فِيهَا , كَمَا رُوِيَ عَنْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إلَى الصَّلَاة . 711 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إسْمَاعِيل بْن مُوسَى الْفَزَارِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن رِتَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن جَرِير , عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار , عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد بْن أَبِي قُدَامَةَ , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن الْيَمَان , عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إلَى الصَّلَاة " . * وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَف بْن الْوَلِيد الْأَزْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدُّؤَلِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد الْعَزِيز أَخُو حُذَيْفَة , قَالَ حُذَيْفَة : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْر صَلَّى " . وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَة مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنه فَقَالَ لَهُ : " اشكنب درد " ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : " قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاة شِفَاء " . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ وَصَفَ أَمَرَهُمْ مِنْ أَحْبَار بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَجْعَلُوا مَفْزَعهمْ فِي الْوَفَاء بِعَهْدِ اللَّه الَّذِي عَاهَدُوهُ إلَى الِاسْتِعَانَة بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة كَمَا أَمَرَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَقَالَ لَهُ : { فَاصْبِرْ } يَا مُحَمَّد { عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْل فَسَبِّحْ وَأَطْرَاف النَّهَار لَعَلَّك تَرْضَى } 20 130 فَأَمَرَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي نَوَائِبه بِالْفَزَعِ إلَى الصَّبْر وَالصَّلَاة . 712 - وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم قَالَا : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ ابْن عَبَّاس نُعِيَ إلَيْهِ أَخُوهُ قُثَم وَهُوَ فِي سَفَر , فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ الطَّرِيق , فَأَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا الْجُلُوس , ثُمَّ قَامَ يَمْشِي إلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } . وَأَمَّا أَبُو الْعَالِيَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول بِمَا : 713 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } قَالَ يَقُول : اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة عَلَى مَرْضَاة اللَّه , وَاعْلَمُوا أَنَّهُمَا مِنْ طَاعَة اللَّه . وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ بِمَا : 714 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } قَالَ : إنَّهُمَا مَعُونَتَانِ عَلَى رَحْمَة اللَّه . 715 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة } الْآيَة , قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ : وَاَللَّه يَا مُحَمَّد إنَّك لَتَدْعُونَا إلَى أَمْر كَبِير , قَالَ : إلَى الصَّلَاة وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنَّهَا } وَإِنَّ الصَّلَاة , فَالْهَاء وَالْأَلِف فِي " وَإِنَّهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى " الصَّلَاة " . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إنَّ قَوْله : { وَإِنَّهَا } بِمَعْنَى : إنَّ إجَابَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِجَابَة ذِكْر فَتُجْعَل الْهَاء وَالْأَلِف كِنَايَة عَنْهُ , وَغَيْر جَائِز تَرْك الظَّاهِر الْمَفْهُوم مِنْ الْكَلَام إلَى بَاطِن لَا دَلَالَة عَلَى صِحَّته . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَكَبِيرَة } : لَشَدِيدَة ثَقِيلَة . كَمَا : 716 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : إنَّهَا لَثَقِيلَة . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } : إلَّا عَلَى الْخَاضِعِينَ لِطَاعَتِهِ , الْخَائِفِينَ سَطَوَاته , الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيده . كَمَا : 717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } يَعْنِي الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنَزَلَ اللَّه . 718 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : يَعْنِي الْخَائِفِينَ . 719 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 720 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْخُشُوع : الْخَوْف وَالْخَشْيَة لِلَّهِ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلّ } 42 45 قَالَ : قَدْ أَذَلَّهُمْ الْخَوْف الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ , وَخَشَعُوا لَهُ . وَأَصْل " الْخُشُوع " : التَّوَاضُع وَالتَّذَلُّل وَالِاسْتِكَانَة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَمَا أَتَى خَبَر الزُّبَيْر تَوَاضَعَتْ سُور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع يَعْنِي وَالْجِبَال خُشَّع مُتَذَلِّلَة لِعِظَمِ الْمُصِيبَة بِفَقْدِهِ . فَمَعْنَى الْآيَة : وَاسْتَعِينُوا أَيّهَا الْأَحْبَار مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِحَبْسِ أَنْفُسكُمْ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَكَفّهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّه , وَبِإِقَامَةِ الصَّلَاة الْمَانِعَة مِنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر , الْمُقِرّ بِهِ مِنْ مِرَاضِي اللَّه , الْعَظِيمَة إقَامَتهَا إلَّا عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ الْمُسْتَكِينِينَ لِطَاعَتِهِ الْمُتَذَلِّلِينَ مِنْ مَخَافَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنَّهَا } وَإِنَّ الصَّلَاة , فَالْهَاء وَالْأَلِف فِي " وَإِنَّهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى " الصَّلَاة " . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إنَّ قَوْله : { وَإِنَّهَا } بِمَعْنَى : إنَّ إجَابَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِجَابَة ذِكْر فَتُجْعَل الْهَاء وَالْأَلِف كِنَايَة عَنْهُ , وَغَيْر جَائِز تَرْك الظَّاهِر الْمَفْهُوم مِنْ الْكَلَام إلَى بَاطِن لَا دَلَالَة عَلَى صِحَّته . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَكَبِيرَة } : لَشَدِيدَة ثَقِيلَة . كَمَا : 716 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : إنَّهَا لَثَقِيلَة . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } : إلَّا عَلَى الْخَاضِعِينَ لِطَاعَتِهِ , الْخَائِفِينَ سَطَوَاته , الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيده . كَمَا : 717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } يَعْنِي الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أَنَزَلَ اللَّه . 718 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : يَعْنِي الْخَائِفِينَ . 719 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : { إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } قَالَ : الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 720 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْخُشُوع : الْخَوْف وَالْخَشْيَة لِلَّهِ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلّ } 42 45 قَالَ : قَدْ أَذَلَّهُمْ الْخَوْف الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ , وَخَشَعُوا لَهُ . وَأَصْل " الْخُشُوع " : التَّوَاضُع وَالتَّذَلُّل وَالِاسْتِكَانَة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَمَا أَتَى خَبَر الزُّبَيْر تَوَاضَعَتْ سُور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع يَعْنِي وَالْجِبَال خُشَّع مُتَذَلِّلَة لِعِظَمِ الْمُصِيبَة بِفَقْدِهِ . فَمَعْنَى الْآيَة : وَاسْتَعِينُوا أَيّهَا الْأَحْبَار مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِحَبْسِ أَنْفُسكُمْ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَكَفّهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّه , وَبِإِقَامَةِ الصَّلَاة الْمَانِعَة مِنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر , الْمُقِرّ بِهِ مِنْ مِرَاضِي اللَّه , الْعَظِيمَة إقَامَتهَا إلَّا عَلَى الْمُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ الْمُسْتَكِينِينَ لِطَاعَتِهِ الْمُتَذَلِّلِينَ مِنْ مَخَافَته .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : إنْ قَالَ لَنَا قَائِلُ : وَكَيْفَ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّنْ قَدْ وَصَفَهُ بِالْخُشُوعِ لَهُ بِالطَّاعَةِ أَنَّهُ يَظُنّ أَنَّهُ مُلَاقِيه , وَالظَّنّ : شَكّ , وَالشَّاكّ فِي لِقَاء اللَّه عِنْدك بِاَللَّهِ كَافِر ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الْعَرَب قَدْ تُسَمِّي الْيَقِين ظَنًّا , وَالشَّكّ ظَنًّا , نَظِير تَسْمِيَتهمْ الظُّلْمَة سُدْفَة وَالضِّيَاء سُدْفَة , وَالْمُغِيث صَارِخًا , وَالْمُسْتَغِيث صَارِخًا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تُسَمِّي بِهَا الشَّيْء وَضِدّه . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى بِهِ الْيَقِين قَوْل دُرَيْد بْن الصِّمَّة : فَقُلْت لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ سَرَاتُهُمُ فِي الْفَارِسِيِّ الْمُسَرَّدِ يَعْنِي بِذَلِكَ : تَيَقَّنُوا أَلْفَيْ مُدَجَّجٍ تَأْتِيكُمْ . وَقَوْل عَمِيرَة بْن طَارِق : بِأَنْ تَغْتَزُوا قَوْمِي وَأَقْعُدُ فِيكُمُ وَأَجْعَلُ مِنِّي غَيْبًا مُرَجَّمًا يَعْنِي : وَأَجْعَل مِنِّي الْيَقِين غَيْبًا مُرَجَّمًا . وَالشَّوَاهِد مِنْ أَشْعَار الْعَرَبِ وَكَلَامهَا عَلَى أَنَّ الظَّنّ فِي مَعْنَى الْيَقِين أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , وَفِيمَا ذَكَرْنَا لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ كِفَايَة . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّار فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } 18 53 وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ تَفْسِير الْمُفَسِّرِينَ . 721 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } قَالَ : إنَّ الظَّنّ هَهُنَا يَقِين . 722 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلّ ظَنّ فِي الْقُرْآن يَقِين , إنِّي ظَنَنْت وَظَنُّوا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الْحَفَرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلّ ظَنّ فِي الْقُرْآن فَهُوَ عِلْم . 723 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } أَمَّا يَظُنُّونَ فَيَسْتَيْقِنُونَ . 724 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } عَلِمُوا أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ , هِيَ كَقَوْلِهِ : { إنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ } 69 20 يَقُول عَلِمْت . 725 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } قَالَ : لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَايِنُوا , فَكَانَ ظَنَّهُمْ يَقِينًا , وَلَيْسَ ظَنًّا فِي شَكّ . وَقَرَأَ : { إنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ } الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ إنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ فَأُضِيفَ الْمُلَاقُونَ إلَى الرَّبّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَعْنَاهُ : الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ رَبّهمْ ؟ وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ , فَمِنْ كَلَام الْعَرَب تَرْك الْإِضَافَة وَإِثْبَات النُّون , وَإِنَّمَا تَسْقُط النُّون وَتُضَاف فِي الْأَسْمَاء الْمَبْنِيَّة مِنْ الْأَفْعَال إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى فَعَلَ , فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى يَفْعَل وَفَاعِل , فَشَأْنهَا إثْبَات النُّون , وَتَرْك الْإِضَافَة . قِيلَ : لَا تُدَافِع بَيْن جَمِيع أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب وَأَلْسِنِهَا فِي إجَازَة إضَافَة الِاسْم الْمَبْنِيّ مِنْ فَعَلَ وَيَفْعَل , وَإِسْقَاط النُّون وَهُوَ بِمَعْنَى يَفْعَل وَفَاعِل , أَعْنِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال وَحَال الْفِعْل وَلَمَّا يَنْقَضِ , فَلَا وَجْه لِمَسْأَلَةِ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ : لِمَ قِيلَ ؟ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُضِيفَ وَأُسْقِطَتْ النُّون . فَقَالَ نَحْوِيُّو الْبَصْرَة : أُسْقِطَتْ النُّون مِنْ : { مُلَاقُو رَبّهمْ } وَمَا أَشَبَهه مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي فِي لَفْظ الْأَسْمَاء وَهِيَ فِي مَعْنَى يَفْعَل وَفِي مَعْنَى مَا لَمْ يَنْقَضِ اسْتِثْقَالًا لَهَا , وَهِيَ مُرَادَة كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت } 3 185 وَكَمَا قَالَ : { إنَّا مُرْسِلُو النَّاقَة فِتْنَة لَهُمْ } 54 27 وَلَمَّا يُرْسِلهَا بَعْد ; وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : هَلْ أَنْتَ بَاعِث دِينَار لِحَاجَتِنَا أَوْ عَبْد رَبّ أَخَا عَوْن بْن مِخْرَاق فَأَضَافَ بَاعِثًا إلَى الدِّينَار , وَلَمَّا يَبْعَث , وَنُصِبَ عَبْد رَبّ عَطْفًا عَلَى مَوْضِع دِينَار لِأَنَّهُ فِي مَوْضِع نَصْب وَإِنْ خُفِضَ . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : الْحَافِظُو عَوْرَة الْعَشِيرَة لَا يَأْتِيهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ نَطَف بِنَصْبِ الْعَوْرَة وَخَفْضهَا . فَالْخَفْض عَلَى الْإِضَافَة , وَالنَّصْب عَلَى حَذْف النُّون اسْتِثْقَالًا , وَهِيَ مُرَادَة . وَهَذَا قَوْل نَحْوِيِّي الْبَصْرَة . وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْكُوفَة فَإِنَّهُمْ قَالُوا : جَائِز فِي { مُلَاقُو } الْإِضَافَة , وَهِيَ فِي مَعْنَى يَلْقَوْنَ , وَإِسْقَاط النُّون مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي لَفْظ الْأَسْمَاء , فَلَهُ فِي الْإِضَافَة إلَى الْأَسْمَاء حَظّ الْأَسْمَاء , وَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ اسْم لَهُ كَانَ نَظِيرًا . قَالُوا : وَإِذَا أُثْبِتَ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ النُّون وَتُرِكَتْ الْإِضَافَة , فَإِنَّمَا تَفْعَل ذَلِكَ بِهِ لِأَنَّ لَهُ مَعْنَى يَفْعَل الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَجِب بَعْد . قَالُوا : فَالْإِضَافَة فِيهِ لِلَّفْظِ , وَتَرْك الْإِضَافَة لِلْمَعْنَى . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : وَاسْتَعِينُوا عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِي بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاة , وَإِنَّ الصَّلَاة لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَائِفِينَ عِقَابِي , الْمُتَوَاضِعِينَ لِأَمْرِي , الْمُوقِنِينَ بِلِقَائِي وَالرُّجُوع إلَيَّ بَعْد مَمَاتهمْ . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الصَّلَاة كَبِيرَة إلَّا عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَته ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ غَيْر مُوقِن بِمَعَادٍ وَلَا مُصَدِّق بِمَرْجِعٍ وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب , فَالصَّلَاة عِنْده عَنَاء وَضَلَال , لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو بِإِقَامَتِهَا إدْرَاك نَفْع وَلَا دَفْع ضُرّ , وَحَقّ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَة صِفَته أَنْ تَكُون الصَّلَاة عَلَيْهِ كَبِيرَة , وَإِقَامَتهَا عَلَيْهِ ثَقِيلَة , وَلَهُ فَادِحَة . وَإِنَّمَا خَفَّتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِلِقَاءِ اللَّه , الرَّاجِينَ عَلَيْهَا جَزِيل ثَوَابه , الْخَائِفِينَ بِتَضْيِيعِهَا أَلِيم عِقَابه , لِمَا يَرْجُونَ بِإِقَامَتِهَا فِي مَعَادهمْ مِنْ الْوُصُول إلَى مَا وَعَدَ اللَّه عَلَيْهَا أَهْلهَا , وَلِمَا يَحْذَرُونَ بِتَضْيِيعِهَا مَا أَوَعَدَ مُضَيِّعهَا . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحْبَار بَنِي إسْرَائِيل الدِّين خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات أَنْ يَكُونُوا مِنْ مُقِيمِيهَا الرَّاجِينَ ثَوَابهَا إذَا كَانُوا أَهْل يَقِين بِأَنَّهُمْ إلَى اللَّه رَاجِعُونَ وَإِيَّاهُ فِي الْقِيَامَة مُلَاقُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ } مِنْ ذِكْر الْخَاشِعِينَ , وَالْهَاء فِي " إلَيْهِ " مِنْ ذِكْر الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره فِي قَوْله : { مُلَاقُو رَبّهمْ } فَتَأْوِيل الْكَلِمَة : وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الْمُوقِنِينَ أَنَّهُمْ إلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل الرُّجُوع الَّذِي فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 726 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } قَالَ : يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ بِمَوْتِهِمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , قَالَ فِي الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 2 28 فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَرْجِعهمْ إلَيْهِ بَعْد نَشْرهمْ وَإِحْيَائِهِمْ مِنْ مَمَاتهمْ , وَذَلِكَ لَا شَكَّ يَوْم الْقِيَامَة , فَكَذَلِكَ تَأْوِيل قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ } مِنْ ذِكْر الْخَاشِعِينَ , وَالْهَاء فِي " إلَيْهِ " مِنْ ذِكْر الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره فِي قَوْله : { مُلَاقُو رَبّهمْ } فَتَأْوِيل الْكَلِمَة : وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الْمُوقِنِينَ أَنَّهُمْ إلَى رَبّهمْ رَاجِعُونَ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل الرُّجُوع الَّذِي فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 726 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ } قَالَ : يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ بِمَوْتِهِمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , قَالَ فِي الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 2 28 فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَرْجِعهمْ إلَيْهِ بَعْد نَشْرهمْ وَإِحْيَائِهِمْ مِنْ مَمَاتهمْ , وَذَلِكَ لَا شَكَّ يَوْم الْقِيَامَة , فَكَذَلِكَ تَأْوِيل قَوْله : { وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ }
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَة نَظِير تَأْوِيله فِي الَّتِي قَبْلهَا فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } وَقَدْ ذَكَرْته هُنَالِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا ذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ آلَائِه وَنِعَمه عِنْدهمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } : أَنِّي فَضَّلْت أَسْلَافكُمْ , فَنَسَبَ نِعَمه عَلَى آبَائِهِمْ وَأَسْلَافهمْ إلَى أَنَّهَا نِعَم مِنْهُ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَتْ مَآثِر الْآبَاء مَآثِر لِلْأَبْنَاءِ , وَالنِّعَم عِنْد الْآبَاء نِعَمًا عِنْد الْأَبْنَاء , لِكَوْنِ الْأَبْنَاء مِنْ الْآبَاء , وَأَخْرَجَ جَلَّ ذِكْره قَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } مَخْرَج الْعُمُوم , وَهُوَ يُرِيد بِهِ خُصُوصًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى عَالَم مَنْ كُنْتُمْ بَيْن ظَهْرَيْهِ وَفِي زَمَانه . كَاَلَّذِي : 727 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : فَضَّلَهُمْ عَلَى عَالَم ذَلِكَ الزَّمَان . 728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : بِمَا أُعْطُوا مِنْ الْمُلْك وَالرُّسُل وَالْكُتُب عَلَى عَالَم مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان , فَإِنَّ لِكُلِّ زَمَان عَالَمًا . 729 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ . * وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ . 730 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَالَم أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } 44 32 قَالَ : هَذِهِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْره , وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ الْقِرَدَة وَهُمْ أَبْغَض خَلْقه إلَيْهِ , وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } 3 110 قَالَ : هَذِهِ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَاتَّبَعَ أَمْره وَاجْتَنَبَ مَحَارِمه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص الَّذِي وَصَفْنَا مَا : 731 - حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر جَمِيعًا , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَلَا إنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّة " قَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : " أَنْتُمْ آخِرهَا " . وَقَالَ الْحَسَن : " أَنْتُمْ خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه " . فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيل لَمْ يَكُونُوا مُفَضَّلِينَ عَلَى أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } وَقَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } 45 16 عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ تَأْوِيله . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَان تَأْوِيل قَوْله : { الْعَالَمِينَ } بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا ذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ آلَائِه وَنِعَمه عِنْدهمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } : أَنِّي فَضَّلْت أَسْلَافكُمْ , فَنَسَبَ نِعَمه عَلَى آبَائِهِمْ وَأَسْلَافهمْ إلَى أَنَّهَا نِعَم مِنْهُ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَتْ مَآثِر الْآبَاء مَآثِر لِلْأَبْنَاءِ , وَالنِّعَم عِنْد الْآبَاء نِعَمًا عِنْد الْأَبْنَاء , لِكَوْنِ الْأَبْنَاء مِنْ الْآبَاء , وَأَخْرَجَ جَلَّ ذِكْره قَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } مَخْرَج الْعُمُوم , وَهُوَ يُرِيد بِهِ خُصُوصًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى عَالَم مَنْ كُنْتُمْ بَيْن ظَهْرَيْهِ وَفِي زَمَانه . كَاَلَّذِي : 727 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : فَضَّلَهُمْ عَلَى عَالَم ذَلِكَ الزَّمَان . 728 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : بِمَا أُعْطُوا مِنْ الْمُلْك وَالرُّسُل وَالْكُتُب عَلَى عَالَم مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان , فَإِنَّ لِكُلِّ زَمَان عَالَمًا . 729 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ . * وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ . 730 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَالَم أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } 44 32 قَالَ : هَذِهِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْره , وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ الْقِرَدَة وَهُمْ أَبْغَض خَلْقه إلَيْهِ , وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } 3 110 قَالَ : هَذِهِ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَاتَّبَعَ أَمْره وَاجْتَنَبَ مَحَارِمه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص الَّذِي وَصَفْنَا مَا : 731 - حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر جَمِيعًا , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَلَا إنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّة " قَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : " أَنْتُمْ آخِرهَا " . وَقَالَ الْحَسَن : " أَنْتُمْ خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه " . فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيل لَمْ يَكُونُوا مُفَضَّلِينَ عَلَى أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } وَقَوْله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } 45 16 عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ تَأْوِيله . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَان تَأْوِيل قَوْله : { الْعَالَمِينَ } بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته .
وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل قَوْله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا . وَجَائِز أَيْضًا أَنْ يَكُون تَأْوِيله : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِيه نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : قَدْ صَبَّحَتْ صَبَّحَهَا السَّلَام بِكَبِدٍ خَالَطَهَا سَنَام فِي سَاعَة يُحِبّهَا الطَّعَام وَهُوَ يَعْنِي : يُحِبّ فِيهَا الطَّعَام , فَحُذِفَتْ الْهَاء الرَّاجِعَة عَلَى " الْيَوْم " , إذْ فِيهِ اجْتِزَاء بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس } الدَّال عَلَى الْمَحْذُوف مِنْهُ عَمَّا حُذِفَ , إذْ كَانَ مَعْلُومًا مَعْنَاهُ . وَقَدْ زَعَمَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف فِي هَذَا الْمَوْضِع إلَّا الْهَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف إلَّا " فِيهِ " . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى جَوَاز حَذْف كُلّ مَا دَلَّ الظَّاهِر عَلَيْهِ . وَأَمَّا الْمَعْنَى فِي قَوْله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } فَإِنَّهُ تَحْذِير مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَة عُقُوبَته أَنْ تَحِلّ بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة , وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي لَا تَجْزِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا , وَلَا يَجْزِي فِيهِ وَالِد عَنْ وَلَده , وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِده شَيْئًا . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَا تَجْزِي نَفْس } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَا تُغْنِي : كَمَا : 732 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس } أَمَّا تَجْزِي : فَتُغْنِي . وَأَصْل الْجَزَاء فِي كَلَام الْعَرَب : الْقَضَاء وَالتَّعْوِيض , يُقَال : جَزَيْته قَرْضه وَدَيْنه أَجْزِيه جَزَاء , بِمَعْنَى : قَضَيْته دَيْنه , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : جَزَى اللَّه فُلَانًا عَنِّي خَيْرًا أَوْ شَرًّا , بِمَعْنَى : أَثَابَهُ عَنِّي وَقَضَاهُ عَنِّي مَا لَزِمَنِي لَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي سَلَفَ مِنْهُ إلَيَّ . وَقَدْ قَالَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعِلْم بِلُغَةِ الْعَرَب : يُقَال : أَجَزَيْت عَنْهُ كَذَا : إذَا أَعَنْته عَلَيْهِ , وَجَزَيْت عَنْك فُلَانًا : إذَا كَافَأْته . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ جَزَيْت عَنْك : قَضَيْت عَنْك , وَأَجْزَيْت : كَفَيْت . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد , يُقَال : جُزْت عَنْك شَاة وَأَجَزْت , وَجَزَى عَنْك دِرْهَم وَأَجْزَى , وَلَا تَجْزِي عَنْك شَاة وَلَا تَجْزِي بِمَعْنًى وَاحِد , إلَّا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ جُزْت عَنْك وَلَا تَجْزِي عَنْك مِنْ لُغَة أَهْل الْحِجَاز , وَأَنَّ أَجْزَأَ وَتُجْزِئ مِنْ لُغَة غَيْرهمْ . وَزَعَمُوا أَنَّ تَمِيمًا خَاصَّة مِنْ بَيْن قَبَائِل الْعَرَب تَقُول : أَجْزَأْت عَنْك شَاة , وَهِيَ تُجْزِئ عَنْك . وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّ جَزَى بِلَا هَمْز : قَضَى , وَأَجْزَأَ بِالْهَمْزِ : كَافَأَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا وَلَا تُغْنِي عَنْهَا غِنًى . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا مَعْنَى : لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس , وَلَا تُغْنِي عَنْهَا غِنًى ؟ قِيلَ : هُوَ أَنَّ أَحَدنَا الْيَوْم رُبَّمَا قَضَى عَنْ وَلَده أَوْ وَالِده أَوْ ذِي الصَّدَاقَة وَالْقَرَابَة دَيْنه ; وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ فِيمَا أَتَتْنَا بِهِ الْأَخْبَار عَنْهَا يُسَرّ الرَّجُل أَنْ يبرد لَهُ عَلَى وَلَده أَوْ وَالِده حَقّ , وَذَلِكَ أَنَّ قَضَاء الْحُقُوق فِي الْقِيَامَة مِنْ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات . كَمَا : 733 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَبِي خَالِد الدُّولَابِيّ يَزِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَحِمَ اللَّه عَبْدًا كَانَتْ عِنْده لِأَخِيهِ مَظْلَمَة فِي عِرْض " قَالَ أَبُو بَكْر فِي حَدِيثه : " أَوْ مَال أَوْ جَاه , فَاسْتَحَلَّهُ قَبْل أَنْ يُؤْخَذ مِنْهُ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَار وَلَا دِرْهَم , فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَات أَخَذُوا مِنْ حَسَنَاته , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَات حَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتهمْ " . * حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان الْمُقَدّمِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَرَوِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِك , عَنْ الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّام الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 734 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْم بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز الدَّرَاوَرْدِيّ , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَمُوتَن أَحَدكُمْ وَعَلَيْهِ دَيْن , فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دِينَار وَلَا دِرْهَم , إنَّمَا يَقْتَسِمُونَ هُنَالِكَ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات " وَأَشَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا . 735 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : قَالَ : حَدَّثَنَا سَالِم بْن قَادِم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة هَاشِم بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَارِث بْن مُسْلِم , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَقْضِي عَنْهَا شَيْئًا لَزِمَهَا لِغَيْرِهَا ; لِأَنَّ الْقَضَاء هُنَالِكَ مِنْ الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَكَيْفَ يَقْضِي عَنْ غَيْره مَا لَزِمَهُ مَنْ كَانَ يُسْره أَنْ يَثْبُت لَهُ عَلَى وَلَده أَوْ وَالِده حَقّ , فَيَأْخُذهُ مِنْهُ وَلَا يَتَجَافَى لَهُ عَنْهُ ؟ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } : لَا تَجْزِي مِنْهَا أَنْ تَكُون مَكَانهَا . وَهَذَا قَوْل يَشْهَد ظَاهِر الْقُرْآن عَلَى فَسَاده , وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يَقُول الْقَائِل : مَا أَغْنَيْت عَنِّي شَيْئًا , بِمَعْنَى : مَا أَغْنَيْت مِنِّي أَنْ تَكُون مَكَانِي , بَلْ إذَا أَرَادُوا الْخَبَر عَنْ شَيْء أَنَّهُ لَا يَجْزِي مِنْ شَيْء , قَالُوا لَا يَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا , وَلَا يَسْتَجِيزُونَ أَنَّ يَقُولُوا : لَا يَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا شَيْئًا . فَلَوْ كَانَ تَأْوِيل قَوْله : { لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا } مَا قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله لَقَالَ : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس } كَمَا يُقَال : لَا تَجْزِي نَفْس مِنْ نَفْس , وَلَمْ يَقُلْ لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا : وَفِي صِحَّة التَّنْزِيل بِقَوْلِهِ : لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا أَوْضَح الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا وَفَسَاد قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله فِي ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشَّفَاعَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الرَّجُل : شَفَعَ لِي فُلَان إلَى فُلَان شَفَاعَة , وَهُوَ طَلَبه إلَيْهِ فِي قَضَاء حَاجَته . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ شَفِيع وَشَافِع لِأَنَّهُ ثُنِّيَ الْمُسْتَشْفِع بِهِ , فَصَارَ لَهُ شَفْعًا , فَكَانَ ذُو الْحَاجَة قَبْل اسْتِشْفَاعه بِهِ فِي حَاجَته فَرْدًا , فَصَارَ صَاحِبه لَهُ فِيهَا شَافِعًا , وَطَلَبه فِيهِ وَفِي حَاجَته شَفَاعَة ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الشَّفِيع فِي الدَّار وَفِي الْأَرْض شَفِيعًا لِمَصِيرِ الْبَائِع بِهِ شَفْعًا . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس حَقًّا لَزِمَهَا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَا لِغَيْرِهِ , وَلَا يُقْبَل اللَّه مِنْهَا شَفَاعَة شَافِع , فَيُتْرَك لَهَا مَا لَزِمَهَا مِنْ حَقّ . وَقِيلَ : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ أَهْل هَذِهِ الْآيَة بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ فِيهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَوْلَاد أَنْبِيَائِهِ , وَسَيَشْفَعُ لَنَا عِنْده آبَاؤُنَا . فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ نَفْسًا لَا تَجْزِي عَنْ نَفْس شَيْئًا فِي الْقِيَامَة , وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة أَحَد فِيهَا حَتَّى يُسْتَوْفَى لِكُلِّ ذِي حَقّ مِنْهَا حَقّه . كَمَا : 736 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن نَصِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْعَوَامّ بْن مُزَاحِم رَجُل مِنْ قَيْس بْن ثَعْلَبَة , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ الْجَمَّاء لَتَقْتَصّ مِنْ الْقَرْنَاء يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا } . .. 21 47 الْآيَة فَآيَسَهُمْ اللَّه جَلَّ ذِكْره مِمَّا كَانُوا أَطْمَعُوا فِيهِ أَنْفُسهمْ مِنْ النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه مَعَ تَكْذِيبهمْ بِمَا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ وَخِلَافهمْ أَمْر اللَّه فِي اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده بِشَفَاعَةِ آبَائِهِمْ وَغَيْرهمْ مِنْ النَّاس كُلّهمْ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ غَيْر نَافِعهمْ عِنْده إلَّا التَّوْبَة إلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ وَالْإِنَابَة مِنْ ضَلَالهمْ , وَجَعَلَ مَا سُنَّ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ إمَامًا لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل مِنْهَاجهمْ لِئَلَّا يَطْمَع ذُو إلْحَاد فِي رَحْمَة اللَّه . وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَ مَخْرَجهَا عَامًّا فِي التِّلَاوَة , فَإِنَّ الْمُرَاد بِهَا خَاصّ فِي التَّأْوِيل لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي " وَأَنَّهُ قَالَ : " لَيْسَ مِنْ نَبِيّ إلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَة , وَإِنِّي خَبَّأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لِأُمَّتِي , وَهِيَ نَائِلَة إنْ شَاءَ اللَّه مِنْهُمْ مَنْ لَا يَشُرْك بِاَللَّهِ شَيْئًا " . فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ يَصْفَح لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِشَفَاعَةِ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ عَنْ كَثِير مِنْ عُقُوبَة إجْرَامهمْ بَيْنه وَبَيْنهمْ , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة } إنَّمَا هِيَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى كُفْره غَيْر تَائِب إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِع الْإِطَالَة فِي الْقَوْل فِي الشَّفَاعَة وَالْوَعْد وَالْوَعِيد , فَنَسْتَقْصِي الْحِجَاج فِي ذَلِكَ , وَسَنَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي مَوَاضِعه إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعَدْل فِي كَلَام الْعَرَب بِفَتْحِ الْعَيْن : الْفِدْيَة . كَمَا : 737 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : يَعْنِي فِدَاء . 738 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } أَمَّا عَدْل فَيَعْدِلهَا مِنْ الْعَدْل , يَقُول : لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبَا تَفْتَدِي بِهِ مَا تُقَبِّل مِنْهَا . 739 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : لَوْ جَاءَتْ بِكُلِّ شَيْء لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 740 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : بَدَل , وَالْبَدَل : الْفِدْيَة . 741 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : لَوْ أَنَّ لَهَا مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا لَمْ يُقْبَل مِنْهَا فِدَاء قَالَ : وَلَوْ جَاءَتْ بِكُلِّ شَيْء لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 742 - وَحَدَّثَنِي نَجِيح بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَكِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي أُمَيَّة مِنْ أَهْل الشَّام أَحَسَن عَلَيْهِ الثَّنَاء , قَالَ : قِيلَ يَا رَسُول اللَّه مَا الْعَدْل ؟ قَالَ : " الْعَدْل : الْفِدْيَة " . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْفِدْيَةِ مِنْ الشَّيْء وَالْبَدَل مِنْهُ عَدْل , لِمُعَادَلَتِهِ إيَّاهُ وَهُوَ مِنْ غَيْر جِنْسه ; وَمَصِيره لَهُ مَثَلًا مِنْ وَجْه الْجَزَاء , لَا مِنْ وَجْه الْمُشَابَهَة فِي الصُّورَة وَالْخِلْقَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } 6 70 بِمَعْنَى : وَإِنْ تَفْدِ كُلّ فِدْيَة لَا يُؤْخَذ مِنْهَا , يُقَال مِنْهُ : هَذَا عَدْله وَعَدِيله . وَأَمَّا الْعَدْل بِكَسْرِ الْعَيْن , فَهُوَ مِثْل الْحِمْل الْمَحْمُول عَلَى الظَّهْر , يُقَال مِنْ ذَلِكَ : عِنْدِي غُلَام عِدْل غُلَامك , وَشَاة عِدْل شَاتك بِكَسْرِ الْعَيْن , إذَا كَانَ غُلَام يَعْدِل غُلَامًا , وَشَاة تَعْدِل شَاة , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلّ مِثْل لِلشَّيْءِ مِنْ جِنْسه . فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّ عِنْده قِيمَته مِنْ غَيْر جِنْسه نَصَبْت الْعَيْن فَقِيلَ : عِنْدِي عِدْل شَاتك مِنْ الدَّرَاهِم . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهُ يُكْسَر الْعَيْن مِنْ الْعِدْل الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْفِدْيَة لِمُعَادَلَةِ مَا عَادَلَهُ مِنْ جِهَة الْجَزَاء , وَذَلِكَ لِتَقَارُبِ مَعْنَى الْعَدْل وَالْعِدْل عِنْدهمْ , فَأَمَّا وَاحِد الْأَعْدَال فَلَمْ يُسْمَع فِيهِ إلَّا عِدْل بِكَسْرِ الْعَيْن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ لَا يَنْصُرهُمْ نَاصِر , كَمَا لَا يَشْفَع لَهُمْ شَافِع , وَلَا يُقْبَل مِنْهُمْ عَدْل وَلَا فِدْيَة . بَطَلَتْ هُنَالِكَ الْمُحَابَاة وَاضْمَحَلَّتْ الرَّشَا وَالشَّفَاعَات , وَارْتَفَعَ بَيْن الْقَوْم التَّعَاوُن وَالتَّنَاصُر , وَصَارَ الْحُكْم إلَى الْعَدْل الْجَبَّار الَّذِي لَا يَنْفَع لَدَيْهِ الشُّفَعَاء وَالنُّصَرَاء , فَيَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا وَبِالْحَسَنَةِ أَضْعَافهَا . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ } 37 24 : 26 وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي مَعْنَى : { لَا تَنَاصَرُونَ } 37 25 مَا : 743 - حُدِّثْت بِهِ عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ } مَا لَكُمْ لَا تُمَانِعُونَ مِنَّا ؟ هَيْهَاتَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ الْيَوْم ! وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ فِي مَعْنَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } : وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ اللَّه يَوْمئِذٍ نَصِير يَنْتَصِر لَهُمْ مِنْ اللَّه إذَا عَاقَبَهُمْ . وَقَدْ قِيلَ : وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ بِالطَّلَبِ فِيهِمْ وَالشَّفَاعَة وَالْفِدْيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَعْلَمَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم لَا فِدْيَة لِمَنْ اسْتَحَقَّ مِنْ خَلْقه عُقُوبَته , وَلَا شَفَاعَة فِيهِ , وَلَا نَاصِر لَهُ . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة مَعْدُوم لَا سَبِيل لَهُمْ إلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالشَّفَاعَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الرَّجُل : شَفَعَ لِي فُلَان إلَى فُلَان شَفَاعَة , وَهُوَ طَلَبه إلَيْهِ فِي قَضَاء حَاجَته . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ شَفِيع وَشَافِع لِأَنَّهُ ثُنِّيَ الْمُسْتَشْفِع بِهِ , فَصَارَ لَهُ شَفْعًا , فَكَانَ ذُو الْحَاجَة قَبْل اسْتِشْفَاعه بِهِ فِي حَاجَته فَرْدًا , فَصَارَ صَاحِبه لَهُ فِيهَا شَافِعًا , وَطَلَبه فِيهِ وَفِي حَاجَته شَفَاعَة ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الشَّفِيع فِي الدَّار وَفِي الْأَرْض شَفِيعًا لِمَصِيرِ الْبَائِع بِهِ شَفْعًا . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَقْضِي نَفْس عَنْ نَفْس حَقًّا لَزِمَهَا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَا لِغَيْرِهِ , وَلَا يُقْبَل اللَّه مِنْهَا شَفَاعَة شَافِع , فَيُتْرَك لَهَا مَا لَزِمَهَا مِنْ حَقّ . وَقِيلَ : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ أَهْل هَذِهِ الْآيَة بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ فِيهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَوْلَاد أَنْبِيَائِهِ , وَسَيَشْفَعُ لَنَا عِنْده آبَاؤُنَا . فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ نَفْسًا لَا تَجْزِي عَنْ نَفْس شَيْئًا فِي الْقِيَامَة , وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة أَحَد فِيهَا حَتَّى يُسْتَوْفَى لِكُلِّ ذِي حَقّ مِنْهَا حَقّه . كَمَا : 736 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن نَصِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْعَوَامّ بْن مُزَاحِم رَجُل مِنْ قَيْس بْن ثَعْلَبَة , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ الْجَمَّاء لَتَقْتَصّ مِنْ الْقَرْنَاء يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا } . .. 21 47 الْآيَة فَآيَسَهُمْ اللَّه جَلَّ ذِكْره مِمَّا كَانُوا أَطْمَعُوا فِيهِ أَنْفُسهمْ مِنْ النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه مَعَ تَكْذِيبهمْ بِمَا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ وَخِلَافهمْ أَمْر اللَّه فِي اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده بِشَفَاعَةِ آبَائِهِمْ وَغَيْرهمْ مِنْ النَّاس كُلّهمْ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ غَيْر نَافِعهمْ عِنْده إلَّا التَّوْبَة إلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ وَالْإِنَابَة مِنْ ضَلَالهمْ , وَجَعَلَ مَا سُنَّ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ إمَامًا لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل مِنْهَاجهمْ لِئَلَّا يَطْمَع ذُو إلْحَاد فِي رَحْمَة اللَّه . وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَ مَخْرَجهَا عَامًّا فِي التِّلَاوَة , فَإِنَّ الْمُرَاد بِهَا خَاصّ فِي التَّأْوِيل لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي " وَأَنَّهُ قَالَ : " لَيْسَ مِنْ نَبِيّ إلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَة , وَإِنِّي خَبَّأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لِأُمَّتِي , وَهِيَ نَائِلَة إنْ شَاءَ اللَّه مِنْهُمْ مَنْ لَا يَشُرْك بِاَللَّهِ شَيْئًا " . فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ يَصْفَح لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِشَفَاعَةِ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ عَنْ كَثِير مِنْ عُقُوبَة إجْرَامهمْ بَيْنه وَبَيْنهمْ , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة } إنَّمَا هِيَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى كُفْره غَيْر تَائِب إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِع الْإِطَالَة فِي الْقَوْل فِي الشَّفَاعَة وَالْوَعْد وَالْوَعِيد , فَنَسْتَقْصِي الْحِجَاج فِي ذَلِكَ , وَسَنَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي مَوَاضِعه إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعَدْل فِي كَلَام الْعَرَب بِفَتْحِ الْعَيْن : الْفِدْيَة . كَمَا : 737 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : يَعْنِي فِدَاء . 738 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } أَمَّا عَدْل فَيَعْدِلهَا مِنْ الْعَدْل , يَقُول : لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبَا تَفْتَدِي بِهِ مَا تُقَبِّل مِنْهَا . 739 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : لَوْ جَاءَتْ بِكُلِّ شَيْء لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 740 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : بَدَل , وَالْبَدَل : الْفِدْيَة . 741 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل } قَالَ : لَوْ أَنَّ لَهَا مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا لَمْ يُقْبَل مِنْهَا فِدَاء قَالَ : وَلَوْ جَاءَتْ بِكُلِّ شَيْء لَمْ يُقْبَل مِنْهَا . 742 - وَحَدَّثَنِي نَجِيح بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَكِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي أُمَيَّة مِنْ أَهْل الشَّام أَحَسَن عَلَيْهِ الثَّنَاء , قَالَ : قِيلَ يَا رَسُول اللَّه مَا الْعَدْل ؟ قَالَ : " الْعَدْل : الْفِدْيَة " . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْفِدْيَةِ مِنْ الشَّيْء وَالْبَدَل مِنْهُ عَدْل , لِمُعَادَلَتِهِ إيَّاهُ وَهُوَ مِنْ غَيْر جِنْسه ; وَمَصِيره لَهُ مَثَلًا مِنْ وَجْه الْجَزَاء , لَا مِنْ وَجْه الْمُشَابَهَة فِي الصُّورَة وَالْخِلْقَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا } 6 70 بِمَعْنَى : وَإِنْ تَفْدِ كُلّ فِدْيَة لَا يُؤْخَذ مِنْهَا , يُقَال مِنْهُ : هَذَا عَدْله وَعَدِيله . وَأَمَّا الْعَدْل بِكَسْرِ الْعَيْن , فَهُوَ مِثْل الْحِمْل الْمَحْمُول عَلَى الظَّهْر , يُقَال مِنْ ذَلِكَ : عِنْدِي غُلَام عِدْل غُلَامك , وَشَاة عِدْل شَاتك بِكَسْرِ الْعَيْن , إذَا كَانَ غُلَام يَعْدِل غُلَامًا , وَشَاة تَعْدِل شَاة , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلّ مِثْل لِلشَّيْءِ مِنْ جِنْسه . فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّ عِنْده قِيمَته مِنْ غَيْر جِنْسه نَصَبْت الْعَيْن فَقِيلَ : عِنْدِي عِدْل شَاتك مِنْ الدَّرَاهِم . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهُ يُكْسَر الْعَيْن مِنْ الْعِدْل الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْفِدْيَة لِمُعَادَلَةِ مَا عَادَلَهُ مِنْ جِهَة الْجَزَاء , وَذَلِكَ لِتَقَارُبِ مَعْنَى الْعَدْل وَالْعِدْل عِنْدهمْ , فَأَمَّا وَاحِد الْأَعْدَال فَلَمْ يُسْمَع فِيهِ إلَّا عِدْل بِكَسْرِ الْعَيْن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ لَا يَنْصُرهُمْ نَاصِر , كَمَا لَا يَشْفَع لَهُمْ شَافِع , وَلَا يُقْبَل مِنْهُمْ عَدْل وَلَا فِدْيَة . بَطَلَتْ هُنَالِكَ الْمُحَابَاة وَاضْمَحَلَّتْ الرَّشَا وَالشَّفَاعَات , وَارْتَفَعَ بَيْن الْقَوْم التَّعَاوُن وَالتَّنَاصُر , وَصَارَ الْحُكْم إلَى الْعَدْل الْجَبَّار الَّذِي لَا يَنْفَع لَدَيْهِ الشُّفَعَاء وَالنُّصَرَاء , فَيَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا وَبِالْحَسَنَةِ أَضْعَافهَا . وَذَلِكَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ } 37 24 : 26 وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي مَعْنَى : { لَا تَنَاصَرُونَ } 37 25 مَا : 743 - حُدِّثْت بِهِ عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ } مَا لَكُمْ لَا تُمَانِعُونَ مِنَّا ؟ هَيْهَاتَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ الْيَوْم ! وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ فِي مَعْنَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } : وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ اللَّه يَوْمئِذٍ نَصِير يَنْتَصِر لَهُمْ مِنْ اللَّه إذَا عَاقَبَهُمْ . وَقَدْ قِيلَ : وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ بِالطَّلَبِ فِيهِمْ وَالشَّفَاعَة وَالْفِدْيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَعْلَمَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم لَا فِدْيَة لِمَنْ اسْتَحَقَّ مِنْ خَلْقه عُقُوبَته , وَلَا شَفَاعَة فِيهِ , وَلَا نَاصِر لَهُ . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة مَعْدُوم لَا سَبِيل لَهُمْ إلَيْهِ .
