وقال هؤلاء المشركون من قريش: إن كان هذا القرآن من عند الله حقا, فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين " مكة " أو " الطائف " .
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ↓
أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات: هذا غني وهذا فقير, وهذا قوي وهذا ضعيف ليكون بعضهم سببا لبعض في المعاش ورحمة ربك - يا محمد - بإدخالهم الجنة خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني.
وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ↓
ولولا أن يكون الناس جماعة واحدة على الكفر, لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة وسلالم عليها يصعدون.
وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة, جعلنا لهم سررا عليها يتكئون,
وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ↓
وجعلنا لهم ذهبا, وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا, وهو متاع قليل زائل, ونعيم الآخرة مدخر عند ربك للمتقين ليس لغيرهم.
ومن يعرض عن ذكر الرحمن, وهو القرآن, فلم يخف عقابه, ولم يهتد بهدايته, نجعل له شيطانا في الدنيا يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر الله, فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال, ويبعثه على الحرام.
إن الشياطين ليصدون عن سبيل الحق هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله, فيزينون لهم الضلالة, ويكرهون لهم الإيمان بالله وللعمل بطاعته, ويظن هؤلاء المعرضون بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلال أنهم على الحق والهدى.
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ↓
حتى إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحمن وقرينه من الشياطين للحساب والجزاء, قال المعرض عن ذكر الله لقرينه: وددت أن بيني وبينك بعد ما بين المشرق والمغرب, فبئس القرين لي حيث أغويتني.
ولن ينفعكم اليوم- أيها المعرضون- عن ذكر الله إذ أشركتم في الدنيا أنكم في العذاب مشركون أنتم وقرناؤكم, فلكل واحد نصيبه الأوفر من العذاب, كما أشركم في الكفر.
أفأنت- يا محمد- تسمع من أصمه الله عن سماع الحق, أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى قلبه عن إبصاره, أو تهدي من كان في ضلال عن الحق بين واضح؟ ليس ذلك إليك, إنما عليك البلاغ, وليس عليك هداهم, ولكن الله يهدي من يشاء, ويضل من يشاء.
فإن توفيناك- يا محمد- قبل نصرك على المكذبين من قومك, فإنا منهم منتقمون في الآخرة,
أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب النازل بهم كيوم " بدر " , فإنا عليهم مقتدرون نظهرك عليهم, ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك.
فاستمسك- يا محمد- بما يأمرك به الله في هذا القرآن الذي أوحاه إليك إنك على صراط مستقيم, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام.
وفي هذا تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم, وثناء عليه.
وفي هذا تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم, وثناء عليه.
لأن هذا القرآن لشرف لك ولقومك من قريش حيث أنزل بلغتهم, فهم أفهم الناس له, فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به, وأعملهم بمقتضاه, وسوف تسألون أنت ومن معك عن الشكر لله عليه والعمل به.
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ↓
واسأل- يا محمد- أتباع من أرسلنا من قبلك من رسلنا وحملة شرائعهم: أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع; فإن جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده, لا شريك له, ونهوا عن عبادة ما سوى الله.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ↓
ولقد أرسلنا موسى بحججنا إلى فرعون وأشراف قومه, كما أرسلناك - يا محمد - إلى هؤلاء المشركين من قومك, فقال لهم موسى: إني رسول رب العالمين,
فلما جاءهم بالبينات الواضحات الدالة على صدقه في دعوته, إذا فرعون وملؤه مما جاءهم به موسى من الآيات والعبر يضحكون.
وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ↓
وما نري فرعون وملأه من حجة إلا هي أعظم من التي قبلها, وأدل على صحة ما يدعوهم موسى عليه, وأخذناهم بصنوف العذاب كالجراد والقمل والضفادع والطوفان, وغير ذلك; لعلهم يرجعون عن كفرهم بالله إلى توحيده وطاعته.
وقال فرعون وملؤه لموسى: يا أيها العالم (وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه ولم يكن السحر صفة ذم) ادع لنا ربك بعهده الذي عهد إليك وما خصك به من الفضائل أن يكشف عنا العذاب, فإن كف عنا العذاب فإننا لمهتدون مؤمنون بما جئتنا به.
فلما دعا موسى برفع العذاب عنهم, ورفعناه عنهم إذا هم يغدرون, ويصرون على ضلالهم.
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ↓
ونادى فرعون في عظماء قومه متبجحا مفتخرا بملك " مصر " : أليس لي ملك " مصر " وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون عظمتي وقوتي, وضعف موسى وفقره؟
بل أنا خير من هذا الذي لا عز معه, فهو يمتهن نفسه في حاجاته لضعفه وحقارته, ولا يكاد يبين الكلام لعي لسانه, وقد حمل فرعون على هذا القول الكفر والعناد والصد عن سبيل الله.
فهلا ألقي على موسى- إن كان صادقا أنه رسول رب العالمين- أسورة من ذهب, أو جاء معه الملائكة قد اقترن بعضهم ببعض, فتتابعوا يشهدون له بأنه رسول الله إلينا.
فاستخف فرعون عقول قومه فدعاهم إلى الضلالة, فأطاعوه وكذبوا موسى, إنهم كانوا قوما خارجين عن طاعة الله وصراطه المستقيم.
فلما أغضبونا- بعصياننا, وتكذيب موسى وما جاء به من الآيات- انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجلناه لهم, فأغرقناهم أجمعين في البحر.
فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم في البحر سلفا لمن يعمل مثل عملهم ممن يأتي بعدهم في استحقاق العذاب, وعبرة وعظة للآخرين.
ولما ضرب المشركون عى ابن مريم مثلا حين خاصموا محمدا صلى الله عليه وسلم, وحاجوه بعبادة النصارى إياه, إذا قومك من ذلك ولأجله يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وسرورا, وذلك عندما نزل فيه تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون), وقال المشركون: رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى, فأنزل الله قوله: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون), فالذي يلقى في النار من آلهة المشركين من رضي بعبادتهم إياه.
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ↓
وقال مشركوا قومك- يا محمد-: آلهتنا التي نعبدها خير أم عيسى الذي يعبد قومه؟ فإذا كان عيسى في النار, فلنكن نحن وآلهتنا معه, ما ضربوا لك هذا المثل إلا جدلا, بل هم قوم مخاصمون بالباطل.
ما عيسى ابن مريم إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة, وجعلناه آية وعبرة لبني إسرائيل يستدل بها على قدرتا.
ولو نشاء لجعلنا بدلا منكم ملائكة يخلف بعضهم بعضا بدلا من بني أدم.