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْن } أَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ } فَإِنَّهُ عَطْف عَلَى قَوْله : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ } فَكَأَنَّهُ قَالَ : اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , وَاذْكُرُوا إنْعَامنَا عَلَيْكُمْ إذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن بِإِنْجَائِنَا لَكُمْ مِنْهُمْ . وَأَمَّا آل فِرْعَوْن فَإِنَّهُمْ أَهْل دِينه وَقَوْمه وَأَشْيَاعه . وَأَصْل " آل " أَهْل , أُبْدِلَتْ الْهَاء هَمْزَة , كَمَا قَالُوا مَاهَ , فَأَبْدَلُوا الْهَاء هَمْزَة , فَإِذَا صَغَّرُوهُ قَالُوا مويه , فَرَدُّوا الْهَاء فِي التَّصْغِير وَأَخْرَجُوهُ عَلَى أَصْله . وَكَذَلِكَ إذَا صَغَّرُوا آل , قَالُوا : أُهَيْل . وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب فِي تَصْغِير آل : أُوَيْل . وَقَدْ يُقَال : فُلَان مِنْ آل النِّسَاء , يُرَاد بِهِ أَنَّهُ مِنْهُنَّ خَلْق , وَيُقَال ذَلِكَ أَيْضًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُرِيدهُنَّ وَيَهْوَاهُنَّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَإِنَّك مِنْ آل النِّسَاء وَإِنَّمَا يَكُنَّ لِأَدْنَى لَا وِصَال لِغَائِبٍ وَأَحْسَن أَمَاكِن " آل " أَنْ يُنْطَق بِهِ مَعَ الْأَسْمَاء الْمَشْهُورَة , مِثْل قَوْلهمْ : آل النَّبِيّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآل عَلِيّ , وَآل عَبَّاس , وَآل عُقَيْل . وَغَيْر مُسْتَحْسَن اسْتِعْمَاله مَعَ الْمَجْهُول , وَفِي أَسَمَاء الْأَرَضِينَ وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ ; غَيْر حَسَن عِنْد أَهْل الْعِلْم بِلِسَانِ الْعَرَب أَنْ يُقَال : رَأَيْت آل الرَّجُل , وَرَآنِي آل الْمَرْأَة , وَلَا رَأَيْت آل الْبَصْرَة , وَآل الْكُوفَة . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْعَرَب سَمَاعًا أَنَّهَا تَقُول : رَأَيْت آل مَكَّة وَآل الْمَدِينَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامهمْ بِالْمُسْتَعْمَلِ الْفَاشِي . وَأَمَّا فِرْعَوْن فَإِنَّهُ يُقَال : إنَّهُ اسْم كَانَتْ مُلُوك الْعَمَالِقَة بِمِصْرَ تُسْمَى بِهِ , كَمَا كَانَتْ مُلُوك الرُّوم يُسَمِّي بَعْضهمْ قَيْصَر وَبَعْضهمْ هِرَقْل , وَكَمَا كَانَتْ مُلُوك فَارِس تُسَمِّي الْأَكَاسِرَة وَاحِدهمْ كِسْرَى , وَمُلُوك الْيَمَن تُسَمِّي التَّبَابِعَة وَاحِدهمْ تَبَع . وَأَمَّا فِرْعَوْن مُوسَى الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ بَنِي إسْرَائِيل أَنَّهُ نَجَّاهُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُقَال : إنَّ اسْمه الْوَلِيد بْن مُصْعَب بْن الرَّيَّان , وَكَذَلِكَ ذِكْر مُحَمَّد بْن إسْحَاق أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ اسْمه . 744 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق : أَنَّ اسْمه الْوَلِيد بْن مُصْعَب بْن الرَّيَّان . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن } وَالْخِطَاب بِهِ لِمَنْ لَمْ يُدْرِك فِرْعَوْن وَلَا الْمُنْجِينَ مِنْهُ , لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا أَبْنَاء مَنْ نَجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , فَأَضَافَ مَا كَانَ مِنْ نِعَمه عَلَى آبَائِهِمْ إلَيْهِمْ , وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ كُفْرَان آبَائِهِمْ عَلَى وَجْه الْإِضَافَة , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : فَعَلْنَا بِكُمْ كَذَا , وَفَعَلْنَا بِكُمْ كَذَا , وَقَتَلْنَاكُمْ وَسَبَيْنَاكُمْ , وَالْمُخْبِر إمَّا أَنْ يَكُون يَعْنِي قَوْمه وَعَشِيرَته بِذَلِكَ أَوْ أَهْل بَلَده وَوَطَنه كَانَ الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ أَدْرَكَ مَا فَعَلَ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُدْرِكهُ , كَمَا قَالَ الْأَخْطَل يُهَاجِي جَرِير بْن عَطِيَّة : وَلَقَدْ سَمَا لَكُمْ الْهُذَيْل فَنَالَكُمْ بِإِرَابَ حَيْثُ يُقَسِّم الْأَنْفَالَا فِي فَيْلَق يَدْعُو الْأَرَاقِم لَمْ تَكُنْ فُرْسَانه عُزْلًا وَلَا أَكْفَالًا وَلَمْ يَلْقَ جَرِير هُذَيْلًا وَلَا أَدْرَكَهُ , وَلَا أَدْرَكَ إرَاب وَلَا شَهِدَهُ . وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ أَيَّام قَوْم الْأَخْطَل عَلَى قَوْم جَرِير , أَضَافَ الْخِطَاب إلَيْهِ وَإِلَى قَوْمه , فَكَذَلِكَ خِطَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْ خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن } لَمَّا كَانَ فِعْله مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بقوم مَنْ خَاطَبَهُ بِالْآيَةِ وَآبَائِهِمْ , أَضَافَ فِعْله ذَلِكَ الَّذِي فَعَلَهُ بِآبَائِهِمْ إلَى الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ وَقَوْمهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب } وَفِي قَوْله : { يَسُومُونَكُمْ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل , أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا عَنْ فِعْل فِرْعَوْن بِبَنِي إسْرَائِيل , فَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ : واُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ إذْ نَجَّيْتُكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن , وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله كَانَ مَوْضِع " يَسُومُونَكُمْ " رَفْعًا . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ يَكُون " يَسُومُونَكُمْ " حَالًا , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن سَائِمِيكُمْ سُوء الْعَذَاب , فَيَكُون حَالًا مِنْ آل فِرْعَوْن . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { يَسُومُونَكُمْ } فَإِنَّهُ يُورِدُونَكُمْ , وَيُذِيقُونَكُمْ , وَيُوَلُّونَكُمْ , يُقَال مِنْهُ : سَامه خُطَّة ضَيْم : إذَا أَوْلَاهُ ذَلِكَ وَأَذَاقَهُ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهه تَرَبَّدَا فَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { سُوء الْعَذَاب } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مَا سَاءَهُمْ مِنْ الْعَذَاب . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : أَشَدّ الْعَذَاب ; وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ : أَسْوَأ الْعَذَاب . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا ذَلِكَ الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمْ الَّذِي كَانَ يَسُوءهُمْ ؟ قِيلَ : هُوَ مَا وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه فَقَالَ : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } وَقَدْ قَالَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق فِي ذَلِكَ مَا : 745 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن إسْحَاق , قَالَ : كَانَ فِرْعَوْن يُعَذِّب بَنِي إسْرَائِيل فَيَجْعَلهُمْ خَدَمًا وَخَوَلًا , وَصَنَّفَهُمْ فِي أَعْمَاله , فَصِنْف يَبْنُونَ , وَصِنْف يَزْرَعُونَ لَهُ , فَهُمْ فِي أَعْمَاله , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي صَنْعَة مِنْ عَمَله فَعَلَيْهِ الْجِزْيَة , فَسَامَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { سُوء الْعَذَاب } وَقَالَ السُّدِّيّ : جَعَلَهُمْ فِي الْأَعْمَال الْقَذِرَة , وَجَعَلَ يُقَتِّل أَبْنَاءَهُمْ , وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ . 746 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَضَافَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا كَانَ مِنْ فِعْل آل فِرْعَوْن بِبَنِي إسْرَائِيل - مِنْ سَوْمهمْ إيَّاهُمْ سُوء الْعَذَاب وَذَبْحهمْ أَبْنَاءَهُمْ وَاسْتِحْيَائِهِمْ نِسَاءَهُمْ - إلَيْهِمْ دُون فِرْعَوْن , وَإِنْ كَانَ فِعْلهمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ بِقُوَّةِ فِرْعَوْن وَعَنْ أَمْره , لِمُبَاشَرَتِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ . فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلّ مُبَاشِر قَتْل نَفْس أَوْ تَعْذِيب حَيّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْر غَيْره , فَفَاعِله الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِقّ إضَافَة ذَلِكَ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ الْآمِر قَاهِرًا الْفَاعِل الْمَأْمُور بِذَلِكَ سُلْطَانًا كَانَ الْآمِر أَوْ لِصًّا خَارِبًا أَوْ مُتَغَلِّبًا فَاجِرًا , كَمَا أَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَبْح أَبْنَاء بَنِي إسْرَائِيل وَاسْتِحْيَاء نِسَائِهِمْ إلَى آل فِرْعَوْن دُون فِرْعَوْن , وَإِنْ كَانُوا بِقُوَّةِ فِرْعَوْن وَأَمْره إيَّاهُمْ بِذَلِكَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مَعَ غَلَبَته إيَّاهُمْ وَقَهْره لَهُمْ . فَكَذَلِكَ كُلّ قَاتِل نَفْسًا بِأَمْرِ غَيْره ظُلْمًا فَهُوَ الْمَقْتُول عِنْدنَا بِهِ قِصَاصًا , وَإِنْ كَانَ قَتْله إيَّاهَا بِإِكْرَاهِ غَيْره لَهُ عَلَى قَتْله . وَأَمَّا تَأْوِيل ذَبْحهمْ أَبْنَاء بَنِي إسْرَائِيل , وَاسْتِحْيَائِهِمْ نِسَاءَهُمْ , فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره كَاَلَّذِي : 747 - حَدَّثَنَا بِهِ الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد الْآمِلِيّ وَتَمِيم بْن الْمُنْتَصِر الْوَاسِطِيّ , قَالَا : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغ بْن زَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن أَيُّوب , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : تَذَاكُر فِرْعَوْن وَجُلَسَاؤُهُ مَا كَانَ اللَّه وَعَدَ إبْرَاهِيم خَلِيله أَنْ يَجْعَل فِي ذُرِّيَّته أَنْبِيَاء وَمُلُوكًا وَائْتَمَرُوا , وَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى أَنْ يَبْعَث رِجَالًا مَعَهُمْ الشفار , يَطُوفُونَ فِي بَنِي إسْرَائِيل , فَلَا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إلَّا ذَبَحُوهُ , فَفَعَلُوا . فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكِبَار مِنْ بَنِي إسْرَائِيل يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ , وَأَنَّ الصِّغَار يُذْبَحُونَ , قَالَ : تُوشِكُونَ أَنْ تَفْنَوْا بَنِي إسْرَائِيل فَتَصِيرُوا إلَى أَنْ تُبَاشِرُوا مِنْ الْأَعْمَال وَالْخِدْمَة مَا كَانُوا يَكْفُونَكُمْ , فَاقْتُلُوا عَامًا كُلّ مَوْلُود ذَكَر فَتَقِلّ أَبْنَاؤُهُمْ وَدَعُوا عَامًا . فَحَمَلَتْ أُمّ مُوسَى بَهَارُونَ فِي الْعَام الَّذِي لَا يُذْبَح فِيهِ الْغِلْمَان , فَوَلَدَتْهُ عَلَانِيَة أُمّه , حَتَّى إذَا كَانَ الْقَابِل حَمَلَتْ بِمُوسَى . 748 - وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار الرَّمَادِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَتْ الْكَهَنَة لِفِرْعَوْن : إنَّهُ يُولَد فِي هَذِهِ الْعَام مَوْلُود يَذْهَب بِمُلْكِك . قَالَ : فَجَعَلَ فِرْعَوْن عَلَى كُلّ أَلْف امْرَأَة مِائَة رَجُل , وَعَلَى كُلّ مِائَة عَشَرَة , وَعَلَى كُلّ عَشَرَة رَجُلًا ; فَقَالَ : اُنْظُرُوا كُلّ امْرَأَة حَامِل فِي الْمَدِينَة , فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلهَا فَانْظُرُوا إلَيْهِ , فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَاذْبَحُوهُ , وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَلُّوا عَنْهَا . وَذَلِكَ قَوْله : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } . 749 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : إنَّ فِرْعَوْن مَلَكَهُمْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , فَقَالَتْ الْكَهَنَة : إنَّهُ سَيُولَدُ الْعَام بِمِصْرَ غُلَام يَكُون هَلَاكك عَلَى يَدَيْهِ . فَبَعَثَ فِي أَهْل مِصْر نِسَاء قَوَابِل , فَإِذَا وَلَدَتْ امْرَأَة غُلَامًا أُتِيَ بِهِ فِرْعَوْن فَقَتَلَهُ وَيَسْتَحْيِي الْجَوَارِي . 750 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن } الْآيَة , قَالَ : إنَّ فِرْعَوْن مَلَكَهُمْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , وَإِنَّهُ أَتَاهُ آتٍ , فَقَالَ : إنَّهُ سَيَنْشَأُ فِي مِصْر غُلَام مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فَيَظْهَر عَلَيْك وَيَكُون هَلَاكك عَلَى يَدَيْهِ . فَبَعَثَ فِي مِصْر نِسَاء . فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث آدَم . 751 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ مِنْ شَأْن فِرْعَوْن أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامه أَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوت مِصْر , فَأَحْرَقَتْ الْقِبْط وَتَرَكَتْ بَنِي إسْرَائِيل وَأُخْرِبَتْ بُيُوت مِصْر , فَدَعَا السَّحَرَة وَالْكَهَنَة والعافة وَالْقَافَة والحازة , فَسَأَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَاهُ , فَقَالُوا لَهُ : يَخْرَج مِنْ هَذَا الْبَلَد الَّذِي جَاءَ بَنُو إسْرَائِيل مِنْهُ - يَعْنُونَ بَيْت الْمَقْدِس - رَجُل يَكُون عَلَى وَجْهه هَلَاك مِصْر . فَأَمَرَ بِبَنِي إسْرَائِيل أَنْ لَا يُولَد لَهُمْ غُلَام إلَّا ذَبَحُوهُ , وَلَا تُولَد لَهُمْ جَارِيَة إلَّا تُرِكَتْ . وَقَالَ لِلْقِبْطِ : اُنْظُرُوا مَمْلُوكِيكُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجًا فَأَدْخِلُوهُمْ , وَاجْعَلُوا بَنِي إسْرَائِيل يَلُونَ تِلْكَ الْأَعْمَال الْقَذِرَة . فَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيل فِي أَعْمَال غِلْمَانهمْ , وَأَدْخِلُوا غِلْمَانهمْ ; فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إنَّ فِرْعَوْن عَلَا فِي الْأَرْض } يَقُول : تَجَبَّرَ فِي الْأَرْض : { وَجَعَلَ أَهْلهَا شِيَعًا } , يَعْنِي بَنِي إسْرَائِيل , حِين جَعَلَهُمْ فِي الْأَعْمَال الْقَذِرَة , { يَسْتَضْعِف طَائِفَة مِنْهُمْ يُذَبِّح أَبْنَاءَهُمْ } 28 4 فَجَعَلَ لَا يُولَد لِبَنِي إسْرَائِيل مَوْلُود إلَّا ذُبِحَ فَلَا يَكْبَر الصَّغِير . وَقَذَفَ اللَّه فِي مَشْيَخَة بَنِي إسْرَائِيل الْمَوْت , فَأَسْرَعَ فِيهِمْ . فَدَخَلَ رُءُوس الْقِبْط عَلَى فِرْعَوْن , فَكَلَّمُوهُ , فَقَالُوا : إنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ وَقَعَ فِيهِمْ الْمَوْت , فَيُوشَك أَنْ يَقَع الْعَمَل عَلَى غِلْمَاننَا بِذَبْحِ أَبْنَائِهِمْ فَلَا تَبْلُغ الصِّغَار وَتَفْنَى الْكِبَار , فَلَوْ أَنَّك كُنْت تُبْقِي مِنْ أَوْلَادهمْ ! فَأَمَرَ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَة وَيَتْرُكُوا سَنَة . فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَة الَّتِي لَا يَذْبَحُونَ فِيهَا وُلِدَ هَارُونَ , فَتُرِكَ ; فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَة الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا حَمَلَتْ بِمُوسَى . 752 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ذُكِرَ لِي أَنَّهُ لَمَّا تَقَارَبَ زَمَان مُوسَى أَتَى مُنَجِّمُو فِرْعَوْن وَحُزَاته إلَيْهِ , فَقَالُوا لَهُ : تَعَلَّمْ أَنَّا نَجِد فِي عِلْمنَا أَنَّ مَوْلُودًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل قَدْ أَظَلَّك زَمَانه الَّذِي يُولَد فِيهِ , يَسْلُبك مُلْكك وَيَغْلِبك عَلَى سُلْطَانك , وَيُخْرِجك مِنْ أَرْضك , وَيُبَدِّل دِينك . فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ , أَمَرَ بِقَتْلِ كُلّ مَوْلُود يُولَد مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ الْغِلْمَان , وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ يَسْتَحْيِينَ . فَجَمَعَ الْقَوَابِل مِنْ نِسَاء مَمْلَكَته , فَقَالَ لَهُنَّ : لَا يَسْقُطْنَ عَلَى أَيْدِيكُنَّ غُلَام مِنْ بَنِي إسْرَائِيل إلَّا قَتَلْتُنَّهُ . فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ , وَكَانَ يَذْبَح مِنْ فَوْق ذَلِكَ مِنْ الْغِلْمَان , وَيَأْمُر بِالْحَبَالَى فَيُعَذَّبْنَ حَتَّى يَطْرَحْنَ مَا فِي بُطُونهنَّ . 753 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ لِيَأْمُر بالقصب فَيُشَقّ حَتَّى يُجْعَل أَمْثَال الشفار , ثُمَّ يُصَفّ بَعْضه إلَى بَعْض , ثُمَّ يُؤْتَى بِالْحَبَالَى مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَيُوقَفْنَ عَلَيْهِ فَيَحُزّ أَقْدَامهنَّ , حَتَّى إنَّ الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لَتَمْصَع بِوَلَدِهَا فَيَقَع مِنْ بَيْن رِجْلَيْهَا , فَتَظِلّ تَطَؤُهُ تَتَّقِي بِهِ حَدّ الْقَصْب عَنْ رِجْلهَا لِمَا بَلَغَ مِنْ جَهْدهَا . حَتَّى أَسْرَفَ فِي ذَلِكَ وَكَادَ يَفِنِيهِمْ , فَقِيلَ لَهُ : أَفْنَيْت النَّاس وَقَطَعْت النَّسْل , وَإِنَّهُمْ خَوَلك وَعُمَّالك . فَأَمَرَ أَنْ يُقْتَل الْغِلْمَان عَامًا وَيَسْتَحْيُوا عَامًا . فَوُلِدَ هَارُونَ فِي السَّنَة الَّتِي يُسْتَحَيَا فِيهَا الْغِلْمَان , وَوُلِدَ مُوسَى فِي السَّنَة الَّتِي فِيهَا يَقْتُلُونَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذِي قَالَهُ مَنْ ذَكَّرَنَا قَوْله مِنْ أَهْل الْعِلْم كَانَ ذَبَحَ آل فِرْعَوْن أَبْنَاء بَنِي إسْرَائِيل وَاسْتِحْيَاؤُهُمْ نِسَاءَهُمْ , فَتَأْوِيل قَوْله إذًا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } : يَسْتَبْقُونَهُنَّ فَلَا يَقْتُلُونَهُنَّ . وَقَدْ يَجِب عَلَى تَأْوِيل مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ ابْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالسُّدِّيّ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } : أَنَّهُ تَرَكَهُمْ الْإِنَاث مِنْ الْقَتْل عِنْد وِلَادَتهنَّ إيَّاهُنَّ أَنْ يَكُون جَائِزًا أَنْ تُسْمَى الطِّفْلَة مِنْ الْإِنَاث فِي حَال صِبَاهَا وَبَعْد وِلَادهَا امْرَأَة , وَالصَّبَايَا الصِّغَار وَهُنَّ أَطْفَال : نِسَاء , لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } : يَسْتَبْقُونَ الْإِنَاث مِنْ الْوَلَدَانِ عِنْد الْوِلَادَة فَلَا يَقْتُلُونَهُنَّ . وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ ابْن جُرَيْجٍ , فَقَالَ بِمَا : 754 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } قَالَ : يَسْتَرِقُونَ نِسَاءَكُمْ . فَحَادَ ابْن جُرَيْجٍ بِقَوْلِهِ هَذَا عَمَّا قَالَهُ مِنْ ذِكْرنَا قَوْله فِي قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } إنَّهُ اسْتِحْيَاء الصَّبَايَا الْأَطْفَال , قَالَ : إذْ لَمْ نَجِدهُنَّ يَلْزَمهُنَّ اسْم نِسَاء . ثُمَّ دَخَلَ فِيمَا هُوَ أَعْظَم مِمَّا أَنْكَرَ بِتَأْوِيلِهِ " وَيُسْتَحْيَوْنَ " يَسْتَرِقُّونَ , وَذَلِكَ تَأْوِيل غَيْر مَوْجُود فِي لُغَة عَرَبِيَّة وَلَا عَجَمِيَّة , وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحْيَاء إنَّمَا هُوَ اسْتِفْعَال مِنْ الْحَيَاة نَظِير الِاسْتِبْقَاء مِنْ الْبَقَاء وَالِاسْتِسْقَاء مِنْ السَّقْي , وَهُوَ مَعْنَى مِنْ الِاسْتِرْقَاق بِمَعْزِلٍ . وَقَدْ قَالَ آخَرُونَ : قَوْله { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ } بِمَعْنَى يُذَبِّحُونَ رِجَالكُمْ آبَاء أَبْنَائِكُمْ . وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون الْمَذْبُوحُونَ الْأَطْفَال , وَقَدْ قَرَنَ بِهِمْ النِّسَاء . فَقَالُوا : فِي إخْبَار اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّ الْمُسْتَحِينَ هُمْ النِّسَاء الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُذْبَحُونَ هُمْ الرِّجَال دُون الصِّبْيَان , لِأَنَّ الْمُذَبَّحِينَ لَوْ كَانُوا هُمْ الْأَطْفَال لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْمُسْتَحْيُونَ هُمْ الصَّبَايَا . قَالُوا : وَفِي إخْبَار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ النِّسَاء مَا يُبَيِّن أَنَّ الْمُذَبَّحِينَ هُمْ الرِّجَال . وَقَدْ أَغَفَلَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة مَعَ خُرُوجهمْ مِنْ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مَوْضِع الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ وَحْيه إلَى أَمْ مُوسَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُرْضِع مُوسَى , فَإِذَا خَافَتْ عَلَيْهِ أَنْ تُلْقِيه فِي التَّابُوت ثُمَّ تُلْقِيه فِي الْيَمّ . فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم لَوْ كَانُوا إنَّمَا يَقْتُلُونَ الرِّجَال وَيَتْرُكُونَ النِّسَاء لَمْ يَكُنْ بِأُمِّ مُوسَى حَاجَة إلَى إلْقَاء مُوسَى فِي الْيَمّ , أَوْ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا لَمْ تَجْعَلهُ أُمّه فِي التَّابُوت ; وَلَكِنْ ذَلِكَ عِنْدنَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ ابْن عَبَّاس وَمِنْ حُكِينَا قَوْله قَبْل مِنْ ذَبْح آل فِرْعَوْن الصِّبْيَان وَتَرْكهمْ مِنْ الْقَتْل الصَّبَايَا . وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } إذْ كَانَ الصَّبَايَا دَاخِلَات مَعَ أُمَّهَاتهنَّ , وَأُمَّهَاتهنَّ لَا شَكَّ نِسَاء فِي الِاسْتِحْيَاء , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْتُلُونَ صِغَار النِّسَاء وَلَا كِبَارهنَّ , فَقِيلَ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ الْوَالِدَات وَالْمَوْلُودَات كَمَا يُقَال : قَدْ أَقْبَلَ الرِّجَال وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صِبْيَان , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } وَأَمَّا مِنْ الذُّكُور فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَذْبَح إلَّا الْمَوْلُودُونَ قِيلَ : يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ , وَلَمْ يَقُلْ يُذَبِّحُونَ رِجَالكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } أَمَّا قَوْله : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَفِي الَّذِي فَعَلْنَا بِكُمْ مِنْ إنْجَائِنَا إيَّاكُمْ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ عَذَاب آل فِرْعَوْن إيَّاكُمْ عَلَى مَا وَصَفْت بَلَاء لَكُمْ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ بَلَاء : نِعْمَة . كَمَا : 755 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } قَالَ : نِعْمَة . 756 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } أَمَّا الْبَلَاء : فَالنِّعْمَة . 757 - وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } قَالَ : نِعْمَة مِنْ رَبّكُمْ عَظِيمَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْل حَدِيث سُفْيَان . 758 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } قَالَ : نِعْمَة عَظِيمَة . وَأَصْل الْبَلَاء فِي كَلَام الْعَرَب : الِاخْتِبَار وَالِامْتِحَان , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ , لِأَنَّ الِامْتِحَان وَالِاخْتِبَار قَدْ يَكُون بِالْخَيْرِ كَمَا يَكُون بِالشَّرِّ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } 7 168 يَقُول : اخْتَبَرْنَاهُمْ , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة } 21 35 ثُمَّ تُسَمِّي الْعَرَب الْخَيْر بَلَاء وَالشَّرّ بَلَاء , غَيْر أَنَّ الْأَكْثَر فِي الشَّرّ أَنْ يُقَال : بَلَوْته أَبْلُوهُ بَلَاء , وَفِي الْخَيْر : أَبْلَيْته أَبْلِيهِ إبْلَاء وَبَلَاء ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : جَزَى اللَّه بِالْإِحْسَانِ مَا فَعَلَا بِكُمْ وَأَبْلَاهُمَا خَيْر الْبَلَاء الَّذِي يَبْلُو فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَرَادَ : فَأَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا خَيْر النِّعَم الَّتِي يَخْتَبِر بِهَا عِبَاده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب } وَفِي قَوْله : { يَسُومُونَكُمْ } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل , أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا عَنْ فِعْل فِرْعَوْن بِبَنِي إسْرَائِيل , فَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ : واُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ إذْ نَجَّيْتُكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن , وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله كَانَ مَوْضِع " يَسُومُونَكُمْ " رَفْعًا . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ يَكُون " يَسُومُونَكُمْ " حَالًا , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن سَائِمِيكُمْ سُوء الْعَذَاب , فَيَكُون حَالًا مِنْ آل فِرْعَوْن . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { يَسُومُونَكُمْ } فَإِنَّهُ يُورِدُونَكُمْ , وَيُذِيقُونَكُمْ , وَيُوَلُّونَكُمْ , يُقَال مِنْهُ : سَامه خُطَّة ضَيْم : إذَا أَوْلَاهُ ذَلِكَ وَأَذَاقَهُ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهه تَرَبَّدَا فَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { سُوء الْعَذَاب } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مَا سَاءَهُمْ مِنْ الْعَذَاب . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : أَشَدّ الْعَذَاب ; وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ : أَسْوَأ الْعَذَاب . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا ذَلِكَ الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمْ الَّذِي كَانَ يَسُوءهُمْ ؟ قِيلَ : هُوَ مَا وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه فَقَالَ : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } وَقَدْ قَالَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق فِي ذَلِكَ مَا : 745 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن إسْحَاق , قَالَ : كَانَ فِرْعَوْن يُعَذِّب بَنِي إسْرَائِيل فَيَجْعَلهُمْ خَدَمًا وَخَوَلًا , وَصَنَّفَهُمْ فِي أَعْمَاله , فَصِنْف يَبْنُونَ , وَصِنْف يَزْرَعُونَ لَهُ , فَهُمْ فِي أَعْمَاله , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي صَنْعَة مِنْ عَمَله فَعَلَيْهِ الْجِزْيَة , فَسَامَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { سُوء الْعَذَاب } وَقَالَ السُّدِّيّ : جَعَلَهُمْ فِي الْأَعْمَال الْقَذِرَة , وَجَعَلَ يُقَتِّل أَبْنَاءَهُمْ , وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ . 746 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَضَافَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا كَانَ مِنْ فِعْل آل فِرْعَوْن بِبَنِي إسْرَائِيل - مِنْ سَوْمهمْ إيَّاهُمْ سُوء الْعَذَاب وَذَبْحهمْ أَبْنَاءَهُمْ وَاسْتِحْيَائِهِمْ نِسَاءَهُمْ - إلَيْهِمْ دُون فِرْعَوْن , وَإِنْ كَانَ فِعْلهمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ بِقُوَّةِ فِرْعَوْن وَعَنْ أَمْره , لِمُبَاشَرَتِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ . فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلّ مُبَاشِر قَتْل نَفْس أَوْ تَعْذِيب حَيّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْر غَيْره , فَفَاعِله الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِقّ إضَافَة ذَلِكَ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ الْآمِر قَاهِرًا الْفَاعِل الْمَأْمُور بِذَلِكَ سُلْطَانًا كَانَ الْآمِر أَوْ لِصًّا خَارِبًا أَوْ مُتَغَلِّبًا فَاجِرًا , كَمَا أَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَبْح أَبْنَاء بَنِي إسْرَائِيل وَاسْتِحْيَاء نِسَائِهِمْ إلَى آل فِرْعَوْن دُون فِرْعَوْن , وَإِنْ كَانُوا بِقُوَّةِ فِرْعَوْن وَأَمْره إيَّاهُمْ بِذَلِكَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مَعَ غَلَبَته إيَّاهُمْ وَقَهْره لَهُمْ . فَكَذَلِكَ كُلّ قَاتِل نَفْسًا بِأَمْرِ غَيْره ظُلْمًا فَهُوَ الْمَقْتُول عِنْدنَا بِهِ قِصَاصًا , وَإِنْ كَانَ قَتْله إيَّاهَا بِإِكْرَاهِ غَيْره لَهُ عَلَى قَتْله . وَأَمَّا تَأْوِيل ذَبْحهمْ أَبْنَاء بَنِي إسْرَائِيل , وَاسْتِحْيَائِهِمْ نِسَاءَهُمْ , فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره كَاَلَّذِي : 747 - حَدَّثَنَا بِهِ الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد الْآمِلِيّ وَتَمِيم بْن الْمُنْتَصِر الْوَاسِطِيّ , قَالَا : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغ بْن زَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن أَيُّوب , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : تَذَاكُر فِرْعَوْن وَجُلَسَاؤُهُ مَا كَانَ اللَّه وَعَدَ إبْرَاهِيم خَلِيله أَنْ يَجْعَل فِي ذُرِّيَّته أَنْبِيَاء وَمُلُوكًا وَائْتَمَرُوا , وَأَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى أَنْ يَبْعَث رِجَالًا مَعَهُمْ الشفار , يَطُوفُونَ فِي بَنِي إسْرَائِيل , فَلَا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إلَّا ذَبَحُوهُ , فَفَعَلُوا . فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكِبَار مِنْ بَنِي إسْرَائِيل يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ , وَأَنَّ الصِّغَار يُذْبَحُونَ , قَالَ : تُوشِكُونَ أَنْ تَفْنَوْا بَنِي إسْرَائِيل فَتَصِيرُوا إلَى أَنْ تُبَاشِرُوا مِنْ الْأَعْمَال وَالْخِدْمَة مَا كَانُوا يَكْفُونَكُمْ , فَاقْتُلُوا عَامًا كُلّ مَوْلُود ذَكَر فَتَقِلّ أَبْنَاؤُهُمْ وَدَعُوا عَامًا . فَحَمَلَتْ أُمّ مُوسَى بَهَارُونَ فِي الْعَام الَّذِي لَا يُذْبَح فِيهِ الْغِلْمَان , فَوَلَدَتْهُ عَلَانِيَة أُمّه , حَتَّى إذَا كَانَ الْقَابِل حَمَلَتْ بِمُوسَى . 748 - وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار الرَّمَادِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَتْ الْكَهَنَة لِفِرْعَوْن : إنَّهُ يُولَد فِي هَذِهِ الْعَام مَوْلُود يَذْهَب بِمُلْكِك . قَالَ : فَجَعَلَ فِرْعَوْن عَلَى كُلّ أَلْف امْرَأَة مِائَة رَجُل , وَعَلَى كُلّ مِائَة عَشَرَة , وَعَلَى كُلّ عَشَرَة رَجُلًا ; فَقَالَ : اُنْظُرُوا كُلّ امْرَأَة حَامِل فِي الْمَدِينَة , فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلهَا فَانْظُرُوا إلَيْهِ , فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَاذْبَحُوهُ , وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَلُّوا عَنْهَا . وَذَلِكَ قَوْله : { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } . 749 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : إنَّ فِرْعَوْن مَلَكَهُمْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , فَقَالَتْ الْكَهَنَة : إنَّهُ سَيُولَدُ الْعَام بِمِصْرَ غُلَام يَكُون هَلَاكك عَلَى يَدَيْهِ . فَبَعَثَ فِي أَهْل مِصْر نِسَاء قَوَابِل , فَإِذَا وَلَدَتْ امْرَأَة غُلَامًا أُتِيَ بِهِ فِرْعَوْن فَقَتَلَهُ وَيَسْتَحْيِي الْجَوَارِي . 750 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن } الْآيَة , قَالَ : إنَّ فِرْعَوْن مَلَكَهُمْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة , وَإِنَّهُ أَتَاهُ آتٍ , فَقَالَ : إنَّهُ سَيَنْشَأُ فِي مِصْر غُلَام مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فَيَظْهَر عَلَيْك وَيَكُون هَلَاكك عَلَى يَدَيْهِ . فَبَعَثَ فِي مِصْر نِسَاء . فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث آدَم . 751 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ مِنْ شَأْن فِرْعَوْن أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامه أَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوت مِصْر , فَأَحْرَقَتْ الْقِبْط وَتَرَكَتْ بَنِي إسْرَائِيل وَأُخْرِبَتْ بُيُوت مِصْر , فَدَعَا السَّحَرَة وَالْكَهَنَة والعافة وَالْقَافَة والحازة , فَسَأَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَاهُ , فَقَالُوا لَهُ : يَخْرَج مِنْ هَذَا الْبَلَد الَّذِي جَاءَ بَنُو إسْرَائِيل مِنْهُ - يَعْنُونَ بَيْت الْمَقْدِس - رَجُل يَكُون عَلَى وَجْهه هَلَاك مِصْر . فَأَمَرَ بِبَنِي إسْرَائِيل أَنْ لَا يُولَد لَهُمْ غُلَام إلَّا ذَبَحُوهُ , وَلَا تُولَد لَهُمْ جَارِيَة إلَّا تُرِكَتْ . وَقَالَ لِلْقِبْطِ : اُنْظُرُوا مَمْلُوكِيكُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجًا فَأَدْخِلُوهُمْ , وَاجْعَلُوا بَنِي إسْرَائِيل يَلُونَ تِلْكَ الْأَعْمَال الْقَذِرَة . فَجَعَلَ بَنِي إسْرَائِيل فِي أَعْمَال غِلْمَانهمْ , وَأَدْخِلُوا غِلْمَانهمْ ; فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إنَّ فِرْعَوْن عَلَا فِي الْأَرْض } يَقُول : تَجَبَّرَ فِي الْأَرْض : { وَجَعَلَ أَهْلهَا شِيَعًا } , يَعْنِي بَنِي إسْرَائِيل , حِين جَعَلَهُمْ فِي الْأَعْمَال الْقَذِرَة , { يَسْتَضْعِف طَائِفَة مِنْهُمْ يُذَبِّح أَبْنَاءَهُمْ } 28 4 فَجَعَلَ لَا يُولَد لِبَنِي إسْرَائِيل مَوْلُود إلَّا ذُبِحَ فَلَا يَكْبَر الصَّغِير . وَقَذَفَ اللَّه فِي مَشْيَخَة بَنِي إسْرَائِيل الْمَوْت , فَأَسْرَعَ فِيهِمْ . فَدَخَلَ رُءُوس الْقِبْط عَلَى فِرْعَوْن , فَكَلَّمُوهُ , فَقَالُوا : إنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ وَقَعَ فِيهِمْ الْمَوْت , فَيُوشَك أَنْ يَقَع الْعَمَل عَلَى غِلْمَاننَا بِذَبْحِ أَبْنَائِهِمْ فَلَا تَبْلُغ الصِّغَار وَتَفْنَى الْكِبَار , فَلَوْ أَنَّك كُنْت تُبْقِي مِنْ أَوْلَادهمْ ! فَأَمَرَ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَة وَيَتْرُكُوا سَنَة . فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَة الَّتِي لَا يَذْبَحُونَ فِيهَا وُلِدَ هَارُونَ , فَتُرِكَ ; فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَة الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا حَمَلَتْ بِمُوسَى . 752 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ذُكِرَ لِي أَنَّهُ لَمَّا تَقَارَبَ زَمَان مُوسَى أَتَى مُنَجِّمُو فِرْعَوْن وَحُزَاته إلَيْهِ , فَقَالُوا لَهُ : تَعَلَّمْ أَنَّا نَجِد فِي عِلْمنَا أَنَّ مَوْلُودًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل قَدْ أَظَلَّك زَمَانه الَّذِي يُولَد فِيهِ , يَسْلُبك مُلْكك وَيَغْلِبك عَلَى سُلْطَانك , وَيُخْرِجك مِنْ أَرْضك , وَيُبَدِّل دِينك . فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ , أَمَرَ بِقَتْلِ كُلّ مَوْلُود يُولَد مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ الْغِلْمَان , وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ يَسْتَحْيِينَ . فَجَمَعَ الْقَوَابِل مِنْ نِسَاء مَمْلَكَته , فَقَالَ لَهُنَّ : لَا يَسْقُطْنَ عَلَى أَيْدِيكُنَّ غُلَام مِنْ بَنِي إسْرَائِيل إلَّا قَتَلْتُنَّهُ . فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ , وَكَانَ يَذْبَح مِنْ فَوْق ذَلِكَ مِنْ الْغِلْمَان , وَيَأْمُر بِالْحَبَالَى فَيُعَذَّبْنَ حَتَّى يَطْرَحْنَ مَا فِي بُطُونهنَّ . 753 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ لِيَأْمُر بالقصب فَيُشَقّ حَتَّى يُجْعَل أَمْثَال الشفار , ثُمَّ يُصَفّ بَعْضه إلَى بَعْض , ثُمَّ يُؤْتَى بِالْحَبَالَى مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَيُوقَفْنَ عَلَيْهِ فَيَحُزّ أَقْدَامهنَّ , حَتَّى إنَّ الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لَتَمْصَع بِوَلَدِهَا فَيَقَع مِنْ بَيْن رِجْلَيْهَا , فَتَظِلّ تَطَؤُهُ تَتَّقِي بِهِ حَدّ الْقَصْب عَنْ رِجْلهَا لِمَا بَلَغَ مِنْ جَهْدهَا . حَتَّى أَسْرَفَ فِي ذَلِكَ وَكَادَ يَفِنِيهِمْ , فَقِيلَ لَهُ : أَفْنَيْت النَّاس وَقَطَعْت النَّسْل , وَإِنَّهُمْ خَوَلك وَعُمَّالك . فَأَمَرَ أَنْ يُقْتَل الْغِلْمَان عَامًا وَيَسْتَحْيُوا عَامًا . فَوُلِدَ هَارُونَ فِي السَّنَة الَّتِي يُسْتَحَيَا فِيهَا الْغِلْمَان , وَوُلِدَ مُوسَى فِي السَّنَة الَّتِي فِيهَا يَقْتُلُونَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذِي قَالَهُ مَنْ ذَكَّرَنَا قَوْله مِنْ أَهْل الْعِلْم كَانَ ذَبَحَ آل فِرْعَوْن أَبْنَاء بَنِي إسْرَائِيل وَاسْتِحْيَاؤُهُمْ نِسَاءَهُمْ , فَتَأْوِيل قَوْله إذًا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } : يَسْتَبْقُونَهُنَّ فَلَا يَقْتُلُونَهُنَّ . وَقَدْ يَجِب عَلَى تَأْوِيل مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ ابْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالسُّدِّيّ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } : أَنَّهُ تَرَكَهُمْ الْإِنَاث مِنْ الْقَتْل عِنْد وِلَادَتهنَّ إيَّاهُنَّ أَنْ يَكُون جَائِزًا أَنْ تُسْمَى الطِّفْلَة مِنْ الْإِنَاث فِي حَال صِبَاهَا وَبَعْد وِلَادهَا امْرَأَة , وَالصَّبَايَا الصِّغَار وَهُنَّ أَطْفَال : نِسَاء , لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } : يَسْتَبْقُونَ الْإِنَاث مِنْ الْوَلَدَانِ عِنْد الْوِلَادَة فَلَا يَقْتُلُونَهُنَّ . وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ ابْن جُرَيْجٍ , فَقَالَ بِمَا : 754 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } قَالَ : يَسْتَرِقُونَ نِسَاءَكُمْ . فَحَادَ ابْن جُرَيْجٍ بِقَوْلِهِ هَذَا عَمَّا قَالَهُ مِنْ ذِكْرنَا قَوْله فِي قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } إنَّهُ اسْتِحْيَاء الصَّبَايَا الْأَطْفَال , قَالَ : إذْ لَمْ نَجِدهُنَّ يَلْزَمهُنَّ اسْم نِسَاء . ثُمَّ دَخَلَ فِيمَا هُوَ أَعْظَم مِمَّا أَنْكَرَ بِتَأْوِيلِهِ " وَيُسْتَحْيَوْنَ " يَسْتَرِقُّونَ , وَذَلِكَ تَأْوِيل غَيْر مَوْجُود فِي لُغَة عَرَبِيَّة وَلَا عَجَمِيَّة , وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحْيَاء إنَّمَا هُوَ اسْتِفْعَال مِنْ الْحَيَاة نَظِير الِاسْتِبْقَاء مِنْ الْبَقَاء وَالِاسْتِسْقَاء مِنْ السَّقْي , وَهُوَ مَعْنَى مِنْ الِاسْتِرْقَاق بِمَعْزِلٍ . وَقَدْ قَالَ آخَرُونَ : قَوْله { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ } بِمَعْنَى يُذَبِّحُونَ رِجَالكُمْ آبَاء أَبْنَائِكُمْ . وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون الْمَذْبُوحُونَ الْأَطْفَال , وَقَدْ قَرَنَ بِهِمْ النِّسَاء . فَقَالُوا : فِي إخْبَار اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّ الْمُسْتَحِينَ هُمْ النِّسَاء الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُذْبَحُونَ هُمْ الرِّجَال دُون الصِّبْيَان , لِأَنَّ الْمُذَبَّحِينَ لَوْ كَانُوا هُمْ الْأَطْفَال لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْمُسْتَحْيُونَ هُمْ الصَّبَايَا . قَالُوا : وَفِي إخْبَار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ النِّسَاء مَا يُبَيِّن أَنَّ الْمُذَبَّحِينَ هُمْ الرِّجَال . وَقَدْ أَغَفَلَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة مَعَ خُرُوجهمْ مِنْ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مَوْضِع الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ وَحْيه إلَى أَمْ مُوسَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُرْضِع مُوسَى , فَإِذَا خَافَتْ عَلَيْهِ أَنْ تُلْقِيه فِي التَّابُوت ثُمَّ تُلْقِيه فِي الْيَمّ . فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم لَوْ كَانُوا إنَّمَا يَقْتُلُونَ الرِّجَال وَيَتْرُكُونَ النِّسَاء لَمْ يَكُنْ بِأُمِّ مُوسَى حَاجَة إلَى إلْقَاء مُوسَى فِي الْيَمّ , أَوْ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا لَمْ تَجْعَلهُ أُمّه فِي التَّابُوت ; وَلَكِنْ ذَلِكَ عِنْدنَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ ابْن عَبَّاس وَمِنْ حُكِينَا قَوْله قَبْل مِنْ ذَبْح آل فِرْعَوْن الصِّبْيَان وَتَرْكهمْ مِنْ الْقَتْل الصَّبَايَا . وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } إذْ كَانَ الصَّبَايَا دَاخِلَات مَعَ أُمَّهَاتهنَّ , وَأُمَّهَاتهنَّ لَا شَكَّ نِسَاء فِي الِاسْتِحْيَاء , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْتُلُونَ صِغَار النِّسَاء وَلَا كِبَارهنَّ , فَقِيلَ : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ الْوَالِدَات وَالْمَوْلُودَات كَمَا يُقَال : قَدْ أَقْبَلَ الرِّجَال وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صِبْيَان , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } وَأَمَّا مِنْ الذُّكُور فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ يَذْبَح إلَّا الْمَوْلُودُونَ قِيلَ : يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ , وَلَمْ يَقُلْ يُذَبِّحُونَ رِجَالكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } أَمَّا قَوْله : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَفِي الَّذِي فَعَلْنَا بِكُمْ مِنْ إنْجَائِنَا إيَّاكُمْ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ عَذَاب آل فِرْعَوْن إيَّاكُمْ عَلَى مَا وَصَفْت بَلَاء لَكُمْ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ بَلَاء : نِعْمَة . كَمَا : 755 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } قَالَ : نِعْمَة . 756 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } أَمَّا الْبَلَاء : فَالنِّعْمَة . 757 - وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } قَالَ : نِعْمَة مِنْ رَبّكُمْ عَظِيمَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْل حَدِيث سُفْيَان . 758 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاء مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم } قَالَ : نِعْمَة عَظِيمَة . وَأَصْل الْبَلَاء فِي كَلَام الْعَرَب : الِاخْتِبَار وَالِامْتِحَان , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ , لِأَنَّ الِامْتِحَان وَالِاخْتِبَار قَدْ يَكُون بِالْخَيْرِ كَمَا يَكُون بِالشَّرِّ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } 7 168 يَقُول : اخْتَبَرْنَاهُمْ , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة } 21 35 ثُمَّ تُسَمِّي الْعَرَب الْخَيْر بَلَاء وَالشَّرّ بَلَاء , غَيْر أَنَّ الْأَكْثَر فِي الشَّرّ أَنْ يُقَال : بَلَوْته أَبْلُوهُ بَلَاء , وَفِي الْخَيْر : أَبْلَيْته أَبْلِيهِ إبْلَاء وَبَلَاء ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : جَزَى اللَّه بِالْإِحْسَانِ مَا فَعَلَا بِكُمْ وَأَبْلَاهُمَا خَيْر الْبَلَاء الَّذِي يَبْلُو فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَرَادَ : فَأَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا خَيْر النِّعَم الَّتِي يَخْتَبِر بِهَا عِبَاده .
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْر } أَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ } فَإِنَّهُ عَطْف عَلَى : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ } بِمَعْنَى : وَاذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , وَاذْكُرُوا إذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن , وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْر . وَمَعْنَى قَوْله : { فَرَقْنَا بِكُمْ } : فَصَلْنَا بِكُمْ الْبَحْر , لِأَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سَبْطًا , فَفَرَقَ الْبَحْر اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا , فَسَلَكَ كُلّ سَبْط مِنْهُمْ طَرِيقًا مِنْهَا . فَذَلِكَ فَرْق اللَّه بِهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْبَحْر , وَفَصْله بِهِمْ بِتَفْرِيقِهِمْ فِي طَرِيق الِاثْنَيْ عَشَرَ . كَمَا : 759 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا أَتَى مُوسَى الْبَحْر كَنَّاهُ أَبَا خَالِد , وَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , فَدَخَلَتْ بَنُو إسْرَائِيل , وَكَانَ فِي الْبَحْر اثْنَا عَشْر طَرِيقًا فِي كُلّ طَرِيق سَبْط . وَقَدْ قَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى قَوْله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْر } فَرَقْنَا بَيْنكُمْ وَبَيْن الْمَاء : يُرِيد بِذَلِكَ : فَصَلْنَا بَيْنكُمْ وَبَيْنه وَحَجَزْنَاهُ حَيْثُ مَرَرْتُمْ بِهِ . وَذَلِكَ خِلَاف مَا فِي ظَاهِر التِّلَاوَة ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ فَرَقَ الْبَحْر بِالْقَوْمِ , وَلَمْ يُخْبِر أَنَّهُ فَرَقَ بَيْن الْقَوْم وَبَيْن الْبَحْر , فَيَكُون التَّأْوِيل مَا قَالَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة , وَفَرْقه الْبَحْر بِالْقَوْمِ , إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقه الْبَحْر بِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ افْتِرَاق سَبِيله بِهِمْ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَار .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ غَرَّقَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ آل فِرْعَوْن , وَنَجَّى بَنِي إسْرَائِيل ؟ قِيلَ لَهُ : كَمَا : 760 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ , قَالَ : لَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ فِرْعَوْن فِي طَلَب مُوسَى عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ دَهْم الْخَيْل سِوَى مَا فِي جُنْده مِنْ شُهُب الْخَيْل ; وَخَرَجَ مُوسَى , حَتَّى إذَا قَابَلَهُ الْبَحْر وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ مُنْصَرِف , طَلَعَ فِرْعَوْن فِي جُنْده مِنْ خَلْفهمْ , { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ } مُوسَى : { كَلَّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينَ } 26 61 : 62 أَيْ لِلنَّجَاةِ , وَقَدْ وَعَدَنِي ذَلِكَ وَلَا خَلَف لِوَعْدِهِ . 761 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : أَوْحَى اللَّه إلَى الْبَحْر فِيمَا ذُكِرَ إذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلَقَ لَهُ , قَالَ : فَبَاتَ الْبَحْر يَضْرِب . بَعْضه بَعْضًا فَرَقًا مِنْ اللَّه وَانْتِظَار أَمْره , فَأَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إلَى مُوسَى : { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر } 26 63 فَضَرَبَهُ بِهَا وَفِيهَا سُلْطَان اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ , { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } 26 63 أَيْ كَالْجَبَلِ عَلَى يُبْس مِنْ الْأَرْض . يَقُول اللَّه لِمُوسَى : { اضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } 20 77 فَلَمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ الْبَحْر عَلَى طَرِيق قَائِمَة يَبِسَ سَلَكَ فِيهِ مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل , وَأَتْبَعَهُ فِرْعَوْن بِجُنُودِهِ . 762 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ اللَّيْثِيّ , قَالَ : حُدِّثْت أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَنُو إسْرَائِيل الْبَحْر , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَد , أَقَبْل فِرْعَوْن وَهُوَ عَلَى حِصَان لَهُ مِنْ الْخَيْل حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَفِير الْبَحْر , وَهُوَ قَائِم عَلَى حَاله , فَهَابَ الْحِصَان أَنْ يَنْفُذهُ ; فَعَرَضَ لَهُ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى وديق , فَقَرَّبَهَا مِنْهُ فَشَمَّهَا الْفَحْل , فَلَمَّا شَمَّهَا قَدَّمَهَا , فَتَقَدَّمَ مَعَهَا الْحِصَان عَلَيْهِ فِرْعَوْن , فَلَمَّا رَأَى جُنْد فِرْعَوْن فِرْعَوْن قَدْ دَخَلَ دَخَلُوا مَعَهُ وَجِبْرِيل أَمَامه , وَهُمْ يَتْبَعُونَ فِرْعَوْن وَمِيكَائِيلَ عَلَى فَرَس مِنْ خَلْف الْقَوْم يَسُوقهُمْ , يَقُول : الْحَقُوا بِصَاحِبِكُمْ . حَتَّى إذَا فَصَلَ جِبْرِيل مِنْ الْبَحْر لَيْسَ أَمَامه أَحَد , وَوَقَفَ مِيكَائِيل عَلَى نَاحِيَته الْأُخْرَى وَلَيْسَ خَلْفه أَحَد , طَبَق عَلَيْهِمْ الْبَحْر , وَنَادَى فِرْعَوْن حِين رَأَى مِنْ سُلْطَان اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقُدْرَته مَا رَأَى وَعَرَفَ ذِلَّته وَخَذَلَتْهُ نَفْسه : { آمَنْت أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } 10 90 763 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ فِي قَوْله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْر فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ : لَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل بَلَغَ ذَلِكَ فِرْعَوْن , فَقَالَ : لَا تَتْبَعُوهُمْ حَتَّى يَصِيح الدِّيك . قَالَ : فَوَاَللَّهِ مَا صَاحَ لَيْلَتئِذٍ دِيك حَتَّى أَصْبَحُوا فَدَعَا بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ , ثُمَّ قَالَ : لَا أَفْرَغ مِنْ كَبِدهَا حَتَّى يَجْتَمِع إلَيَّ سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْقِبْط . فَلَمْ يَفْرُغ مِنْ كَبِدهَا حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْقِبْط . ثُمَّ سَارَ , فَلَمَّا أَتَى مُوسَى الْبَحْر , قَالَ لَهُ رَجُل مِنْ أَصْحَابه يُقَال لَهُ يُوشَع بْن نُون : أَيْنَ أَمْرك رَبّك يَا مُوسَى ؟ قَالَ : أَمَامك ! يُشِير إلَى الْبَحْر . فَأَقْحَمَ يُوشِك فَرَسه فِي الْبَحْر حَتَّى بَلَغَ الْغَمْر , فَذَهَبَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ , فَقَالَ : أَيْنَ أَمْرك رَبّك يَا مُوسَى ؟ فَوَاَللَّهِ مَا كَذَبْت وَلَا كَذَبْت ! فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات , ثُمَّ أَوْحَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى مُوسَى : { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } 26 63 يَقُول : مِثْل جَبَل . قَالَ : ثُمَّ سَارَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ وَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن فِي طَرِيقهمْ , حَتَّى إذَا تَتَامُّوا فِيهِ أَطَبَقه اللَّه عَلَيْهِمْ , فَلِذَلِكَ قَالَ : { وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَةَ : كَانَ مَعَ مُوسَى سِتّمِائَةِ أَلْف , وَأَتْبَعهُ فِرْعَوْن عَلَى أَلْف أَلْف وَمِائَة أَلْف حِصَان . 764 - وَحَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار الرَّمَادِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ قَالَ : فَسَرَى مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل لَيْلًا , فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن فِي أَلْف أَلْف حِصَان سِوَى الْإِنَاث وَكَانَ مُوسَى فِي سِتّمِائَةِ أَلْف , فَلَمَّا عَايَنَهُمْ فِرْعَوْن قَالَ : { إنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيع حَذِرُونَ } 26 54 : 56 فَسَرَى مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل حَتَّى هَجَمُوا عَلَى الْبَحْر , فَالْتَفَتُوا فَإِذَا هُمْ بِرَهْجِ دَوَابّ فِرْعَوْن فَقَالُوا : يَا مُوسَى { أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا } 7 129 هَذَا الْبَحْر أَمَامنَا , وَهَذَا فِرْعَوْن قَدْ رَهِقَنَا بِمِنْ مَعَهُ . { قَالَ عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يُهْلِك عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفكُمْ فِي الْأَرْض فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ } قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى مُوسَى { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر } وَأَوْحَى إلَى الْبَحْر : أَنْ اسْمَعْ لِمُوسَى وَأَطِعْ إذَا ضَرَبَك . قَالَ : فَبَاتَ الْبَحْر لَهُ أفكل - يَعْنِي لَهُ رِعْدَة - لَا يَدْرِي مِنْ أَيْ جَوَانِبه يَضْرِبهُ , قَالَ : فَقَالَ يُوشَع لِمُوسَى : بِمَاذَا أُمِرْت ؟ قَالَ : أُمِرْت أَنْ أَضْرِب الْبَحْر . قَالَ : فَاضْرِبْهُ ! قَالَ : فَضَرَبَ مُوسَى الْبَحْر بِعَصَاهُ , فَانْفَلَقَ , فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عَشَر طَرِيقًا , كُلّ طَرِيق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , فَكَانَ لِكُلِّ سَبْط مِنْهُمْ طَرِيق يَأْخُذُونَ فِيهِ . فَلَمَّا أَخَذُوا فِي الطَّرِيق , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَا لَنَا لَا نَرَى أَصْحَابنَا ؟ قَالُوا لِمُوسَى : أَيْنَ أَصْحَابنَا لَا نَرَاهُمْ ؟ قَالَ : سِيرُوا فَإِنَّهُمْ عَلَى طَرِيق مِثْل طَرِيقكُمْ . قَالُوا : لَا نَرْضَى حَتَّى نَرَاهُمْ - قَالَ سُفْيَان , قَالَ عَمَّار الدُّهْنِيّ : - قَالَ مُوسَى : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَخْلَاقهمْ السَّيِّئَة . قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : أَنْ قُلْ بِعَصَاك هَكَذَا - وَأَوْمَأَ إبْرَاهِيم بِيَدِهِ يُدِيرهَا عَلَى الْبَحْر - قَالَ مُوسَى بِعَصَاهُ عَلَى الْحِيطَان هَكَذَا , فَصَارَ فِيهَا كُوًى يَنْظُر بَعْضهمْ إلَى بَعْض , قَالَ سُفْيَان : قَالَ أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : فَسَارُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الْبَحْر , فَلَمَّا جَازَ آخَر قَوْم مُوسَى هَجَمَ فِرْعَوْن عَلَى الْبَحْر هُوَ وَأَصْحَابه , وَكَانَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس أَدْهَم ذُنُوب حِصَان . فَلَمَّا هَجَمَ عَلَى الْبَحْر هَابَ الْحِصَان أَنْ يَقْتَحِم فِي الْبَحْر , فَتَمَثَّلَ لَهُ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى وديق . فَلَمَّا رَآهَا الْحِصَان تَقَحَّمَ خَلْفهَا , وَقِيلَ لِمُوسَى : اُتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا - قَالَ : طُرُقًا عَلَى حَاله - قَالَ : وَدَخَلَ فِرْعَوْن وَقَوْمه فِي الْبَحْر , فَلَمَّا دَخَلَ آخِر قَوْم فِرْعَوْن وَجَازَ آخِر قَوْم مُوسَى أَطَبَق الْبَحْر عَلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه فَأُغْرِقُوا . 765 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّ اللَّه أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَخْرَج بِبَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ : { أَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ } 26 60 فَخَرَجَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي قَوْمهمَا , وَأُلْقِيَ عَلَى الْقِبْط الْمَوْت فَمَاتَ كُلّ بِكْر رَجُل . فَأَصْبَحُوا يَدْفِنُونَهُمْ , فَشَغَلُوا عَنْ طَلَبهمْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْس , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } 26 60 فَكَانَ مُوسَى عَلَى سَاقَة بَنِي إسْرَائِيل , وَكَانَ هَارُونَ أَمَامهمْ يَقْدُمهُمْ . فَقَالَ الْمُؤْمِن لِمُوسَى : يَا نَبِيّ اللَّه , أَيْنَ أُمِرْت ؟ قَالَ : الْبَحْر . فَأَرَادَ أَنْ يَقْتَحِم , فَمَنَعَهُ مُوسَى . وَخَرَجَ مُوسَى فِي سِتّمِائَةِ أَلْف وَعِشْرِينَ أُلْفِ مُقَاتِل , لَا يَعْدُونَ ابْن الْعِشْرِينَ لِصِغَرِهِ وَلَا ابْن السِّتِّينَ لِكِبَرِهِ , وَإِنَّمَا عَدْوًا مَا بَيْن ذَلِكَ سِوَى الذُّرِّيَّة . وَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْن وَعَلَى مُقَدِّمَته هَامَان فِي أَلْف أَلْف وَسَبْعمِائَةِ أَلْف حِصَان لَيْسَ فِيهَا ماذبانه , يَعْنِي الْأُنْثَى ; وَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ إنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } 26 53 : 54 يَعْنِي بَنِي إسْرَائِيل . فَتَقَدَّمَ هَارُونَ , فَضَرَبَ الْبَحْر , فَأَبَى الْبَحْر أَنْ يَنْفَتِح , وَقَالَ : مَنْ هَذَا الْجَبَّار الَّذِي يَضْرِبنِي ؟ حَتَّى أَتَاهُ مُوسَى , فَكَنَّاهُ أَبَا خَالِد وَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } 26 63 يَقُول : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . فَدَخَلَتْ بَنُو إسْرَائِيل . وَكَانَ فِي الْبَحْر اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا , فِي كُلّ طَرِيق سَبْط , وَكَانَتْ الطُّرُق انْفَلَقَتْ بِجُدْرَانٍ , فَقَالَ كُلّ سَبْط : قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ! فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى , دَعَا اللَّه , فَحَمَلَهَا لَهُمْ قَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان . فَنَظَرَ آخِرهمْ إلَى أَوَّلهمْ , حَتَّى خَرَجُوا جَمِيعًا . ثُمَّ دَنَا فِرْعَوْن وَأَصْحَابه , فَلَمَّا نَظَرَ فِرْعَوْن إلَى الْبَحْر مُنْفَلِقًا , قَالَ : أَلَا تَرَوْنَ الْبَحْر فَرَقَ مِنِّي قَدْ انْفَتَحَ لِي حَتَّى أَدْرَكَ أَعْدَائِي فَأَقْتُلهُمْ ؟ فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } 26 64 يَقُول : قَرَّبْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ; يَعْنِي آل فِرْعَوْن . فَلَمَّا قَامَ فِرْعَوْن عَلَى أَفْوَاه الطُّرُق أَبَتْ خَيْله أَنْ تَقْتَحِم , فَنَزَلَ جِبْرِيل عَلَى ماذبانه , فَشَام الْحِصَان رِيح الماذبانه , فَاقْتَحَمَ فِي أَثَرهَا , حَتَّى إذَا هَمَّ أَوَّلهمْ أَنْ يَخْرُج وَدَخَلَ آخِرهمْ , أَمَرَ الْبَحْر أَنْ يَأْخُذهُمْ , فَالْتَطَمَ عَلَيْهِمْ . 766 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْن الْأَرْض إلَى الْبَحْر قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْن : قُولُوا لَهُمْ يَدْخُلُونَ الْبَحْر إنْ كَانُوا صَادِقِينَ . فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَاب مُوسَى , قَالُوا : { إنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } 26 61 : 62 فَقَالَ مُوسَى لِلْبَحْرِ : أَلَسْت تَعْلَم أَنِّي رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : وَتَعْلَم أَنَّ هَؤُلَاءِ عِبَاد مِنْ عِبَاد اللَّه أَمَرَنِي أَنْ آتِي بِهِمْ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا عَدُوّ اللَّه ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَانْفَرِقْ لِي طَرِيقًا وَلِمَنْ مَعِي . قَالَ : يَا مُوسَى , إنَّمَا أَنَا عَبْد مَمْلُوك لَيْسَ لِي أَمْر إلَّا أَنْ يَأْمُرنِي اللَّه تَعَالَى . فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إلَى الْبَحْر : إذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَرِقْ , وَأَوْحَى إلَى مُوسَى أَنْ يَضْرِب الْبَحْر , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } 20 77 وَقَرَأَ قَوْله : { وَاتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا } 44 24 سَهْلًا لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ . فَانْفَرَقَ اثْنَتَيْ عَشْرَة فِرْقَة , فَسَلَكَ كُلّ سَبْط فِي طَرِيق . قَالَ : فَقَالُوا لِفِرْعَوْن : إنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا الْبَحْر . قَالَ : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ , قَالَ : وَجِبْرِيل فِي آخِر بَنِي إسْرَائِيل يَقُول لَهُمْ : لِيَلْحَق آخِركُمْ أَوَّلكُمْ . وَفِي أَوَّل آل فِرْعَوْن , يَقُول لَهُمْ : رُوَيْدًا يَلْحَق آخِركُمْ أَوَّلكُمْ . فَجَعَلَ كُلّ سَبْط فِي الْبَحْر يَقُولُونَ لِلسَّبْطِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلهمْ : قَدْ هَلَكُوا . فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ قُلُوبهمْ , أَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إلَى الْبَحْر , فَجَعَلَ لَهُمْ قَنَاطِر يَنْظُر هَؤُلَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ , حَتَّى إذَا خَرَجَ آخَر هَؤُلَاءِ وَدَخَلَ آخِر هَؤُلَاءِ أَمَرَ اللَّه الْبَحْر فَأَطْبَقَ عَلَى هَؤُلَاءِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ تَنْظُرُونَ إلَى فَرْق اللَّه لَكُمْ الْبَحْر وَإِهْلَاكه آل فِرْعَوْن فِي الْمَوْضِع الَّذِي نَجَّاكُمْ فِيهِ , وَإِلَى عَظِيم سُلْطَانه فِي الَّذِي أَرَاكُمْ مِنْ طَاعَة الْبَحْر إيَّاهُ مِنْ مَصِير رُكَامًا فَلَقًا كَهَيْئَةِ الْأَطْوَاد الشَّامِخَة غَيْر زَائِل عَنْ حَدّه , انْقِيَادًا لِأَمْرِ اللَّه وَإِذْعَانًا لِطَاعَتِهِ , وَهُوَ سَائِل ذَائِب قَبْل ذَلِكَ . يُوقِفهُمْ بِذَلِكَ جَلَّ ذِكْره عَلَى مَوْضِع حُجَجه عَلَيْهِمْ , وَيُذَكِّرهُمْ آلَاءَهُ عِنْد أَوَائِلهمْ , وَيُحَذِّرهُمْ فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِفِرْعَوْن وَآله فِي تَكْذِيبهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } كَمَعْنَى قَوْل الْقَائِل : " ضُرِبْت وَأَهْلك يَنْظُرُونَ , فَمَا أَتَوْك وَلَا أَعَانُوك " بِمَعْنَى : وَهُمْ قَرِيب بِمَرْأَى وَمَسْمَع , وَكَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } 25 45 وَلَيْسَ هُنَاكَ رُؤْيَة , إنَّمَا هُوَ عِلْم . وَاَلَّذِي دَعَاهُ إلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنَّهُ وَجَّهَ قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } : أَيْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى غَرَق فِرْعَوْن . فَقَالَ : قَدْ كَانُوا فِي شُغْل مِنْ أَنْ يَنْظُرُوا مِمَّا اكْتَنَفَهُمْ مِنْ الْبَحْر إلَى فِرْعَوْن وَغَرَقه . وَلَيْسَ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ تَأْوِيل الْكَلَام , إنَّمَا التَّأْوِيل : وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى فَرْق اللَّه الْبَحْر لَكُمْ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا آنِفًا , وَالْتِطَام أَمْوَاج الْبَحْر بِآلِ فِرْعَوْن فِي الْمَوْضِع الَّذِي صِيرَ لَكُمْ فِي الْبَحْر طَرِيقًا يَبَسًا , وَذَلِكَ كَانَ لَا شَكَّ نَظَر عِيَان لَا نَظَر عِلْم كَمَا ظَنَّهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَا قَوْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ غَرَّقَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ آل فِرْعَوْن , وَنَجَّى بَنِي إسْرَائِيل ؟ قِيلَ لَهُ : كَمَا : 760 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ , قَالَ : لَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ فِرْعَوْن فِي طَلَب مُوسَى عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ دَهْم الْخَيْل سِوَى مَا فِي جُنْده مِنْ شُهُب الْخَيْل ; وَخَرَجَ مُوسَى , حَتَّى إذَا قَابَلَهُ الْبَحْر وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ مُنْصَرِف , طَلَعَ فِرْعَوْن فِي جُنْده مِنْ خَلْفهمْ , { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ } مُوسَى : { كَلَّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينَ } 26 61 : 62 أَيْ لِلنَّجَاةِ , وَقَدْ وَعَدَنِي ذَلِكَ وَلَا خَلَف لِوَعْدِهِ . 761 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : أَوْحَى اللَّه إلَى الْبَحْر فِيمَا ذُكِرَ إذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلَقَ لَهُ , قَالَ : فَبَاتَ الْبَحْر يَضْرِب . بَعْضه بَعْضًا فَرَقًا مِنْ اللَّه وَانْتِظَار أَمْره , فَأَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إلَى مُوسَى : { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر } 26 63 فَضَرَبَهُ بِهَا وَفِيهَا سُلْطَان اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ , { فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } 26 63 أَيْ كَالْجَبَلِ عَلَى يُبْس مِنْ الْأَرْض . يَقُول اللَّه لِمُوسَى : { اضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } 20 77 فَلَمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ الْبَحْر عَلَى طَرِيق قَائِمَة يَبِسَ سَلَكَ فِيهِ مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل , وَأَتْبَعَهُ فِرْعَوْن بِجُنُودِهِ . 762 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد بْن الْهَادِ اللَّيْثِيّ , قَالَ : حُدِّثْت أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَنُو إسْرَائِيل الْبَحْر , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَد , أَقَبْل فِرْعَوْن وَهُوَ عَلَى حِصَان لَهُ مِنْ الْخَيْل حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَفِير الْبَحْر , وَهُوَ قَائِم عَلَى حَاله , فَهَابَ الْحِصَان أَنْ يَنْفُذهُ ; فَعَرَضَ لَهُ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى وديق , فَقَرَّبَهَا مِنْهُ فَشَمَّهَا الْفَحْل , فَلَمَّا شَمَّهَا قَدَّمَهَا , فَتَقَدَّمَ مَعَهَا الْحِصَان عَلَيْهِ فِرْعَوْن , فَلَمَّا رَأَى جُنْد فِرْعَوْن فِرْعَوْن قَدْ دَخَلَ دَخَلُوا مَعَهُ وَجِبْرِيل أَمَامه , وَهُمْ يَتْبَعُونَ فِرْعَوْن وَمِيكَائِيلَ عَلَى فَرَس مِنْ خَلْف الْقَوْم يَسُوقهُمْ , يَقُول : الْحَقُوا بِصَاحِبِكُمْ . حَتَّى إذَا فَصَلَ جِبْرِيل مِنْ الْبَحْر لَيْسَ أَمَامه أَحَد , وَوَقَفَ مِيكَائِيل عَلَى نَاحِيَته الْأُخْرَى وَلَيْسَ خَلْفه أَحَد , طَبَق عَلَيْهِمْ الْبَحْر , وَنَادَى فِرْعَوْن حِين رَأَى مِنْ سُلْطَان اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقُدْرَته مَا رَأَى وَعَرَفَ ذِلَّته وَخَذَلَتْهُ نَفْسه : { آمَنْت أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } 10 90 763 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ فِي قَوْله : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْر فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ : لَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل بَلَغَ ذَلِكَ فِرْعَوْن , فَقَالَ : لَا تَتْبَعُوهُمْ حَتَّى يَصِيح الدِّيك . قَالَ : فَوَاَللَّهِ مَا صَاحَ لَيْلَتئِذٍ دِيك حَتَّى أَصْبَحُوا فَدَعَا بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ , ثُمَّ قَالَ : لَا أَفْرَغ مِنْ كَبِدهَا حَتَّى يَجْتَمِع إلَيَّ سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْقِبْط . فَلَمْ يَفْرُغ مِنْ كَبِدهَا حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْقِبْط . ثُمَّ سَارَ , فَلَمَّا أَتَى مُوسَى الْبَحْر , قَالَ لَهُ رَجُل مِنْ أَصْحَابه يُقَال لَهُ يُوشَع بْن نُون : أَيْنَ أَمْرك رَبّك يَا مُوسَى ؟ قَالَ : أَمَامك ! يُشِير إلَى الْبَحْر . فَأَقْحَمَ يُوشِك فَرَسه فِي الْبَحْر حَتَّى بَلَغَ الْغَمْر , فَذَهَبَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ , فَقَالَ : أَيْنَ أَمْرك رَبّك يَا مُوسَى ؟ فَوَاَللَّهِ مَا كَذَبْت وَلَا كَذَبْت ! فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات , ثُمَّ أَوْحَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى مُوسَى : { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } 26 63 يَقُول : مِثْل جَبَل . قَالَ : ثُمَّ سَارَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ وَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن فِي طَرِيقهمْ , حَتَّى إذَا تَتَامُّوا فِيهِ أَطَبَقه اللَّه عَلَيْهِمْ , فَلِذَلِكَ قَالَ : { وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَةَ : كَانَ مَعَ مُوسَى سِتّمِائَةِ أَلْف , وَأَتْبَعهُ فِرْعَوْن عَلَى أَلْف أَلْف وَمِائَة أَلْف حِصَان . 764 - وَحَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار الرَّمَادِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ قَالَ : فَسَرَى مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل لَيْلًا , فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن فِي أَلْف أَلْف حِصَان سِوَى الْإِنَاث وَكَانَ مُوسَى فِي سِتّمِائَةِ أَلْف , فَلَمَّا عَايَنَهُمْ فِرْعَوْن قَالَ : { إنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيع حَذِرُونَ } 26 54 : 56 فَسَرَى مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيل حَتَّى هَجَمُوا عَلَى الْبَحْر , فَالْتَفَتُوا فَإِذَا هُمْ بِرَهْجِ دَوَابّ فِرْعَوْن فَقَالُوا : يَا مُوسَى { أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا } 7 129 هَذَا الْبَحْر أَمَامنَا , وَهَذَا فِرْعَوْن قَدْ رَهِقَنَا بِمِنْ مَعَهُ . { قَالَ عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يُهْلِك عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفكُمْ فِي الْأَرْض فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ } قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى مُوسَى { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر } وَأَوْحَى إلَى الْبَحْر : أَنْ اسْمَعْ لِمُوسَى وَأَطِعْ إذَا ضَرَبَك . قَالَ : فَبَاتَ الْبَحْر لَهُ أفكل - يَعْنِي لَهُ رِعْدَة - لَا يَدْرِي مِنْ أَيْ جَوَانِبه يَضْرِبهُ , قَالَ : فَقَالَ يُوشَع لِمُوسَى : بِمَاذَا أُمِرْت ؟ قَالَ : أُمِرْت أَنْ أَضْرِب الْبَحْر . قَالَ : فَاضْرِبْهُ ! قَالَ : فَضَرَبَ مُوسَى الْبَحْر بِعَصَاهُ , فَانْفَلَقَ , فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عَشَر طَرِيقًا , كُلّ طَرِيق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم , فَكَانَ لِكُلِّ سَبْط مِنْهُمْ طَرِيق يَأْخُذُونَ فِيهِ . فَلَمَّا أَخَذُوا فِي الطَّرِيق , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَا لَنَا لَا نَرَى أَصْحَابنَا ؟ قَالُوا لِمُوسَى : أَيْنَ أَصْحَابنَا لَا نَرَاهُمْ ؟ قَالَ : سِيرُوا فَإِنَّهُمْ عَلَى طَرِيق مِثْل طَرِيقكُمْ . قَالُوا : لَا نَرْضَى حَتَّى نَرَاهُمْ - قَالَ سُفْيَان , قَالَ عَمَّار الدُّهْنِيّ : - قَالَ مُوسَى : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَخْلَاقهمْ السَّيِّئَة . قَالَ : فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : أَنْ قُلْ بِعَصَاك هَكَذَا - وَأَوْمَأَ إبْرَاهِيم بِيَدِهِ يُدِيرهَا عَلَى الْبَحْر - قَالَ مُوسَى بِعَصَاهُ عَلَى الْحِيطَان هَكَذَا , فَصَارَ فِيهَا كُوًى يَنْظُر بَعْضهمْ إلَى بَعْض , قَالَ سُفْيَان : قَالَ أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : فَسَارُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الْبَحْر , فَلَمَّا جَازَ آخَر قَوْم مُوسَى هَجَمَ فِرْعَوْن عَلَى الْبَحْر هُوَ وَأَصْحَابه , وَكَانَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس أَدْهَم ذُنُوب حِصَان . فَلَمَّا هَجَمَ عَلَى الْبَحْر هَابَ الْحِصَان أَنْ يَقْتَحِم فِي الْبَحْر , فَتَمَثَّلَ لَهُ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى وديق . فَلَمَّا رَآهَا الْحِصَان تَقَحَّمَ خَلْفهَا , وَقِيلَ لِمُوسَى : اُتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا - قَالَ : طُرُقًا عَلَى حَاله - قَالَ : وَدَخَلَ فِرْعَوْن وَقَوْمه فِي الْبَحْر , فَلَمَّا دَخَلَ آخِر قَوْم فِرْعَوْن وَجَازَ آخِر قَوْم مُوسَى أَطَبَق الْبَحْر عَلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه فَأُغْرِقُوا . 765 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّ اللَّه أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَخْرَج بِبَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ : { أَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ } 26 60 فَخَرَجَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي قَوْمهمَا , وَأُلْقِيَ عَلَى الْقِبْط الْمَوْت فَمَاتَ كُلّ بِكْر رَجُل . فَأَصْبَحُوا يَدْفِنُونَهُمْ , فَشَغَلُوا عَنْ طَلَبهمْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْس , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } 26 60 فَكَانَ مُوسَى عَلَى سَاقَة بَنِي إسْرَائِيل , وَكَانَ هَارُونَ أَمَامهمْ يَقْدُمهُمْ . فَقَالَ الْمُؤْمِن لِمُوسَى : يَا نَبِيّ اللَّه , أَيْنَ أُمِرْت ؟ قَالَ : الْبَحْر . فَأَرَادَ أَنْ يَقْتَحِم , فَمَنَعَهُ مُوسَى . وَخَرَجَ مُوسَى فِي سِتّمِائَةِ أَلْف وَعِشْرِينَ أُلْفِ مُقَاتِل , لَا يَعْدُونَ ابْن الْعِشْرِينَ لِصِغَرِهِ وَلَا ابْن السِّتِّينَ لِكِبَرِهِ , وَإِنَّمَا عَدْوًا مَا بَيْن ذَلِكَ سِوَى الذُّرِّيَّة . وَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْن وَعَلَى مُقَدِّمَته هَامَان فِي أَلْف أَلْف وَسَبْعمِائَةِ أَلْف حِصَان لَيْسَ فِيهَا ماذبانه , يَعْنِي الْأُنْثَى ; وَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ إنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَة قَلِيلُونَ } 26 53 : 54 يَعْنِي بَنِي إسْرَائِيل . فَتَقَدَّمَ هَارُونَ , فَضَرَبَ الْبَحْر , فَأَبَى الْبَحْر أَنْ يَنْفَتِح , وَقَالَ : مَنْ هَذَا الْجَبَّار الَّذِي يَضْرِبنِي ؟ حَتَّى أَتَاهُ مُوسَى , فَكَنَّاهُ أَبَا خَالِد وَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ { فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } 26 63 يَقُول : كَالْجَبَلِ الْعَظِيم . فَدَخَلَتْ بَنُو إسْرَائِيل . وَكَانَ فِي الْبَحْر اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا , فِي كُلّ طَرِيق سَبْط , وَكَانَتْ الطُّرُق انْفَلَقَتْ بِجُدْرَانٍ , فَقَالَ كُلّ سَبْط : قَدْ قُتِلَ أَصْحَابنَا ! فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى , دَعَا اللَّه , فَحَمَلَهَا لَهُمْ قَنَاطِر كَهَيْئَةِ الطِّيقَان . فَنَظَرَ آخِرهمْ إلَى أَوَّلهمْ , حَتَّى خَرَجُوا جَمِيعًا . ثُمَّ دَنَا فِرْعَوْن وَأَصْحَابه , فَلَمَّا نَظَرَ فِرْعَوْن إلَى الْبَحْر مُنْفَلِقًا , قَالَ : أَلَا تَرَوْنَ الْبَحْر فَرَقَ مِنِّي قَدْ انْفَتَحَ لِي حَتَّى أَدْرَكَ أَعْدَائِي فَأَقْتُلهُمْ ؟ فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ } 26 64 يَقُول : قَرَّبْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ; يَعْنِي آل فِرْعَوْن . فَلَمَّا قَامَ فِرْعَوْن عَلَى أَفْوَاه الطُّرُق أَبَتْ خَيْله أَنْ تَقْتَحِم , فَنَزَلَ جِبْرِيل عَلَى ماذبانه , فَشَام الْحِصَان رِيح الماذبانه , فَاقْتَحَمَ فِي أَثَرهَا , حَتَّى إذَا هَمَّ أَوَّلهمْ أَنْ يَخْرُج وَدَخَلَ آخِرهمْ , أَمَرَ الْبَحْر أَنْ يَأْخُذهُمْ , فَالْتَطَمَ عَلَيْهِمْ . 766 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْن الْأَرْض إلَى الْبَحْر قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْن : قُولُوا لَهُمْ يَدْخُلُونَ الْبَحْر إنْ كَانُوا صَادِقِينَ . فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَاب مُوسَى , قَالُوا : { إنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } 26 61 : 62 فَقَالَ مُوسَى لِلْبَحْرِ : أَلَسْت تَعْلَم أَنِّي رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : وَتَعْلَم أَنَّ هَؤُلَاءِ عِبَاد مِنْ عِبَاد اللَّه أَمَرَنِي أَنْ آتِي بِهِمْ ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا عَدُوّ اللَّه ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَانْفَرِقْ لِي طَرِيقًا وَلِمَنْ مَعِي . قَالَ : يَا مُوسَى , إنَّمَا أَنَا عَبْد مَمْلُوك لَيْسَ لِي أَمْر إلَّا أَنْ يَأْمُرنِي اللَّه تَعَالَى . فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إلَى الْبَحْر : إذَا ضَرَبَك مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَرِقْ , وَأَوْحَى إلَى مُوسَى أَنْ يَضْرِب الْبَحْر , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } 20 77 وَقَرَأَ قَوْله : { وَاتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا } 44 24 سَهْلًا لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ . فَانْفَرَقَ اثْنَتَيْ عَشْرَة فِرْقَة , فَسَلَكَ كُلّ سَبْط فِي طَرِيق . قَالَ : فَقَالُوا لِفِرْعَوْن : إنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا الْبَحْر . قَالَ : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ , قَالَ : وَجِبْرِيل فِي آخِر بَنِي إسْرَائِيل يَقُول لَهُمْ : لِيَلْحَق آخِركُمْ أَوَّلكُمْ . وَفِي أَوَّل آل فِرْعَوْن , يَقُول لَهُمْ : رُوَيْدًا يَلْحَق آخِركُمْ أَوَّلكُمْ . فَجَعَلَ كُلّ سَبْط فِي الْبَحْر يَقُولُونَ لِلسَّبْطِ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلهمْ : قَدْ هَلَكُوا . فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ قُلُوبهمْ , أَوْحَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إلَى الْبَحْر , فَجَعَلَ لَهُمْ قَنَاطِر يَنْظُر هَؤُلَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ , حَتَّى إذَا خَرَجَ آخَر هَؤُلَاءِ وَدَخَلَ آخِر هَؤُلَاءِ أَمَرَ اللَّه الْبَحْر فَأَطْبَقَ عَلَى هَؤُلَاءِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ تَنْظُرُونَ إلَى فَرْق اللَّه لَكُمْ الْبَحْر وَإِهْلَاكه آل فِرْعَوْن فِي الْمَوْضِع الَّذِي نَجَّاكُمْ فِيهِ , وَإِلَى عَظِيم سُلْطَانه فِي الَّذِي أَرَاكُمْ مِنْ طَاعَة الْبَحْر إيَّاهُ مِنْ مَصِير رُكَامًا فَلَقًا كَهَيْئَةِ الْأَطْوَاد الشَّامِخَة غَيْر زَائِل عَنْ حَدّه , انْقِيَادًا لِأَمْرِ اللَّه وَإِذْعَانًا لِطَاعَتِهِ , وَهُوَ سَائِل ذَائِب قَبْل ذَلِكَ . يُوقِفهُمْ بِذَلِكَ جَلَّ ذِكْره عَلَى مَوْضِع حُجَجه عَلَيْهِمْ , وَيُذَكِّرهُمْ آلَاءَهُ عِنْد أَوَائِلهمْ , وَيُحَذِّرهُمْ فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِفِرْعَوْن وَآله فِي تَكْذِيبهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } كَمَعْنَى قَوْل الْقَائِل : " ضُرِبْت وَأَهْلك يَنْظُرُونَ , فَمَا أَتَوْك وَلَا أَعَانُوك " بِمَعْنَى : وَهُمْ قَرِيب بِمَرْأَى وَمَسْمَع , وَكَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ } 25 45 وَلَيْسَ هُنَاكَ رُؤْيَة , إنَّمَا هُوَ عِلْم . وَاَلَّذِي دَعَاهُ إلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنَّهُ وَجَّهَ قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } : أَيْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى غَرَق فِرْعَوْن . فَقَالَ : قَدْ كَانُوا فِي شُغْل مِنْ أَنْ يَنْظُرُوا مِمَّا اكْتَنَفَهُمْ مِنْ الْبَحْر إلَى فِرْعَوْن وَغَرَقه . وَلَيْسَ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ تَأْوِيل الْكَلَام , إنَّمَا التَّأْوِيل : وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى فَرْق اللَّه الْبَحْر لَكُمْ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا آنِفًا , وَالْتِطَام أَمْوَاج الْبَحْر بِآلِ فِرْعَوْن فِي الْمَوْضِع الَّذِي صِيرَ لَكُمْ فِي الْبَحْر طَرِيقًا يَبَسًا , وَذَلِكَ كَانَ لَا شَكَّ نَظَر عِيَان لَا نَظَر عِلْم كَمَا ظَنَّهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَا قَوْله .
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ وَاعَدْنَا } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ بَعْضهمْ : { وَاعَدْنَا } بِمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَاعَدَ مُوسَى مُلَاقَاة الطُّور لِمُنَاجَاتِهِ , فَكَانَتْ الْمُوَاعَدَة مِنْ اللَّه لِمُوسَى , وَمِنْ مُوسَى لِرَبِّهِ . وَكَانَ مِنْ حُجَّتهمْ عَلَى اخْتِيَارهمْ قِرَاءَة { وَاعَدْنَا } عَلَى " وَعَدْنَا " أَنْ قَالُوا : كُلّ إيعَاد كَانَ بَيْن اثْنَيْنِ لِلِالْتِقَاءِ أَوْ الِاجْتِمَاع , فَكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَوَاعِد صَاحِبه ذَلِكَ , فَلِذَلِكَ زَعَمُوا أَنَّهُ وَجَبَ أَنْ يَقْضِي لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : { وَاعَدْنَا } بِالِاخْتِيَارِ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " وَعَدْنَا " . وَقَرَأَ بَعْضهمْ : " وَعَدْنَا " بِمَعْنَى أَنَّ اللَّه الْوَاعِد مُوسَى , وَالْمُنْفَرِد بِالْوَعْدِ دُونه . وَكَانَ مِنْ حُجَّتهمْ فِي اخْتِيَارهمْ ذَلِكَ , أَنْ قَالُوا : إنَّمَا تَكُون الْمُوَاعَدَة بَيْن الْبَشَر , فَأَمَّا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَإِنَّهُ الْمُنْفَرِد بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد فِي كُلّ خَيْر وَشَرّ . قَالُوا : وَبِذَلِك جَاءَ التَّنْزِيل فِي الْقُرْآن كُلّه , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ } 14 22 وَقَالَ : { وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } 8 7 قَالُوا : فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون هُوَ الْمُنْفَرِد بِالْوَعْدِ فِي قَوْله : " وَإِذْ وَعَدْنَا مُوسَى " . وَالصَّوَاب عِنْدنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ جَاءَتْ بِهِمَا الْأُمَّة وَقَرَأَتْ بِهِمَا الْقُرَّاء , وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَة بِإِحْدَاهُمَا إبْطَال مَعْنَى الْأُخْرَى , وَإِنْ كَانَ فِي إحْدَاهُمَا زِيَادَة مَعْنَى عَلَى الْأُخْرَى مِنْ جِهَة الظَّاهِر وَالتِّلَاوَة . فَأَمَّا مِنْ جِهَة الْمَفْهُوم بِهِمَا فَهُمَا مُتَّفِقَتَانِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ شَخْص أَنَّهُ وَعَدَ غَيْره اللِّقَاء بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِع , فَمَعْلُوم أَنَّ الْمَوْعُود ذَلِكَ وَاعِد صَاحِبه مِنْ لِقَائِهِ بِذَلِكَ الْمَكَان , مِثْل الَّذِي وَعَدَهُ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبه إذَا كَانَ وَعْده مَا وَعَدَهُ إيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ عَنْ اتِّفَاق مِنْهُمَا عَلَيْهِ . وَمَعْلُوم أَنَّ مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ لَمْ يَعِدهُ رَبّه الطُّور إلَّا عَنْ رِضًا مُوسَى بِذَلِكَ , إذْ كَانَ مُوسَى غَيْر مَشْكُوك فِيهِ أَنَّهُ كَانَ بِكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ رَاضِيًا , وَإِلَى مَحَبَّته فِيهِ مُسَارِعًا . وَمَعْقُول أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَعِد مُوسَى ذَلِكَ إلَّا وَمُوسَى إلَيْهِ مُسْتَجِيب . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَانَ وَعَدَ مُوسَى الطُّور , وَوَعَدَهُ مُوسَى اللِّقَاء , وَكَانَ اللَّه عَزَّ ذِكْره لِمُوسَى وَاعِدًا وَمُوَاعِدًا لَهُ الْمُنَاجَاة عَلَى الطُّور , وَكَانَ مُوسَى وَاعِدًا لِرَبِّهِ مُوَاعِدًا لَهُ اللِّقَاء . فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ مِنْ " وَعَدَ " و " وَاعَدَ " قَرَأَ الْقَارِئ , فَهُوَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَة التَّأْوِيل وَاللُّغَة , مُصِيب لِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْعِلَل قَبْل . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْقَائِل : إنَّمَا تَكُون الْمُوَاعَدَة بَيْن الْبَشَر , وَأَنَّ اللَّه بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد مُنْفَرِد فِي كُلّ خَيْر وَشَرّ ; وَذَلِكَ أَنَّ انْفِرَاد اللَّه بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْخَيْر وَالشَّرّ وَالنَّفْع وَالضُّرّ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ دُون سَائِر خَلْقه , لَا يُحِيل الْكَلَام الْجَارِي بَيْن النَّاس فِي اسْتِعْمَالهمْ إيَّاهُ عَنْ وُجُوهه وَلَا يُغَيِّرهُ عَنْ مَعَانِيه . وَالْجَارِي بَيْن النَّاس مِنْ الْكَلَام الْمَفْهُوم مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ كُلّ إيعَاد كَانَ بَيْن اثْنَيْنِ فَهُوَ وَعْد مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه وَمُوَاعَدَة بَيْنهمَا , وَأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا وَاعَدَ صَاحِبه مَوَاعِد , وَأَنَّ الْوَعْد الَّذِي يَكُون بِهِ الِانْفِرَاد مِنْ الْوَاعِد دُون الْمَوْعُود إنَّمَا هُوَ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَعْد الَّذِي هُوَ خِلَاف الْوَعِيد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُوسَى } وَمُوسَى فِيمَا بَلَغَنَا بِالْقِبْطِيَّةِ كَلِمَتَانِ , يَعْنِي بِهِمَا : مَاء وَشَجَر , فمو : هُوَ الْمَاء , وسا : هُوَ الشَّجَر . وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا , لِأَنَّ أُمّه لَمَّا جَعَلَتْهُ فِي التَّابُوت حِين خَافَتْ عَلَيْهِ مِنْ فِرْعَوْن وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ كَمَا أَوْحَى اللَّه إلَيْهَا - وَقِيلَ : إنَّ الْيَمّ الَّذِي أَلْقَتْهُ فِيهِ هُوَ النِّيل - دَفَعَتْهُ أَمْوَاج الْيَمّ , حَتَّى أَدَخَلَتْهُ بَيْن أَشْجَار عِنْد بَيْت فِرْعَوْن , فَخَرَجَ جِوَارِي آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن يَغْتَسِلْنَ , فَوَجَدْنَ التَّابُوت , فَأَخَذْنَهُ , فَسُمِّيَ بِاسْمِ الْمَكَان الَّذِي أُصِيب فِيهِ . وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَان فِيهِ مَاء وَشَجَر , فَقِيلَ : مُوسَى مَاء وَشَجَر . كَذَلِكَ : 767 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , عَنْ أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ . وَهُوَ مُوسَى بْن عِمْرَان بْن يصهر بْن قاهث بْن لاوي بْن يَعْقُوب إسْرَائِيل اللَّه بْن إسْحَاق ذَبِيح اللَّه ابْن إبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه , فِيمَا زَعَمَ ابْن إسْحَاق . 768 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَرْبَعِينَ لَيْلَة } وَمَعْنَى ذَلِكَ { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة } بِتَمَامِهَا , فَالْأَرْبَعُونَ لَيْلَة كُلّهَا دَاخِلَة فِي الْمِيعَاد . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَاهُ : وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى انْقِضَاء أَرْبَعِينَ لَيْلَة أَيْ رَأْس الْأَرْبَعِينَ , وَمِثْل ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَة } 12 82 وَبِقَوْلِهِمْ الْيَوْم أَرْبَعُونَ مُنْذُ خَرَجَ فُلَان , وَالْيَوْم يَوْمَانِ , أَيْ الْيَوْم تَمَام يَوْمَيْنِ وَتَمَام أَرْبَعِينَ . وَذَلِكَ خِلَاف مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل وَخِلَاف ظَاهِر التِّلَاوَة , فَأَمَّا ظَاهِر التِّلَاوَة , فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَاعَدَ مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة , فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إحَالَة ظَاهِر خَبَره إلَى بَاطِن بِغَيْرِ بُرْهَان دَالّ عَلَى صِحَّته . وَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي ذَلِكَ مَا أَنَا ذَاكِره , وَهُوَ مَا : 769 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَوْله : { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة } قَالَ : يَعْنِي ذَا الْقَعَدَة وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّة . وَذَلِكَ حِين خَلَف مُوسَى أَصْحَابه , وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ هَارُونَ , فَمَكَثَ عَلَى الطُّور أَرْبَعِينَ لَيْلَة , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاة فِي الْأَلْوَاح , وَكَانَتْ الْأَلْوَاح مِنْ زَبَرْجَد . فَقَرَّبَهُ الرَّبّ إلَيْهِ نَجِيًّا , وَكَلَّمَهُ , وَسَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يَحْدُث حَدَثًا فِي الْأَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى هَبَطَ مِنْ الطُّور . * وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِنَحْوِهِ . 770 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : وَعَدَ اللَّه مُوسَى حِين أَهْلَكَ فِرْعَوْن وَقَوْمه , وَنَجَّاهُ وَقَوْمه ثَلَاثِينَ لَيْلَة , ثُمَّ أَتَمَّهَا بِعَشْرٍ , فَتَمَّ مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة , تَلَقَّاهُ رَبّه فِيهَا بِمَا شَاءَ . وَاسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَقَالَ : إنِّي مُتَعَجِّل إلَى رَبِّي فَاخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ ! فَخَرَجَ مُوسَى إلَى رَبّه مُتَعَجِّلًا لِلِقَائِهِ شَوْقًا إلَيْهِ , وَأَقَامَ هَارُونَ فِي بَنِي إسْرَائِيل وَمَعَهُ السَّامِرِي يَسِير بِهِمْ عَلَى أَثَر مُوسَى لِيُلْحِقهُمْ بِهِ . 771 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : انْطَلَقَ مُوسَى وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَوَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتَمَّهَا اللَّه بِعَشْرٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل مِنْ بَعْده وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل مِنْ بَعْده } ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ فِي أَيَّام مُوَاعَدَة مُوسَى الْعِجْل إلَهًا مِنْ بَعْد أَنْ فَارَقَكُمْ مُوسَى مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَوْعِد . وَالْهَاء فِي قَوْله " مِنْ بَعْده " عَائِدَة عَلَى ذِكْر مُوسَى . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُخَالِفِينَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل الْمُكَذِّبِينَ بِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة , عَنْ فِعْل آبَائِهِمْ وَأَسْلَافهمْ وَتَكْذِيبهمْ رُسُلهمْ وَخِلَافهمْ أَنْبِيَاءَهُمْ , مَعَ تَتَابُع نِعَمه عَلَيْهِمْ وَسُبُوغ آلَائِه لَدَيْهِمْ , مُعَرِّفهمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مِنْ خِلَافهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبهمْ بِهِ وَجُحُودهمْ لِرِسَالَتِهِ , مَعَ عِلْمهمْ بِصَدْقِهِ عَلَى مِثْل مِنْهَاج آبَائِهِ وَأَسْلَافهمْ , وَمُحَذِّرهمْ مِنْ نُزُول سَطْوَته بِهِمْ بِمَقَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْذِيبهمْ مَا نَزَلَ بِأَوَائِلِهِمْ الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ مِنْ الْمَسْخ وَاللَّعْن وَأَنْوَاع النِّقْمَات . وَكَانَ سَبَب اتِّخَاذهمْ الْعِجْل مَا : 772 - حَدَّثَنِي بِهِ عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار الرَّمَادِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا هَجَمَ فِرْعَوْن عَلَى الْبَحْر هُوَ وَأَصْحَابه , وَكَانَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس أَدْهَم ذُنُوب حِصَان ; فَلَمَّا هَجَمَ عَلَى الْبَحْر هَابَ الْحِصَان أَنَّ يَقْتَحِم فِي الْبَحْر , فَتَمَثَّلَ لَهُ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى وديق , فَلَمَّا رَآهَا الْحِصَان تَقَحَّمَ خَلْفهَا . قَالَ : وَعَرَفَ السَّامِرِي جِبْرِيل لِأَنَّ أُمّه حِين خَافَتْ أَنْ يُذْبَح خَلَّفَتْهُ فِي غَار وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ , فَكَانَ جِبْرِيل يَأْتِيه فَيَغْذُوهُ بِأَصَابِعِهِ , فَيَجِد فِي بَعْض أَصَابِعه لَبَنًا , وَفِي الْأُخْرَى عَسَلًا , وَفِي الْأُخْرَى سَمْنًا . فَلَمْ يَزَلْ يَغْذُوهُ حَتَّى نَشَأَ , فَلَمَّا عَايَنَهُ فِي الْبَحْر عَرَفَهُ , فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَسه . قَالَ : أَخَذَ مِنْ تَحْت الْحَافِر قَبْضَة . قَالَ سُفْيَان : فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقْرَؤُهَا : " فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَس الرَّسُول " . قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : وَأُلْقِيَ فِي رَوْع السَّامِرِيّ أَنَّك لَا تُلْقِيهَا عَلَى شَيْء فَتَقُول كُنْ كَذَا وَكَذَا إلَّا كَانَ . فَلَمْ تَزَلْ الْقَبْضَة مَعَهُ فِي يَده حَتَّى جَاوَزَ الْبَحْر . فَلَمَّا جَاوَزَ مُوسَى وَبَنُو إسْرَائِيل الْبَحْر , وَأَغْرَقَ اللَّه آل فِرْعَوْن , قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ : { اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ } 7 142 وَمَضَى مُوسَى لِمَوْعِدِ رَبّه . قَالَ : وَكَانَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيل حُلِيّ مِنْ حُلِيّ آل فِرْعَوْن قَدْ تعوروه , فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا مِنْهُ , فَأَخْرَجُوهُ لِتَنْزِل النَّار فَتَأْكُلهُ , فَلَمَّا جَمَعُوهُ , قَالَ السَّامِرِيّ بِالْقَبْضَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَده هَكَذَا , فَقَذَفَهَا فِيهِ - وَأَوْمَأَ ابْن إسْحَاق بِيَدِهِ هَكَذَا - وَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ! فَصَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار . وَكَانَ يَدْخُل الرِّيح فِي دُبُره وَيَخْرَج مِنْ فِيهِ يُسْمَع لَهُ صَوْت , فَقَالَ : هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى . فَعَكَفُوا عَلَى الْعِجْل يَعْبُدُونَهُ , فَقَالَ هَارُونَ : { يَا قَوْم إنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِع إلَيْنَا مُوسَى } 20 90 : 91 773 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا أَمَرَ اللَّه مُوسَى أَنْ يَخْرَج بِبَنِي إسْرَائِيل - يَعْنِي مِنْ أَرْض مِصْر - أَمَرَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَخْرُجُوا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَعِيرُوا الْحُلِيّ مِنْ الْقِبْط . فَلَمَّا نَجَّى اللَّه مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ الْبَحْر , وَغَرَّقَ آل فِرْعَوْن , أَتَى جِبْرِيل إلَى مُوسَى يَذْهَب بِهِ إلَى اللَّه , فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَس فَرَآهُ السَّامِرِيّ , فَأَنْكَرَهُ , وَقَالَ : إنَّهُ فَرَس الْحَيَاة . فَقَالَ حِين رَآهُ : إنَّ لِهَذَا لَشَأْنًا . فَأَخَذَ مِنْ تُرْبَة الْحَافِر حَافِر الْفَرَس . فَانْطَلَقَ مُوسَى , وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَوَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَة , وَأَتَمَّهَا اللَّه بِعَشْرٍ . فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : يَا بَنِي إسْرَائِيل ! إنَّ الْغَنِيمَة لَا تَحِلّ لَكُمْ , وَإِنَّ حُلِيّ الْقِبْط إنَّمَا هُوَ غَنِيمَة , فَأَجْمِعُوهَا جَمِيعًا , وَاحْفِرُوا لَهَا حُفْرَة فَادْفِنُوهَا , فَإِنْ جَاءَ مُوسَى فَأَحَلَّهَا أَخَذْتُمُوهَا , وَإِلَّا كَانَ شَيْئًا لَمْ تَأْكُلُوهُ . فَجَمَعُوا ذَلِكَ الْحُلِيّ فِي تِلْكَ الْحُفْرَة , وَجَاءَ السَّامِرِيّ بِتِلْك الْقَبْضَة , فَقَذَفَهَا , فَأَخْرَجَ اللَّه مِنْ الْحُلِيّ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار . وَعُدْت بَنُو إسْرَائِيل مَوْعِد مُوسَى , فَعَدُّوا اللَّيْلَة يَوْمًا وَالْيَوْم يَوْمًا , فَلَمَّا كَانَ تَمَام الْعِشْرِينَ خَرَجَ لَهُمْ الْعِجْل ; فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ لَهُمْ السَّامِرِيّ : { هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ } 20 88 يَقُول : تَرَكَ مُوسَى إلَهه هَهُنَا وَذَهَبَ يَطْلُبهُ . فَعَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ . وَكَانَ يَخُور وَيَمْشِي , فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : يَا بَنِي إسْرَائِيل { إنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ } 20 90 يَقُول : إنَّمَا اُبْتُلِيتُمْ بِهِ - يَقُول : بِالْعِجْلِ - وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن . فَأَقَامَ هَارُونَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل لَا يُقَاتِلُونَهُمْ . وَانْطَلَقَ مُوسَى إلَى إلَهه يُكَلِّمهُ , فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ لَهُ : { وَمَا أَعَجَلك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْت إلَيْك رَبِّي لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمك مِنْ بَعْدك وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيّ } 20 83 : 85 فَأَخْبَرَهُ خَبَرهمْ . قَالَ مُوسَى : يَا رَبّ هَذَا السَّامِرِيّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا الْعِجْل , أَرَأَيْت الرُّوح مَنْ نَفَخَهَا فِيهِ ؟ قَالَ الرَّبّ : أَنَا . قَالَ : رَبّ أَنْتَ إذًا أَضْلَلْتهمْ . 774 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لِي أَنَّ مُوسَى قَالَ لِبَنِي إسْرَائِيل فِيمَا أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ : اسْتَعِيرُوا مِنْهُمْ - يَعْنِي مِنْ آل فِرْعَوْن - الْأَمْتِعَة وَالْحُلِيّ وَالثِّيَاب , فَإِنِّي مُنَفِّلكُمْ أَمْوَالهمْ مَعَ هَلَاكهمْ . فَلَمَّا أَذَّنَ فِرْعَوْن فِي النَّاس , كَانَ مِمَّا يُحَرِّض بِهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل أَنْ قَالَ : حِين سَارَ وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يَخْرُجُوا بِأَنْفُسِهِمْ حَتَّى ذَهَبُوا بِأَمْوَالِكُمْ مَعَهُمْ . 775 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ السَّامِرِيّ رَجُلًا مِنْ أَهْل باجرما , وَكَانَ مِنْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْبَقَر , وَكَانَ حُبّ عِبَادَة الْبَقَر فِي نَفْسه , وَكَانَ قَدْ أَظَهَرَ الْإِسْلَام فِي بَنِي إسْرَائِيل . فَلَمَّا فَضَلَ هَارُونَ فِي بَنِي إسْرَائِيل وَفَصَلَ مُوسَى إلَى رَبّه , قَالَ لَهُمْ هَارُونَ : أَنْتُمْ قَدْ حَمَلْتُمْ أَوْزَارًا مِنْ زِينَة الْقَوْم - آل فِرْعَوْن - وَأَمْتِعَة وَحُلِيًّا , فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا , فَإِنَّهَا نَجَس . وَأَوْقَدَ لَهُمْ نَارًا , فَقَالَ : اقْذِفُوا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا ! قَالُوا : نَعَمْ . فَجَعَلُوا يَأْتُونَ بِمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَمْتِعَة وَذَلِكَ الْحُلِيّ , فَيُقْذَفُونَ بِهِ فِيهَا , حَتَّى إذَا تَكَسَّرَ الْحُلِيّ , فِيهَا وَرَأَى السَّامِرِيّ أَثَر فَرَس جِبْرِيل أَخَذَ تُرَابًا مِنْ أَثَر حَافِره , ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى النَّار فَقَالَ لِهَارُون : يَا نَبِيّ اللَّه أَلْقِي مَا فِي يَدِي ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَلَا يَظُنّ هَارُونَ إلَّا أَنَّهُ كَبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ ذَلِكَ الْحُلِيّ وَالْأَمْتِعَة . فَقَذَفَهُ فِيهَا فَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ! فَكَانَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَة , فَقَالَ : { هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى } 20 88 فَعَكَفُوا عَلَيْهِ , وَأَحَبُّوهُ حُبًّا لَمْ يُحِبُّوا مِثْله شَيْئًا قَطّ . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَنَسِيَ } 20 88 أَيْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَام , يَعْنِي السَّامِرِيّ , { أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِع إلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } 20 89 وَكَانَ اسْم السَّامِرِيّ مُوسَى بْن ظَفَر , وَقَعَ فِي أَرْض مِصْر , فَدَخَلَ فِي بَنِي إسْرَائِيل . فَلَمَّا رَأَى هَارُونَ مَا وَقَعُوا فِيهِ : { قَالَ يَا قَوْم إنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِع إلَيْنَا مُوسَى } 20 90 : 91 فَأَقَامَ هَارُونَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يُفْتَتَن , وَأَقَامَ مَنْ يَعْبُد الْعِجْل عَلَى عِبَادَة الْعِجْل . وَتُخَوَّف هَارُونَ إنْ سَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُول لَهُ مُوسَى : { فَرَّقْت بَيْن بَنِي إسْرَائِيل وَلَمْ تَرْقُب قَوْلِي } 20 94 وَكَانَ لَهُ هَائِبًا مُطِيعًا . 776 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَا أَنْجَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ فِرْعَوْن , وَأَغْرَقَ فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ , قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ : { اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ } 7 142 قَالَ : لَمَّا خَرَجَ مُوسَى وَأَمَرَ هَارُونَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ , وَخَرَجَ مُوسَى مُتَعَجِّلًا مَسْرُورًا إلَى اللَّه . قَدْ عَرَفَ مُوسَى أَنَّ الْمَرْء إذَا نَجَحَ فِي حَاجَة سَيِّده كَانَ يُسْره أَنْ يَتَعَجَّل إلَيْهِ . قَالَ : وَكَانَ حِين خَرَجُوا اسْتَعَارُوا حُلِيًّا وَثِيَابًا مِنْ آل فِرْعَوْن , فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : إنَّ هَذِهِ الثِّيَاب وَالْحُلِيّ لَا تَحِلّ لَكُمْ , فَاجْمَعُوا نَارًا , فَأَلْقَوْهُ فِيهَا فَأَحْرَقُوهُ ! قَالَ : فَجَمَعُوا نَارًا . قَالَ : وَكَانَ السَّامِرِيّ قَدْ نَظَرَ إلَى أَثَر دَابَّة جِبْرِيل , وَكَانَ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى , وَكَانَ السَّامِرِيّ فِي قَوْم مُوسَى . قَالَ : فَنَظَرَ إلَى أَثَره فَقَبَضَ مِنْهُ قَبْضَة , فَيَبِسَتْ عَلَيْهَا يَده ; فَلَمَّا أَلْقَى قَوْم مُوسَى الْحُلِيّ فِي النَّار , وَأَلْقَى السَّامِرِيّ مَعَهُمْ الْقَبْضَة , صَوَّرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ ذَلِكَ لَهُمْ عِجْلًا ذَهَبًا , فَدَخَلَتْهُ الرِّيح , فَكَانَ لَهُ خُوَار , فَقَالُوا : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : السَّامِرِيّ الْخَبِيث : { هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ } . . . الْآيَة , إلَى قَوْله : { حَتَّى يَرْجِع إلَيْنَا مُوسَى } 20 88 : 91 قَالَ : حَتَّى إذَا أَتَى مُوسَى الْمَوْعِد , قَالَ اللَّه : { مَا أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْد } 20 86 777 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل مِنْ بَعْده } قَالَ : الْعِجْل حَسِيل الْبَقَرَة . قَالَ : حُلِيّ اسْتَعَارُوهُ مِنْ آل فِرْعَوْن , فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : أَخَرَجُوهُ فَتَطَهَّرُوا مِنْهُ وَأَحْرَقُوهُ ! وَكَانَ السَّامِرِيّ قَدْ أَخَذَ قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَس جِبْرِيل , فَطَرَحَهُ فِيهِ فَانْسَبَكَ , وَكَانَ لَهُ كَالْجَوْفِ تَهْوِي فِيهِ الرِّيَاح . 778 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ الْعِجْل , لِأَنَّهُمْ عَجَّلُوا فَاِتَّخَذُوهُ قَبْل أَنْ يَأْتِيهِمْ مُوسَى . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِ حَدِيث الْقَاسِم , عَنْ الْحَسَن . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . وَتَأْوِيل قَوْله { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } يَعْنِي وَأَنْتُمْ وَاضِعُو الْعِبَادَة فِي غَيْر مَوْضِعهَا ; لِأَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْبَغِي إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَبَدْتُمْ أَنْتُمْ الْعِجْل ظُلْمًا مِنْكُمْ وَوَضْعًا لِلْعِبَادَةِ فِي غَيْر مَوْضِعهَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِمَّا مَضَى مِنْ كِتَابنَا أَنَّ أَصْل كُلّ ظُلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُوسَى } وَمُوسَى فِيمَا بَلَغَنَا بِالْقِبْطِيَّةِ كَلِمَتَانِ , يَعْنِي بِهِمَا : مَاء وَشَجَر , فمو : هُوَ الْمَاء , وسا : هُوَ الشَّجَر . وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا , لِأَنَّ أُمّه لَمَّا جَعَلَتْهُ فِي التَّابُوت حِين خَافَتْ عَلَيْهِ مِنْ فِرْعَوْن وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ كَمَا أَوْحَى اللَّه إلَيْهَا - وَقِيلَ : إنَّ الْيَمّ الَّذِي أَلْقَتْهُ فِيهِ هُوَ النِّيل - دَفَعَتْهُ أَمْوَاج الْيَمّ , حَتَّى أَدَخَلَتْهُ بَيْن أَشْجَار عِنْد بَيْت فِرْعَوْن , فَخَرَجَ جِوَارِي آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن يَغْتَسِلْنَ , فَوَجَدْنَ التَّابُوت , فَأَخَذْنَهُ , فَسُمِّيَ بِاسْمِ الْمَكَان الَّذِي أُصِيب فِيهِ . وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَان فِيهِ مَاء وَشَجَر , فَقِيلَ : مُوسَى مَاء وَشَجَر . كَذَلِكَ : 767 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , عَنْ أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ . وَهُوَ مُوسَى بْن عِمْرَان بْن يصهر بْن قاهث بْن لاوي بْن يَعْقُوب إسْرَائِيل اللَّه بْن إسْحَاق ذَبِيح اللَّه ابْن إبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه , فِيمَا زَعَمَ ابْن إسْحَاق . 768 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَرْبَعِينَ لَيْلَة } وَمَعْنَى ذَلِكَ { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة } بِتَمَامِهَا , فَالْأَرْبَعُونَ لَيْلَة كُلّهَا دَاخِلَة فِي الْمِيعَاد . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَاهُ : وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى انْقِضَاء أَرْبَعِينَ لَيْلَة أَيْ رَأْس الْأَرْبَعِينَ , وَمِثْل ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَة } 12 82 وَبِقَوْلِهِمْ الْيَوْم أَرْبَعُونَ مُنْذُ خَرَجَ فُلَان , وَالْيَوْم يَوْمَانِ , أَيْ الْيَوْم تَمَام يَوْمَيْنِ وَتَمَام أَرْبَعِينَ . وَذَلِكَ خِلَاف مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل وَخِلَاف ظَاهِر التِّلَاوَة , فَأَمَّا ظَاهِر التِّلَاوَة , فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَاعَدَ مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة , فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إحَالَة ظَاهِر خَبَره إلَى بَاطِن بِغَيْرِ بُرْهَان دَالّ عَلَى صِحَّته . وَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي ذَلِكَ مَا أَنَا ذَاكِره , وَهُوَ مَا : 769 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَوْله : { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة } قَالَ : يَعْنِي ذَا الْقَعَدَة وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّة . وَذَلِكَ حِين خَلَف مُوسَى أَصْحَابه , وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ هَارُونَ , فَمَكَثَ عَلَى الطُّور أَرْبَعِينَ لَيْلَة , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاة فِي الْأَلْوَاح , وَكَانَتْ الْأَلْوَاح مِنْ زَبَرْجَد . فَقَرَّبَهُ الرَّبّ إلَيْهِ نَجِيًّا , وَكَلَّمَهُ , وَسَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يَحْدُث حَدَثًا فِي الْأَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى هَبَطَ مِنْ الطُّور . * وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِنَحْوِهِ . 770 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : وَعَدَ اللَّه مُوسَى حِين أَهْلَكَ فِرْعَوْن وَقَوْمه , وَنَجَّاهُ وَقَوْمه ثَلَاثِينَ لَيْلَة , ثُمَّ أَتَمَّهَا بِعَشْرٍ , فَتَمَّ مِيقَات رَبّه أَرْبَعِينَ لَيْلَة , تَلَقَّاهُ رَبّه فِيهَا بِمَا شَاءَ . وَاسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَقَالَ : إنِّي مُتَعَجِّل إلَى رَبِّي فَاخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ ! فَخَرَجَ مُوسَى إلَى رَبّه مُتَعَجِّلًا لِلِقَائِهِ شَوْقًا إلَيْهِ , وَأَقَامَ هَارُونَ فِي بَنِي إسْرَائِيل وَمَعَهُ السَّامِرِي يَسِير بِهِمْ عَلَى أَثَر مُوسَى لِيُلْحِقهُمْ بِهِ . 771 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : انْطَلَقَ مُوسَى وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَوَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتَمَّهَا اللَّه بِعَشْرٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل مِنْ بَعْده وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل مِنْ بَعْده } ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ فِي أَيَّام مُوَاعَدَة مُوسَى الْعِجْل إلَهًا مِنْ بَعْد أَنْ فَارَقَكُمْ مُوسَى مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَوْعِد . وَالْهَاء فِي قَوْله " مِنْ بَعْده " عَائِدَة عَلَى ذِكْر مُوسَى . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُخَالِفِينَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل الْمُكَذِّبِينَ بِهِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة , عَنْ فِعْل آبَائِهِمْ وَأَسْلَافهمْ وَتَكْذِيبهمْ رُسُلهمْ وَخِلَافهمْ أَنْبِيَاءَهُمْ , مَعَ تَتَابُع نِعَمه عَلَيْهِمْ وَسُبُوغ آلَائِه لَدَيْهِمْ , مُعَرِّفهمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مِنْ خِلَافهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبهمْ بِهِ وَجُحُودهمْ لِرِسَالَتِهِ , مَعَ عِلْمهمْ بِصَدْقِهِ عَلَى مِثْل مِنْهَاج آبَائِهِ وَأَسْلَافهمْ , وَمُحَذِّرهمْ مِنْ نُزُول سَطْوَته بِهِمْ بِمَقَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْذِيبهمْ مَا نَزَلَ بِأَوَائِلِهِمْ الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ مِنْ الْمَسْخ وَاللَّعْن وَأَنْوَاع النِّقْمَات . وَكَانَ سَبَب اتِّخَاذهمْ الْعِجْل مَا : 772 - حَدَّثَنِي بِهِ عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار الرَّمَادِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا هَجَمَ فِرْعَوْن عَلَى الْبَحْر هُوَ وَأَصْحَابه , وَكَانَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس أَدْهَم ذُنُوب حِصَان ; فَلَمَّا هَجَمَ عَلَى الْبَحْر هَابَ الْحِصَان أَنَّ يَقْتَحِم فِي الْبَحْر , فَتَمَثَّلَ لَهُ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى وديق , فَلَمَّا رَآهَا الْحِصَان تَقَحَّمَ خَلْفهَا . قَالَ : وَعَرَفَ السَّامِرِي جِبْرِيل لِأَنَّ أُمّه حِين خَافَتْ أَنْ يُذْبَح خَلَّفَتْهُ فِي غَار وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ , فَكَانَ جِبْرِيل يَأْتِيه فَيَغْذُوهُ بِأَصَابِعِهِ , فَيَجِد فِي بَعْض أَصَابِعه لَبَنًا , وَفِي الْأُخْرَى عَسَلًا , وَفِي الْأُخْرَى سَمْنًا . فَلَمْ يَزَلْ يَغْذُوهُ حَتَّى نَشَأَ , فَلَمَّا عَايَنَهُ فِي الْبَحْر عَرَفَهُ , فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَسه . قَالَ : أَخَذَ مِنْ تَحْت الْحَافِر قَبْضَة . قَالَ سُفْيَان : فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقْرَؤُهَا : " فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَس الرَّسُول " . قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : وَأُلْقِيَ فِي رَوْع السَّامِرِيّ أَنَّك لَا تُلْقِيهَا عَلَى شَيْء فَتَقُول كُنْ كَذَا وَكَذَا إلَّا كَانَ . فَلَمْ تَزَلْ الْقَبْضَة مَعَهُ فِي يَده حَتَّى جَاوَزَ الْبَحْر . فَلَمَّا جَاوَزَ مُوسَى وَبَنُو إسْرَائِيل الْبَحْر , وَأَغْرَقَ اللَّه آل فِرْعَوْن , قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ : { اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ } 7 142 وَمَضَى مُوسَى لِمَوْعِدِ رَبّه . قَالَ : وَكَانَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيل حُلِيّ مِنْ حُلِيّ آل فِرْعَوْن قَدْ تعوروه , فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا مِنْهُ , فَأَخْرَجُوهُ لِتَنْزِل النَّار فَتَأْكُلهُ , فَلَمَّا جَمَعُوهُ , قَالَ السَّامِرِيّ بِالْقَبْضَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَده هَكَذَا , فَقَذَفَهَا فِيهِ - وَأَوْمَأَ ابْن إسْحَاق بِيَدِهِ هَكَذَا - وَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ! فَصَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار . وَكَانَ يَدْخُل الرِّيح فِي دُبُره وَيَخْرَج مِنْ فِيهِ يُسْمَع لَهُ صَوْت , فَقَالَ : هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى . فَعَكَفُوا عَلَى الْعِجْل يَعْبُدُونَهُ , فَقَالَ هَارُونَ : { يَا قَوْم إنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِع إلَيْنَا مُوسَى } 20 90 : 91 773 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا أَمَرَ اللَّه مُوسَى أَنْ يَخْرَج بِبَنِي إسْرَائِيل - يَعْنِي مِنْ أَرْض مِصْر - أَمَرَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَخْرُجُوا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَعِيرُوا الْحُلِيّ مِنْ الْقِبْط . فَلَمَّا نَجَّى اللَّه مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ الْبَحْر , وَغَرَّقَ آل فِرْعَوْن , أَتَى جِبْرِيل إلَى مُوسَى يَذْهَب بِهِ إلَى اللَّه , فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَس فَرَآهُ السَّامِرِيّ , فَأَنْكَرَهُ , وَقَالَ : إنَّهُ فَرَس الْحَيَاة . فَقَالَ حِين رَآهُ : إنَّ لِهَذَا لَشَأْنًا . فَأَخَذَ مِنْ تُرْبَة الْحَافِر حَافِر الْفَرَس . فَانْطَلَقَ مُوسَى , وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَوَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَة , وَأَتَمَّهَا اللَّه بِعَشْرٍ . فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : يَا بَنِي إسْرَائِيل ! إنَّ الْغَنِيمَة لَا تَحِلّ لَكُمْ , وَإِنَّ حُلِيّ الْقِبْط إنَّمَا هُوَ غَنِيمَة , فَأَجْمِعُوهَا جَمِيعًا , وَاحْفِرُوا لَهَا حُفْرَة فَادْفِنُوهَا , فَإِنْ جَاءَ مُوسَى فَأَحَلَّهَا أَخَذْتُمُوهَا , وَإِلَّا كَانَ شَيْئًا لَمْ تَأْكُلُوهُ . فَجَمَعُوا ذَلِكَ الْحُلِيّ فِي تِلْكَ الْحُفْرَة , وَجَاءَ السَّامِرِيّ بِتِلْك الْقَبْضَة , فَقَذَفَهَا , فَأَخْرَجَ اللَّه مِنْ الْحُلِيّ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار . وَعُدْت بَنُو إسْرَائِيل مَوْعِد مُوسَى , فَعَدُّوا اللَّيْلَة يَوْمًا وَالْيَوْم يَوْمًا , فَلَمَّا كَانَ تَمَام الْعِشْرِينَ خَرَجَ لَهُمْ الْعِجْل ; فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ لَهُمْ السَّامِرِيّ : { هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ } 20 88 يَقُول : تَرَكَ مُوسَى إلَهه هَهُنَا وَذَهَبَ يَطْلُبهُ . فَعَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ . وَكَانَ يَخُور وَيَمْشِي , فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : يَا بَنِي إسْرَائِيل { إنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ } 20 90 يَقُول : إنَّمَا اُبْتُلِيتُمْ بِهِ - يَقُول : بِالْعِجْلِ - وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن . فَأَقَامَ هَارُونَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل لَا يُقَاتِلُونَهُمْ . وَانْطَلَقَ مُوسَى إلَى إلَهه يُكَلِّمهُ , فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ لَهُ : { وَمَا أَعَجَلك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْت إلَيْك رَبِّي لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمك مِنْ بَعْدك وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيّ } 20 83 : 85 فَأَخْبَرَهُ خَبَرهمْ . قَالَ مُوسَى : يَا رَبّ هَذَا السَّامِرِيّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا الْعِجْل , أَرَأَيْت الرُّوح مَنْ نَفَخَهَا فِيهِ ؟ قَالَ الرَّبّ : أَنَا . قَالَ : رَبّ أَنْتَ إذًا أَضْلَلْتهمْ . 774 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لِي أَنَّ مُوسَى قَالَ لِبَنِي إسْرَائِيل فِيمَا أَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ : اسْتَعِيرُوا مِنْهُمْ - يَعْنِي مِنْ آل فِرْعَوْن - الْأَمْتِعَة وَالْحُلِيّ وَالثِّيَاب , فَإِنِّي مُنَفِّلكُمْ أَمْوَالهمْ مَعَ هَلَاكهمْ . فَلَمَّا أَذَّنَ فِرْعَوْن فِي النَّاس , كَانَ مِمَّا يُحَرِّض بِهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل أَنْ قَالَ : حِين سَارَ وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يَخْرُجُوا بِأَنْفُسِهِمْ حَتَّى ذَهَبُوا بِأَمْوَالِكُمْ مَعَهُمْ . 775 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ السَّامِرِيّ رَجُلًا مِنْ أَهْل باجرما , وَكَانَ مِنْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْبَقَر , وَكَانَ حُبّ عِبَادَة الْبَقَر فِي نَفْسه , وَكَانَ قَدْ أَظَهَرَ الْإِسْلَام فِي بَنِي إسْرَائِيل . فَلَمَّا فَضَلَ هَارُونَ فِي بَنِي إسْرَائِيل وَفَصَلَ مُوسَى إلَى رَبّه , قَالَ لَهُمْ هَارُونَ : أَنْتُمْ قَدْ حَمَلْتُمْ أَوْزَارًا مِنْ زِينَة الْقَوْم - آل فِرْعَوْن - وَأَمْتِعَة وَحُلِيًّا , فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا , فَإِنَّهَا نَجَس . وَأَوْقَدَ لَهُمْ نَارًا , فَقَالَ : اقْذِفُوا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا ! قَالُوا : نَعَمْ . فَجَعَلُوا يَأْتُونَ بِمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَمْتِعَة وَذَلِكَ الْحُلِيّ , فَيُقْذَفُونَ بِهِ فِيهَا , حَتَّى إذَا تَكَسَّرَ الْحُلِيّ , فِيهَا وَرَأَى السَّامِرِيّ أَثَر فَرَس جِبْرِيل أَخَذَ تُرَابًا مِنْ أَثَر حَافِره , ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى النَّار فَقَالَ لِهَارُون : يَا نَبِيّ اللَّه أَلْقِي مَا فِي يَدِي ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَلَا يَظُنّ هَارُونَ إلَّا أَنَّهُ كَبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ ذَلِكَ الْحُلِيّ وَالْأَمْتِعَة . فَقَذَفَهُ فِيهَا فَقَالَ : كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار ! فَكَانَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَة , فَقَالَ : { هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى } 20 88 فَعَكَفُوا عَلَيْهِ , وَأَحَبُّوهُ حُبًّا لَمْ يُحِبُّوا مِثْله شَيْئًا قَطّ . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَنَسِيَ } 20 88 أَيْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَام , يَعْنِي السَّامِرِيّ , { أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِع إلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } 20 89 وَكَانَ اسْم السَّامِرِيّ مُوسَى بْن ظَفَر , وَقَعَ فِي أَرْض مِصْر , فَدَخَلَ فِي بَنِي إسْرَائِيل . فَلَمَّا رَأَى هَارُونَ مَا وَقَعُوا فِيهِ : { قَالَ يَا قَوْم إنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِع إلَيْنَا مُوسَى } 20 90 : 91 فَأَقَامَ هَارُونَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يُفْتَتَن , وَأَقَامَ مَنْ يَعْبُد الْعِجْل عَلَى عِبَادَة الْعِجْل . وَتُخَوَّف هَارُونَ إنْ سَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُول لَهُ مُوسَى : { فَرَّقْت بَيْن بَنِي إسْرَائِيل وَلَمْ تَرْقُب قَوْلِي } 20 94 وَكَانَ لَهُ هَائِبًا مُطِيعًا . 776 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَا أَنْجَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ فِرْعَوْن , وَأَغْرَقَ فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ , قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ : { اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ } 7 142 قَالَ : لَمَّا خَرَجَ مُوسَى وَأَمَرَ هَارُونَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ , وَخَرَجَ مُوسَى مُتَعَجِّلًا مَسْرُورًا إلَى اللَّه . قَدْ عَرَفَ مُوسَى أَنَّ الْمَرْء إذَا نَجَحَ فِي حَاجَة سَيِّده كَانَ يُسْره أَنْ يَتَعَجَّل إلَيْهِ . قَالَ : وَكَانَ حِين خَرَجُوا اسْتَعَارُوا حُلِيًّا وَثِيَابًا مِنْ آل فِرْعَوْن , فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : إنَّ هَذِهِ الثِّيَاب وَالْحُلِيّ لَا تَحِلّ لَكُمْ , فَاجْمَعُوا نَارًا , فَأَلْقَوْهُ فِيهَا فَأَحْرَقُوهُ ! قَالَ : فَجَمَعُوا نَارًا . قَالَ : وَكَانَ السَّامِرِيّ قَدْ نَظَرَ إلَى أَثَر دَابَّة جِبْرِيل , وَكَانَ جِبْرِيل عَلَى فَرَس أُنْثَى , وَكَانَ السَّامِرِيّ فِي قَوْم مُوسَى . قَالَ : فَنَظَرَ إلَى أَثَره فَقَبَضَ مِنْهُ قَبْضَة , فَيَبِسَتْ عَلَيْهَا يَده ; فَلَمَّا أَلْقَى قَوْم مُوسَى الْحُلِيّ فِي النَّار , وَأَلْقَى السَّامِرِيّ مَعَهُمْ الْقَبْضَة , صَوَّرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ ذَلِكَ لَهُمْ عِجْلًا ذَهَبًا , فَدَخَلَتْهُ الرِّيح , فَكَانَ لَهُ خُوَار , فَقَالُوا : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : السَّامِرِيّ الْخَبِيث : { هَذَا إلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَنَسِيَ } . . . الْآيَة , إلَى قَوْله : { حَتَّى يَرْجِع إلَيْنَا مُوسَى } 20 88 : 91 قَالَ : حَتَّى إذَا أَتَى مُوسَى الْمَوْعِد , قَالَ اللَّه : { مَا أَعْجَلَك عَنْ قَوْمك يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْد } 20 86 777 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل مِنْ بَعْده } قَالَ : الْعِجْل حَسِيل الْبَقَرَة . قَالَ : حُلِيّ اسْتَعَارُوهُ مِنْ آل فِرْعَوْن , فَقَالَ لَهُمْ هَارُونَ : أَخَرَجُوهُ فَتَطَهَّرُوا مِنْهُ وَأَحْرَقُوهُ ! وَكَانَ السَّامِرِيّ قَدْ أَخَذَ قَبْضَة مِنْ أَثَر فَرَس جِبْرِيل , فَطَرَحَهُ فِيهِ فَانْسَبَكَ , وَكَانَ لَهُ كَالْجَوْفِ تَهْوِي فِيهِ الرِّيَاح . 778 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ الْعِجْل , لِأَنَّهُمْ عَجَّلُوا فَاِتَّخَذُوهُ قَبْل أَنْ يَأْتِيهِمْ مُوسَى . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِ حَدِيث الْقَاسِم , عَنْ الْحَسَن . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . وَتَأْوِيل قَوْله { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } يَعْنِي وَأَنْتُمْ وَاضِعُو الْعِبَادَة فِي غَيْر مَوْضِعهَا ; لِأَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْبَغِي إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَبَدْتُمْ أَنْتُمْ الْعِجْل ظُلْمًا مِنْكُمْ وَوَضْعًا لِلْعِبَادَةِ فِي غَيْر مَوْضِعهَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِمَّا مَضَى مِنْ كِتَابنَا أَنَّ أَصْل كُلّ ظُلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } يَقُول : تَرَكْنَا مُعَاجَلَتكُمْ بِالْعُقُوبَةِ مِنْ بَعْد ذَلِكَ , أَيْ مِنْ بَعْد اتِّخَاذكُمْ الْعِجْل إلَهًا . كَمَا : 779 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } يَعْنِي مِنْ بَعْد مَا اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : لِتَشْكُرُوا . وَمَعْنَى " لَعَلَّ " فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى " كَيْ " , وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ أَحَد مَعَانِي " لَعَلَّ " " كَيْ " بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَمَعْنَى الْكَلَام إذَا : ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْد اتِّخَاذكُمْ الْعِجْل إلَهًا لِتَشْكُرُونِي عَلَى عَفْوِي عَنْكُمْ , إذْ كَانَ الْعَفْو يُوجِب الشُّكْر عَلَى أَهْل اللُّبّ وَالْعَقْل . الْقَوْل فِي
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : لِتَشْكُرُوا . وَمَعْنَى " لَعَلَّ " فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى " كَيْ " , وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ أَحَد مَعَانِي " لَعَلَّ " " كَيْ " بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَمَعْنَى الْكَلَام إذَا : ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْد اتِّخَاذكُمْ الْعِجْل إلَهًا لِتَشْكُرُونِي عَلَى عَفْوِي عَنْكُمْ , إذْ كَانَ الْعَفْو يُوجِب الشُّكْر عَلَى أَهْل اللُّبّ وَالْعَقْل . الْقَوْل فِي
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَالْفُرْقَان } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب } وَاذْكُرُوا أَيْضًا إذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَالْفُرْقَان . وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة , وَبِالْفُرْقَانِ : الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . كَمَا : 780 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَالْفُرْقَان } قَالَ : فَرَقَّ بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . 781 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَالْفُرْقَان } قَالَ : الْكِتَاب : هُوَ الْفُرْقَان , فُرْقَان بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَا : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَالْفُرْقَان } قَالَ : الْكِتَاب : هُوَ الْفُرْقَان , فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . 782 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : وَقَالَ ابْن عَبَّاس : الْفُرْقَان : جِمَاع اسْم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفُرْقَان . وَقَالَ ابْن زَيْد فِي ذَلِكَ بِمَا : 783 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْته , يَعْنِي ابْن زَيْد , عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَالْفُرْقَان } فَقَالَ : أَمَّا الْفُرْقَان الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { يَوْم الْفُرْقَان يَوْم الْتَقَى الْجَمْعَانِ } 8 41 فَذَلِكَ يَوْم بَدْر , يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَالْقَضَاء الَّذِي فَرَّقَ بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . قَالَ : فَكَذَلِكَ أَعْطَى اللَّه مُوسَى الْفُرْقَان , فَرَّقَ اللَّه بَيْنهمْ , وَسَلَّمَهُ اللَّه وَأَنْجَاهُ فَرَّقَ بَيْنهمْ بِالنَّصْرِ , فَكَمَا جَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بَيْن مُحَمَّد وَالْمُشْرِكِينَ , فَكَذَلِكَ جَعَلَهُ بَيْن مُوسَى وَفِرْعَوْن . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَمُجَاهِد , مِنْ أَنَّ الْفُرْقَان الَّذِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ آتَاهُ مُوسَى فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ الْكِتَاب الَّذِي فَرَّقَ بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَهُوَ نَعْت لِلتَّوْرَاةِ وَصِفَة لَهَا . فَيَكُون تَأْوِيل الْآيَة حِينَئِذٍ : وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة الَّتِي كَتَبْنَاهَا لَهُ فِي الْأَلْوَاح , وَفَرَّقْنَا بِهَا بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . فَيَكُون الْكِتَاب نَعْتًا لِلتَّوْرَاةِ أُقِيمَ مَقَامهَا اسْتِغْنَاء بِهِ عَنْ ذِكْر التَّوْرَاة , ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالْفُرْقَانِ , إذْ كَانَ مِنْ نَعْتهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْكِتَاب فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوب . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى بِالْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا غَيْره مِنْ التَّأْوِيل , لِأَنَّ الَّذِي قَبْله ذِكْر الْكِتَاب , وَأَنَّ مَعْنَى الْفُرْقَان الْفَصْل , وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَإِلْحَاقه إذْ كَانَ كَذَلِكَ بِصِفَةٍ مَا وَلِيَهُ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقه بِصِفَةِ مَا بَعْد مِنْهُ .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } فَنَظِير تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَمَعْنَاهُ لِتَهْتَدُوا . وَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاذْكُرُوا أَيْضًا إذْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة الَّتِي تُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل لِتَهْتَدُوا بِهَا وَتَتَّبِعُوا الْحَقّ الَّذِي فِيهَا لِأَنِّي جَعَلْتهَا كَذَلِكَ هُدًى لِمَنْ اهْتَدَى بِهَا وَاتَّبَعَ مَا فِيهَا .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } فَنَظِير تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَمَعْنَاهُ لِتَهْتَدُوا . وَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاذْكُرُوا أَيْضًا إذْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة الَّتِي تُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل لِتَهْتَدُوا بِهَا وَتَتَّبِعُوا الْحَقّ الَّذِي فِيهَا لِأَنِّي جَعَلْتهَا كَذَلِكَ هُدًى لِمَنْ اهْتَدَى بِهَا وَاتَّبَعَ مَا فِيهَا .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ } تَأْوِيل ذَلِكَ اُذْكُرُوا أَيْضًا إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل : يَا قَوْم إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ . وَظُلْمهمْ إيَّاهَا كَانَ فِعْلهمْ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِهَا مِمَّا أَوَجَبَ لَهُمْ الْعُقُوبَة مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَكَذَلِكَ كُلّ فَاعِلٍ فِعْلًا يَسْتَوْجِب بِهِ الْعُقُوبَة مِنْ اللَّه تَعَالَى فَهُوَ ظَالِم لِنَفْسِهِ بِإِيجَابِهِ الْعُقُوبَة لَهَا مِنْ اللَّه تَعَالَى . وَكَانَ الْفِعْل الَّذِي فَعَلُوهُ فَظَلَمُوا بِهِ أَنْفُسهمْ , هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ ارْتِدَادهمْ بِاِتِّخَاذِهِمْ الْعِجْل رَبًّا بَعْد فِرَاق مُوسَى إيَّاهُمْ , ثُمَّ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْ ذَنْبهمْ وَالْإِنَابَة إلَى اللَّه مِنْ رِدَّتهمْ بِالتَّوْبَةِ إلَيْهِ , وَالتَّسْلِيم لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ تَوْبَتهمْ مِنْ الذَّنْب الَّذِي رَكَبُوهُ قَتْلهمْ أَنْفُسهمْ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى التَّوْبَة : الْأَوْبَة مِمَّا يَكْرَههُ اللَّه إلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَته . فَاسْتَجَابَ الْقَوْم لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ التَّوْبَة مِمَّا رَكَبُوا مِنْ ذُنُوبهمْ إلَى رَبّهمْ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ . كَمَا : 784 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ . حَدَّثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } قَالَ : عَمِدُوا إلَى الْخَنَاجِر , فَجَعَلَ يَطْعَن بَعْضهمْ بَعْضًا . 785 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , أَخْبَرَ فِي الْقَاسِم بْن أَبِي بزة أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهَدًا قَالَا : قَامَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض بِالْخَنَاجِرِ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا لَا يَحِنّ رَجُل عَلَى رَجُل قَرِيب وَلَا بِعِيدٍ , حَتَّى أَلْوَى مُوسَى بِثَوْبِهِ , فَطَرَحُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ , فَتَكَشَّفَ عَنْ سَبْعِينَ أَلْف قَتِيل , وَإِنَّ اللَّه أَوْحَى إلَى مُوسَى أَنَّ حَسْبِي قَدْ اكْتَفَيْت , فَذَلِكَ حِين أَلْوَى بِثَوْبِهِ . 786 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عَيْنَة , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ : { تُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } قَالَ : أَمَرَ مُوسَى قَوْمه عَنْ أَمْر رَبّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسهمْ , قَالَ : فَاحْتَبَى الَّذِينَ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْل فَجَلَسُوا , وَقَامَ الَّذِينَ لَمْ يَعْكُفُوا عَلَى الْعِجْل وَأَخَذُوا الْخَنَاجِر بِأَيْدِيهِمْ وَأَصَابَتْهُمْ ظُلْمَة شَدِيدَة , فَجَعَلَ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . فَانْجَلَتْ الظُّلْمَة عَنْهُمْ , وَقَدْ أَجْلَوْا عَنْ سَبْعِينَ أَلْف قَتِيل , كُلّ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُ تَوْبَة , وَكُلّ مَنْ بَقِيَ كَانَتْ لَهُ تَوْبَة . 787 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه { قَالَ يَا قَوْم أَلَمْ يَعِدكُمْ رَبّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } إلَى قَوْله : { فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيّ } 20 86 : 87 { وَأَلْقَى } مُوسَى { الْأَلْوَاح وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرّهُ إلَيْهِ } { قَالَ يَا ابْن أُمّ لَا تَأْخُذ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيت أَنْ تَقُول فَرَّقْت بَيْن بَنِي إسْرَائِيل وَلَمْ تَرْقُب قَوْلِي } 20 94 فَتَرَك هَارُونَ وَمَال إلَى السَّامِرِيّ , ف { قَالَ مَا خَطْبك يَا سَامِرِيّ } إلَى قَوْله : { ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمّ نَسْفًا } 20 95 : 97 ثُمَّ أَخَذَهُ فَذَبَحَهُ , ثُمَّ حَرَّقَهُ بِالْمِبْرَدِ , ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الْيَمّ , فَلَمْ يَبْقَ بَحْر يَجْرِي يَوْمئِذٍ إلَّا وَقَعَ فِيهِ شَيْء مِنْهُ . ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مُوسَى : اشْرَبُوا مِنْهُ ! فَشَرِبُوا , فَمَنْ كَانَ يُحِبّهُ خَرَجَ عَلَى شَارِبِيهِ الذَّهَب , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل بِكُفْرِهِمْ } 2 93 . فَلَمَّا سَقَطَ فِي أَيْدِي بَنِي إسْرَائِيل حِين جَاءَ مُوسَى , { وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمنَا رَبّنَا وَيَغْفِر لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } 7 149 فَأَبَى اللَّه أَنْ يَقْبَل تَوْبَة بَنِي إسْرَائِيل إلَّا بِالْحَالِ الَّتِي كَرِهُوا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ حِين عَبَدُوا الْعِجْل , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : { يَا قَوْم إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِاِتِّخَاذِكُمْ الْعِجْل فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } قَالَ : فَصُفُّوا صَفَّيْنِ ثُمَّ اجْتَلَدُوا بِالسُّيُوفِ . فَاجْتَلَدَ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوهُ بِالسُّيُوفِ , فَكَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ شَهِيدًا , حَتَّى كَثُرَ الْقَتْل حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا حَتَّى قُتِلَ بَيْنهمْ سَبْعُونَ أَلْفًا , وَحَتَّى دَعَا مُوسَى وَهَارُونَ : رَبّنَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيل , رَبّنَا الْبَقِيَّة الْبَقِيَّة ! فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضَعُوا السِّلَاح , وَتَابَ عَلَيْهِمْ . فَكَانَ مَنْ قُتِلَ شَهِيدًا , وَمَنْ يَقِي كَانَ مُكَفَّرًا عَنْهُ . فَذَلِكَ قَوْله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } 788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { بِاِتِّخَاذِكُمْ الْعِجْل } قَالَ : كَانَ مُوسَى أَمَرَ قَوْمه - عَنْ أَمْر رَبّه - أَنْ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا بِالْخَنَاجِرِ , فَجَعَلَ الرَّجُل يَقْتُل أَبَاهُ وَيَقْتُل وَلَده , فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ . 789 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ } الْآيَة . قَالَ : فَصَارُوا صَفَّيْنِ , فَجَعَلَ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا , فَبَلَغَ الْقَتْلَى مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ : قَدْ تِيبَ عَلَى الْقَاتِل وَالْمَقْتُول . 790 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْث , قَالَ : حَدَّثَني عُقَيْل , عَنْ ابْنِ شِهَاب , قال : لَمَّا أُمِرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل بِقَتْل أَنْفُسِهَا بَرَزُوا وَمَعَهُمْ مُوسَى , فَتَضَارَبُوا بِالسُّيُوفِ , وَتَطَاعَنُوا بِالْخَنَاجِرِ , وَمُوسَى رَافِع يَدَيْهِ . حَتَّى إذَا فَتَرَ أَتَاهُ بَعْضهمْ قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه اُدْعُ اللَّه لَنَا ! وَأَخَذُوا بِعَضُدَيْهِ يَشُدُّونَ يَدَيْهِ , فَلَمْ يَزَلْ أَمْرهمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إذَا قَبِلَ اللَّه تَوْبَتهمْ قَبَضَ أَيْدِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , فَأَلْقَوْا السِّلَاح . وَحَزِنَ مُوسَى وَبَنُو إسْرَائِيل لِلَّذِي كَانَ مِنْ الْقَتْل فِيهِمْ , فَأَوْحَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى مُوسَى : لَا يَحْزُنك , أَمَّا مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَحَيّ عِنْدِي يُرْزَق , وَأَمَّا مَنْ بَقِيَ فَقَدْ قَبِلْت تَوْبَته . فَسُرّ بِذَلِكَ مُوسَى وَبَنُو إسْرَائِيل . 791 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَةُ فِي قَوْله : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } قَالَ : قَامُوا صَفَّيْنِ فَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا حَتَّى قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا . قَالَ قَتَادَةَ : كَانَتْ شَهَادَة لِلْمَقْتُولِ وَتَوْبَة لِلْحَيِّ . 792 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء : سَمِعْت عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : قَامَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا , مَا يَتَوَقَّى الرَّجُل أَخَاهُ وَلَا أَبَاهُ وَلَا ابْنه وَلَا أَحَدًا حَتَّى نَزَلَتْ التَّوْبَة . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , وَقَالَ ابْن عَبَّاس : بَلَغَ قَتْلَاهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا , ثُمَّ رَفَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ الْقَتْل , وَتَابَ عَلَيْهِمْ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَامُوا صَفَّيْنِ , فَاقْتَتَلُوا بَيْنهمْ , فَجَعَلَ اللَّه الْقَتْل لِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهَادَة , وَكَانَتْ تَوْبَة لِمَنْ بَقِيَ . وَكَانَ قَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا أَنَّ اللَّه عَلِمَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْعِجْل بَاطِل فَلَمْ يَمْنَعهُمْ أَنْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ إلَّا مَخَافَة الْقِتَال , فَلِذَلِكَ أَمَرَ أَنَّ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . 793 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه , وَأَحْرَقَ الْعِجْل وَذَرَّاهُ فِي الْيَمّ ; خَرَجَ إلَى رَبّه بِمَنْ اخْتَارَ مِنْ قَوْمه , فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة , ثُمَّ بُعِثُوا . سَأَلَ مُوسَى رَبّه التَّوْبَة لِبَنِي إسْرَائِيل مِنْ عِبَادَة الْعِجْل , فَقَالَ : لَا , إلَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسهمْ . قَالَ : فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى : نَصْبِر لِأَمْرِ اللَّه , فَأَمَرَ مُوسَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَبَدَ الْعِجْل أَنْ يَقْتُل مَنْ عَبْده , فَجَلَسُوا بِالْأَفْنِيَةِ وَأَصْلَتْ عَلَيْهِمْ الْقَوْم السُّيُوف , فَحَمَلُوا يَقْتُلُونَهُمْ , وَبَكَى مُوسَى وَبَهَشَ إلَيْهِ النِّسَاء وَالصِّبْيَان يَطْلُبُونَ الْعَفْو عَنْهُمْ , فَتَابَ عَلَيْهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ , وَأَمَرَ مُوسَى أَنْ تُرْفَع عَنْهُمْ السُّيُوف . 794 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : مَال ابْن زَيْد : لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه , وَكَانُوا سَبْعُونَ رَجُلًا قَدْ اعْتَزَلُوا مَعَ هَارُونَ الْعِجْل لَمْ يَعْبُدُوهُ . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : انْطَلِقُوا إلَى مَوْعِد رَبّكُمْ , فَقَالُوا : يَا مُوسَى أَمَّا مِنْ تَوْبَة ؟ قَالَ : بَلَى { فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } الْآيَة . . . . فَاخْتَرَطُوا السُّيُوف والجرزة وَالْخَنَاجِر وَالسَّكَاكِين . قَالَ : وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ ضَبَابَة , قَالَ : فَجَعَلُوا يَتَلَامَسُونَ بِالْأَيْدِي , وَيَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . قَالَ : وَيَلْقَى الرَّجُل أَبَاهُ وَأَخَاهُ فَيَقْتُلهُ وَلَا يَدْرِي , وَيَتَنَادَوْنَ فِيهَا : رَحِمَ اللَّه عَبْدًا صَبَرَ حَتَّى يَبْلُغ اللَّه رِضَاهُ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَآتَيْنَاهُمْ مِنْ الْآيَات مَا فِيهِ بَلَاء مُبِين } 44 33 قَالَ : فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاء , وَتِيبَ عَلَى أَحْيَائِهِمْ . وَقَرَأَ : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } . فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ الْأَخْبَار الَّتِي رَوَيْنَاهَا كَانَ تَوْبَة الْقَوْم مِنْ الذَّنْب الَّذِي أَتَوْهُ فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن رَبّهمْ بِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل مَعَ نَدَمهمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : ارْجِعُوا إلَى طَاعَة خَالِقكُمْ وَإِلَى مَا يُرْضِيه عَنْكُمْ . كَمَا : 795 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ } أَيْ إلَى خَالِقكُمْ . وَهُوَ مَنْ بَرَأَ اللَّه الْخَلْق يَبْرَؤُهُ فَهُوَ بَارِئ . وَالْبَرِيَّة : الْخَلْق , وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة , غَيْر أَنَّهَا لَا تَهْمِز كَمَا لَا يَهْمِز مَلَك , وَهُوَ مِنْ " ل ء ك " , لَكِنَّهُ جَرَى بِتَرْكِ الْهَمْزَة , كَذَلِكَ قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : إلَّا سُلَيْمَان إذْ قَالَ الْمَلِيك لَهُ قُمْ فِي الْبَرِيَّة فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَد وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْبَرِيَّة إنَّمَا لَمْ تُهْمَز لِأَنَّهَا فَعِيلَة مِنْ الْبَرَى , وَالْبَرَى : التُّرَاب . فَكَأَنَّ تَأْوِيله عَلَى قَوْل مَنْ تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ أَنَّهُ مَخْلُوق مِنْ التُّرَاب . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا أُخِذَتْ الْبَرِيَّة مِنْ قَوْلك بَرَيْت الْعُود , فَلِذَلِكَ لَمْ يُهْمَز . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَرْك الْهَمْز مِنْ بَارِئِكُمْ جَائِز , وَالْإِبْدَال مِنْهَا جَائِز , فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي بَارِيكُمْ فَغَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ تَكُون الْبَرِيَّة مِنْ بَرَى اللَّه الْخَلْق بِتَرْكِ الْهَمْزَة .
وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ تَوْبَتكُمْ بِقَتْلِكُمْ أَنْفُسكُمْ وَطَاعَتكُمْ رَبّكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ ; لِأَنَّكُمْ تَنْجُونَ بِذَلِكَ مِنْ عِقَاب اللَّه فِي الْآخِرَة عَلَى ذَنْبكُمْ , وَتَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الثَّوَاب مِنْهُ .
وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أَيْ بِمَا فَعَلْتُمْ مِمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ مَنْ قَتَلَ بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَهَذَا مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي اُسْتُغْنِيَ بِالظَّاهِرِ مِنْهُ عَنْ الْمَتْرُوك , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ , فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ , ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ , فَتُبْتُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ . فَتَرَك ذِكْر قَوْله " فَتُبْتُمْ " إذْ كَانَ فِي قَوْله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } دَلَالَة بَيِّنَة عَلَى اقْتِضَاء الْكَلَام فَتُبْتُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } رَجَعَ لَكُمْ وَبِكُمْ إلَى مَا أَحْبَبْتُمْ مِنْ الْعَفْو عَنْ ذُنُوبكُمْ , وَعَظِيم مَا رَكَبْتُمْ , وَالصَّفْح عَنْ جُرْمكُمْ .
{ إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } يَعْنِي الرَّاجِع لِمَنْ أَنَابَ إلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إلَى مَا يُحِبّ مِنْ الْعَفْو عَنْهُ . وَيَعْنِي بِالرَّحِيمِ : الْعَائِد إلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ الْمُنْجِيَة مِنْ عُقُوبَته .
وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ تَوْبَتكُمْ بِقَتْلِكُمْ أَنْفُسكُمْ وَطَاعَتكُمْ رَبّكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ ; لِأَنَّكُمْ تَنْجُونَ بِذَلِكَ مِنْ عِقَاب اللَّه فِي الْآخِرَة عَلَى ذَنْبكُمْ , وَتَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الثَّوَاب مِنْهُ .
وَقَوْله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أَيْ بِمَا فَعَلْتُمْ مِمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ مَنْ قَتَلَ بَعْضكُمْ بَعْضًا . وَهَذَا مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي اُسْتُغْنِيَ بِالظَّاهِرِ مِنْهُ عَنْ الْمَتْرُوك , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ , فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ , ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ , فَتُبْتُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ . فَتَرَك ذِكْر قَوْله " فَتُبْتُمْ " إذْ كَانَ فِي قَوْله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } دَلَالَة بَيِّنَة عَلَى اقْتِضَاء الْكَلَام فَتُبْتُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } رَجَعَ لَكُمْ وَبِكُمْ إلَى مَا أَحْبَبْتُمْ مِنْ الْعَفْو عَنْ ذُنُوبكُمْ , وَعَظِيم مَا رَكَبْتُمْ , وَالصَّفْح عَنْ جُرْمكُمْ .
{ إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيم } يَعْنِي الرَّاجِع لِمَنْ أَنَابَ إلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إلَى مَا يُحِبّ مِنْ الْعَفْو عَنْهُ . وَيَعْنِي بِالرَّحِيمِ : الْعَائِد إلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ الْمُنْجِيَة مِنْ عُقُوبَته .
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } وَتَأْوِيل ذَلِكَ : وَاذْكُرُوا أَيْضًا إذْ قُلْتُمْ : يَا مُوسَى لَنْ نُصَدِّقك وَلَنْ نُقِرّ بِمَا جِئْتنَا بِهِ حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة عِيَانًا , بِرَفْعِ السَّاتِر بَيْننَا وَبَيْنه , وَكَشْف الْغِطَاء دُوننَا وَدُونه حَتَّى نَنْظُر إلَيْهِ بِأَبْصَارِنَا , كَمَا تُجْهِر الرَّكِيَّة , وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَاؤُهَا قَدْ غَطَّاهُ الطِّين , فَنَفَى مَا قَدْ غَطَّاهُ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاء وَصَفَا , يُقَال مِنْهُ : قَدْ جَهَرْت الرَّكِيَّة أَجْهَرهَا جَهْرًا وَجَهْرَة ; وَلِذَلِكَ قِيلَ : قَدْ جَهَرَ فُلَان بِهَذَا الْأَمْر مُجَاهَره وَجِهَارًا : أَذَا أَظْهَرَهُ لِرَأْيِ الْعَيْن وَأَعْلَنَهُ , كَمَا قَالَه الْفَرَزْدَق بْن غَالِب : مَنْ اللَّائِي يَضِلّ الْأَلِف مِنْهُ مِسَحًّا مِنْ مَخَافَته جِهَارًا 796 - وَكَمَا حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } قَالَ : عَلَانِيَة . 797 - وَحَدَّثَنَا عَنْ عُمَارَة بْن الْحَسَن قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع : { حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } يَقُول : عِيَانًا . 798 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } : حَتَّى يَطْلُع إلَيْنَا . 799 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } : أَيْ عِيَانًا . فَذَكَرهمْ بِذَلِكَ جَلَّ ذِكْره اخْتِلَاف آبَائِهِمْ وَسُوء اسْتِقَامَة أَسْلَافهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ , مَعَ كَثْرَة مُعَايَنَتهمْ مِنْ آيَات اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَعِبَره مَا تَثْلُج بِأَقَلِّهَا الصُّدُور , وَتَطْمَئِنّ بِالتَّصْدِيقِ مَعَهَا النَّفُوس ; وَذَلِكَ مَعَ تَتَابُع الْحُجَج عَلَيْهِمْ , وَسُبُوغ النِّعَم مِنْ اللَّه لَدَيْهِمْ . وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُرَّة يَسْأَلُونَ نَبِيّهمْ أَنْ يَجْعَل لَهُمْ إلَهًا غَيْر اللَّه وَمَرَّة يَعْبُدُونَ الْعِجْل مِنْ دُون اللَّه , وَمَرَّة يَقُولُونَ لَا نُصَدِّقك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة , وَأُخْرَى يَقُولُونَ لَهُ إذَا دُعُوا إلَى الْقِتَال : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 24 وَمَرَّة يُقَال لَهُمْ : { قُولُوا حِطَّة وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا نَغْفِر لَكُمْ خَطِيئَاتكُمْ } 7 161 فَيَقُولُونَ : حِنْطَة فِي شَعِيرَة , وَيَدْخُلُونَ الْبَاب مِنْ قِبَل استاههم , مَعَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالهمْ الَّتِي آذَوْا بِهَا نَبِيّهمْ عَلَيْهِ السَّلَام الَّتِي يَكْثُر إحْصَاؤُهَا . فَأَعْلَم رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْره الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَنْ يَعُدُّوا أَنْ يَكُونُوا فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَجُحُودهمْ نُبُوَّته , وَتَرْكهمْ الْإِقْرَار بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , مَعَ عِلْمهمْ بِهِ وَمَعْرِفَتهمْ بِحَقِيقَةِ أَمْره كَأَسْلَافِهِمْ وَآبَائِهِمْ الَّذِينَ فَصَلَ عَلَيْهِمْ قَصَصهمْ فِي ارْتِدَادهمْ عَنْ دِينهمْ مَرَّة بَعْد أُخْرَى , وَتَوَثُّبهمْ عَلَى نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ تَارَة بَعْد أُخْرَى , مَعَ عَظِيم بَلَاء اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عِنْدهمْ وَسُبُوغ آلَائِه عَلَيْهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الصَّاعِقَة الَّتِي أَخَذَتْهُمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 800 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة } قَالَ : مَاتُوا . 801 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة } قَالَ : سَمِعُوا صَوْتًا فَصَعِقُوا . يَقُول : فَمَاتُوا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 802 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة } وَالصَّاعِقَة : نَار . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 803 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة وَهِيَ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا جَمِيعًا . وَأَصْل الصَّاعِقَة : كُلّ أَمْر هَائِل رَآهُ أَوْ عَايَنَهُ أَوْ أَصَابَهُ حَتَّى يَصِير مِنْ هَوْله وَعَظِيم شَأْنه إلَى هَلَاك وَعُطِبَ , وَإِلَى ذَهَاب عَقْل وَغُمُور فَهْم , أَوْ فَقَدْ بَعْض آلَات الْجِسْم , صَوْتًا كَانَ ذَلِكَ , أَوْ نَارًا , أَوْ زَلْزَلَة , أَوْ رَجْفًا . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مَصْعُوقًا وَهُوَ حَيّ غَيْر مَيِّت , قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } 7 143 يَعْنِي مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . وَمِنْهُ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة : وَهَلْ كَانَ الْفَرَزْدَق غَيْر قِرْد أَصَابَتْهُ الصَّوَاعِق فَاسْتَدَارَا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ حِين غَشِيَ عَلَيْهِ وَصَعِقَ مَيِّتًا ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا أَفَاقَ قَالَ : { تُبْت إلَيْك } 7 143 وَلَا شَبَه جَرِير الْفَرَزْدَق وَهُوَ حَيّ بِالْقِرْدِ مَيِّتًا , وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } : وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى الصَّاعِقَة الَّتِي أَصَابَتْكُمْ , يَقُول : أَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة عِيَانًا جَهَارًا وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الصَّاعِقَة الَّتِي أَخَذَتْهُمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 800 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة } قَالَ : مَاتُوا . 801 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة } قَالَ : سَمِعُوا صَوْتًا فَصَعِقُوا . يَقُول : فَمَاتُوا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 802 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة } وَالصَّاعِقَة : نَار . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 803 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة وَهِيَ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا جَمِيعًا . وَأَصْل الصَّاعِقَة : كُلّ أَمْر هَائِل رَآهُ أَوْ عَايَنَهُ أَوْ أَصَابَهُ حَتَّى يَصِير مِنْ هَوْله وَعَظِيم شَأْنه إلَى هَلَاك وَعُطِبَ , وَإِلَى ذَهَاب عَقْل وَغُمُور فَهْم , أَوْ فَقَدْ بَعْض آلَات الْجِسْم , صَوْتًا كَانَ ذَلِكَ , أَوْ نَارًا , أَوْ زَلْزَلَة , أَوْ رَجْفًا . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مَصْعُوقًا وَهُوَ حَيّ غَيْر مَيِّت , قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } 7 143 يَعْنِي مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . وَمِنْهُ قَوْل جَرِير بْن عَطِيَّة : وَهَلْ كَانَ الْفَرَزْدَق غَيْر قِرْد أَصَابَتْهُ الصَّوَاعِق فَاسْتَدَارَا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ حِين غَشِيَ عَلَيْهِ وَصَعِقَ مَيِّتًا ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا أَفَاقَ قَالَ : { تُبْت إلَيْك } 7 143 وَلَا شَبَه جَرِير الْفَرَزْدَق وَهُوَ حَيّ بِالْقِرْدِ مَيِّتًا , وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } : وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى الصَّاعِقَة الَّتِي أَصَابَتْكُمْ , يَقُول : أَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة عِيَانًا جَهَارًا وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ } ثُمَّ أَحْيَيْنَاكُمْ . وَأَصْل الْبَعْث : إثَارَة الشَّيْء مِنْ مَحِلّه , وَمِنْهُ قِيلَ : بَعَثَ فُلَان رَاحِلَته : إذَا أَثَارَهَا مِنْ مَبْرَكهَا لِلسَّيْرِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَأَبْعَثهَا وَهِيَ صَنِيع حَوْل كَرُكْنِ الرَّعْن ذِعْلِبَةً وَقَاحًا وَالرَّعْن : مُنْقَطِع أَنْف الْجَبَل , وَالذِّعْلِبَة : الْخَفِيفَة , وَالْوَقَاح , الشَّدِيدَة الْحَافِر أَوْ الْخُفّ . وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : بَعَثْت فُلَانًا لِحَاجَتِي : إذَا أَقَمْته مِنْ مَكَانه الَّذِي هُوَ فِيهِ لِلتَّوَجُّهِ فِيهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِيَوْمِ الْقِيَامَة : يَوْم الْبَعْث , لِأَنَّهُ يَوْم يُثَار النَّاس فِيهِ مِنْ قُبُورهمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ } مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ بِالصَّاعِقَةِ الَّتِي أَهْلَكَتْكُمْ . وَقَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول : فَعَلْنَا بِكُمْ ذَلِكَ لِتَشْكُرُونِي عَلَى مَا أَوْلَيْتُكُمْ مِنْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِإِحْيَائِي إيَّاكُمْ اسْتِبْقَاء مِنِّي لَكُمْ لِتُرَاجِعُوا التَّوْبَة مِنْ عَظِيم ذَنْبكُمْ بَعْد إحْلَالِي الْعُقُوبَة بِكُمْ بِالصَّاعِقَةِ الَّتِي أَحَلَلْتهَا بِكُمْ , فَأَمَاتَتْكُمْ بِعَظِيمِ خَطَئِكُمْ الَّذِي كَانَ مِنْكُمْ فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْن رَبّكُمْ . وَهَذَا الْقَوْل عَلَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله قَوْل { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ } ثُمَّ أَحْيَيْنَاكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ } أَيْ بَعَثْنَاكُمْ أَنْبِيَاء . 804 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ السُّدِّيّ : فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة , ثُمَّ أَحْيَيْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ , وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَى إحْيَائِنَا إيَّاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ , ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ أَنْبِيَاء لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وَزَعَمَ السُّدِّيّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , وَالْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم . 805 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . هَذَا تَأْوِيل يَدُلّ ظَاهِر التِّلَاوَة عَلَى خِلَافه مَعَ إجْمَاع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى تَخْطِئَته . وَالْوَاجِب عَلَى تَأْوِيل السُّدِّيّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } تَشْكُرُونِي عَلَى تَصْيِيرِي إيَّاكُمْ أَنْبِيَاء . وَكَانَ سَبَب قِيلهمْ لِمُوسَى مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ مِنْ قَوْلهمْ : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } , مَا : 806 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه , وَرَأَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل , وَقَالَ لِأَخِيهِ وَلَلسَّامِرِيّ مَا قَالَ , وَحَرَّقَ الْعِجْل وَذَرَّاهُ فِي الْيَمّ ; اخْتَارَ مُوسَى مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيْر فَالْخَيْر , وَقَالَ : انْطَلِقُوا إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَتُوبُوا إلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ وَسَلُوهُ التَّوْبَة عَلَى مَنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمكُمْ , صُومُوا وَتَطَهَّرُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابكُمْ ! فَخَرَجَ بِهِمْ إلَى طُور سَيْنَاء لِمِيقَاتٍ وَقَّتَهُ لَهُ رَبّه , وَكَانَ لَا يَأْتِيه إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْم . فَقَالَ لَهُ السَّبْعُونَ فِيمَا ذُكِرَ لِي حِين صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَخَرَجُوا لِلِقَاءِ اللَّه : يَا مُوسَى اُطْلُبْ لَنَا إلَى رَبّك لِنَسْمَع كَلَام رَبّنَا ! فَقَالَ : أَفْعَل . فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنْ الْجَبَل وَقَعَ عَلَيْهِ الْغَمَام حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَل كُلّه , وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ , وَقَالَ لِلْقَوْمِ : اُدْنُوا . وَكَانَ مُوسَى إذَا كَلَّمَهُ رَبّه وَقَعَ عَلَى جَبْهَته نُور سَاطِع لَا يَسْتَطِيع أَحَد مِنْ بَنِي آدَم أَنْ يَنْظُر إلَيْهِ , فَضَرَبَ دُونه الْحِجَاب . وَدَنَا الْقَوْم حَتَّى إذَا دَخَلُوا فِي الْغَمَام وَقَعُوا سُجُودًا , فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّم مُوسَى يَأْمُرهُ وَيَنْهَاهُ : افْعَلْ وَلَا تَفْعَل . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْره وَانْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَام فَأَقْبَلَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لِمُوسَى : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } وَهِيَ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا جَمِيعًا . وَقَامَ مُوسَى يُنَاشِد رَبّه وَيَدْعُوهُ , وَيُرَغِّب إلَيْهِ وَيَقُول : { رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ } قَدْ سَفِهُوا , أَفَتُهْلِك مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إسْرَائِيل بِمَا تَفْعَل السُّفَهَاء مِنَّا ؟ أَيْ أَنَّ هَذَا لَهُمْ هَلَاك , اخْتَرْت مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا , الْخَيْر فَالْخَيْر ارْجِعْ إلَيْهِمْ , وَلَيْسَ مَعِي مِنْهُمْ رَجُل وَاحِد , فَمَا الَّذِي يُصَدِّقُونِي بِهِ أَوْ يَأْمَنُونِي عَلَيْهِ بَعْد هَذَا ؟ { إنَّا هُدْنَا إلَيْك } . فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى يُنَاشِد رَبّه عَزَّ وَجَلَّ وَيَطْلُب إلَيْهِ , حَتَّى رَدَّ إلَيْهِمْ أَرْوَاحهمْ , فَطَلَب إلَيْهِ التَّوْبَة لِبَنِي إسْرَائِيل مِنْ عِبَادَة الْعِجْل , فَقَالَ : لَا , إلَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسهمْ . 807 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا تَابَتْ بَنُو إسْرَائِيل مِنْ عِبَادَة الْعِجْل , وَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ بَعْضهمْ بَعْضًا كَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُوسَى أَنْ يَأْتِيه فِي نَاس مِنْ بَنَى إسْرَائِيل يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل , وَوَعَدَهُمْ مَوْعِدًا , فَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى عَيْنه , ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمْ لِيَعْتَذِرُوا . فَلَمَّا أَتَوْا ذَلِكَ الْمَكَان { قَالُوا لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } فَإِنَّك قَدْ كَلَّمْته فَأَرِنَاهُ . فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا , فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي , وَيَدْعُو اللَّه وَيَقُول : رَبّ مَاذَا أَقُول لِبَنِي إسْرَائِيل إذَا أَتَيْتهمْ وَقَدْ أَهَلَكْت خِيَارهمْ { رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } 7 155 فَأَوْحَى اللَّه إلَى مُوسَى إنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ مِمَّنْ اتَّخَذَ الْعِجْل , فَذَلِكَ حِين يَقُول مُوسَى : { إنْ هِيَ إلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء . .. إنَّا هُدْنَا إلَيْك } 7 155 : 156 وَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة } . ثُمَّ إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحْيَاهُمْ , فَقَامُوا وَعَاشُوا رَجُلًا رَجُلًا يَنْظُر بَعْضهمْ إلَى بَعْض كَيْفَ يَحْيَوْنَ , فَقَالُوا : يَا مُوسَى أَنْتَ تَدْعُو اللَّه فَلَا تَسْأَلهُ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاك , فَادْعُهُ يَجْعَلْنَا أَنْبِيَاء ! فَدَعَا اللَّه تَعَالَى , فَجَعَلَهُمْ أَنْبِيَاء , فَذَلِكَ قَوْله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ } وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ حَرْفًا وَأَخَّرَ حَرْفًا . 808 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : قَالَ لَهُمْ مُوسَى لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْد رَبّه بِالْأَلْوَاحِ , قَدْ كَتَبَ فِيهَا التَّوْرَاة فَوَجَدَهُمْ يَعْبُدُونَ الْعِجْل , فَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَنْفُسهمْ , فَفَعَلُوا , فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ الْأَلْوَاح فِيهَا كِتَاب اللَّه فِيهِ أَمَرَهُ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ , وَنَهْيه الَّذِي نَهَاكُمْ عَنْهُ . فَقَالُوا : وَمَنْ يَأْخُذ بِقَوْلِك أَنْتَ ؟ لَا وَاَللَّه حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة , حَتَّى يَطْلُع اللَّه عَلَيْنَا فَيَقُول : هَذَا كِتَابِي فَخُذُوهُ ! فَمَا لَهُ لَا يُكَلِّمنَا كَمَا يُكَلِّمك أَنْتَ يَا مُوسَى فَيَقُول : هَذَا كِتَابِي فَخُذُوهُ ؟ وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } قَالَ : فَجَاءَتْ غَضْبَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَجَاءَتْهُمْ صَاعِقَة بَعْد التَّوْبَة , فَصَعَقَتْهُمْ فَمَاتُوا أَجْمَعُونَ . قَالَ : ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه مِنْ بَعْد مَوْتهمْ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : خُذُوا كِتَاب اللَّه ! فَقَالُوا لَا , فَقَالَ : أَيّ شَيْء أَصَابَكُمْ ؟ قَالُوا : أَصَابَنَا أَنَّا مُتْنَا ثُمَّ حَيِينَا . قَالَ : خُذُوا كِتَاب اللَّه ! قَالُوا لَا . فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى مَلَائِكَة , فَنَتَقَتْ الْجَبَل فَوْقهمْ . 809 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ } قَالَ : أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة , ثُمَّ بَعَثَهُمْ اللَّه تَعَالَى لِيُكَمِّلُوا بَقِيَّة آجَالهمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة } قَالَ : هُمْ السَّبْعُونَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى فَسَارُوا مَعَهُ . قَالَ : فَسَمِعُوا كَلَامًا , فَقَالُوا : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } قَالَ : فَسَمِعُوا صَوْتًا فَصَعِقُوا . يَقُول : مَاتُوا . فَذَلِكَ قَوْله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ } فَبُعِثُوا مِنْ بَعْد مَوْتهمْ ; لِأَنَّ مَوْتهمْ ذَاكَ كَانَ عُقُوبَة لَهُمْ , فَبُعِثُوا لِبَقِيَّةِ آجَالَهُمْ . فَهَذَا مَا رُوِيَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَالُوا لِمُوسَى : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } وَلَا خَبَر عِنْدنَا بِصِحَّةِ شَيْء مِمَّا قَالَهُ مِنْ ذِكْرنَا قَوْله فِي سَبَب قِيلهمْ ذَلِكَ لِمُوسَى تَقُوم بِهِ حُجَّة فَتُسَلِّم لَهُمْ . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ بَعْض مَا قَالُوهُ , فَإِذَا كَانَ لَا خَبَر بِذَلِكَ تَقُوم بِهِ حُجَّة , فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ قَوْم مُوسَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : { يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ . وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ عَنْهُمْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَات تَوْبِيخًا لَهُمْ فِي كُفْرهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَقَدْ قَامَتْ حُجَّته عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ , وَلَا حَاجَة لِمَنْ انْتَهَتْ إلَيْهِ إلَى مَعْرِفَة السَّبَب الدَّاعِي لَهُمْ إلَى قِيلَ ذَلِكَ . وَقَدْ قَالَ الَّذِينَ أَخْبَرَنَا عَنْهُمْ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , وَجَائِز أَنْ يَكُون بَعْضهَا حَقًّا كَمَا قَالَ .
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ } عَطْف عَلَى قَوْله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ } فَتَأْوِيل الْآيَة : ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ , وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام , وَعَدَد عَلَيْهِمْ سَائِر مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وَالْغَمَام جَمَعَ غَمَامَة كَمَا السَّحَاب جَمْع سَحَابَة , وَالْغَمَام هُوَ مَا غَمَّ السَّمَاء فَأَلْبَسهَا مِنْ سَحَاب وَقَتَام وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَسْتُرهَا عَنْ أَعْيُن النَّاظِرِينَ , وَكُلّ مُغَطَّى فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّيه مَغْمُومًا . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْغَمَام الَّتِي ظَلَّلَهَا اللَّه عَلَى بَنِي إسْرَائِيل لَمْ تَكُنْ سَحَابًا . 810 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } قَالَ : لَيْسَ بِالسَّحَابِ . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } قَالَ : لَيْسَ بِالسَّحَابِ هُوَ الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي اللَّه فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة لَمْ يَكُنْ إلَّا لَهُمْ . * وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } 2 57 قَالَ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّحَاب . 811 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَا : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } قَالَ : هُوَ غَمَام أَبْرَد مِنْ هَذَا وَأَطْيَب , وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة فِي قَوْله : { فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } , وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ فِيهِ الْمَلَائِكَة يَوْم بَدْر . قَالَ ابْن عَبَّاس : وَكَانَ مَعَهُمْ فِي التِّيه . وَإِذْ كَانَ مَعْنَى الْغَمَام مَا وَصَفْنَا مِمَّا غَمَّ السَّمَاء مِنْ شَيْء فَغَطَّى وَجْههَا عَنْ النَّاظِر إلَيْهَا , فَلَيْسَ الَّذِي ظَلَّلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ كَانَ غَمَامًا بِأُولَى بِوَصْفِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُون سَحَابًا مِنْهُ بِأَنْ يَكُون غَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَلْبَسَ وَجْه السَّمَاء مِنْ شَيْء , وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ مَا ابْيَضَّ مِنْ السَّحَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْمَنّ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 812 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ } قَالَ : الْمَنّ : صَمْغَة . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 813 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } يَقُول : كَانَ الْمَنّ يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِثْل الثَّلْج . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ شَرَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 814 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : الْمَنّ : شَرَاب كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِثْل الْعَسَل , فَيَمْزُجُونَهُ بِالْمَاءِ , ثُمَّ يَشْرَبُونَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ : عَسَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 815 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْمَنّ : عَسَل كَانَ يَنْزِل لَهُمْ مِنْ السَّمَاء . 816 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : عَسَلكُمْ هَذَا جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ الْمَنّ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ : خَبَز الرُّقَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 817 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت وَهْبًا وَسُئِلَ مَا الْمَنّ , قَالَ : خُبْز الرُّقَاق , مِثْل الذُّرَة , وَمِثْل النَّقِيّ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ : الترنجبين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 818 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْمَنّ كَانَ يَسْقُط عَلَى شَجَر الترنجبين . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ هُوَ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الشَّجَر الَّذِي تَأْكُلهُ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 819 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ الْمَنّ يَنْزِل عَلَى شَجَرهمْ فَيَغْدُونَ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شَاءُوا . 820 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَّانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد . عَنْ عَامِر فِي قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ } قَالَ : الْمَنّ : الَّذِي يَقَع عَلَى الشَّجَر . * وَحَدَّثَنَا عَنْ المنجاب بْن الْحَارِث , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الْمَنّ } قَالَ : الْمَنّ : الَّذِي يَسْقُط مِنْ السَّمَاء عَلَى الشَّجَر فَتَأْكُلهُ النَّاس . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد , عَنْ عَامِر , قَالَ : الْمَنّ : هَذَا الَّذِي يَقَع عَلَى الشَّجَر . وَقَدْ قِيلَ . إنَّ الْمَنّ : هُوَ التريجبين . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَنّ : هُوَ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الثُّمَام وَالْعُشَر , وَهُوَ حُلْو كَالْعَسَلِ , وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس بِقَوْلِهِ : لَوْ أَطْعَمُوا الْمَنّ وَالسَّلْوَى مَكَانهمْ مَا أَنْصَر النَّاس طَعْنًا فِيهِمْ نَجْعًا وَتَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : " الْكَمْأَة مِنْ الْمَنّ , وَمَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ " . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَنّ : شَرَاب حُلْو كَانُوا يَطْبُخُونَهُ فَيَشْرَبُونَهُ . وَأَمَّا أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فَإِنَّهُ جَعَلَهُ فِي شِعْره عَسَلًا , فَقَالَ يَصِف أَمْرهمْ فِي التِّيه وَمَا رُزِقُوا فِيهِ : فَرَأَى اللَّه أَنَّهُمْ بِمَضْيَع لَا بِذِي مَزْرَع وَلَا مَثْمُورًا فَنَسَاهَا عَلَيْهِمْ غَادِيَات مَرَى مُزْنهمْ خلايا وَخُورًا عسلا ناطفا وماء فُرَاتًا حليبا ذا بهجة مَمْرُورًا الْمَمْرُور : الصَّافِي مِنْ اللَّبَن , فَجَعَلَ الْمَنّ الَّذِي كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ عَسَلًا نَاطِفًا , وَالنَّاطِف : هُوَ الْقَاطِر . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّلْوَى } وَالسَّلْوَى : اسْم طَائِر يُشْبِه السَّمَّانِيّ , وَاحِده وَجِمَاعه بِلَفْظٍ وَاحِد , كَذَلِكَ السَّمَّانِيّ لَفْظ جِمَاعهَا وَوَاحِدهَا سَوَاء . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ وَاحِدَة السَّلْوَى سَلْوَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 821 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : السَّلْوَى : طَيْر يُشْبِه السَّمَّانِيّ . 822 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ طَيْرًا أَكْبَر مِنْ السَّمَّانِيّ . 823 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَاده , قَالَ : السَّلْوَى : طَائِر كَانَتْ تَحْشُرهَا عَلَيْهِمْ الرِّيح الْجَنُوب . 824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : السَّلْوَى : طَائِر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : السَّلْوَى : طَيْر . 825 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت وَهْبًا وَسُئِلَ : مَا السَّلْوَى ؟ فَقَالَ : طَيْر سَمِين مِثْل الْحَمَام . 826 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : السَّلْوَى : طَيْر . 827 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قال : ثنا إسحاق قال : ثنا ابن أبي جَعْفَر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس : السلوى : كان طيرا يأتيهم مثل السُّمَانَى . 828 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحُمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد , عَنْ عَامِر , قَالَ : السَّلْوَى : السُّمَانَى . 829 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : السَّلْوَى : هُوَ السُّمَانَى . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد , عَنْ عَامِر , قَالَ : السَّلْوَى : السُّمَانَى . 830 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : السُّمَانَى هُوَ السَّلْوَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا سَبَب تَظْلِيل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْغَمَام وَإِنْزَاله الْمَنّ وَالسَّلْوَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِكَ , وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ مَا حَضَرَنَا مِنْهُ . 831 - فَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا تَابَ اللَّه عَلَى قَوْم مُوسَى وَأَحْيَا السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى بَعْد مَا أَمَاتَهُمْ , أَمَرَهُمْ اللَّه بِالْمَسِيرِ إلَى أَرِيحَا , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس . فَسَارُوا حَتَّى إذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهَا بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا . وَكَانَ مِنْ أَمَرَهُمْ وَأَمَرَ الْجَبَّارِينَ , وَأَمَرَ قَوْم مُوسَى مَا قَدْ قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه , فَقَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى : { اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 24 فَغَضِبَ مُوسَى , فَدَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ : { رَبّ إنِّي لَا أَمْلِك إلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } 5 25 فَكَانَتْ عَجَلَة مِنْ مُوسَى عَجَّلَهَا فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { إنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } 5 26 فَلَمَّا ضَرَبَ عَلَيْهِمْ التِّيه نَدِمَ مُوسَى , وَأَتَاهُ قَوْمه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُطِيعُونَهُ , فَقَالُوا لَهُ : مَا صَنَعْت بِنَا يَا مُوسَى ؟ فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ لَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ ; أَيْ لَا تَحْزَن عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ سَمَّيْتهمْ فَاسِقِينَ . فَلَمْ يَحْزَن . فَقَالُوا : يَا مُوسَى كَيْفَ لَنَا بِمَاءٍ هَهُنَا , أَيْنَ الطَّعَام ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ , فَكَانَ يَسْقُط عَلَى شَجَر الترنجبين , وَالسَّلْوَى : وَهُوَ طَيْر يُشْبِه السُّمَانَى , فَكَانَ يَأْتِي أَحَدهمْ , فَيَنْظُر إلَى الطَّيْر إنْ كَانَ سَمِينًا ذَبَحَهُ , وَإِلَّا أَرْسَلَهُ , فَإِذَا سَمِنَ أَتَاهُ . فَقَالُوا : هَذَا الطَّعَام , فَأَيْنَ الشَّرَاب ؟ فَأَمَرَ مُوسَى فَضَرَبَ بِعَصَاهُ الْحَجَر , فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , فَشَرِبَ كُلّ سَبْط مِنْ عَيْن , فَقَالُوا : هَذَا الطَّعَام وَالشَّرَاب , فَأَيْنَ الظِّلّ ؟ فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام , فَقَالُوا : هَذَا الظِّلّ فَأَيْنَ اللِّبَاس ؟ فَكَانَتْ ثِيَابهمْ تَطُول مَعَهُمْ كَمَا تَطُول الصِّبْيَان , وَلَا يَتَخَرَّق لَهُمْ ثَوْب , فَذَلِكَ قَوْله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } وَقَوْله : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلّ أَنَاس مَشْرَبهمْ } 2 60 832 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قال : لَمَا تَابَ اللَّه عَزّ وَجَلّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَأَمَرَ مُوسَى أَنْ يَرْفَع عَنْهُم السَّيْف مِن عِبَادَة الْعِجْل , أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَسِير بِهِمْ إلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَقَالَ : إنَّنِي قَدْ كَتَبْتهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا , فَاخْرُجْ إلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَدُوّ فَإِنِّي نَاصِركُمْ عَلَيْكُمْ ! فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , حَتَّى إذَا نَزَلَ التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام وَهِيَ أَرْض لَيْسَ فِيهَا خَمْر وَلَا ظِلّ , دَعَا مُوسَى رَبّه حِين آذَاهُمْ الْحَرّ , فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ , وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ , فَأَنْزَلَ اللَّه لَهُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . 833 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبَى جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } قَالَ : ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام فِي التِّيه : تَاهُوا فِي خَمْسَة فَرَاسِخ أَوْ سِتَّة , كُلَّمَا أَصْبَحُوا سَارُوا غَادِينَ , فَأَمْسَوْا فَإِذَا هُمْ فِي مَكَانهمْ الَّذِي ارْتَحَلُوا مِنْهُ , فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ أَرْبَعُونَ سَنَة . قَالَ : وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَلَا تَبْلَى ثِيَابهمْ , وَمَعَهُمْ حَجَر مِنْ حِجَارَة الطُّور يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ , فَإِذَا نَزَلُوا ضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ , فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا . 834 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت وَهَبَا يَقُول : إنَّ بَنِي إسْرَائِيل لَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض شَكَوْا إلَى مُوسَى , فَقَالُوا : مَا نَأْكُل ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّه سَيَأْتِيكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ . قَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَنَا إلَّا أَنْ يُمْطِر عَلَيْنَا خُبْزًا ؟ قَالَ : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ خُبْزًا مَخْبُوزًا . فَكَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ الْمَنّ . - سُئِلَ وَهْب : مَا الْمَنّ ؟ قَالَ : خُبْز الرُّقَاق مِثْل الذُّرَة أَوْ مِثْل النَّقِيّ - قَالُوا : وَمَا نَأْتَدِم , وَهَلْ بَدَّلْنَا مِنْ لَحْم ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّه يَأْتِيكُمْ بِهِ . فَقَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَنَا إلَّا أَنْ تَأْتِينَا بِهِ الرِّيح ؟ قَالَ : فَإِنَّ الرِّيح تَأْتِيكُمْ بِهِ , وَكَانَتْ الرِّيح تَأْتِيهِمْ بِالسَّلْوَى - فَسُئِلَ وَهْب : مَا السَّلْوَى ؟ قَالَ : طَيْر سَمِين مِثْل الْحَمَام كَانَتْ تَأْتِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ مِنْ السَّبْت إلَى السَّبْت - قَالُوا : فَمَا نَلْبَس ؟ قَالَ : لَا يُخْلَق لِأَحَدِ مِنْكُمْ ثَوْب أَرْبَعِينَ سَنَة . قَالُوا : فَمَا نَحْتَذِي ؟ قَالَ : لَا يَنْقَطِع لِأَحَدِكُمْ شِسْع أَرْبَعِينَ سَنَة , قَالُوا : فَإِنَّ فِينَا أَوْلَادًا فَمَا نَكْسُوهُمْ ؟ قَالَ : ثَوْب الصَّغِير يَشِبّ مَعَهُ . قَالُوا : فَمِنْ أَيْنَ لَنَا الْمَاء ؟ قَالَ : يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّه . قَالُوا : فَمِنْ أَيْنَ ؟ إلَّا أَنْ يَخْرَج لَنَا مِنْ الْحَجَر . فَأَمَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُوسَى , أَنْ يَضْرِب بِعَصَاهُ الْحَجَر . قَالُوا : فِيمَ نُبْصِر ؟ تَغْشَانَا الظُّلْمَة . فَضَرَبَ لَهُمْ عَمُود مِنْ نُور فِي وَسَط عَسْكَرهمْ أَضَاءَ عَسْكَرهمْ كُلّه , قَالُوا : فَبِمَ نَسْتَظِلّ ؟ فَإِنَّ الشَّمْس عَلَيْنَا شَدِيده قَالَ : يُظِلّكُمْ اللَّه بِالْغَمَامِ . - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ ابْن زَيْد , فَذَكَر نَحْو حَدِيث مُوسَى بْن هَارُونَ عَنْ عَمْرو بْن حَمَّاد , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . 835 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ : عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : خَلَقَ لَهُمْ فِي التِّيه ثِيَاب لَا تَخْلَق وَلَا تدرن . قَالَ : وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ : إنْ أَخَذَ الرَّجُل مِنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى فَوْق طَعَام يَوْم فَسَدَ , إلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي يَوْم الْجُمُعَة طَعَام يَوْم السَّبْت فَلَا يُصْبِح فَاسِدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } وَهَذَا مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة : وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام , وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَقُلْنَا لَكُمْ : كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ . فَتُرِكَ ذِكْر قَوْله : وَقُلْنَا لَكُمْ . . . " لِمَا بَيَّنَّا مِنْ دَلَالَة الظَّاهِر فِي الْخِطَاب عَلَيْهِ . وَعَنَى جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } كُلُوا مِنْ مُشْتَهَيَات رِزْقنَا الَّذِي رَزَقْنَاكُمُوهُ . وَقَدْ قِيلَ عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } مِنْ حَلَاله الَّذِي أَبَحْنَاهُ لَكُمْ , فَجَعَلْنَاهُ لَكُمْ رِزْقًا . وَالْأَوَّل مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ وَصْف مَا كَانَ الْقَوْم فِيهِ مِنْ هَنِيء الْعَيْش الَّذِي أَعْطَاهُمْ , فَوَصْف ذَلِكَ بِالطَّيِّبِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى اللَّذَّة أَحْرَى مِنْ وَصْفه بِأَنَّهُ حَلَال مُبَاح . و " مَا " الَّتِي مَعَ " رَزَقْنَاكُمْ " بِمَعْنَى " الَّذِي " كَأَنَّهُ قِيلَ : كُلُوا مِنْ طَيِّبَات الرِّزْق الَّذِي رَزَقْنَاكُمُوهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنَفْسهمْ يَظْلِمُونَ } وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الَّذِي اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ , فَخَالَفُوا مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ , وَعَصَوْا رَبّهمْ ثُمَّ رَسُولنَا إلَيْهِمْ , وَمَا ظَلَمُونَا . فَاكْتَفَى بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ . وَقَوْله : { وَمَا ظَلَمُونَا } يَقُول : وَمَا ظَلَمُونَا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَمَعْصِيَتهمْ , { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا ظَلَمُونَا } : وَمَا وَضَعُوا فِعْلهمْ ذَلِكَ وَعِصْيَانهمْ إيَّانَا مَوْضِع مَضَرَّة عَلَيْنَا وَمُنْقَصَة لَنَا , وَلَكِنَّهُمْ وَضَعُوهُ مِنْ أَنْفُسهمْ مَوْضِع مَضَرَّة عَلَيْهَا وَمَنْقَصَة لَهَا . كَمَا : 836 - حُدِّثْنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } قَالَ : يَضُرُّونَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ أَصْل الظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته . وَكَذَلِكَ رَبّنَا جَلَّ ذِكْره لَا تَضُرّهُ مَعْصِيَة عَاصٍ , وَلَا يَتَحَيَّف خَزَائِنه ظُلْم ظَالِم , وَلَا تَنْفَعهُ طَاعَة مُطِيع , وَلَا يَزِيد فِي مُلْكه عَدْل عَادِل ; بَلْ نَفْسه يَظْلِم الظَّالِم , وَحَظّهَا يَبْخَس الْعَاصِي , وَإِيَّاهَا يَنْفَع الْمُطِيع , وَحَظّهَا يُصِيب الْعَادِل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْمَنّ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 812 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ } قَالَ : الْمَنّ : صَمْغَة . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 813 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } يَقُول : كَانَ الْمَنّ يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِثْل الثَّلْج . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ شَرَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 814 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : الْمَنّ : شَرَاب كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِثْل الْعَسَل , فَيَمْزُجُونَهُ بِالْمَاءِ , ثُمَّ يَشْرَبُونَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ : عَسَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 815 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْمَنّ : عَسَل كَانَ يَنْزِل لَهُمْ مِنْ السَّمَاء . 816 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : عَسَلكُمْ هَذَا جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ الْمَنّ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ : خَبَز الرُّقَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 817 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت وَهْبًا وَسُئِلَ مَا الْمَنّ , قَالَ : خُبْز الرُّقَاق , مِثْل الذُّرَة , وَمِثْل النَّقِيّ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ : الترنجبين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 818 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْمَنّ كَانَ يَسْقُط عَلَى شَجَر الترنجبين . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَنّ هُوَ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الشَّجَر الَّذِي تَأْكُلهُ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 819 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَ الْمَنّ يَنْزِل عَلَى شَجَرهمْ فَيَغْدُونَ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شَاءُوا . 820 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَّانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد . عَنْ عَامِر فِي قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ } قَالَ : الْمَنّ : الَّذِي يَقَع عَلَى الشَّجَر . * وَحَدَّثَنَا عَنْ المنجاب بْن الْحَارِث , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الْمَنّ } قَالَ : الْمَنّ : الَّذِي يَسْقُط مِنْ السَّمَاء عَلَى الشَّجَر فَتَأْكُلهُ النَّاس . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد , عَنْ عَامِر , قَالَ : الْمَنّ : هَذَا الَّذِي يَقَع عَلَى الشَّجَر . وَقَدْ قِيلَ . إنَّ الْمَنّ : هُوَ التريجبين . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَنّ : هُوَ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الثُّمَام وَالْعُشَر , وَهُوَ حُلْو كَالْعَسَلِ , وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس بِقَوْلِهِ : لَوْ أَطْعَمُوا الْمَنّ وَالسَّلْوَى مَكَانهمْ مَا أَنْصَر النَّاس طَعْنًا فِيهِمْ نَجْعًا وَتَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : " الْكَمْأَة مِنْ الْمَنّ , وَمَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ " . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَنّ : شَرَاب حُلْو كَانُوا يَطْبُخُونَهُ فَيَشْرَبُونَهُ . وَأَمَّا أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فَإِنَّهُ جَعَلَهُ فِي شِعْره عَسَلًا , فَقَالَ يَصِف أَمْرهمْ فِي التِّيه وَمَا رُزِقُوا فِيهِ : فَرَأَى اللَّه أَنَّهُمْ بِمَضْيَع لَا بِذِي مَزْرَع وَلَا مَثْمُورًا فَنَسَاهَا عَلَيْهِمْ غَادِيَات مَرَى مُزْنهمْ خلايا وَخُورًا عسلا ناطفا وماء فُرَاتًا حليبا ذا بهجة مَمْرُورًا الْمَمْرُور : الصَّافِي مِنْ اللَّبَن , فَجَعَلَ الْمَنّ الَّذِي كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ عَسَلًا نَاطِفًا , وَالنَّاطِف : هُوَ الْقَاطِر . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّلْوَى } وَالسَّلْوَى : اسْم طَائِر يُشْبِه السَّمَّانِيّ , وَاحِده وَجِمَاعه بِلَفْظٍ وَاحِد , كَذَلِكَ السَّمَّانِيّ لَفْظ جِمَاعهَا وَوَاحِدهَا سَوَاء . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ وَاحِدَة السَّلْوَى سَلْوَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 821 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : السَّلْوَى : طَيْر يُشْبِه السَّمَّانِيّ . 822 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ طَيْرًا أَكْبَر مِنْ السَّمَّانِيّ . 823 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَاده , قَالَ : السَّلْوَى : طَائِر كَانَتْ تَحْشُرهَا عَلَيْهِمْ الرِّيح الْجَنُوب . 824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : السَّلْوَى : طَائِر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : السَّلْوَى : طَيْر . 825 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت وَهْبًا وَسُئِلَ : مَا السَّلْوَى ؟ فَقَالَ : طَيْر سَمِين مِثْل الْحَمَام . 826 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : السَّلْوَى : طَيْر . 827 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قال : ثنا إسحاق قال : ثنا ابن أبي جَعْفَر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس : السلوى : كان طيرا يأتيهم مثل السُّمَانَى . 828 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحُمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد , عَنْ عَامِر , قَالَ : السَّلْوَى : السُّمَانَى . 829 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : السَّلْوَى : هُوَ السُّمَانَى . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَجَالِد , عَنْ عَامِر , قَالَ : السَّلْوَى : السُّمَانَى . 830 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : السُّمَانَى هُوَ السَّلْوَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا سَبَب تَظْلِيل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْغَمَام وَإِنْزَاله الْمَنّ وَالسَّلْوَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِكَ , وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ مَا حَضَرَنَا مِنْهُ . 831 - فَحَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا تَابَ اللَّه عَلَى قَوْم مُوسَى وَأَحْيَا السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى بَعْد مَا أَمَاتَهُمْ , أَمَرَهُمْ اللَّه بِالْمَسِيرِ إلَى أَرِيحَا , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس . فَسَارُوا حَتَّى إذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهَا بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا . وَكَانَ مِنْ أَمَرَهُمْ وَأَمَرَ الْجَبَّارِينَ , وَأَمَرَ قَوْم مُوسَى مَا قَدْ قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه , فَقَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى : { اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 24 فَغَضِبَ مُوسَى , فَدَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ : { رَبّ إنِّي لَا أَمْلِك إلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } 5 25 فَكَانَتْ عَجَلَة مِنْ مُوسَى عَجَّلَهَا فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { إنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } 5 26 فَلَمَّا ضَرَبَ عَلَيْهِمْ التِّيه نَدِمَ مُوسَى , وَأَتَاهُ قَوْمه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُطِيعُونَهُ , فَقَالُوا لَهُ : مَا صَنَعْت بِنَا يَا مُوسَى ؟ فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ لَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ ; أَيْ لَا تَحْزَن عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ سَمَّيْتهمْ فَاسِقِينَ . فَلَمْ يَحْزَن . فَقَالُوا : يَا مُوسَى كَيْفَ لَنَا بِمَاءٍ هَهُنَا , أَيْنَ الطَّعَام ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ , فَكَانَ يَسْقُط عَلَى شَجَر الترنجبين , وَالسَّلْوَى : وَهُوَ طَيْر يُشْبِه السُّمَانَى , فَكَانَ يَأْتِي أَحَدهمْ , فَيَنْظُر إلَى الطَّيْر إنْ كَانَ سَمِينًا ذَبَحَهُ , وَإِلَّا أَرْسَلَهُ , فَإِذَا سَمِنَ أَتَاهُ . فَقَالُوا : هَذَا الطَّعَام , فَأَيْنَ الشَّرَاب ؟ فَأَمَرَ مُوسَى فَضَرَبَ بِعَصَاهُ الْحَجَر , فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , فَشَرِبَ كُلّ سَبْط مِنْ عَيْن , فَقَالُوا : هَذَا الطَّعَام وَالشَّرَاب , فَأَيْنَ الظِّلّ ؟ فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام , فَقَالُوا : هَذَا الظِّلّ فَأَيْنَ اللِّبَاس ؟ فَكَانَتْ ثِيَابهمْ تَطُول مَعَهُمْ كَمَا تَطُول الصِّبْيَان , وَلَا يَتَخَرَّق لَهُمْ ثَوْب , فَذَلِكَ قَوْله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } وَقَوْله : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلّ أَنَاس مَشْرَبهمْ } 2 60 832 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قال : لَمَا تَابَ اللَّه عَزّ وَجَلّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَأَمَرَ مُوسَى أَنْ يَرْفَع عَنْهُم السَّيْف مِن عِبَادَة الْعِجْل , أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَسِير بِهِمْ إلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَقَالَ : إنَّنِي قَدْ كَتَبْتهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا , فَاخْرُجْ إلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَدُوّ فَإِنِّي نَاصِركُمْ عَلَيْكُمْ ! فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , حَتَّى إذَا نَزَلَ التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام وَهِيَ أَرْض لَيْسَ فِيهَا خَمْر وَلَا ظِلّ , دَعَا مُوسَى رَبّه حِين آذَاهُمْ الْحَرّ , فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ , وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ , فَأَنْزَلَ اللَّه لَهُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . 833 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبَى جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس . وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام } قَالَ : ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام فِي التِّيه : تَاهُوا فِي خَمْسَة فَرَاسِخ أَوْ سِتَّة , كُلَّمَا أَصْبَحُوا سَارُوا غَادِينَ , فَأَمْسَوْا فَإِذَا هُمْ فِي مَكَانهمْ الَّذِي ارْتَحَلُوا مِنْهُ , فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ أَرْبَعُونَ سَنَة . قَالَ : وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَلَا تَبْلَى ثِيَابهمْ , وَمَعَهُمْ حَجَر مِنْ حِجَارَة الطُّور يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ , فَإِذَا نَزَلُوا ضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ , فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا . 834 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت وَهَبَا يَقُول : إنَّ بَنِي إسْرَائِيل لَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض شَكَوْا إلَى مُوسَى , فَقَالُوا : مَا نَأْكُل ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّه سَيَأْتِيكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ . قَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَنَا إلَّا أَنْ يُمْطِر عَلَيْنَا خُبْزًا ؟ قَالَ : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ سَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ خُبْزًا مَخْبُوزًا . فَكَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ الْمَنّ . - سُئِلَ وَهْب : مَا الْمَنّ ؟ قَالَ : خُبْز الرُّقَاق مِثْل الذُّرَة أَوْ مِثْل النَّقِيّ - قَالُوا : وَمَا نَأْتَدِم , وَهَلْ بَدَّلْنَا مِنْ لَحْم ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّه يَأْتِيكُمْ بِهِ . فَقَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَنَا إلَّا أَنْ تَأْتِينَا بِهِ الرِّيح ؟ قَالَ : فَإِنَّ الرِّيح تَأْتِيكُمْ بِهِ , وَكَانَتْ الرِّيح تَأْتِيهِمْ بِالسَّلْوَى - فَسُئِلَ وَهْب : مَا السَّلْوَى ؟ قَالَ : طَيْر سَمِين مِثْل الْحَمَام كَانَتْ تَأْتِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ مِنْ السَّبْت إلَى السَّبْت - قَالُوا : فَمَا نَلْبَس ؟ قَالَ : لَا يُخْلَق لِأَحَدِ مِنْكُمْ ثَوْب أَرْبَعِينَ سَنَة . قَالُوا : فَمَا نَحْتَذِي ؟ قَالَ : لَا يَنْقَطِع لِأَحَدِكُمْ شِسْع أَرْبَعِينَ سَنَة , قَالُوا : فَإِنَّ فِينَا أَوْلَادًا فَمَا نَكْسُوهُمْ ؟ قَالَ : ثَوْب الصَّغِير يَشِبّ مَعَهُ . قَالُوا : فَمِنْ أَيْنَ لَنَا الْمَاء ؟ قَالَ : يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّه . قَالُوا : فَمِنْ أَيْنَ ؟ إلَّا أَنْ يَخْرَج لَنَا مِنْ الْحَجَر . فَأَمَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُوسَى , أَنْ يَضْرِب بِعَصَاهُ الْحَجَر . قَالُوا : فِيمَ نُبْصِر ؟ تَغْشَانَا الظُّلْمَة . فَضَرَبَ لَهُمْ عَمُود مِنْ نُور فِي وَسَط عَسْكَرهمْ أَضَاءَ عَسْكَرهمْ كُلّه , قَالُوا : فَبِمَ نَسْتَظِلّ ؟ فَإِنَّ الشَّمْس عَلَيْنَا شَدِيده قَالَ : يُظِلّكُمْ اللَّه بِالْغَمَامِ . - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ ابْن زَيْد , فَذَكَر نَحْو حَدِيث مُوسَى بْن هَارُونَ عَنْ عَمْرو بْن حَمَّاد , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . 835 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ , قَالَ : عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : خَلَقَ لَهُمْ فِي التِّيه ثِيَاب لَا تَخْلَق وَلَا تدرن . قَالَ : وَقَالَ ابْن جُرَيْجٍ : إنْ أَخَذَ الرَّجُل مِنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى فَوْق طَعَام يَوْم فَسَدَ , إلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ فِي يَوْم الْجُمُعَة طَعَام يَوْم السَّبْت فَلَا يُصْبِح فَاسِدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } وَهَذَا مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة : وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام , وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَقُلْنَا لَكُمْ : كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ . فَتُرِكَ ذِكْر قَوْله : وَقُلْنَا لَكُمْ . . . " لِمَا بَيَّنَّا مِنْ دَلَالَة الظَّاهِر فِي الْخِطَاب عَلَيْهِ . وَعَنَى جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } كُلُوا مِنْ مُشْتَهَيَات رِزْقنَا الَّذِي رَزَقْنَاكُمُوهُ . وَقَدْ قِيلَ عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } مِنْ حَلَاله الَّذِي أَبَحْنَاهُ لَكُمْ , فَجَعَلْنَاهُ لَكُمْ رِزْقًا . وَالْأَوَّل مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ وَصْف مَا كَانَ الْقَوْم فِيهِ مِنْ هَنِيء الْعَيْش الَّذِي أَعْطَاهُمْ , فَوَصْف ذَلِكَ بِالطَّيِّبِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى اللَّذَّة أَحْرَى مِنْ وَصْفه بِأَنَّهُ حَلَال مُبَاح . و " مَا " الَّتِي مَعَ " رَزَقْنَاكُمْ " بِمَعْنَى " الَّذِي " كَأَنَّهُ قِيلَ : كُلُوا مِنْ طَيِّبَات الرِّزْق الَّذِي رَزَقْنَاكُمُوهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنَفْسهمْ يَظْلِمُونَ } وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الَّذِي اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَى مَا تُرِكَ مِنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ , فَخَالَفُوا مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ , وَعَصَوْا رَبّهمْ ثُمَّ رَسُولنَا إلَيْهِمْ , وَمَا ظَلَمُونَا . فَاكْتَفَى بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ . وَقَوْله : { وَمَا ظَلَمُونَا } يَقُول : وَمَا ظَلَمُونَا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَمَعْصِيَتهمْ , { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا ظَلَمُونَا } : وَمَا وَضَعُوا فِعْلهمْ ذَلِكَ وَعِصْيَانهمْ إيَّانَا مَوْضِع مَضَرَّة عَلَيْنَا وَمُنْقَصَة لَنَا , وَلَكِنَّهُمْ وَضَعُوهُ مِنْ أَنْفُسهمْ مَوْضِع مَضَرَّة عَلَيْهَا وَمَنْقَصَة لَهَا . كَمَا : 836 - حُدِّثْنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } قَالَ : يَضُرُّونَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ أَصْل الظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته . وَكَذَلِكَ رَبّنَا جَلَّ ذِكْره لَا تَضُرّهُ مَعْصِيَة عَاصٍ , وَلَا يَتَحَيَّف خَزَائِنه ظُلْم ظَالِم , وَلَا تَنْفَعهُ طَاعَة مُطِيع , وَلَا يَزِيد فِي مُلْكه عَدْل عَادِل ; بَلْ نَفْسه يَظْلِم الظَّالِم , وَحَظّهَا يَبْخَس الْعَاصِي , وَإِيَّاهَا يَنْفَع الْمُطِيع , وَحَظّهَا يُصِيب الْعَادِل .
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة } وَالْقَرْيَة الَّتِي أَمَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَدْخُلُوهَا , فَيَأْكُلُوا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شَاءُوا فِيمَا ذُكِرَ لَنَا : بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 837 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنْبَأَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة } قَالَ : بَيْت الْمَقْدِس . 838 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة } أَمَّا الْقَرْيَة فَقَرْيَة بَيْت الْمَقْدِس . 839 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة } يَعْنِي بَيْت الْمَقْدِس . 840 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْته يَعْنِي ابْن زَيْد عَنْ قَوْله : { اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة فَكُلُوا مِنْهَا } قَالَ : هِيَ أَرِيحَا , وَهِيَ قَرْيَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : فَكُلُوا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة حَيْثُ شِئْتُمْ عَيْشًا هَنِيًّا وَاسِعًا بِغَيْرِ حِسَاب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّغَد فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا , وَذَكَرْنَا أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } أَمَّا الْبَاب الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوهُ , فَإِنَّهُ قِيلَ : هُوَ بَاب الْحِطَّة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 841 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : بَاب الْحِطَّة مِنْ بَاب إيلِيَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 842 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } أَمَّا الْبَاب فَبَاب مِنْ أَبْوَاب بَيْت الْمَقْدِس . 843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } أَنَّهُ أَحَد أَبْوَاب بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ يُدْعَى بَاب حِطَّة . وَأَمَّا قَوْله : { سُجَّدًا } فَإِنْ ابْن عَبَّاس كَانَ يَتَأَوَّلهُ بِمَعْنَى الرُّكَّع . 844 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : رُكَّعًا مِنْ بَاب صَغِير . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيُّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس . فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا رُكَّعًا . وَأَصْل السُّجُود : الِانْحِنَاء لِمَنْ سَجَدَ لَهُ مُعَظِّمًا بِذَلِكَ , فَكُلّ مُنْحَنٍ لِشَيْءٍ تَعْظِيمًا لَهُ فَهُوَ سَاجِد , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : بِجَمْعٍ تَضِلّ الْبُلْق فِي حَجَرَاته تَرَى الْأُكْم فِيهِ سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : سُجَّدًا : خَاشِعَة خَاضِعَة . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَعْشَى بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة : يُرَاوِح مِنْ صَلَوَات الْمَلِيك طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَا فَذَلِكَ تَأْوِيل ابْن عَبَّاس قَوْله : { سُجَّدًا } رُكَّعًا , لِأَنَّ الرَّاكِع مُنْحَنٍ , وَإِنْ كَانَ السَّاجِد أَشَدّ انْحِنَاء مِنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُولُوا حِطَّة } وَتَأْوِيل قَوْله : { حِطَّة } : فِعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : حَطَّ اللَّه عَنْك خَطَايَاك فَهُوَ يَحُطّهَا حِطَّة , بِمَنْزِلَةِ الرِّدَّة وَالْحِدَّة وَالْمُدَّة مِنْ رَدَدْت وَحَدَدْت وَمَدَدْت . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : 845 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَنَا مَعْمَر : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَةُ : أَيْ اُحْطُطْ عَنَّا خَطَايَانَا . 846 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَقُولُوا حِطَّة } : يَحُطّ اللَّه بِهَا عَنْكُمْ ذَنْبكُمْ وَخَطَايَاكُمْ . 847 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { قُولُوا حِطَّة } قَالَ : يَحُطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ . 848 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { حِطَّة } : مَغْفِرَة . 849 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { حِطَّة } قَالَ : يُحِطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ . 850 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّهُ يَحُطّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه . كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيله : قُولُوا الَّذِي يَحُطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ , وَهُوَ قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 851 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَسَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم الْمِصْرِيّ , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَفْص بْن عُمَر , ثنا الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : قُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْل عِكْرِمَة , إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا بِقِيلِهِ الِاسْتِغْفَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 852 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيُّ , ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا . وَقَالَ آخَرُونَ نَظِير قَوْل عِكْرِمَة , إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا الْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ هُوَ أَنْ يَقُولُوا هَذَا الْأَمْر حَقّ كَمَا قِيلَ لَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 853 - حَدَّثَنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : قُولُوا هَذَا الْأَمْر حَقّ كَمَا قِيلَ لَكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله رُفِعَتْ الْحِطَّة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : رُفِعَتْ الْحِطَّة بِمَعْنَى " قُولُوا " لِيَكُنْ مِنْكُمْ حِطَّة لِذُنُوبِنَا , كَمَا تَقُول لِلرَّجُلِ سمعك . وقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ كَلِمَة أَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَقُولُوهَا مَرْفُوعَة , وَفَرْض عَلَيْهِمْ قِيلهَا كَذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : رُفِعَتْ الْحِطَّة بِضَمِيرِ " هَذِهِ " , كَأَنَّهُ قَالَ : وَقُولُوا هَذِهِ حِطَّة . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ مَرْفُوعَة بِضَمِيرٍ مَعْنَاهُ الْخَبَر , كَأَنَّهُ قَالَ : قُولُوا مَا هُوَ حِطَّة , فَتَكُون حِطَّة حِينَئِذٍ خَبَرًا ل " وَمَا " . وَاَلَّذِي هُوَ أَقْرَب عِنْدِي فِي ذَلِكَ إلَى الصَّوَاب وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْكِتَاب , أَنْ يَكُون رَفَعَ حِطَّة بِنِيَّةِ خَبَر مَحْذُوف قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , وَهُوَ دُخُولنَا الْبَاب سُجَّدًا حِطَّة , فَكَفَى مِنْ تَكْرِيره بِهَذَا اللَّفْظ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر مِنْ التَّنْزِيل , وَهُوَ قَوْله : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إلَى رَبّكُمْ } 7 164 يَعْنِي مَوْعِظَتنَا إيَّاهُمْ مَعْذِرَة إلَى رَبّكُمْ . فَكَذَلِكَ عِنْدِي تَأْوِيل قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ : { وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة . . . وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا } دُخُولنَا ذَلِكَ سُجَّدًا { حِطَّة } لِذُنُوبِنَا , وَهَذَا الْقَوْل عَلَى نَحْو تَأْوِيل الرَّبِيع بْن أَنَس وَابْن جُرَيْجٍ وَابْن زَيْد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيل قَوْل عِكْرِمَة , فَإِنَّ الْوَاجِب أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة بِالنَّصْبِ فِي " حِطَّة " , لِأَنَّ الْقَوْم إنْ كَانُوا أَمَرُوا أَنْ يَقُولُوا : لَا إلَه إلَّا اللَّه , أَوْ أَنْ يَقُولُوا : نَسْتَغْفِر اللَّه , فَقَدْ قِيلَ لَهُمْ : قُولُوا هَذَا الْقَوْل , ف " قُولُوا " وَاقِع حِينَئِذٍ عَلَى الْحِطَّة , لِأَنَّ الْحِطَّة عَلَى قَوْل عِكْرِمَة هِيَ قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَإِذْ كَانَتْ هِيَ قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه , فَالْقَوْل عَلَيْهَا وَاقِع , كَمَا لَوْ أَمَرَ رَجُل رَجُلًا بِقَوْلِ الْخَيْر , فَقَالَ لَهُ : " قُلْ خَيْرًا " نَصْبًا , وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا أَنْ يَقُول لَهُ " قُلْ خَيْر " إلَّا عَلَى اسْتِكْرَاه شَدِيد . وَفِي إجْمَاع الْقُرَّاء عَلَى رَفْع " الْحِطَّة " بَيَان وَاضِح عَلَى خِلَاف الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة مِنْ التَّأْوِيل فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } . وَكَذَلِكَ الْوَاجِب عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة فِي " حِطَّة " نَصْبًا , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا وَضَعُوا الْمَصَادِر مَوَاضِع الْأَفْعَال وَحَذَفُوا الْأَفْعَال أَنْ يَنْصِبُوا الْمَصَادِر , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أُبِيدُوا بِأَيْدِي عُصْبَة وَسُيُوفهمْ عَلَى أُمَّهَات الْهَام ضَرْبًا شَآمِيَا وَكَقَوْلِ الْقَائِل لِلرَّجُلِ : سَمْعًا وَطَاعَة , بِمَعْنَى : أَسْمَع سَمْعًا وَأَطِيع طَاعَة , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَعَاذ اللَّه } 12 23 بِمَعْنَى نَعُوذ بِاَللَّهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { نَغْفِر لَكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { نَغْفِر لَكُمْ } نَتَغَمَّد لَكُمْ بِالرَّحْمَةِ خَطَايَاكُمْ وَنَسْتُرهَا عَلَيْكُمْ , فَلَا نَفْضَحكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا . وَأَصْل الْغَفْر : التَّغْطِيَة وَالسِّتْر , فَكُلّ سَاتِر شَيْئًا فَهُوَ غَافِره . وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْبَيْضَةِ مِنْ الْحَدِيد الَّتِي تُتَّخَذ جُنَّة لِلرَّأْسِ " مِغْفَر " , لِأَنَّهَا تُغَطِّي الرَّأْس وَتَجُنّهُ , وَمِثْله غَمَدَ السَّيْف , وَهُوَ مَا يَغْمِدهُ فَيُوَارِيه ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لزئبر الثَّوْب " عُفْرَة " , لِتَغْطِيَتِهِ الثَّوْب , وَحَوْله بَيْن النَّاظِر وَالنَّظَر إلَيْهَا . وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حُجْر : فَلَا أَعْتِب ابْن الْعَمّ إنْ كَانَ جَاهِلًا وَأَغْفِر عَنْهُ الْجَهْل إنْ كَانَ أَجْهَلَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَأَغْفِر عَنْهُ الْجَهْل : أَسْتُر عَلَيْهِ جَهْله بِحِلْمِي عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَطَايَاكُمْ } وَالْخَطَايَا جَمْع خَطِّيَّة بِغَيْرِ هَمْز كَمَا الْمَطَايَا جَمْع مَطِيَّة , وَالْحَشَايَا جَمَعَ حَشِيَّة . وَإِنَّمَا تُرِكَ جَمْع الْخَطَايَا بِالْهَمْزِ , لِأَنَّ تَرْك الْهَمْز فِي خَطِيئَة أَكْثَر مِنْ الْهَمْز , فَجَمَعَ عَلَى خَطَايَا , عَلَى أَنَّ وَاحِدَتهَا غَيْر مَهْمُوزَة . وَلَوْ كَانَتْ الْخَطَايَا مَجْمُوعَة عَلَى خَطِيئَة بِالْهَمْزِ لَقِيلَ خَطَائِي عَلَى مِثْل قَبِيلَة وَقَبَائِل , وَصَحِيفَة وَصَحَائِف . وَقَدْ تُجْمَع خَطِيئَة بِالتَّاءِ فَيُهْمَز فَيُقَال خَطِيئَات , وَالْخَطِيئَة فَعِيلَة مِنْ خَطِئَ الرَّجُل يَخْطَأ خِطْئًا , وَذَلِكَ إذَا عَدَلَ عَنْ سَبِيل الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَإِنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ لَعَمْر اللَّه قَدْ خَطِئَا وَخَابَا يَعْنِي أَضَلَّا الْحَقّ وَأَثِمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } وَتَأْوِيل ذَلِكَ مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ مَا : 854 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُحْسِنًا زِيدَ فِي إحْسَانه , وَمَنْ كَانَ مُخْطِئًا نَغْفِر لَهُ خَطِيئَته . فَتَأْوِيل الْآيَة : وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة مُبَاحًا لَكُمْ كُلّ مَا فِيهَا مِنْ الطَّيِّبَات , مُوَسَّعًا عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ حِسَاب , وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا , وَقُولُوا : سُجُودنَا هَذَا لِلَّهِ حِطَّة مِنْ رَبّنَا لِذُنُوبِنَا يَحُطّ بِهِ آثَامِنَا , نَتَغَمَّد لَكُمْ ذُنُوب الْمُذْنِب مِنْكُمْ فَنَسْتُرهَا عَلَيْهِ , وَنَحُطّ أَوَزَارَهُ عَنْهُ , وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ مِنْكُمْ إلَى إحْسَاننَا السَّالِف عِنْده إحْسَانًا . ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَظِيم جَهَالَتهمْ , وَسُوء طَاعَتهمْ رَبّهمْ وَعِصْيَانهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِهِ , مَعَ عَظِيم آلَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِنْدهمْ , وَعَجَائِب مَا أَدَّاهُمْ مِنْ آيَاتهمْ عِبْرَة , مُوَبِّخًا بِذَلِكَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَات , وَمُعَلِّمهمْ أَنَّهُمْ إنْ تَعَدَّوْا فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَجُحُودهمْ نُبُوَّته مَعَ عَظِيم إحْسَان اللَّه بِمَبْعَثِهِ فِيهِمْ إلَيْهِمْ , وَعَجَائِب مَا أَظَهَرَ عَلَى يَده مِنْ الْحُجَج بَيْن أَظْهُرهمْ , أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . وَقَصَّ عَلَيْنَا أَنْبَاءَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : فَكُلُوا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة حَيْثُ شِئْتُمْ عَيْشًا هَنِيًّا وَاسِعًا بِغَيْرِ حِسَاب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّغَد فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا , وَذَكَرْنَا أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } أَمَّا الْبَاب الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوهُ , فَإِنَّهُ قِيلَ : هُوَ بَاب الْحِطَّة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 841 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : بَاب الْحِطَّة مِنْ بَاب إيلِيَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 842 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } أَمَّا الْبَاب فَبَاب مِنْ أَبْوَاب بَيْت الْمَقْدِس . 843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } أَنَّهُ أَحَد أَبْوَاب بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ يُدْعَى بَاب حِطَّة . وَأَمَّا قَوْله : { سُجَّدًا } فَإِنْ ابْن عَبَّاس كَانَ يَتَأَوَّلهُ بِمَعْنَى الرُّكَّع . 844 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : رُكَّعًا مِنْ بَاب صَغِير . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيُّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس . فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا رُكَّعًا . وَأَصْل السُّجُود : الِانْحِنَاء لِمَنْ سَجَدَ لَهُ مُعَظِّمًا بِذَلِكَ , فَكُلّ مُنْحَنٍ لِشَيْءٍ تَعْظِيمًا لَهُ فَهُوَ سَاجِد , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : بِجَمْعٍ تَضِلّ الْبُلْق فِي حَجَرَاته تَرَى الْأُكْم فِيهِ سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : سُجَّدًا : خَاشِعَة خَاضِعَة . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَعْشَى بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة : يُرَاوِح مِنْ صَلَوَات الْمَلِيك طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَا فَذَلِكَ تَأْوِيل ابْن عَبَّاس قَوْله : { سُجَّدًا } رُكَّعًا , لِأَنَّ الرَّاكِع مُنْحَنٍ , وَإِنْ كَانَ السَّاجِد أَشَدّ انْحِنَاء مِنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُولُوا حِطَّة } وَتَأْوِيل قَوْله : { حِطَّة } : فِعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : حَطَّ اللَّه عَنْك خَطَايَاك فَهُوَ يَحُطّهَا حِطَّة , بِمَنْزِلَةِ الرِّدَّة وَالْحِدَّة وَالْمُدَّة مِنْ رَدَدْت وَحَدَدْت وَمَدَدْت . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : 845 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَنَا مَعْمَر : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَةُ : أَيْ اُحْطُطْ عَنَّا خَطَايَانَا . 846 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَقُولُوا حِطَّة } : يَحُطّ اللَّه بِهَا عَنْكُمْ ذَنْبكُمْ وَخَطَايَاكُمْ . 847 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { قُولُوا حِطَّة } قَالَ : يَحُطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ . 848 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { حِطَّة } : مَغْفِرَة . 849 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { حِطَّة } قَالَ : يُحِطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ . 850 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّهُ يَحُطّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه . كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيله : قُولُوا الَّذِي يَحُطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ , وَهُوَ قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 851 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَسَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم الْمِصْرِيّ , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَفْص بْن عُمَر , ثنا الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : قُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْل عِكْرِمَة , إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا بِقِيلِهِ الِاسْتِغْفَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 852 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيُّ , ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا . وَقَالَ آخَرُونَ نَظِير قَوْل عِكْرِمَة , إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا الْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ هُوَ أَنْ يَقُولُوا هَذَا الْأَمْر حَقّ كَمَا قِيلَ لَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 853 - حَدَّثَنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : قُولُوا هَذَا الْأَمْر حَقّ كَمَا قِيلَ لَكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله رُفِعَتْ الْحِطَّة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : رُفِعَتْ الْحِطَّة بِمَعْنَى " قُولُوا " لِيَكُنْ مِنْكُمْ حِطَّة لِذُنُوبِنَا , كَمَا تَقُول لِلرَّجُلِ سمعك . وقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ كَلِمَة أَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَقُولُوهَا مَرْفُوعَة , وَفَرْض عَلَيْهِمْ قِيلهَا كَذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : رُفِعَتْ الْحِطَّة بِضَمِيرِ " هَذِهِ " , كَأَنَّهُ قَالَ : وَقُولُوا هَذِهِ حِطَّة . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ مَرْفُوعَة بِضَمِيرٍ مَعْنَاهُ الْخَبَر , كَأَنَّهُ قَالَ : قُولُوا مَا هُوَ حِطَّة , فَتَكُون حِطَّة حِينَئِذٍ خَبَرًا ل " وَمَا " . وَاَلَّذِي هُوَ أَقْرَب عِنْدِي فِي ذَلِكَ إلَى الصَّوَاب وَأَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْكِتَاب , أَنْ يَكُون رَفَعَ حِطَّة بِنِيَّةِ خَبَر مَحْذُوف قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , وَهُوَ دُخُولنَا الْبَاب سُجَّدًا حِطَّة , فَكَفَى مِنْ تَكْرِيره بِهَذَا اللَّفْظ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر مِنْ التَّنْزِيل , وَهُوَ قَوْله : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إلَى رَبّكُمْ } 7 164 يَعْنِي مَوْعِظَتنَا إيَّاهُمْ مَعْذِرَة إلَى رَبّكُمْ . فَكَذَلِكَ عِنْدِي تَأْوِيل قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ : { وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة . . . وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا } دُخُولنَا ذَلِكَ سُجَّدًا { حِطَّة } لِذُنُوبِنَا , وَهَذَا الْقَوْل عَلَى نَحْو تَأْوِيل الرَّبِيع بْن أَنَس وَابْن جُرَيْجٍ وَابْن زَيْد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيل قَوْل عِكْرِمَة , فَإِنَّ الْوَاجِب أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة بِالنَّصْبِ فِي " حِطَّة " , لِأَنَّ الْقَوْم إنْ كَانُوا أَمَرُوا أَنْ يَقُولُوا : لَا إلَه إلَّا اللَّه , أَوْ أَنْ يَقُولُوا : نَسْتَغْفِر اللَّه , فَقَدْ قِيلَ لَهُمْ : قُولُوا هَذَا الْقَوْل , ف " قُولُوا " وَاقِع حِينَئِذٍ عَلَى الْحِطَّة , لِأَنَّ الْحِطَّة عَلَى قَوْل عِكْرِمَة هِيَ قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَإِذْ كَانَتْ هِيَ قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه , فَالْقَوْل عَلَيْهَا وَاقِع , كَمَا لَوْ أَمَرَ رَجُل رَجُلًا بِقَوْلِ الْخَيْر , فَقَالَ لَهُ : " قُلْ خَيْرًا " نَصْبًا , وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا أَنْ يَقُول لَهُ " قُلْ خَيْر " إلَّا عَلَى اسْتِكْرَاه شَدِيد . وَفِي إجْمَاع الْقُرَّاء عَلَى رَفْع " الْحِطَّة " بَيَان وَاضِح عَلَى خِلَاف الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة مِنْ التَّأْوِيل فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } . وَكَذَلِكَ الْوَاجِب عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ فِي قَوْله : { وَقُولُوا حِطَّة } أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة فِي " حِطَّة " نَصْبًا , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا وَضَعُوا الْمَصَادِر مَوَاضِع الْأَفْعَال وَحَذَفُوا الْأَفْعَال أَنْ يَنْصِبُوا الْمَصَادِر , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أُبِيدُوا بِأَيْدِي عُصْبَة وَسُيُوفهمْ عَلَى أُمَّهَات الْهَام ضَرْبًا شَآمِيَا وَكَقَوْلِ الْقَائِل لِلرَّجُلِ : سَمْعًا وَطَاعَة , بِمَعْنَى : أَسْمَع سَمْعًا وَأَطِيع طَاعَة , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَعَاذ اللَّه } 12 23 بِمَعْنَى نَعُوذ بِاَللَّهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { نَغْفِر لَكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { نَغْفِر لَكُمْ } نَتَغَمَّد لَكُمْ بِالرَّحْمَةِ خَطَايَاكُمْ وَنَسْتُرهَا عَلَيْكُمْ , فَلَا نَفْضَحكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا . وَأَصْل الْغَفْر : التَّغْطِيَة وَالسِّتْر , فَكُلّ سَاتِر شَيْئًا فَهُوَ غَافِره . وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْبَيْضَةِ مِنْ الْحَدِيد الَّتِي تُتَّخَذ جُنَّة لِلرَّأْسِ " مِغْفَر " , لِأَنَّهَا تُغَطِّي الرَّأْس وَتَجُنّهُ , وَمِثْله غَمَدَ السَّيْف , وَهُوَ مَا يَغْمِدهُ فَيُوَارِيه ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لزئبر الثَّوْب " عُفْرَة " , لِتَغْطِيَتِهِ الثَّوْب , وَحَوْله بَيْن النَّاظِر وَالنَّظَر إلَيْهَا . وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حُجْر : فَلَا أَعْتِب ابْن الْعَمّ إنْ كَانَ جَاهِلًا وَأَغْفِر عَنْهُ الْجَهْل إنْ كَانَ أَجْهَلَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَأَغْفِر عَنْهُ الْجَهْل : أَسْتُر عَلَيْهِ جَهْله بِحِلْمِي عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَطَايَاكُمْ } وَالْخَطَايَا جَمْع خَطِّيَّة بِغَيْرِ هَمْز كَمَا الْمَطَايَا جَمْع مَطِيَّة , وَالْحَشَايَا جَمَعَ حَشِيَّة . وَإِنَّمَا تُرِكَ جَمْع الْخَطَايَا بِالْهَمْزِ , لِأَنَّ تَرْك الْهَمْز فِي خَطِيئَة أَكْثَر مِنْ الْهَمْز , فَجَمَعَ عَلَى خَطَايَا , عَلَى أَنَّ وَاحِدَتهَا غَيْر مَهْمُوزَة . وَلَوْ كَانَتْ الْخَطَايَا مَجْمُوعَة عَلَى خَطِيئَة بِالْهَمْزِ لَقِيلَ خَطَائِي عَلَى مِثْل قَبِيلَة وَقَبَائِل , وَصَحِيفَة وَصَحَائِف . وَقَدْ تُجْمَع خَطِيئَة بِالتَّاءِ فَيُهْمَز فَيُقَال خَطِيئَات , وَالْخَطِيئَة فَعِيلَة مِنْ خَطِئَ الرَّجُل يَخْطَأ خِطْئًا , وَذَلِكَ إذَا عَدَلَ عَنْ سَبِيل الْحَقّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَإِنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ لَعَمْر اللَّه قَدْ خَطِئَا وَخَابَا يَعْنِي أَضَلَّا الْحَقّ وَأَثِمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } وَتَأْوِيل ذَلِكَ مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ ابْن عَبَّاس , وَهُوَ مَا : 854 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُحْسِنًا زِيدَ فِي إحْسَانه , وَمَنْ كَانَ مُخْطِئًا نَغْفِر لَهُ خَطِيئَته . فَتَأْوِيل الْآيَة : وَإِذْ قُلْنَا اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة مُبَاحًا لَكُمْ كُلّ مَا فِيهَا مِنْ الطَّيِّبَات , مُوَسَّعًا عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ حِسَاب , وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا , وَقُولُوا : سُجُودنَا هَذَا لِلَّهِ حِطَّة مِنْ رَبّنَا لِذُنُوبِنَا يَحُطّ بِهِ آثَامِنَا , نَتَغَمَّد لَكُمْ ذُنُوب الْمُذْنِب مِنْكُمْ فَنَسْتُرهَا عَلَيْهِ , وَنَحُطّ أَوَزَارَهُ عَنْهُ , وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ مِنْكُمْ إلَى إحْسَاننَا السَّالِف عِنْده إحْسَانًا . ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَظِيم جَهَالَتهمْ , وَسُوء طَاعَتهمْ رَبّهمْ وَعِصْيَانهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِهِ , مَعَ عَظِيم آلَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عِنْدهمْ , وَعَجَائِب مَا أَدَّاهُمْ مِنْ آيَاتهمْ عِبْرَة , مُوَبِّخًا بِذَلِكَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَات , وَمُعَلِّمهمْ أَنَّهُمْ إنْ تَعَدَّوْا فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَجُحُودهمْ نُبُوَّته مَعَ عَظِيم إحْسَان اللَّه بِمَبْعَثِهِ فِيهِمْ إلَيْهِمْ , وَعَجَائِب مَا أَظَهَرَ عَلَى يَده مِنْ الْحُجَج بَيْن أَظْهُرهمْ , أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . وَقَصَّ عَلَيْنَا أَنْبَاءَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } الْآيَة .
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } وَتَأْوِيل قَوْله : { فَبَدَّلَ } فَغَيَّرَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ ظَلَمُوا } الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْله . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } بَدَّلُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ فَقَالُوا خِلَافه , وَذَلِكَ هُوَ التَّبْدِيل وَالتَّغَيُّر الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ . وَكَانَ تَبْدِيلهمْ - بِالْقَوْلِ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ - قَوْلًا غَيْره , مَا : 855 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يُحْيِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبَّه أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : قَالَ اللَّه لِبَنِي إسْرَائِيل : اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة نَغْفِر لَكُمْ خَطَايَاكُمْ , فَبَدَّلُوا وَدَخَلُوا الْبَاب يَزْحَفُونَ عَلَى اسْتَاهُمْ وَقَالُوا : حَبَّة فِي شَعِيرَة . * حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة وَعَلِيّ بْن مُجَاهِد , قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَانَ , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . قَالَ : 856 - وَحُدِّثْت عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : { دَخَلُوا الْبَاب الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجَّدًا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاههمْ يَقُولُونَ حِنْطَة فِي شَعِيرَة } . 857 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ هَمَّام , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي قَوْله : { حِطَّة } قَالَ : { بَدَّلُوا فَقَالُوا : حَبَّة } . 858 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِي الْكَنُود , عَنْ عَبْد اللَّه : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } قَالُوا : حِنْطَة حَمْرَاء فِيهَا شَعِيرَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . 859 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : رُكُوعًا مِنْ بَاب صَغِير . فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ مِنْ قِبَل أَسْتَاههمْ . وَيَقُولُونَ حِنْطَة ; فَذَلِكَ قَوْله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا رُكَّعًا , وَيَقُولُوا حِطَّة - قَالَ أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا - قَالَ : فَجُعِلُوا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ قِبَل أَسْتَاههمْ مِنْ بَاب صَغِير وَيَقُولُونَ حِنْطَة يَسْتَهْزِئُونَ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . 860 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يُحْيِي , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَنْبَأَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَا : دَخَلُوهَا عَلَى غَيْر الْجِهَة الَّتِي أُمِرُوا بِهَا , فَدَخَلُوهَا مُتَزَحِّفِينَ عَلَى أَوَرَامِكهمْ , وَبَدَّلُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ , فَقَالُوا حَبَّة فِي شَعِيرَة . 861 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْبَاهِلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَمَرَ مُوسَى قَوْمه أَنْ يَدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَيَقُولُوا حِطَّة , وَطُؤْطِئَ لَهُمْ الْبَاب لِيَسْجُدُوا فَلَمْ يَسْجُدُوا وَدَخَلُوا عَلَى أَدْبَارهمْ وَقَالُوا حِنْطَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ أَمَرَ مُوسَى قَوْمه أَنْ يَدْخُلُوا الْمَسْجِد وَيَقُولُوا حِطَّة , وَطُؤْطِئَ لَهُمْ الْبَاب لِيَقُولُوا رُؤْسهمْ , فَلَمْ يَسْجُدُوا وَدَخَلُوا عَلَى أَسْتَاههمْ إلَى الْجَبَل , وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي تَجَلَّى لَهُ رَبّه وَقَالُوا : حِنْطَة . فَذَلِكَ التَّبْدِيل الَّذِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . 862 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ الْهَمْدَانِيّ عَنْ ابْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : إنَّهُمْ قَالُوا : " هطى سمقا يَا ازبة هزبا " , وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ : حِبْطَة حِنْطَة حَمْرَاء مَثْقُوبَة فِيهَا شَعِيرَة سَوْدَاء . فَذَلِكَ قَوْله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . 863 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } قَالَ : فَدَخَلُوا عَلَى أَسْتَاههمْ مُنْقِعِي رُءُوسهمْ . 864 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر بْن عَدِيّ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا } فَدَخَلُوا مُنْقِعِي رُءُوسهمْ , { وَقُولُوا حِطَّة } فَقَالُوا : حِنْطَة حَمْرَاء فِيهَا شَعِيرَة , فَذَلِكَ قَوْله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . 865 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } قَالَ : فَكَانَ سُجُود أَحَدهمْ عَلَى خَدّه , { وَقُولُوا حِطَّة } نُحِطّ عَنْكُمْ خَطَايَاكُمْ , فَقَالُوا : حِنْطَة , وَقَالَ بَعْضهمْ : حَبَّة فِي شَعِيرَة . { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . 866 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } يَحُطّ اللَّه بِهَا عَنْكُمْ ذَنْبكُمْ وَخَطِيئَاتكُمْ . قَالَ : فَاسْتَهْزَءُوا بِهِ - يَعْنِي بِمُوسَى - وَقَالُوا : مَا يَشَاء مُوسَى أَنْ يَلْعَب بِنَا إلَّا لَعِبَ بِنَا حِطَّة حِطَّة ! أَيْ شَيْء حِطَّة ؟ وَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : حِنْطَة . 867 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , وَقَالَ ابْن عَبَّاس : لَمَّا دَخَلُوا قَالُوا : حَبَّة فِي شَعِيرَة . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمِّي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا دَخَلُوا الْبَاب قَالُوا حَبَّة فِي شَعِيرَة , فَبَدَّلُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } عَلَى الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْله مِنْ تَبْدِيلهمْ الْقَوْل - الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يَقُولُوهُ - قَوْلًا غَيْره , وَمَعْصِيَتهمْ إيَّاهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَبِرُكُوبِهِمْ مَا قَدْ نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبه { رِجْزًا مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . وَالرِّجْز فِي لُغَة الْعَرَب : الْعَذَاب , وَهُوَ غَيْر الرِّجْز , وَذَلِكَ أَنَّ الرِّجْز : الْبَثْر , وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الطَّاعُون أَنَّهُ قَالَ : " إنَّهُ رِجْز عَذَّبَ بِهِ بَعْض الْأُمَم الَّذِينَ قَبْلكُمْ " . 868 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَامِر بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : " إنَّ هَذَا الْوَجَع أَوْ السَّقَم رِجْز عَذَّبَ لَهُ بَعْض الْأُمَم قَبْلكُمْ " . 869 - وَحَدَّثَنِي أَبُو شَيْبَة بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة , قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَر بْن حَفْص , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ الشَّيْبَانِيّ عَنْ رَبَاح بْن عُبَيْدَة , عِنْد عَامِر بْن سَعْد , قَالَ : شَهِدْت أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ سَعْد بْن مَالِك يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { إنَّ الطَّاعُون رِجْز أُنْزِلَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ - أَوْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل - } . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 870 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { رِجْزًا } قَالَ : عَذَابًا . 871 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ؟ { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } قَالَ : الرِّجْز : الْغَضَب . 872 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَا : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا قِيلَ لِبَنِي إسْرَائِيل : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } بَعَثَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ الطَّاعُون , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدًا . وَقَرَأَ : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . قَالَ : وَبَقِيَ الْأَبْنَاء , فَفِيهِمْ الْفَضْل وَالْعِبَادَة الَّتِي تُوصَف فِي بَنِي إسْرَائِيل وَالْخَيْر , وَهَلَكَ الْأَبَاء كُلّهمْ , أَهْلَكَهُمْ الطَّاعُون . 873 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الرِّجْز : الْعَذَاب , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن رِجْز فَهُوَ عَذَاب . 874 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { رِجْزًا } قَالَ : كُلّ شَيْء فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الرِّجْز , يَعْنِي بِهِ الْعَذَاب . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ تَأْوِيل الرِّجْز : الْعَذَاب . وَعَذَاب اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْنَاف مُخْتَلِفَة . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَنَزَلَ عَلَى الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرهمْ الرِّجْز مِنْ السَّمَاء , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ طَاعُونًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون غَيْره , وَلَا دَلَالَة فِي ظَاهِر الْقُرْآن وَلَا فِي أَثَر عَنْ الرَّسُول ثَابِت أَيْ أَصْنَاف ذَلِكَ كَانَ . فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } بِفِسْقِهِمْ . غَيْر أَنَّهُ يَغْلِب عَلَى النَّفْس صِحَّة مَا قَالَهُ ابْن زَيْد لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي إخْبَاره عَنْ الطَّاعُون أَنَّهُ رِجْز , وَأَنَّهُ عَذَّبَ بِهِ قَوْم قَبْلنَا . وَإِنْ كُنْت لَا أَقُول إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَقِينًا ; لِأَنَّ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا بَيَان فِيهِ أَيْ أُمَّة عُذِّبَتْ بِذَلِكَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الَّذِينَ عُذِّبُوا بِهِ كَانُوا غَيْر الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي قَوْله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفِسْق : الْخُرُوج مِنْ الشَّيْء . فَتَأْوِيل قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } إذَا بِمَا كَانُوا يَتْرُكُونَ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَيَخْرُجُونَ عَنْهَا إلَى مَعْصِيَته وَخِلَاف أَمْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } عَلَى الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْله مِنْ تَبْدِيلهمْ الْقَوْل - الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يَقُولُوهُ - قَوْلًا غَيْره , وَمَعْصِيَتهمْ إيَّاهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَبِرُكُوبِهِمْ مَا قَدْ نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبه { رِجْزًا مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . وَالرِّجْز فِي لُغَة الْعَرَب : الْعَذَاب , وَهُوَ غَيْر الرِّجْز , وَذَلِكَ أَنَّ الرِّجْز : الْبَثْر , وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الطَّاعُون أَنَّهُ قَالَ : " إنَّهُ رِجْز عَذَّبَ بِهِ بَعْض الْأُمَم الَّذِينَ قَبْلكُمْ " . 868 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَامِر بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ : " إنَّ هَذَا الْوَجَع أَوْ السَّقَم رِجْز عَذَّبَ لَهُ بَعْض الْأُمَم قَبْلكُمْ " . 869 - وَحَدَّثَنِي أَبُو شَيْبَة بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة , قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَر بْن حَفْص , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ الشَّيْبَانِيّ عَنْ رَبَاح بْن عُبَيْدَة , عِنْد عَامِر بْن سَعْد , قَالَ : شَهِدْت أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ سَعْد بْن مَالِك يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ : { إنَّ الطَّاعُون رِجْز أُنْزِلَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ - أَوْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل - } . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 870 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { رِجْزًا } قَالَ : عَذَابًا . 871 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ؟ { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } قَالَ : الرِّجْز : الْغَضَب . 872 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَا : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا قِيلَ لِبَنِي إسْرَائِيل : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } بَعَثَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ الطَّاعُون , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدًا . وَقَرَأَ : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . قَالَ : وَبَقِيَ الْأَبْنَاء , فَفِيهِمْ الْفَضْل وَالْعِبَادَة الَّتِي تُوصَف فِي بَنِي إسْرَائِيل وَالْخَيْر , وَهَلَكَ الْأَبَاء كُلّهمْ , أَهْلَكَهُمْ الطَّاعُون . 873 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الرِّجْز : الْعَذَاب , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن رِجْز فَهُوَ عَذَاب . 874 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { رِجْزًا } قَالَ : كُلّ شَيْء فِي كِتَاب اللَّه مِنْ الرِّجْز , يَعْنِي بِهِ الْعَذَاب . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ تَأْوِيل الرِّجْز : الْعَذَاب . وَعَذَاب اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْنَاف مُخْتَلِفَة . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَنَزَلَ عَلَى الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرهمْ الرِّجْز مِنْ السَّمَاء , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ طَاعُونًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون غَيْره , وَلَا دَلَالَة فِي ظَاهِر الْقُرْآن وَلَا فِي أَثَر عَنْ الرَّسُول ثَابِت أَيْ أَصْنَاف ذَلِكَ كَانَ . فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاء } بِفِسْقِهِمْ . غَيْر أَنَّهُ يَغْلِب عَلَى النَّفْس صِحَّة مَا قَالَهُ ابْن زَيْد لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي إخْبَاره عَنْ الطَّاعُون أَنَّهُ رِجْز , وَأَنَّهُ عَذَّبَ بِهِ قَوْم قَبْلنَا . وَإِنْ كُنْت لَا أَقُول إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَقِينًا ; لِأَنَّ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا بَيَان فِيهِ أَيْ أُمَّة عُذِّبَتْ بِذَلِكَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الَّذِينَ عُذِّبُوا بِهِ كَانُوا غَيْر الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي قَوْله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفِسْق : الْخُرُوج مِنْ الشَّيْء . فَتَأْوِيل قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } إذَا بِمَا كَانُوا يَتْرُكُونَ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَيَخْرُجُونَ عَنْهَا إلَى مَعْصِيَته وَخِلَاف أَمْره .
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ } : وَإِذْ اسْتَسْقَانَا مُوسَى لِقَوْمِهِ : أَيْ سَأَلَنَا أَنْ نَسْقِيَ قَوْمه مَاء . فَتَرَك ذِكْر الْمَسْئُول ذَلِكَ , وَالْمَعْنَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى , إذْ كَانَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْكَلَام الظَّاهِر دَلَالَة عَلَى مَعْنَى مَا تَرَكَ . وَكَذَلِكَ قَوْله : { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَى الْمَتْرُوك مِنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام , فَقُلْنَا : اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر , فَضَرَبَهُ فَانْفَجَرَتْ . فَتَرَكَ ذِكْر الْخَبَر عَنْ ضَرْب مُوسَى الْحَجَر , إذْ كَانَ فِيمَا ذَكَرَ دَلَالَة عَلَى الْمُرَاد مِنْهُ . وَكَذَلِكَ قَوْله : { قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس مَشْرَبهمْ } إنَّمَا مَعْنَاهُ : قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس مِنْهُمْ مَشْرَبهمْ , فَتَرَكَ ذِكْر مِنْهُمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ النَّاس جَمْع لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه , وَأَنَّ الْإِنْسَان لَوْ جُمِعَ عَلَى لَفْظه لَقِيلَ : أَنَاسِيّ وأناسية . وَقَوْم مُوسَى هُمْ بَنُو إسْرَائِيل الَّذِينَ قَصَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَصَصهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , وَإِنَّمَا اسْتَسْقَى لَهُمْ رَبّه الْمَاء فِي الْحَال الَّتِي تَاهُوا فِيهَا فِي التِّيه , كَمَا : 875 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ } الْآيَة قَالَ : كَانَ هَذَا إذْ هُمْ فِي الْبَرِّيَّة اشْتَكَوْا إلَى نَبِيّهمْ الظَّمَأ , فَأُمِرُوا بِحَجَر طوري - أَيْ مِنْ الطُّور - أَنْ يَضْرِبهُ مُوسَى بِعَصَاهُ , فَكَانُوا يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ , فَإِذَا نَزَلُوا ضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ , فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , لِكُلِّ سِبْط عَيْن مَعْلُومَة مُسْتَفِيض مَاؤُهَا لَهُمْ . 876 - حَدَّثَنِي تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْبَغ بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ذَلِكَ فِي التِّيه ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَابًا لَا تَبْلَى وَلَا تَتَّسِخ , وَجَعَلَ بَيْن ظَهْرَانَيْهِمْ حَجَر مُرَبَّع , وَأُمِرَ مُوسَى فَضَرَبَ بِعَصَاهُ الْحَجَر , فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا فِي كُلّ نَاحِيَة مِنْهُ ثَلَاث عُيُون , لِكُلِّ سِبْط عَيْن , وَلَا يَرْتَحِلُونَ مَنْقَلَة إلَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْحَجَر مَعَهُمْ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَعَهُمْ فِي الْمَنْزِل الْأَوَّل . 877 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ذَلِكَ فِي التِّيه , ضَرَبَ لَهُمْ مُوسَى الْحَجَر , فَصَارَ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا مِنْ مَاء , لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْن يَشْرَبُونَ مِنْهَا . 878 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا } لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْن , كُلّ ذَلِكَ كَانَ فِي تِيههمْ حِين تَاهُوا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ } قَالَ : خَافُوا الظَّمَأ فِي تِيههمْ حِين تَاهُوا , فَانْفَجَرَ لَهُمْ الْحَجَر اثْنَتَيْ عَشْرَة عَيْنًا ضَرَبَهُ مُوسَى . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : الْأَسْبَاط : بَنُو يَعْقُوب كَانُوا اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ وَلَدَ سِبْطًا أُمَّة مِنْ النَّاس . 879 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : اسْتَسْقَى لَهُمْ مُوسَى فِي التِّيه , فَسُقُوا فِي حَجَر مِثْل رَأْس الشَّاة . قَالَ : يَلْقَوْنَهُ فِي جَوَانِب الْجُوَالِق إذَا ارْتَحَلُوا , وَيَقْرَعهُ مُوسَى بِالْعَصَا إذَا نَزَلَ , فَتَنْفَجِر مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْن . فَكَانَ بَنُو إسْرَائِيل يَشْرَبُونَ مِنْهُ , حَتَّى إذَا كَانَ الرَّحِيل اسْتَمْسَكَتْ الْعُيُون , وَقِيلَ بِهِ فَأَلْقَى فِي جَانِب الْجُوَالِق , فَإِذَا نَزَلَ رُمِيَ بِهِ . فَقَرَعَهُ بِالْعَصَا , فَتَفَجَّرَتْ عَيْن مِنْ كُلّ نَاحِيَة مِثْل الْبَحْر . 880 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي التِّيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْق اللَّه } وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِذَكَرِ مَا هُوَ ظَاهِر مِنْهُ عَنْ ذِكْره مَا تَرَكَ ذِكْره . وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام : { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر } فَضَرَبَهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس مَشْرَبهمْ , فَقِيلَ لَهُمْ : كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْق اللَّه أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِأَكْلِ مَا رَزَقَهُمْ فِي التِّيه مِنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَبِشُرْبِ مَا فَجَّرَ لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْمَاء مِنْ الْحَجَر الْمُتَعَاوِر الَّذِي لَا قَرَار لَهُ فِي الْأَرْض , وَلَا سَبِيل إلَيْهِ إلَّا لِمَالِكِيهِ , يَتَدَفَّق بِعُيُونِ الْمَاء وَيَزْخَر بِيَنَابِيع الْعَذْب الْفُرَات بِقُدْرَةِ ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام . ثُمَّ تَقَدَّمَ جَلَّ ذِكْره إلَيْهِمْ مَعَ إبَاحَتهمْ مَا أَبَاحَ وَإِنْعَامه بِمَا أَنَعَمْ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَيْش الْهَنِيء , بِالنَّهْيِ عَنْ السَّعْي فِي الْأَرْض فَسَادًا , وَالْعُثَى فِيهَا اسْتِكْبَارًا , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا تَعْثَوْا } لَا تَطْغَوْا , وَلَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ . كَمَا : 881 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } يَقُول : لَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْض فَسَادًا . 882 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } لَا تَعْثَ : لَا تَطْغَ . 883 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } : أَيْ لَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ . 884 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } لَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْض . وَأَصْل الْعُثَى شِدَّة الْإِفْسَاد , بَلْ هُوَ أَشَدّ الْإِفْسَاد , يُقَال مِنْهُ : عَثَا فُلَان فِي الْأَرْض : إذَا تَجَاوَزَ فِي الْإِفْسَاد إلَى غَايَته , يَعْثَى عُثًى مَقْصُور , وَلِلْجَمَاعَةِ : هُمْ يَعْثَوْنَ , وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ : إحْدَاهُمَا عَثَا يَعْثُو عُثُوًّا ; وَمَنْ قَرَأَهَا بِهَذِهِ اللُّغَة , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَضُمّ الثَّاء مِنْ يَعْثُو , وَلَا نَعْلَم قَارِئًا يُقْتَدَى بِقِرَاءَتِهِ قَرَأَ بِهِ . وَمَنْ نَطَقَ بِهَذِهِ اللُّغَة مُخْبِرًا عَنْ نَفْسه قَالَ : عَثَوْت أَعْثُو , وَمَنْ نَطَقَ بِاللُّغَةِ الْأُولَى , قَالَ : عَثَيْتُ أَعْثِي , وَالْأُخْرَى مِنْهُمَا عَاثَ يَعِيث عَيْثًا وَعُيُوثًا وَعَيَثَانًا , كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِد . وَمِنْ الْعَيْث قَوْل رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : وَعَاثَ فِينَا مُسْتَحِلّ عَائِث مُصَدِّق أَوْ تَاجِر مقاعث يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَاثَ فِينَا : أَفْسَدَ فِينَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْق اللَّه } وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِذَكَرِ مَا هُوَ ظَاهِر مِنْهُ عَنْ ذِكْره مَا تَرَكَ ذِكْره . وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام : { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر } فَضَرَبَهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا , قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس مَشْرَبهمْ , فَقِيلَ لَهُمْ : كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْق اللَّه أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِأَكْلِ مَا رَزَقَهُمْ فِي التِّيه مِنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَبِشُرْبِ مَا فَجَّرَ لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْمَاء مِنْ الْحَجَر الْمُتَعَاوِر الَّذِي لَا قَرَار لَهُ فِي الْأَرْض , وَلَا سَبِيل إلَيْهِ إلَّا لِمَالِكِيهِ , يَتَدَفَّق بِعُيُونِ الْمَاء وَيَزْخَر بِيَنَابِيع الْعَذْب الْفُرَات بِقُدْرَةِ ذِي الْجَلَال وَالْإِكْرَام . ثُمَّ تَقَدَّمَ جَلَّ ذِكْره إلَيْهِمْ مَعَ إبَاحَتهمْ مَا أَبَاحَ وَإِنْعَامه بِمَا أَنَعَمْ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَيْش الْهَنِيء , بِالنَّهْيِ عَنْ السَّعْي فِي الْأَرْض فَسَادًا , وَالْعُثَى فِيهَا اسْتِكْبَارًا , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا تَعْثَوْا } لَا تَطْغَوْا , وَلَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ . كَمَا : 881 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } يَقُول : لَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْض فَسَادًا . 882 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } لَا تَعْثَ : لَا تَطْغَ . 883 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } : أَيْ لَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ . 884 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } لَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْض . وَأَصْل الْعُثَى شِدَّة الْإِفْسَاد , بَلْ هُوَ أَشَدّ الْإِفْسَاد , يُقَال مِنْهُ : عَثَا فُلَان فِي الْأَرْض : إذَا تَجَاوَزَ فِي الْإِفْسَاد إلَى غَايَته , يَعْثَى عُثًى مَقْصُور , وَلِلْجَمَاعَةِ : هُمْ يَعْثَوْنَ , وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ : إحْدَاهُمَا عَثَا يَعْثُو عُثُوًّا ; وَمَنْ قَرَأَهَا بِهَذِهِ اللُّغَة , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَضُمّ الثَّاء مِنْ يَعْثُو , وَلَا نَعْلَم قَارِئًا يُقْتَدَى بِقِرَاءَتِهِ قَرَأَ بِهِ . وَمَنْ نَطَقَ بِهَذِهِ اللُّغَة مُخْبِرًا عَنْ نَفْسه قَالَ : عَثَوْت أَعْثُو , وَمَنْ نَطَقَ بِاللُّغَةِ الْأُولَى , قَالَ : عَثَيْتُ أَعْثِي , وَالْأُخْرَى مِنْهُمَا عَاثَ يَعِيث عَيْثًا وَعُيُوثًا وَعَيَثَانًا , كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِد . وَمِنْ الْعَيْث قَوْل رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : وَعَاثَ فِينَا مُسْتَحِلّ عَائِث مُصَدِّق أَوْ تَاجِر مقاعث يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَاثَ فِينَا : أَفْسَدَ فِينَا .